الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي التَّهْذِيبِ: إنَّ الْغَيْبَةَ الْقَرِيبَةَ مِثْلُ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ.
وَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فِيمَنْ ادَّعَى عَبْدًا بِيَدِ رَجُلٍ وَذَكَرَ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً قَرِيبَةً مِثْلَ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ، وَسَأَلَ وَضْعَ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِيَذْهَبَ بِهِ إلَى بَيِّنَتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ أَتَى بِشَاهِدٍ أَوْ بِسَمَاعٍ وَادَّعَى شُهُودًا حُضُورًا، وَسَأَلَ إيقَافَ الْعَبْدِ أُوقِفَ الْعَبْدُ لَهُ نَحْوَ الْخَمْسَةِ الْأَيَّامِ وَالْجُمُعَةِ،.
وَقَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ الْأَعْرَجُ: فَانْظُرْ هَلْ هَذَا وِفَاقٌ أَوْ خِلَافٌ. انْتَهَى. وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
فَرْعٌ: وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ رحمه الله: فِيمَنْ قَضَى رَجُلًا دِينَارًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ، وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ شَاهِدَيْنِ، ثُمَّ جَاءَ يَتَقَاضَاهُ الدِّينَارَ فَقَالَ: قَدْ قَضَيْتُك وَأَشْهَدْت عَلَيْك فُلَانًا وَفُلَانًا، فَقَالَ مَا قَبَضْته، فَقَالَ تَحْلِفُ وَأُعْطِيك فَحَلَفَ، فَأَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيْهِ بِالشَّاهِدَيْنِ أَتَرَى لَهُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: أَرَى ذَلِكَ فَلْيَأْتِ بِهِمَا.
[الْبَابُ الرَّابِعَ عَشَرَ فِي الْقَضَاءِ بِقَوْلِ رَجُلٍ بِانْفِرَادِهِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَى ذَلِكَ]
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَيَكْفِي الشَّاهِدُ الْوَاحِدُ فِيمَا يُبْتَدَأُ الْحُكْمُ فِيهِ بِالسُّؤَالِ، وَفِيمَا كَانَ عِلْمًا يُؤَدِّيهِ.
فَرْعٌ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَمَا اُخْتُصِمَ فِيهِ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْعَبْدِ الْمَبِيعِ، وَعُيُوبِ الْإِمَاءِ الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا إلَّا النِّسَاءُ، فَكَانَا قَائِمَيْنِ غَيْرَ فَائِتَيْنِ، فَلِلْحَاكِمِ الَّذِي يَتَوَلَّى الْكَشْفَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنْ يُرْسِلَ بِالْعَبْدِ إلَى مَنْ يَرْتَضِيهِ، أَوْ يَثِقُ بِبَصَرِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِذَلِكَ الْعَيْبِ وَغَوْرِهِ، مِثْلَ: الشِّغَافِ وَالطِّحَالِ وَالْبَرَصِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، فَيَأْخُذُ فِيهِ بِالْمُخْبِرِ الْوَاحِدِ وَبِقَوْلِ الطَّبِيبِ الَّذِي لَيْسَ عَلَى الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى جِهَةِ الشَّهَادَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ عِلْمٌ يَأْخُذُهُ الْحَاكِمُ عَمَّنْ يُبْصِرُهُ وَيَعْرِفُهُ، مَرَضِيًّا كَانَ أَوْ مَسْخُوطًا وَاحِدًا كَانَ أَوْ اثْنَيْنِ.
فَرْعٌ: إذَا كَانَ فَائِتًا بِغَيْبَةٍ أَوْ مَوْتٍ، كَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى سُنَّتِهَا تَحْيَا بِمَا تَحْيَا بِهِ الشَّهَادَاتُ، وَتَضْعُفُ بِمَا يُضْعِفُهَا.
مَسْأَلَةٌ: وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ، وَرُوِيَ فِي الرَّجُلِ يَشْهَدُ لِابْنِهِ بِحَقٍّ، فَيَدْفَعُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الْمَالَ إلَى الِابْنِ شَهَادَةُ الْأَبِ بِغَيْرِ حُكْمٍ مِنْ سُلْطَانٍ.
وَفِي الرَّجُلِ يَقُومُ لَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَلَى حَقِّهِ، فَيَدْفَعُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الْحَقَّ إلَى الْمَشْهُودِ لَهُ.
وَفِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ، فَتَدَّعِي حَمْلًا وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ، فَيُنْفِقُ عَلَيْهَا ثُمَّ يَنْفُشُ الْحَمْلُ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ أَصْلٌ وَاحِدٌ، لَا رُجُوعَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ مِمَّا دَفَعُوهُ، وَلَيْسَ يَنْفَعُهُمْ قَوْلُهُمْ ظَنَنَّا أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُنَا، وَقَدْ أُمْضِيَ الْحَقُّ لِمَنْ أَخَذَهُ وَلَوْ شَاءُوا تَثَبَّتُوا قَبْلَ الدَّفْعِ، وَهَذِهِ الشَّهَادَةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُفِعَتْ إلَى الْحَاكِمِ ابْتِدَاءً، فَإِنَّهُ يُمْضِي مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ إذَا وَقَعَ التَّحَاكُمُ عِنْدَهُ، اُنْظُرْهَا فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ فِي رَسْمِ تَقْيِيدِ عَدَاوَةٍ لِتَكُونَ عِنْدَهُ.
