الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى الطَّلَاقِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَآخَرَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، فَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ بِمَكَّةَ فِي رَمَضَانَ، وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِمِصْرَ فِي شَهْرِ صَفَرٍ، ضُمَّتْ الشَّهَادَتَانِ وَطَلُقَتْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ وَجْهِ الْإِقْرَارِ وَكَذَا الْمُعْتِقُ.
فَرْعٌ: وَتُلَفَّقُ الْأَفْعَالُ إذَا كَانَتْ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَزْمِنَتُهَا، كَالشَّهَادَةِ عَلَى الْحَالِفِ بِمَكَّةَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَا يَدْخُلُ دَارَ عَمْرٍو، وَشَهَادَةِ آخَرَ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَشَهِدَا عَلَيْهِ هُمَا أَوْ غَيْرُهُمَا أَنَّهُ دَخَلَ بَعْدَ ذِي الْحِجَّةِ طَلُقَتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ شَهِدَا عَلَيْهِ جَمِيعًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ قَالَ: إنْ دَخَلْت دَارَ عَمْرٍو فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، وَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ دَخَلَهَا فِي رَمَضَانَ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ دَخَلَهَا فِي ذِي الْحِجَّةِ طَلُقَتْ عَلَيْهِ.
فَرْعٌ: وَكَذَلِكَ إنْ اتَّفَقَتْ الْيَمِينُ وَاخْتَلَفَ الْفِعْلُ، كَمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا، فَشَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ أَنَّهُ كَلَّمَهُ فِي السُّوقِ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ كَلَّمَهُ فِي الْمَسْجِدِ حَنِثَ، أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَلَّمَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ كَلَّمَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهَا تُضَمُّ.
[الْبَابُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ فِي الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ الِاسْتِغْفَالِ]
وَفِي وَثَائِقِ ابْنِ الْهِنْدِيِّ اُخْتُلِفَ فِي شَهَادَةِ الِاسْتِغْفَالِ، وَهِيَ أَنْ يُدْخِلَ الرَّجُلُ شُهُودًا خَلْفَ سِتْرٍ، ثُمَّ يَسْتَمِرُّ الَّذِي يَسْتَغْفِلُ فِي الْحَدِيثِ فَيُقِرُّ بِشَيْءٍ فَأَجَازَ ذَلِكَ قَوْمٌ وَكَرِهَهُ آخَرُونَ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ، وَقَيَّدَهُ مُحَمَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ غَيْرَ مَخْدُوعٍ وَلَا خَائِفٍ، وَمِنْ حُجَّةِ مَنْ أَجَازَهَا شَهَادَةُ الْأَعْمَى عَلَى مَعْرِفَةِ الصَّوْتِ، وَأَخْذُ النَّاسِ عَنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«إنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» ، وَإِنَّمَا كَانَ النَّاسُ يَسْمَعُونَ أَصْوَاتَهُمَا وَهُمْ فِي بُيُوتِهِمْ، وَمِنْ حُجَّةِ مَنْ كَرِهَهُ أَنَّ الشُّهُودَ شَارَكُوا فِي التَّدْلِيسِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُمْ ذَلِكَ، وَرُوِيَ أَنَّهُ مَنْ حَدَّثَ أَخَاهُ فَالْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ، وَنَهَى عَنْ تَبْيِيتِ الطَّيْرِ، مَعَ أَنَّ الْأَصْوَاتِ قَدْ تَخْتَلِفُ وَقَدْ تَتَّفِقُ وَيُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَإِنْ رَآهُ الشُّهُودُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَهُوَ مَوْضِعُ إشْكَالٍ وَاشْتِبَاهٍ، فَتَرْكُهُ، أَحْوَطُ. وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ، وَإِذْ سَمِعَ الشَّاهِدُ مَنْ
يُقِرُّ بِالْحَقِّ أَوْ يُطَلِّقُ أَوْ يُفْتَرَى، فَإِنْ اسْتَوْعَبَ ذَلِكَ شَهِدَ بِهِ، وَجَازَتْ شَهَادَتُهُ وَلَا يَكْتُمُهَا، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَنْ هِيَ لَهُ فَلْيَعْلَمْهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَشْهَدُ بِهَا.
وَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يَشْهَدُ بِمَا سَمِعَ مِنْ قَذْفٍ دُونَ غَيْرِهِ، يَعْنِي؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ يُحَاطُ بِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ.
قَالَ وَاخْتُلِفَ إذَا قَعَدَ خَلْفَ حَائِطٍ أَوْ سِتْرٍ أَوْ أَحْضَرَاهُ حَاسَبَهُمَا عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدَا عَلَيْهِ، أَوْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا فِيمَا يَنْوِي فِيهِ مِمَّا لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بِهِ بَيِّنَةٌ، فَهَلْ يَشْهَدُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَالشَّهَادَةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إذَا أَحَاطَ عِلْمًا بِهَا وَاسْتِتْبَابًا لِجَاحِدٍ فِيهِ، فَلَمْ يُقِرَّ أَحْوَطُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
تَنْبِيهٌ: وَهَذَا بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ لَا يَنْقُلُ شَهَادَتَهُ حَتَّى يُؤْذَنَ لَهُ فِي نَقْلِهَا، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَا إنْ سَمِعَهُ يُشْهِدُ عَلَيْهَا غَيْرَهُ.
