الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَانُوا غَائِبِينَ فَشَهِدُوا أَنَّهُ قَدْ طَلَّقَهَا مُنْذُ سِنِينَ أَنَّهَا تَرِثُهُ، وَلَوْ مَاتَتْ هِيَ لَمْ يَرِثْهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا لَمْ يُرْجَمْ؛ لِأَنَّا لَا نَدْرِي مَا كَانَ يَدْرَأُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ.
مَسْأَلَةٌ: وَفِي (مُفِيدِ الْحُكَّامِ) إذَا ثَبَتَ الْمَوْتُ وَالْوَرَثَةُ لِرَجُلٍ وَشَهِدَ لَهُ شُهُودٌ عُدُولٌ أَنَّهُ وَارِثُ هَذَا الْمَيِّتِ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ إلَّا بَعْدَ يَمِينِهِ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا أَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرِي، فَيَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ إنَّمَا شَهِدُوا لَهُ عَلَى الْعِلْمِ هَكَذَا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى أَنْ يَحْلِفَ.
مَسْأَلَةٌ: وَسُئِلَ أَبُو إبْرَاهِيمَ إِسْحَاقُ بْنُ التُّجِيبِيُّ عَنْ الدَّيْنِ يَكُونُ لِلْمَيِّتِ عَلَى رَجُلٍ فَيَقُومُ لِلْوَرَثَةِ بَيِّنَةٌ بِثَبَاتِهِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الشُّهُودِ أَنْ يَقُولُوا فِي شَهَادَتِهِمْ، وَأَنَّهُ مَاتَ وَتَرَكَ هَذَا الدَّيْنَ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ مِثْلَ الْعَقَارِ، أَوْ تُجْزِيهِمْ شَهَادَتُهُمْ بِإِثْبَاتِ الدَّيْنِ. فَقَالَ: أَمَّا الشُّهَدَاءُ فِي دَيْنِ الْمَيِّتِ فَإِنْ أَنْكَرَهُ الْغَرِيمُ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَزِيدُوا فِي شَهَادَتِهِمْ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْمُتَوَفَّى قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا إلَى حِينَ شَهَادَتِهِمْ، وَكَذَلِكَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ، إذَا كَانَ هُوَ الْمَيِّتُ فَيَلْزَمُهُمْ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ (مَجْمُوعِ الْفَتَاوَى) .
[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ فِي الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ]
مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي عَقْدٌ كُتِبَ عَلَى رَجُلٍ غَائِبٍ وَشَهِدَ فِيهِ الشُّهُودُ الَّذِينَ أَشْهَدَهُمْ الْغَائِبُ فَلَا يَسْمَعْ الْحَاكِمُ شَهَادَةَ الشُّهُودِ حَتَّى يَنُصُّوا عَلَى مَعَانِي الشَّهَادَةِ مِنْ حِفْظِهِمْ، وَلَا يَكْتَفِي فِي إثْبَاتِ الْعَقْدِ بِقَوْلِ الشَّاهِدِ هَذَا خَطِّي وَهَذِهِ شَهَادَتِي أَشْهَدُ بِهَا عِنْدَك؛ لِأَنَّ الْمُوَثِّقِينَ جَرَتْ لَهُمْ عَوَائِدُ فِي كِتَابَةِ الْعُقُودِ فَرُبَّمَا كَانَ فِي أَلْفَاظِهِمْ مَا لَوْ سَمِعَهُ الْغَائِبُ لَمْ يُوَافِقْ عَلَى ذِكْرِهِ فِي الْعَقْدِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي التَّنْبِيهَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالتَّسْجِيلِ.
مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي شُهُودٌ عُدُولٌ بِمَا يَعْلَمُ هُوَ خِلَافَهُ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُمْ، وَلَا يَقْضِيَ بِشَهَادَتِهِمْ، وَيَدْفَعَ الْخَصْمَيْنِ عَنْ نَفْسِهِ، وَيَكُونَ شَاهِدًا عِنْدَ مَنْ يَتَحَاكَمَانِ إلَيْهِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَطَّارِ، قَالَ ابْنُ الْفَخَّارِ: وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى مَذْهَبِ أَصْحَابِ مَالِكٍ إلَّا ابْنَ كِنَانَةَ وَحْدَهُ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي كِتَابِهِ: إذَا شَهِدَ الْعُدُولُ عِنْدَ الْقَاضِي بِشَيْءٍ، يَعْلَمُ الْقَاضِي أَنَّ الَّذِي شَهِدُوا بِهِ بَاطِلٌ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ رَدُّ شَهَادَتِهِمْ وَيُنَفِّذُ شَهَادَتَهُمْ بَعْدَ الِانْتِظَارِ الْيَسِيرِ، وَاسْتُحْسِنَ لَوْ خَلَا بِهِمْ فَأَعْلَمَهُمْ بِعِلْمِهِ وَشَهَادَتِهِمْ، فَلَعَلَّهُ، يَنْكَشِفُ لَهُمْ بِقَوْلِهِ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلْيَحْكُمْ بِشَهَادَتِهِمْ، وَأَرَى أَنْ يُعْلِمَ الَّذِي حَكَمَ عَلَيْهِ أَنَّ لَهُ عِنْدَهُ شَهَادَةً. وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُبْطِلَ الشَّهَادَةَ وَلَا يَرُدَّهَا وَلَا أَنْ يُمْضِيَ مِنْهَا مَا لَيْسَ بِبَاطِلٍ، وَيَرُدَّ مَا هُوَ بَاطِلٌ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَلَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُمْضِيَ بَاطِلًا يَعْلَمُهُ وَلَا يُبْطِلَ الشَّهَادَةَ وَلَكِنْ يَرْفَعُهَا إلَى غَيْرِهِ وَيَشْهَدُ الْقَاضِي بِمَا يَعْلَمُهُ فِي ذَلِكَ.
فَرْعٌ: وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ عِنْدَهُ مَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ وَالْقَاضِي يَعْلَمُ أَنَّهُ شَهِدَ بِحَقٍّ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُجِيزَ الشَّهَادَةَ وَلَا يَحْكُمُ بِهَا.
مَسْأَلَةٌ: وَمِمَّا يَنْبَغِي تَنْبِيهُ الشَّاهِدِ فِيهِ إذَا شَهِدَ بِمَا لَا يَعْتَقِدُ جَوَازَهُ فَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ فِيمَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ عَلَى شَيْءٍ لَا يَعْتَقِدُ جَوَازَهُ، قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ سَأَلْت سَحْنُونًا عَنْ الرَّجُلِ تَكُونُ عِنْدَهُ الشَّهَادَةُ وَهِيَ مِمَّا لَا تَجُوزُ عِنْدَهُ وَالْقَاضِي مِمَّا يَرَى إجَازَتَهَا، أَتَرَى عَلَى الشَّاهِدِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا إلَى الْقَاضِي؟ . فَقَالَ كَيْفَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ؟ . قُلْت: مِثْلَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى صَدَاقٍ مُعَجَّلٍ فِي نِكَاحٍ وَمَعَهُ مُؤَجَّلٌ لَمْ يُضْرَبْ لَهُ أَجَلٌ. فَقَالَ: مَا أَرَى أَنْ يَشْهَدَ فَإِنْ جَهِلَ الشَّاهِدُ وَشَهِدَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُنَبِّهَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْهَدَ فِي ذَلِكَ.
مَسْأَلَةٌ: إذَا شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي عَدْلَانِ ثُمَّ أَشْهَدَهُمَا عَلَى حُكْمِهِ بِشَهَادَتِهِمَا، فَرَوَى يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ لِغَيْرِهِ إمْضَاءَ شَهَادَتِهِمَا فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ وَقِيلَ لَا يُمْضِيهِ؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى تَنْفِيذِ شَهَادَتِهِمَا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِضَعْفِ التُّهْمَةِ.