مَسْأَلَةٌ: وَفِي التَّهْذِيبِ فِيمَنْ أَوْدَعْتَهُ وَدِيعَةً فَاسْتَهْلَكَهَا ابْنُهُ الصَّغِيرُ، فَذَلِكَ فِي مَالِ الِابْنِ وَفِي طُرَرِ التَّهْذِيبِ لِأَبِي الْحَسَنِ الطَّنْجِيِّ، عَمَّا قَيَّدَهُ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ، قَالَ: وَظَاهِرُ هَذَا سَوَاءٌ ثَبَتَ اسْتِهْلَاكُهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِشَهَادَةِ الْأَبِ، وَيُصَدَّقُ الْأَبُ وَهِيَ شَهَادَةٌ وَلَيْسَ هَذَا إقْرَارًا، إنَّمَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ فِيمَا وَلِيَ مِنْ الْمُعَامَلَات عَلَيْهِ وَالْوَصِيِّ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَمِنْ ذَلِكَ شَهَادَةُ الْقَايِسِ لِلْجِرَاحِ، إذَا كَانَ الْحَاكِمُ يَأْمُرُهُ أَنْ يَنْظُرَ الشَّجَّةَ وَالْجِرَاحَ مَا هِيَ وَمَا غَوْرُهَا وَمَا اسْمُهَا وَقِيَاسُهَا، كَاَلَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَمْرِ الطَّبِيبِ، وَمَا أَشْبَهَهُ، فَيُقْبَلُ فِي ذَلِكَ وَحْدَهُ، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُنَصِّبَ لِهَذَا مِنْ أُمُورِ النَّاسِ عَدْلًا، وَإِنْ لَمْ يُنَصِّبْ لِذَلِكَ أَحَدًا بِعَيْنِهِ، اكْتَفَى بِأَنْ يُرْسِلَ الْمَجْرُوحَ إلَى مَنْ ارْتَضَاهُ وَوَثِقَ بِرَأْيِهِ وَبَصَرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا طَبِيبًا مِثْلَ الْعُيُوبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الشَّهَادَةِ.
تَنْبِيهٌ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ السُّلْطَانُ فِي أَوَّلِ ذَلِكَ أَمَرَ بِقِيَاسِهِ، وَإِنَّمَا جَاءَ هَذَا يَطْلُبُ عَقْلَ مَا قَدْ مَضَى وَبَرِئَ وَصَحَّ، لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَدْعُوَهُ بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ عَلَى أَنْ يَجْلِبَهُ مَا كَانَ حِينَئِذٍ.
مَسْأَلَةٌ: الْمُوَجَّهُ مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي لِلْحِيَازَةِ يُجْزِئُ فِيهِ وَاحِدٌ عَدْلٌ، وَكَذَلِكَ الْمُوَجَّهُ مِنْ قِبَلِهِ لِلْإِعْذَارِ وَيُجْزِئُ فِيهِ الْوَاحِدُ الْعَدْلُ مِنْ الطُّرَرِ.
مَسْأَلَةٌ: وَفِي بَقْرِ بَطْنِ الْمَيِّتِ عَلَى الْمَالِ، قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي الْمَذْهَبِ: إنَّمَا يَبْقُرُ عَنْ الْمَالِ إذَا ثَبَتَ بِعَدْلَيْنِ، فَإِنْ شَهِدَ بِهِ عَدْلٌ، فَأَجْرَاهُ أَبُو عِمْرَانَ الْفَاسِيُّ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْقِصَاصِ فِي الْجِرَاحِ بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ.
مَسْأَلَةٌ: إذَا ادَّعَى عَلَى إنْسَانٍ أَنَّهُ تَخَلَّفَ فِي الْجِهَادِ عَنْ الْجَيْشِ، وَأَرَادَ مَنَعَهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ، وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا شَهِدَ عَلَيْهِ الْأَمِيرُ بِنَفْسِهِ، فَفِي الْعَمَلِ بِشَهَادَتِهِ عَلَيْهِ قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي الْحَاكِمِ، هَلْ يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ أَوْ لَا مِنْ الْمَذْهَبِ.
مَسْأَلَةٌ: إذَا دَخَلَ الزَّوْجُ بِزَوْجَتِهِ قَبْلَ الْإِشْهَادِ فُسِخَ بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُحَدَّانِ إنْ ثَبَتَ الْوَطْءُ مَا لَمْ يَكُنْ فَاشِيًا، ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَالْمُشَاهَدُ الْوَاحِدُ لَهُمَا بِالنِّكَاحِ أَوْ بِابْتِنَائِهِمَا بِاسْمِ النِّكَاحِ، وَذَكَرَهُ كَالْأَمْرِ الْفَاشِي يَعْنِي فَيَسْقُطُ عَنْهُمَا الْحَدُّ بِشَهَادَتِهِ.