فَرْعٌ: وَفِي الْمُقْنِعِ مِنْ الْمُسْتَخْرَجَةِ وَغَيْرِهَا، فِي الرَّجُلِ يَأْتِي مُسْتَغِيثًا يَسْأَلُ عَنْ الشَّيْءِ يَنْوِي فِيهِ، وَلَوْ أَقَرَّ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ فَيُفْتَى أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، قَالَ: لَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ وَإِنْ طَلَبَتْ امْرَأَتُهُ ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَوْ شَهِدَا لَمْ يَنْفَعْهَا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ عَلَى غَيْرِ إشْهَادٍ.
فَرْعٌ: قَالَ وَمَا أَقَرَّ بِهِ عِنْدَ الْفَقِيهِ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ حَدٍّ أَوْ حَقٍّ، ثُمَّ أَنْكَرَ فَلْيَشْهَدْ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مِمَّا لَيْسَ لَهُ رُجُوعٌ عَنْهُ، وَمِنْ الْمُسْتَخْرَجَةِ وَكَذَلِكَ مَنْ حَضَرَ الْفَقِيهَ ثُمَّ سَمِعُوا الْقِصَّةَ كُلَّهَا، حَتَّى لَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ مِنْهَا مَا يَخَافُ أَنْ يُفْسِدَ الشَّهَادَةَ إذَا لَمْ يَذْكُرُوهُ.
فَرْعٌ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ مَرَّ بِرَجُلَيْنِ يَتَحَاسَبَانِ، فَإِنْ سَمِعَ كَلَامَهُمَا مِنْ أَوَّلِهِ وَاسْتَقْصَاهُ، فَلْيَشْهَدْ عَلَيْهِ.
فَرْعٌ: وَإِنْ سَمِعَ جَارَهُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ فَلْيَشْهَدْ عَلَيْهِ.
فَرْعٌ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي رَجُلَيْنِ أُقْعِدَا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، لِيَشْهَدَا عَلَى رَجُلٍ قَالَ: إنْ كَانَ ضَعِيفًا أَوْ مُخْتَدَعًا أَوْ خَائِفًا لَمْ يَلْزَمْهُ، وَحَلَفَ مَا أَقَرَّ، إلَّا لِأَمْرٍ يَذْكُرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَزِمَهُ، وَلَعَلَّهُ
يُقِرُّ خَائِفًا، قُلْت: فَهَلْ أَقْعُدُ لَهُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَعْلَمُ بِي لِلشَّهَادَةِ؟ قَالَ: لَوْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّك تَسْتَوْعِبُ أَمَرَهُمَا، وَلَكِنْ أَخَافُ أَنْ تَسْمَعَ جَوَابَهُ لِسُؤَالٍ، وَلَعَلَّهُ يَقُولُهُ فِي سِرٍّ: مَا الَّذِي لِي عِنْدَك إنْ جِئْتُك بِكَذَا، فَيَقُولُ: لَك عِنْدِي كَذَا فَإِنْ قَدِرْتُ أَنْ تُحِيطَ بِسِرِّهِمْ فَجَائِزٌ.
فَرْعٌ: قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ فِي الْمَجْمُوعَةِ مَنْ لَهُ قِبَلَ رَجُلٍ حَقٌّ، وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِ يَمِينًا وَقَدْ جَحَدَهُ، فَخَبَّأَ لَهُ قَوْمٌ فَشَهِدُوا عَلَيْهِ بِالْحَقِّ أَوْ بِالْيَمِينِ، قَالَ شَهَادَتُهُمْ مَقْبُولَةٌ، وَبِئْسَ مَا صَنَعُوا حِينَ دَخَلُوا ذَلِكَ الْمَدْخَلَ. مِنْ الْمُقْنِعِ.
فَرْعٌ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عِنْدَ الْقَاضِي وَبِالْحَضْرَةِ شُهُودٌ فَاسْتَوْعَبُوهَا، ثُمَّ عُزِلَ الْقَاضِي أَوْ مَاتَ الشَّاهِدَانِ فَلَا بَأْسَ لِلشُّهُودِ أَنْ يَشْهَدُوا بِهَا، وَهِيَ شَهَادَةٌ تَامَّةٌ، وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَشْهَبُ.
مَسْأَلَةٌ: وَسُئِلَ مُحَمَّدٌ هَلْ يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَخْتَفِيَ لِيَشْهَدَ عَلَى الْمُقِرِّ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَتَخَوَّفُ أَنْ لَا يُحِيطَ بِالشَّهَادَةِ عِلْمًا مِمَّا كَانَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ، ثُمَّ قَالَ وَلَكِنْ إنْ تَحَقَّقَ الْإِقْرَارُ كَمَا يَجِبُ فَلْيَشْهَدْ.
تَنْبِيهٌ: وَحَيْثُ أَجَزْنَا شَهَادَتُهُ فَلَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الْحِرْصِ عَلَى التَّحَمُّلِ، قَالَهُ ابْنُ رَاشِدٍ.
تَنْبِيهٌ: يَنْبَغِي لِلشَّاهِدِ أَنْ يَرْفَعَ نَفْسَهُ عَنْ أَنْ يَخْتَفِيَ لِيَشْهَدَ، هَذَا مِمَّا لَمْ يُنْدَبْ إلَيْهِ، وَلَا اُفْتُرِضَ عَلَيْهِ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ فَعَلَ مَا لَا يَلِيقُ بِالْفُضَلَاءِ وَلَا يَخْتَارُهُ الْعُقَلَاءُ.