الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ لَا يَحْكُمُ الْقَاضِي عَلَى أَحَدٍ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَسْأَلَهُ أَبَقِيَتْ لَك حُجَّةٌ]
فَصْلٌ، وَلَا يَحْكُمُ الْقَاضِي عَلَى أَحَدٍ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَسْأَلَهُ أَبَقِيَتْ لَك حُجَّةٌ؟ فَيَقُولُ لَا عَلَى مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي فَصْلِ الْإِعْذَارِ.
تَنْبِيهٌ: وَالْمَحْكُومُ عَلَيْهِ تَارَةً يَكُونُ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَتَارَةً تَقْوَى حُجَّةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَتَضْعُفُ حُجَّةُ الْمُدَّعِي فَيَتَوَجَّهُ الْحُكْمُ عَلَى الْمُدَّعِي بِالْإِبْرَاءِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْوُجُوهِ، وَقَدْ ذَكَرْت ذَلِكَ فِي فَصْلِ الْإِعْذَارِ.
مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا أَقَرَّ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ عِنْدَ الْقَاضِي بِشَيْءٍ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ ثُمَّ جَحَدَ ذَلِكَ الْإِقْرَارَ فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ سِوَاهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ بَيِّنَةٌ رَفَعَ ذَلِكَ إلَى مَنْ فَوْقَهُ، وَكَانَ شَاهِدًا، وَكَذَلِكَ مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى - أَوْ رَآهُ مَنْ غَصَبَ أَوْ سَمِعَ مَنْ قَذَفَ فَلْيَرْفَعْهُ إلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ وَيَكُونُ هُوَ شَاهِدًا.
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: يَحْكُمُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْخَصْمُ فِي مَجْلِسِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ هَذَا فِي الْآدَابِ وَبَعْضُهُ مَذْكُورٌ فِي بَابِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ.
[فَصْلٌ مِنْ مَسَائِل الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ]
ِ وَفِي (الْمُتَيْطِيَّةِ) وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يُصَرِّحَ بِأَسْمَاءِ الشُّهُودِ الَّذِينَ ثَبَتَ بِهِمْ الْحُكْمُ عَلَى الْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ عَلَى غَائِبٍ، فَيَحْتَاجُ إلَى تَسْمِيَتِهِمْ لِإِرْجَاءِ الْحُجَّةِ لَهُ فِيهِمْ، فَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِأَسْمَائِهِمْ، وَكَانَ الْحَاكِمُ لَيْسَ مَشْهُورًا بِالْعَدْلِ وَالْفَضْلِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُبِيحُ لِمَنْ بَعْدَهُ أَنْ يَتَعَقَّبَ ذَلِكَ الْحُكْمَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَمْضِي إلَّا مِنْ الْحَاكِمِ الْعَدْلِ، فَإِنْ قَدِمَ هَذَا الْغَائِبُ فَأَرَادَ رَدَّ الْقَضَاءِ عَنْهُ وَأَنْ يَبْتَدِئَ الْخُصُومَةَ كَانَ ذَلِكَ مِنْ حَقِّهِ إذَا تَعَلَّلَ فِي شَهَادَةِ الشُّهُودِ قَالَ: لَوْ عَلِمْت مَنْ شَهِدَ عَلَيَّ لَرَدَدْت شَهَادَتَهُ عَنِّي.
وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: إذَا لَمْ يُصَرِّحْ الْقَاضِي بِأَسْمَاءِ الشُّهُودِ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ لَا يَنْفُذُ دُونَ أَنْ يَعْرِفَ الْغَائِبُ مَنْ يَشْهَدُ عَلَيْهِ، وَوَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ رِوَايَةٌ أَنَّ ذَلِكَ يَنْفُذُ، وَلَكِنَّهَا مَطْرُوحَةٌ عِنْدَ الْقُضَاةِ الْمَالِكِيَّةِ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَشْهَبُ: يَنْبَغِي لِلْقَاضِي إذَا سَجَّلَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ أَنْ يَذْكُرَ فِي الْكِتَابِ أَسْمَاءَ الشُّهُودِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى أَوْقَعَ الْحُكْمَ فَالْأَحَبُّ إلَيَّ
أَنْ يُبَدِّلَ الْكِتَابَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى عُزِلَ أَوْ مَاتَ نَفَذَ الْحُكْمُ إلَّا عَلَى الْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ إنْ قَدِمَ فَقَالَ - مَنْ الشَّاهِدُ عَلَيَّ - فَإِنَّ عِنْدِي تَجْرِيحَهُ فَالْقَضِيَّةُ مَرْدُودَةٌ، وَالْخُصُومَةُ مُؤْتَنَفَةٌ، وَالْبَيِّنَةُ مُعَادَةٌ، وَلَا حُجَّةَ لِلْحَاضِرِ الَّذِي قَدْ مَضَى الْحُكْمُ عَلَيْهِ فِي تَرْكِ تَسْمِيَةِ الْقَاضِي.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: سَحْنُونٌ يَذْهَبُ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْحَاضِرِ إلَى تَرْكِ التَّصْرِيحِ بِأَسْمَاءِ الشُّهُودِ، إذْ قَدْ يَحْكُمُ الْقَاضِي بِهِمْ وَهُمْ عُدُولٌ ثُمَّ تَحْدُثُ لَهُمْ جُرْحَةٌ، وَقَدْ عُزِلَ الْقَاضِي أَوْ مَاتَ، فَيَدَّعِي الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْقَاضِيَ قَبِلَ شُهُودًا غَيْرَ عُدُولٍ، فَالتَّسْمِيَةُ مِمَّا تُوهِنُ الْحُكْمَ عِنْدَهُ، وَإِلَى قَوْلِ أَصْبَغَ وَتَسْمِيَةِ الشُّهُودِ ذَهَبَ مَنْ رَأَيْته مِنْ فَقِيهٍ وَحَاكِمٍ، وَلِسَحْنُونٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّ تَسْمِيَتَهُمْ لَا تَلْزَمُ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْغَالِبِ، وَسَوَّى أَصْبَغُ فِي هَذَا بَيْنَ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ وَالْحَاضِرِ، وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ فَهُوَ فِي الْحَاضِرِ مُسْتَحَبٌّ وَفِي الْغَائِبِ وَاجِبٌ لِإِرْجَاءِ الْحُجَّةِ لَهُ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ: الْحُكْمُ عَلَى الْغَائِبِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا غَائِبٌ قَرِيبُ الْغَيْبَةِ عَلَى مَسِيرَةِ الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فَهَذَا يُكْتَبُ إلَيْهِ وَيُعْذَرُ إلَيْهِ فِي كُلِّ حَقٍّ، فَإِمَّا وَكَّلَ، وَإِمَّا قَدِمَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَكَمَ عَلَيْهِ فِي الدَّيْنِ وَبِيعَ عَلَيْهِ مَالُهُ مِنْ الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ.
وَفِي اسْتِحْقَاقِ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ وَالْأُصُولِ وَجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَمْ تُرْجَ لَهُ حُجَّةٌ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ. وَالثَّانِي غَائِبٌ بَعِيدُ الْغَيْبَةِ عَلَى مَسِيرَةِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَشِبْهِهَا، فَهَذَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ فِيمَا عَدَا الِاسْتِحْقَاقَ فِي الرِّبَاعِ وَالْأُصُولِ مِنْ الدُّيُونِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ، وَتُرْجَى لَهُ الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ، وَالثَّالِثُ غَائِبٌ مُنْقَطِعُ الْغَيْبَةِ مِثْلُ مَكَّةَ مِنْ إفْرِيقِيَّةَ وَالْمَدِينَةِ مِنْ الْأَنْدَلُسِ، وَخُرَاسَانَ، فَهَذَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الدُّيُونِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَالرِّبَاعِ وَالْأُصُولِ وَتُرْجَى لَهُ الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ.
مَسْأَلَةٌ: وَفِي الْوَاضِحَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ قَالَ سَحْنُونٌ، أَخْبَرَنَا أَشْهَبُ قَالَ كَتَبَ ابْنُ غَانِمٍ إلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ الْخَصْمَيْنِ يَخْتَصِمَانِ إلَيْهِ فِي الْأَرْضِ فَيُقِيمُ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْآخَرِ بِأَنَّهَا لَهُ، فَإِذَا عَلِمَ بِذَلِكَ الَّذِي قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ هَرَبَ وَتَغَيَّبَ فَطَلَبَ فَلَمْ يُوجَدْ، أَيَقْضِي عَلَيْهِ وَهُوَ غَائِبٌ؟ . فَقَالَ مَالِكٌ اُكْتُبْ إلَيْهِ إذَا ثَبَتَ عِنْدَك الْحُجَجُ وَسَأَلْته عَمَّا تُرِيدُ أَنْ تَسْأَلَهُ عَنْهُ،