مَسْأَلَةٌ: وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ لِغَرِيمِهِ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ، لَيَقْضِيَنَّهُ عِنْدَ الْهِلَالِ فَيَقْضِيهِ قَبْلَ الْهِلَالِ، فَتَقُومُ امْرَأَتُهُ تُرِيدُ فِرَاقَهُ وَتَدَّعِي عَدَمَ الْقَضَاءِ فَيَقُومُ لِلْحَالِفِ شَاهِدٌ مَعَ الْغَرِيمِ فَيَشْهَدَانِ أَنَّهُ قَضَاهُ قَبْلَ الْهِلَالِ، فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ، وَلَوْ لَمْ يَشْهَدْ إلَّا الْغَرِيمُ وَحْدَهُ، فَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْحِنْثِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: أَرَى ذَلِكَ مُخْرِجًا لَهُ مِنْ الْحِنْثِ إنْ كَانَ مَأْمُونًا.
مَسْأَلَةٌ: وَكَذَا الْقَاسِمُ إذَا أَرْسَلَهُ الْحَاكِمُ لِقَسْمِ شَيْءٍ بَيْنَ أَهْلِهِ، وَوَثِقَ بِهِ وَنَصَّبَهُ لَهُ، فَجَائِزٌ لِلْحَاكِمِ قَبُولُ ذَلِكَ مِنْهُ وَحْدَهُ وَالْإِشْهَادُ عَلَيْهِ لِأَهْلِهِ إذَا رَآهُ صَوَابًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى جِهَةِ الشَّهَادَةِ.
مَسْأَلَةٌ: وَالْمُحَلِّفُ أَيْضًا مِنْ هَذَا الْبَابِ إذَا أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِإِحْلَافِ أَحَدٍ، فَقَوْلُهُ فِي ذَلِكَ مَقْبُولٌ إذَا أَنْكَرَ الطَّالِبُ ذَلِكَ.
مَسْأَلَةٌ: وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ كَاتِبِ الْقَاضِي وَحْدَهُ، عَلَى مَا كَتَبَ بِأَمْرِهِ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَلَوْ شَهِدَ كَاتِبُ الْقَاضِي عَلَى كِتَابَةِ شَهَادَةِ رَجُلٍ قَدْ مَاتَ أَوْ غَابَ، وَالْقَاضِي لَا يَحْفَظُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِإِيقَاعِهَا، وَلَا أَنَّهُ شَهِدَ بِهَا عِنْدَهُ، لَمْ يَكْتَفِ فِي هَذَا بِالْكِتَابِ وَحْدَهُ وَكَانَ بِمَقَامِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ الشَّاهِدُ اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُخْلِصُ شَهَادَتَهُ وَلَا تَتِمُّ لِمَنْ جَاءَ
بِهَا لَا بِإِيقَاعِهَا، فَلَا يَعْدُو أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا عَلَى شَاهِدٍ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ آخَرُ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدٍ حَيٍّ وَإِلَّا لَمْ يَحْيَى، قَالَ فَضْلٌ: مَعْنَاهُ عِنْدِي عَلَى أَنَّ الْكِتَابَ لَمْ يَكُنْ فِي دِيوَانِ الْقَاضِي، وَقَدْ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُجِيزَ شَهَادَاتٍ وَجَدَهَا فِي دِيوَانِهِ لَا يَعْرِفُهَا إلَّا بِطَوَابِعِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ بِخَطِّ يَدِهِ أَوْ خَطِّ كَاتِبِهِ، وَكَانَ عِنْدَهُ مَأْمُونًا فَلْيُنَفِّذْهَا.
مَسْأَلَةٌ: وَيَكْفِي عِنْدَ أَشْهَبَ فِي ثُبُوتِ الْخُلْطَةِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ.
مَسْأَلَةٌ: وَكَذَلِكَ اللَّوْثُ يَكْفِي فِيهِ الشَّاهِدُ الْعَدْلُ، وَعِنْدَ أَشْهَبَ يَكْفِي فِيهِ الشَّاهِدُ غَيْرُ الْمُعَدَّلِ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ.
مَسْأَلَةٌ: وَكَذَلِكَ الِاكْتِفَاءُ بِقَوْلِ وَاحِدٍ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ، قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ إخْبَارٌ، وَالْخَبَرُ يُكْتَفَى فِيهِ بِالْوَاحِدِ وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَئُولُ إلَى الْحُكْمِ، وَالْحُكْمُ لَا يَكُونُ إلَّا بِاثْنَيْنِ.
مَسْأَلَةٌ: وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ بِقَوْلِ الْكَاشِفِ الَّذِي يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَتَّخِذَهُ يُخْبِرُهُ بِمَا تَقُولُ النَّاسُ فِي أَحْكَامِهِ وَسِيرَتِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ.
مَسْأَلَةٌ: إذَا تَنَازَعَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي الْعَيْبِ الْخَفِيِّ أَوْ فِي قَدِمَ الْعَيْبِ، وَكَانَ الْعَيْبُ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ، كَالْأَمْرَاضِ الَّتِي تَحْدُثُ بِالنَّاسِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ، فَإِنْ وُجِدُوا وَإِلَّا قُبِلَ غَيْرُهُمْ، وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مُسْلِمِينَ. قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَالْوَاحِدُ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَافٍ، وَالِاثْنَيْنِ أَوْلَى إذْ طَرِيقُ ذَلِكَ الْخَبَرُ لَا الشَّهَادَةُ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْمُولُ بِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُرَدُّ مِنْ الْعُيُوبِ إلَّا مَا اجْتَمَعَ فِيهِ عَدْلَانِ مِنْ أَهْلِ الْبَصَرِ وَالْمَعْرِفَةِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إنْ كَانَ الْعَبْدُ الْمَعِيبُ حَيًّا حَاضِرًا، فَيَجُوزُ فِيهِ قَوْلُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا أَوْ غَائِبًا فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِاثْنَيْنِ عَدْلَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا وَهَذَا أَبْيَنُ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: وَهَذَا كُلُّهُ إنْ كَانَ الْقَاضِي أَرْسَلَهُمْ لِيَقِفُوا عَلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمُبْتَاعُ أَوْقَفَ عَلَيْهِ مِنْ ذَاتِ نَفْسِهِ، فَلَا يَثْبُتُ بِاتِّفَاقٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، إلَّا بِعَدْلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ.