مَسْأَلَةٌ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ فَرِيقَيْنِ اخْتَصَمُوا فَقُضِيَ عَلَى أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ فَخَرَجَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِمْ يُحَدِّثُونَ النَّاسَ عَلَانِيَةً أَنَّهُ قُضِيَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ اُحْتِيجَ إلَى قَضَاءِ ذَلِكَ الْقَاضِي فَلَمْ يُوجَدْ عَنْهُ أَحَدٌ عَلِمَ بِذَلِكَ إلَّا الَّذِينَ سَمِعُوا مِنْ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ عِنْدَهُمْ قَدْ قُضِيَ عَلَيْنَا، فَسُئِلُوا لِلشَّهَادَةِ بِذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ يَقُولُونَ سَمِعْنَاهُمْ يَذْكُرُونَ ذَلِكَ وَلَا نَدْرِي أَكَانَ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ قَالَ مَالِكٌ: وَلَرُبَّمَا قَالَ الْمَرْءُ قَدْ قُضِيَ عَلَيَّ وَمَا قُضِيَ عَلَيْهِ، وَإِنِّي لَأَرَى هَذِهِ الشَّهَادَةَ ضَعِيفَةً.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ لِي مُطَّرِفٌ فِي الرَّجُلَيْنِ يَشْهَدَانِ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهُمَا كَانَا شَهِدَا عِنْدَ قَاضٍ قَبْلَهُ عَلَى رَجُلٍ بِحَقٍّ، وَأَشْهَدَهُمَا أَنَّهُ قَدْ قَضَى بِشَهَادَتِهِمَا فَإِنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ، وَيَبْتَدِئُ هَذَا الْقَاضِي الْحُكْمَ بِهِمَا كَأَنَّهُمَا ابْتَدَآ وَضْعَهَا عِنْدَهُ وَلَيْسَ عَلَى وَجْهِ أَنَّهُ قَدْ حَكَمَ بِهَا فَيَكُونُ حُكْمًا قَدْ فُرِغَ مِنْهُ، وَلَا أَرَى مَا ذَكَرَا فِي شَهَادَتِهِمَا مِنْ قَضِيَّةِ الْقَاضِي الْأَوَّلِ تُفْسِدُ شَهَادَتَهُمَا.
وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا فِي ذَلِكَ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَا عَلَى أَصْلِ الشَّهَادَةِ وَلَا عَلَى الْحُكْمِ بِهَا؛ لِأَنَّهَا إذَا سَقَطَتْ فِي الْحُكْمِ بِهَا اُتُّهِمَا فِيهَا كُلِّهَا.
وَقَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ وَأَصْبَغُ وَبِهِ نَقُولُ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَلَوْ كَانَا لَمْ يَجْمَعَا الْأَمْرَيْنِ وَشَهِدَا عَلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ فَقَطْ أَوْ عَلَى أَصْلِ الشَّهَادَةِ وَسَكَتَا عَنْ حُكْمِ الْحَاكِمِ جَازَتْ.
مَسْأَلَةٌ: وَكَذَلِكَ الشُّهَدَاءُ يَشْهَدُونَ عِنْدَ قَاضٍ عَلَى حَقٍّ مِنْ الْحُقُوقِ ثُمَّ يَكْتُبُ بِذَلِكَ إلَى قَاضٍ غَيْرِهِ فَلَمْ يَجِدْ شُهُودًا يَشْهَدُونَ عَلَى كِتَابِهِ إلَيْهِ إلَّا أُولَئِكَ الشُّهُودَ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى أَصْلِ الْحُكْمِ، فَذَلِكَ الْكِتَابُ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمْ وَلَا تَجُوزُ فِيهِ شَهَادَتُهُمْ بَعْدُ لَا عَلَى أَصْلِ الشَّهَادَةِ وَلَا عَلَى ثُبُوتِ الْكِتَابِ إلَّا أَنْ يُعِيدُوا الشَّهَادَةَ عِنْدَ هَذَا الْحَاكِمِ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، إمَّا عَلَى أَصْلِ الْحَقِّ فَقَطْ، وَإِمَّا عَلَى ثُبُوتِ الْكِتَابِ، وَهَكَذَا سَمِعْت أَصَبْغَ يَقُولُ فِي هَذَا بِعَيْنِهِ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ سَحْنُونٌ: أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ مَنْ شَهِدَ بِشَهَادَةٍ عِنْدَ الْقَاضِي فَرَدَّهَا لِتُهْمَةٍ أَوْ لِجُرْحَةٍ ثُمَّ شَهِدَ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي بَعْدَ أَنْ زَالَتْ التُّهْمَةُ وَزَالَتْ الْجُرْحَةُ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ شَهِدَ لِزَوْجَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ زُكِّيَ وَحَسُنَتْ حَالُهُ فَإِنَّ تِلْكَ الشَّهَادَةَ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ حَاكِمًا رَدَّهَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ شَهَادَةٍ رَدَّهَا حَاكِمٌ لَا تُقْبَلُ بَعْدَ ذَلِكَ.