مَسْأَلَةٌ: وَكَذَا إذَا شَهِدَ شَاهِدٌ بِمَا دُونَ الْقَذْفِ مِنْ الشَّتْمِ، فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَحْلِفُ مَعَهُ لَكِنْ يُعَزَّرُ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّفَهِ، فَأَثْبَتَ التَّعْزِيرَ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ مَعَ قَرِينَةِ السَّفَهِ.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَحْلِفُ الْمَشْتُومُ مَعَهُ، وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا.
وَقَالَ أَبُو مُصْعَبٍ: يُحْبَسُ الشَّاتِمُ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الثَّانِي فِي الْقَضَاءِ بِشَاهِدَيْنِ، أَنَّ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ تَحْدُثُ بِشَهَادَتِهِ أَحْكَامٌ ذَكَرْنَا هُنَاكَ بَعْضَهَا، وَهِيَ كَثِيرَةٌ جِدًّا لِمَنْ تَتَبَّعَهَا.
فَرْعُ: قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ: أَمَّا شَهَادَةُ الْوَاحِدِ وَاللَّفِيفِ مِنْ النَّاسِ، أَنَّ رَجُلًا سَبَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَيَدْرَأُ عَنْهُ الْقَتْلَ وَيَجْتَهِدُ فِي أَدَبِهِ بِقَدْرِ شُهْرَةِ حَالِهِ، وَقُوَّةِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ وَضَعْفِهَا وَكَثْرَةِ السَّمَاعِ عَنْهُ.
فَرْعٌ: وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَلَى قَتْلِ الْغِيلَةِ، وَلَمْ يَجِدْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مَدْفَعًا فِي الشَّاهِدِ، فَاَلَّذِي أَجَابَ بِهِ الْفُقَهَاءُ وَشُيُوخُ الْمَذْهَبِ الْمُتَأَخِّرُونَ: بِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافًا، وَاَلَّذِي نَأْخُذُ بِهِ وَنَخْتَارُهُ، أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ، وَلَكِنْ إنْ أَخَذْت بِمَا قُلْنَاهُ، فَإِنَّهُ يُضْرَبُ مِائَةً وَيُسْجَنُ عَامًا مِنْ تَارِيخِ الضَّرْبِ، وَتُرْجَأُ الْحُجَّةُ لِلدَّمِ، وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ تَدَّعِي الْعِتْقَ فَيُنْكِرُ سَيِّدُهَا فَتُقِيمُ شَاهِدًا عَدْلًا بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ الْيَمِينُ، وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ فِي الرَّجُلِ يُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ بَاعَ أَصْلًا، أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ إلَّا بِشَاهِدٍ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تَدَّعِي أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا، فَلَا تَتَوَجَّهُ لَهَا عَلَيْهِ يَمِينٌ إلَّا بِشَاهِدٍ عَدْلٍ، وَكَذَلِكَ الْمَالُ يُوقَفُ لِلْمُدَّعِيَةِ بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَتَتَبُّعُ ذَلِكَ يَطُولُ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ ابْنُ دِينَارٍ: إذَا تَنَازَعَ رَجُلَانِ فِي شَيْءٍ، كُلُّ وَاحِدٍ يَظُنُّهُ لِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ يَقِينٍ كَالشَّيْءِ يَكُونُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ، فَيَسْأَلَانِ الرَّجُلَ يَفْزَعَانِ إلَيْهِ فِي عِلْمِهِ فَيَشْهَدُ أَنَّهُ لِأَحَدِهِمَا فَذَلِكَ جَائِزٌ وَيَلْزَمُهُمَا، وَلَا تُشْبِهُ هَذِهِ مَسْأَلَةَ الرَّجُلَيْنِ يَتَدَاعَيَانِ الشَّيْءَ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: قَدْ رَضِيتُ بِشَهَادَةِ فُلَانٍ بَيْنِي وَبَيْنَك، فَيَشْهَدُ الرَّجُلُ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَيَقُولُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: ظَنَنْت أَنَّك تَقُولُ الْحَقَّ الَّذِي تَعْلَمُ أَنَّهُ الْحَقُّ، فَأَمَّا إذَا شَهِدْت عَلَى غَيْرِ الْحَقِّ فَلَا أَرْضَى بِذَلِكَ، فَذَلِكَ لَهُ وَالشَّهَادَةُ غَيْرُ جَائِزَةٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى لَيْسَ مَعَ أَحَدِهِمَا يَقِينٌ فِي دَعْوَى الْمِلْكِ، وَقَدْ رَضِيَا بِعِلْمِ
الرَّجُلِ وَشَهَادَتِهِ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ يَدَّعِي تَحْقِيقَ مِلْكِهِ لِلشَّيْءِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فِيهِ فَافْتَرَقَا، وَوَافَقَ ابْنُ دِينَارٍ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ وَابْنِ كِنَانَةَ، وَخَالَفَهُمْ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي ذَلِكَ.
وَقَالَ: لَا تَنْفُذُ شَهَادَتُهُ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ الرُّجُوعَ، مَا لَمْ يَحْكُمْ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ، فَإِذَا حَكَمَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ.
وَقَالَ مُطَرِّفٌ: فِي الْوَاضِحَةِ لِلَّذِي رَضِيَ الرُّجُوعُ مَا لَمْ يَشْهَدْ الشَّاهِدُ، فَإِذَا شَهِدَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا؛ لِأَنَّهُ كَالْإِقْرَارِ مِنْهُ بِمَا قَالَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ التَّشْكِيكِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ فُلَانٌ يَعْرِفُ هَذَا وَيَشْهَدُ بِهِ، فَيَقُولُ الْآخَرُ اشْهَدُوا إنْ قَالَهُ فُلَانٌ فَقَدْ رَضِيتُ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَقُولُ مَا ظَنَنْته أَنْ يَقُولَ هَذَا، فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ، وَلَيْسَ هَذَا مِثْلَ نُفُورِهِمَا إلَيْهِ لِأَجْلِ عِلْمِهِ بِالْمَشْهُودِ فِيهِ، فَذَلِكَ يَلْزَمُهُ.
مَسْأَلَةٌ: وَمِنْ ذَلِكَ إذَا قَالَ الْإِمَامُ فِي الْجِهَادِ: مَنْ فَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ، إذَا كَانَتْ لَهُ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ، فَإِذَا شَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِهِ، قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ: وَعِنْدِي أَنَّهُ يُجْزِئُ فِي قَبُولِ ذَلِكَ الشَّاهِدُ الْوَاحِدُ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَفَعَ السَّلَبَ إلَى أَبِي قَتَادَةَ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يُحْلِفْهُ» ، وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ لَا مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَلَا يَجُوزُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تَتَنَاوَلْ الْمَالَ، وَإِنَّمَا تَتَنَاوَلُ الْقَتْلَ، وَهُوَ حُكْمٌ فِي الْبَدَنِ لَا يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ الْوَاحِدِ.
مَسْأَلَةٌ: وَمِنْ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ. وَعِنْدَ مَالِكٍ رحمه الله: يُقْبَلُ قَوْلُ التَّاجِرِ فِي قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ، إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْقِيمَةِ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ. مِثَالُ الْقِيمَةِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا حَدٌّ، كَتَقْوِيمِ الْعَرَضِ الْمَسْرُوقِ، هَلْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ إلَى النِّصَابُ أَمْ لَا؟ فَهَاهُنَا لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ حُصُولُ ثَلَاثَةِ أَشْبَاهٍ، شَبَهُ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ إلْزَامٌ لِمُعَيِّنٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَشَبَهُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمُقَوِّمَ مُتَصَدٍّ لِجَمِيعِ النَّاسِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ كَذَلِكَ، وَشَبَهُ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ يَنْفُذُ فِي الْقِيمَةِ وَالْحَاكِمُ يُنْفِذُهُ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِإِخْبَارِهِ حَدٌّ تَعَيَّنَ مُرَاعَاةُ الشَّهَادَةِ.
مَسْأَلَةٌ: وَكَذَلِكَ يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَائِفِ الْعَدْلِ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِم وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ، قَالَ سَحْنُونٌ: لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ نَسَبٌ، وَيُكْتَبُ بِهِ إلَى الْبُلْدَانِ وَيُنْتَظَرُ أَبَدًا حَتَّى يُضَمَّ إلَيْهِ آخَرُ، قَالَ الْبَاجِيُّ: وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَيُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ، قَالَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ شَهَادَةٌ، وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ أَوْ الرِّوَايَةِ؟ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُمَا، بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْحُكْمِ بِالْأَمَارَاتِ، وَبِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ.
مَسْأَلَةٌ: وَكَذَلِكَ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُقَوِّمِ لِأَرْشِ الْجِنَايَةِ.
مَسْأَلَةٌ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْخَارِصِ الْوَاحِدِ فِيمَا يَخْرُصُهُ عِنْدَ مَالِكٍ رحمه الله.
فَصْلٌ: ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيُّ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ، تَعْلِيقَهُ الْخِلَافَ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي يُقْبَلُ فِيهَا قَوْلُ الْوَاحِدِ، وَتَبِعَهُ الْقَرَافِيُّ فِي الْقَوَاعِدِ وَزَادَ عَلَيْهِ مَسَائِلَ ذَكَرْتهَا اسْتِطْرَادًا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا لَا مَدْخَلَ لِلْحُكْمِ فِيهِ.
مَسْأَلَةٌ: يُقْبَلُ قَوْلُ الرَّاوِي فِيمَا يَرْوِيهِ.
مَسْأَلَةٌ: وَكَذَلِكَ يُقْبَلُ عِنْدَ مَالِكٍ قَوْلُ الطَّبِيبِ فِيمَا يَدَّعِيهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ الطَّبِيبِ فِي قِيَاسِ الْجِرَاحِ وَتَسْمِيَتِهَا.