مَسْأَلَةٌ: وَفِي الْوَاضِحَةِ أَيْضًا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ وَالْمَرْأَةُ يَقَعُ لَهَا مُورَثٌ فِي بَلَدٍ فَتُرِيدُ أَنْ تُوَكِّلَ عَلَى ذَلِكَ وَكِيلًا غَائِبًا عَنْ الْبَلَدِ يَقُومُ لَهَا فِي ذَلِكَ الْمُورَثِ، فَيَشْهَدُ لَهَا شُهُودٌ عِنْدَ الْقَاضِي الَّذِي مَعَهَا فِي الْبَلَدِ أَنَّهَا وَكَّلَتْ ذَلِكَ الْغَائِبَ، وَلَمْ تَحْضُرْ الْمَرْأَةُ وَلَا وَكِيلُهَا عَلَى الْقِيَامِ بِتَوْكِيلِ الْغَائِبِ، فَلَا نَرَى لِلْقَاضِي أَنْ يَكْتُبَ لَهَا بِذَلِكَ إلَى قَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْمُورَثِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ لَا تَجُوزُ هَكَذَا؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا شُهُودًا وَمُوَكَّلِينَ فِيمَا شَهِدُوا فِيهِ وَبِالْقِيَامِ بِهِ، كَأَنَّهُمْ شَهِدُوا؛ لِأَنْفُسِهِمْ فِي بَعْضِ شَهَادَتِهِمْ، فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي، وَيَشْهَدُ الشُّهُودُ عَلَى تَوْكِيلِهَا الْغَائِبَ وَتُقِيمُ أَحَدًا يَقُومُ لَهَا بِذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْهَدَ لَهَا أُولَئِكَ الشُّهُودُ أَنَّهَا وَكَّلَتْ هَذَا بِالْقِيَامِ لَهَا بِتَوْكِيلِ الْغَائِبِ، فَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ إنَّمَا يُؤَدُّونَ شَهَادَتَهُمْ عِنْدَ الْقَاضِي فَقَطْ وَلَا يُقَاضُونَهُ بِتَنْفِيذِ ذَلِكَ وَلَا يَسْأَلُونَهُ الْكِتَابَ لَهَا بِهِ، ثُمَّ يَكُونُ الْقَاضِي يَصْنَعُ فِي ذَلِكَ مَا رَأَى وَيُرْسِلُ إلَيْهَا أَنْ تُوَكِّلَ مَنْ يَقُومُ لَك عِنْدِي بِمَا شَهِدَ لَك بِهِ الشُّهُودُ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا فَيَجُوزُ ذَلِكَ.
وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَبِهِ نَقُولُ، وَقَدْ سَمِعْت مُطَّرِفًا يَسْتَخِفُّ جَوَازَ شَهَادَتِهِمْ فِي ذَلِكَ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
مَسْأَلَةٌ: إذَا اشْتَمَلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى مَا فِيهِ تُهْمَةٌ وَمَا لَا تُهْمَةَ فِيهِ رُدَّتْ كُلُّهَا عَلَى الْمَشْهُورِ، قَالَ أَصَبْغُ فِيمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَيْنِ ثُمَّ شَهِدَ الْعَبْدَانِ أَنَّ الْمُعْتِقَ غَصَبَهُمَا مِنْ فُلَانٍ وَغَصَبَ مَعَهُمَا مِائَةَ دِينَارٍ: فَإِنَّ شَهَادَتَهُمَا جَائِزَةٌ فِي الْمِائَةِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُمَا يُتَّهَمَانِ عَلَى إرْقَاقِ أَنْفُسِهِمَا وَمِثْلُ ذَلِكَ شَهَادَةُ الْمَسْلُوبِينَ عَلَى الْمُحَارَبِينَ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تُقْبَلُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ دُونَ مَا ادَّعَوْهُ لِأَنْفُسِهِمْ مِنْ الْمَالِ إلَّا أَنْ يَقِلَّ جِدًّا فِيمَا لَا تُهْمَةَ فِيهِ.
وَفِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمَسْلُوبِ لِغَيْرِهِ، وَقِيلَ تَجُوزُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ فِيمَا قَلَّ، وَقِيلَ تَجُوزُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ قَالَهُ مُطَّرِفٌ وَابْنُ حَبِيبٍ.
مَسْأَلَةٌ: وَفِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ أَنْكَرَ شَهَادَتَهُ ثُمَّ شَهِدَ فَلَا يَضُرُّهُ مِثْلَ أَنْ يَلْقَاهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، فَيَسْأَلَهُ فَيَقُولَ لَهُ الشَّاهِدُ مَا أَشْهَدُ عَلَيْك بِشَيْءٍ وَلَا عِنْدِي عَلَيْك شَهَادَةٌ فَإِنَّهُ يَشْهَدُ وَلَا يَضُرُّهُ قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ.