مَسْأَلَةٌ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَلَّاحِ فِي الْقِبْلَةِ إذَا خَفِيَتْ أَدِلَّتُهَا، وَكَانَ عَدْلًا دَرِيًّا فِي السَّيْرِ فِي الْبَحْرِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ كَانَتْ صِنَاعَتُهُ فِي الصَّحْرَاءِ وَهُوَ عَدْلٌ.
مَسْأَلَةٌ: وَكَذَلِكَ يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ تَقْلِيدُ الْأُنْثَى وَالصَّبِيِّ وَالْكَافِرِ وَالْعَبْدِ وَالْوَاحِدِ فِي الْهَدِيَّةِ أَوْ الِاسْتِئْذَانِ.
مَسْأَلَةٌ: وَكَذَلِكَ يُقَلَّدُ الْقَصَّابُ فِي الذَّكَاةِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا، وَمَنْ مِثْلُهُ يَذْبَحُ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ أَنَّهُ ذَكَّى وَلَيْسَ عَلَيْهِ
اسْتِعْلَامُهُ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ وَلَا الرِّوَايَةِ، بَلْ مِنْ بَابِ الْقَاعِدَةِ الشَّرْعِيَّةِ، أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُؤْتَمَنٌ عَلَى مَا يَدَّعِي أَنَّهُ مِلْكُهُ أَوْ مُبَاحٌ لَهُ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ أَفْسَقَ النَّاسِ مِنْ الْقَوَاعِدِ وَمِنْ تَعْلِيقِهِ الْخِلَافَ لِلطُّرْطُوشِيِّ.
مَسْأَلَةٌ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْعَامِّيِّ فِي تَرْجَمَةِ الْفَتْوَى، بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ أَوْ الْعَجَمِيِّ، وَفِي قِرَاءَتِهَا أَيْضًا.
فَرْعٌ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيُّ: يُقَلَّدُ الْوَاحِدُ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ إنْ أَرَادَ بِهِ عِلْمَ التَّارِيخِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ وَيَجِبُ أَنْ يُقْبَلَ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ فَرْضٌ مِثْلَ صَوْمِ رَمَضَانَ أَوْ الْفِطْرِ مِنْهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ عَدْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ إذَا أَخْبَرَ رَجُلٌ رَجُلًا أَنَّ هَذَا الثَّوْبَ وَقَعَ فِيهِ بَوْلٌ، لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ حَتَّى يُخْبِرَ بِتَعْيِينِ الْبَوْلِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ بَوْلَ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ.
فَرْعٌ: وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، حَتَّى يُخْبِرَ بِتَعْيِينِ النَّجَاسَةِ وَالتَّعْلِيلِ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْفَرْعِ قَبْلَ هَذَا.
فَرْعٌ: فَلَوْ كَانَ الْمُخْبِرُ أَعْمَى قُبِلَ خَبَرَهُ، كَمَا يُقْبَلُ خَبَرُ الْبَصِيرِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ ذَلِكَ قَطْعًا، أَوْ أَخْبَرَهُ بِهِ بَصِيرٌ.
فَرْعٌ: إذَا أَخْبَرَ أَعْمَى أَعْمَى: أَنَّ هَذَا الْمَاءَ وَقَعَ فِيهِ بَوْلٌ وَتَغَيَّرَ قَبِلَ خَبَرَهُ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَعْلَمَ ذَلِكَ قَطْعًا بِإِخْبَارِ بَصِيرٍ لَهُ بِذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ لَهُ: هَذَا الْمَاءُ نَجِسٌ، لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ حَتَّى يُبَيِّنَ بِأَيِّ شَيْءٍ تَنَجَّسَ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ سُؤْرَ الْكَلْبِ، أَوْ أَسْآرَ السِّبَاعِ أَوْ أَبْوَالَ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ نَجِسَةٌ، وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُخْبِرُ مُبْصِرًا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ عِنْدَهُ لَا يَنْجُسُ بِحُلُولِ النَّجَاسَةِ فِيهِ إلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ.
فَرْعٌ: إذَا أَخْبَرَك رَجُلٌ أَنَّ هَذَا الثَّوْبَ أَصَابَهُ بَوْلٌ دُونَ هَذَا الثَّوْبِ، وَقَالَ لَك رَجُلٌ آخَرُ بَلْ أَصَابَتْ النَّجَاسَةُ هَذَا الثَّوْبَ الْآخَرَ دُونَ الْأَوَّلِ لَمْ يُصَلِّ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ صِدْقَ الْجَمِيعِ مُمْكِنٌ.
فَرْعٌ: إذَا وَجَبَ عَلَى أَهْلِ الْقَافِلَةِ طَلَبُ الْمَاءِ، فَأَرْسَلُوا وَاحِدًا مِنْهُمْ إلَى صَوْبِ الطَّلَبِ، فَرَجَعَ وَقَالَ: لَمْ أَجِدْ شَيْئًا، قُبِلَ خَبَرُهُ وَجَازَ لَهُمْ التَّيَمُّمُ.
فَرْعٌ: وَإِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ، وَأَمَرَ بِالصِّيَامِ فَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مُيَسَّرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، إذَا نَقَلَهُ إلَيْهِ عَدْلٌ أَوْ نَقَلَهُ وَاحِدٌ إلَى أَهْلِ بَلَدٍ آخَرَ لَزِمَهُمْ الصَّوْمُ، وَيَكُونُ مِنْ بَابِ قَبُولِ خَبَرِ الْعَدْلِ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ: كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ يَنْقُلُ إلَى أَهْلِهِ وَابْنَتِهِ الْبِكْرِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَيَلْزَمُهُمْ تَبْيِيتُ الصِّيَامِ بِقَوْلِهِ، فَيَكُونُ أَصْلُ ثُبُوتِهِ طَرِيقَةَ الشَّهَادَةِ لِعُذْرِ رُؤْيَةِ الْجَمِيعِ لَهُ.
فَرْعٌ: أَمَّا لَوْ كَانَ بِمَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ مَنْ يَتَفَقَّدُ أَمْرَ النَّاسِ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: يَنْبَغِي أَنْ يُرَاعِيَ ذَلِكَ وَيَتَفَقَّدَ، فَمَنْ ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُ بِرُؤْيَةِ نَفْسِهِ أَوْ بِرُؤْيَةِ مَنْ يَثِقُ بِهِ، صَامَ لِذَلِكَ وَأَفْطَرَ، وَيُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ ثُبُوتُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ عَادَ إلَى أَصْلِهِ فِي ثُبُوتِهِ بِالْخَبَرِ.
فَرْعٌ: إذَا ثَبَتَ الْهِلَالُ بِالشَّهَادَةِ أَوْ بِالرُّؤْيَةِ الْمُسْتَفِيضَةِ، فَنَقَلَهُ نَاقِلٌ إلَى بَلَدٍ آخَرَ أَوْ إلَى أَهْلِهِ، هَلْ يَجُوزُ فِي ذَلِكَ النَّاقِلِ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً؟ فَهَذَا أَيْضًا فِي مَسْأَلَةِ التَّرْجَمَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفًا يَقُولَانِ: إنَّهُ يُجْزِئُ مُتَرْجِمٌ وَاحِدٌ، وَالِاثْنَانِ أَحَبُّ إلَيْنَا، وَتُجْزِئُ فِيهِ الْمَرْأَةُ الْوَاحِدَةُ إذَا كَانَ مِمَّا يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ، وَمَنَعَ سَحْنُونٌ مِنْ تَرْجَمَةِ النِّسَاءِ وَالرَّجُلِ الْوَاحِدِ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ ذَلِكَ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ الْبَاجِيُّ: إذَا كَانَ عِنْدَ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ، فَيَجِبُ أَنْ يُقْبَلَ فِيهِ قَوْلُ الْمَرْأَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَيَجِبُ أَيْضًا أَنْ يُقْبَلَ فِيهِ قَوْلِ الْعَبْدِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيُّ: وَالدَّلِيلُ عَلَى قَوْلِ الْبَاجِيِّ وَتَخْرِيجِهِ، أَنَّهُ يُقْبَلُ مِنْ الْمَرْأَةِ الْخَبَرُ وَالْفُتْيَا.
فَرْعٌ: قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَاتِ: يَجُوزُ قَبُولُ الْمُعَرَّفِ بِالْمَرْأَةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا.
فَرْعٌ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَصَّارِ: يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْقَاسِمِ إذَا قَسَمَ شَيْئًا بَيْنَ اثْنَيْنِ عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ، كَمَا يُقَلَّدُ الْمُقَوِّمُ لِأَرْشِ الْجِنَايَاتِ؛ لِمَعْرِفَتِهِ بِذَلِكَ.
وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ يَجِبُ أَنْ يَكُونَا اثْنَيْنِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَاسِمِ فِيمَا قَسَمَ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ يَشْهَدُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ أَرْسَلَهُمَا فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ هَذَا، وَهَذَا أَتَمُّ فَائِدَةً، وَيُوَضِّحُ حُكْمَ الْقَاسِمِ بِنَفْسِهِ بِغَيْرِ إرْسَالِ حَاكِمٍ، وَالْفَرْعُ السَّابِقُ هُوَ الْقَاسِمُ الَّذِي نَصَبَهُ الْحَاكِمُ، قَالَ الْقَرَافِيُّ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْحُكْمِ أَوْ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ أَوْ الشَّهَادَةِ؟ وَالْأَظْهَرُ شَبَهُ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ اسْتَنَابَهُ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا.
فَرْعٌ: قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمُفْتِي الْوَاحِدِ، إذَا كَانَ عَدْلًا بَالِغًا سَوَاءٌ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً، وَيَجُوزُ أَنْ تُقَلِّدَ رَسُولَك إلَيْهِ إذَا كَانَ ثِقَةً، وَكَذَلِكَ إذَا كَتَبَ الْمُفْتِي خَطَّهُ فِي رُقْعَةٍ لِلْمُسْتَفْتِي، جَازَ الْعَمَلُ بِالْخَطِّ إنْ كَانَ الرَّسُولُ ثِقَةً، فَإِنْ عَرَفَ الْمُسْتَفْتِي خَطَّهُ وَكَانَ الرَّسُولُ غَيْرَ ثِقَةٍ فَفِيهِ نَظَرٌ، وَوَجْهُ هَذَا مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ مَعَ ضَرُورَةِ النَّاسِ إلَى ذَلِكَ، وَكَانَتْ الْخَوَاتِمُ تَجُوزُ عَلَى كُتُبِ الْقُضَاةِ، حَتَّى أُحْدِثَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي لِأَجْلِ حُدُوثِ التُّهْمَةِ عَلَى خَاتَمِ الْقَاضِي، وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ الشَّهَادَةَ عَلَى ذَلِكَ هَارُونُ الرَّشِيدِ، وَقِيلَ: أَبُوهُ الْمَهْدِيُّ، قَالَهُ ابْنُ شَعْبَانَ فِي الزَّاهِي.