مَسْأَلَةٌ: وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ فَلَقِيَهُ فَقَالَ لَهُ مَا شَهِدْت بِهِ عَلَيْك فَأَنَا فِيهِ مُبْطِلٌ فَلَا يَضُرُّهُ هَذَا الْقَوْلُ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ عَنْ شَهَادَتِهِ
رُجُوعًا بَيِّنًا يَقِفُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْكِرُهُ وَلَوْ قَالَ مِثْلَ هَذَا عِنْدَ الْحَاكِمِ أَوْ عِنْدَ مَا طُلِبَ مِنْهُ أَنْ يَنْقُلَ شَهَادَتَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ فَذَلِكَ إبْطَالٌ لَهَا.
وَقَالَ أَشْهَبُ وَمُطَرِّفٌ مِثْلَ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ. وَأَمَّا إنْ قَالَ عِنْدَ الْحَاكِمِ مَا أَذْكُرُ أَمْرَ كَذَا أَوْ مَا عِنْدِي شَهَادَةٌ ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَذَكَّرَ، فَإِنْ كَانَ مُبْرِزًا قُبِلَ مِنْهُ الْحُكْمُ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا إلَّا مَا زَعَمَ أَنَّهُ نَسِيَهُ كَمَنْ شَهِدَ بِثَلَاثِينَ دِينَارًا ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهَا أَرْبَعُونَ فَيُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ.
مَسْأَلَةٌ: وَفِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ مِنْ مُنْتَقَى الْأَحْكَامِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَمَنْ سَمِعْته يَقُولُ: أَشْهَدُ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ مِائَةُ دِينَارٍ وَلَمْ يُشْهِدْك فَاشْهَدْ بِمَا سَمِعْت إنْ كُنْت سَمِعْته يُؤَدِّيهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ لِيَحْكُمَ بِهَا، وَإِلَّا فَلَا حَتَّى يُشْهِدَك إذْ لَعَلَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّك تَنْقُلُهَا عَنْهُ لَزَادَ أَوْ نَقَصَ مَا يُنْقِصُهَا، وَإِنَّمَا تَشْهَدُ بِمَا سَمِعْت مِنْ قَذْفٍ وَعِتْقٍ وَطَلَاقٍ بِخِلَافِ الْحُقُوقِ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُسْتَقْصًى، أَعْنِي الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ وَالْقَذْفَ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ مُطَرِّفٌ: لَا تَشْهَدْ بِقَوْلِ الْقَاضِي ثَبَتَ عِنْدِي لِفُلَانٍ كَذَا حَتَّى يُشْهِدَك، وَإِلَّا فَلَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ، قَالَ أَصَبْغُ وَلَا بِمَا سَمِعْت الشَّاهِدَ يُؤَدِّي عِنْدَهُ حَتَّى يُشْهِدَك عَلَى ذَلِكَ نَصًّا، أَوْ يُشْهِدَك الْقَاضِي عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ تَابَعَ مُطَرِّفٌ ابْنَ الْقَاسِمِ فِي هَذَا.
مَسْأَلَةٌ: لَا يَلْزَمُ الْقَاضِيَ إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ عُدُولٌ بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْ صِفَةِ الْبَيْعِ حَتَّى يَعْرِفَ هَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَوْ فَاسِدٌ؟ بَلْ يَكْتَفِي مِنْ شَهَادَتِهِمَا أَنَّ هَذَا بَاعَ مِنْ هَذَا دَارِهِ بَيْعًا صَحِيحًا، وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ يَتَنَوَّعُ إلَى صِحَّةٍ وَفَسَادٍ.
مَسْأَلَةٌ: إذَا شَهِدَ الشَّاهِدُ فَكَذَّبَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ فِي بَعْضِ مَا شَهِدَ لَهُ بِهِ، فَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ - فِي ذَلِكَ: الَّذِي نَعْرِفُ مِنْ فُتْيَا مَنْ أَدْرَكْنَا مِنْ الشُّيُوخِ أَنَّ الْمَشْهُودَ لَهُ يَلْزَمُهُ مَا شَهِدَ بِهِ شَاهِدُهُ لَهُ، وَعَلَيْهِ إذَا كَانَ لَا يَصِلُ إلَى حَقِّهِ إلَّا بِشَهَادَتِهِ، وَيُقَالُ لِلْمَشْهُودِ لَهُ إنْ قُلْت صَدَقَ الشَّاهِدُ فَيَلْزَمُك مَا شَهِدَ بِهِ، وَإِنْ قُلْت كَذَبَ فِي الْبَعْضِ فَقَدْ جَرَحْته بِالْكَذِبِ فَلَا تُعْطَى بِشَهَادَتِهِ شَيْئًا.