فَرْعٌ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: إذَا كَانَ الْكِتَابُ مُتَرْجَمًا بِاسْمِ صَاحِبِهِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ رُسُومُ الْمُسْلِمِينَ، مِثْلَ: مُوَطَّأِ مَالِكٍ، وَمُدَوَّنَةِ سَحْنُونٍ، وَكِتَابِ الثَّوْرِيِّ، وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ فِي شَيْءٍ تَجِدُهُ فِيهِ قَالَ فُلَانٌ؟ . قَالَ: فَإِنْ كَانَ مِنْ الْكُتُبِ الَّتِي قَدْ انْتَشَرَ ذِكْرُهَا مِثْلَ: مُوَطَّأِ مَالِكٍ، وَجَامِعِ سُفْيَانَ وَأَمْثَالِهِمَا، جَازَ أَنْ يُعْزَى ذَلِكَ إلَى الْمُتَرْجَمِ عَنْهُ، إذَا كَانَ الْكِتَابُ صَحِيحًا مَقْرُوءًا عَلَى الْعُلَمَاءِ مُعَارِضًا بِكُتُبِهِمْ، فَأَمَّا إنْ كَانَ مِنْ الْكُتُبِ الَّتِي لَمْ تَنْتَشِرْ، لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ حَتَّى يَرْوِيَهُ عَنْ الثِّقَاتِ مَوْصُولًا إلَى الْمُتَرْجَمِ عَنْهُ.
فَرْعٌ: إذَا أَخْبَرَهُ بِعَدَدِ مَا صَلَّى عَدْلٌ فَهَلْ يَكْتَفِي بِهِ؟ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ خِلَافٌ.
فَرْعٌ: وَالْمُؤَذِّنُ يَكْفِي إخْبَارُهُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ، إذَا كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا عَالِمًا بِالْأَوْقَاتِ مُسْلِمًا ذَكَرًا، وَيُعْتَمَدُ عَلَى قَوْلِهِ.
فَرْعٌ: يَجُوزُ الْحُكْمُ بِقَوْلِ التُّرْجُمَانِ، قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا اخْتَصَمَ إلَى الْقَاضِي مَنْ لَا يَتَكَلَّمُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَا يُفْهَمُ عَنْهُ، فَلْيُتَرْجِمْ عَنْهُ رَجُلٌ ثِقَةٌ مُسْلِمٌ مَأْمُونٌ فَيُخْبِرُهُ، وَاثْنَانِ أَحَبُّ إلَيْنَا، وَلَا تُقْبَلُ تَرْجَمَةُ كَافِرٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ مَسْخُوطٍ، وَفِي قَبُولِ تَرْجَمَةِ الْمَرْأَةِ الْعَدْلِ قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ أَوْ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ؟ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَذَلِكَ إذَا لَمْ يَجِدْ مِنْ الرِّجَالِ مَنْ يُتَرْجِمُ لَهُ، وَكَانَ مِمَّا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَرْجَمَةِ الْفَتْوَى وَالْخُطُوطِ بَعْضُ هَذَا، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي قَوْلِهِمْ: لَا يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ أَهْلُ الْكُفْرِ وَلَا الْعَبِيدُ وَلَا الْمَسْخُوطُونَ. قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: يُرِيدُ مَعَ وُجُودِ عَدْلٍ وَلَوْ اُضْطُرَّ إلَى تَرْجَمَةِ أَحَدِهِمْ عَمِلَ بِقَوْلِهِ، كَالْحُكْمِ بِقَوْلِ الطَّبِيبِ النَّصْرَانِيِّ فِيمَا يُضْطَرُّ إلَيْهِ فِيهِ.
فَرْعٌ: لَا تُقْبَلُ تَرْجَمَةُ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ عَلَى الَّذِي يُتَرْجِمُ عَنْهُ؛ لِمَا يُتَّهَمُ بِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ الْخَصْمِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ.
فَرْعٌ: وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ بَطَّالٍ عَنْ سَحْنُونٍ: لَا بَأْسَ أَنْ تُقْبَلَ تَرْجَمَةُ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ مِمَّنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ اللِّسَانُ مُرَادَ غَيْرِهِ إذَا كَانَا مِمَّنْ تَكَلَّمَا بِهَا وَأَحْكَمَاهَا وَسَكَنَا بَيْنَ أَهْلِهَا، حَتَّى عَرَفَا تَصَارِيفَ كَلَامِهِمْ وَمَعَانِيَهُ، وَلَمْ يَخَفْ عَلَيْهِمَا وَلَمْ يَخَافَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا الْغَلَطَ فِي ذَلِكَ، فَيُقَلِّدُهُمَا الْحَاكِمُ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَا عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا.
فَرْعٌ: وَيَكْتَفِي الْقَاضِي بِقَوْلِ أَمِينِهِ فِي التَّزْكِيَةِ، وَيُعَوِّلُ عَلَى قَوْلِهِ فِي تَعْدِيلِ مَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا ثِقَةً عَالِمًا بِوَجْهِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا.