الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَدْ يَطَّلِعُ مِنْ الْخُصُومِ عَلَى مَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ، وَقَدْ يُرْشَى عَلَى الْمَنْعِ وَالْإِذْنِ، وَقَدْ يُخَافُ مِنْهُ عَلَى النِّسْوَانِ إذَا احْتَجْنَ إلَى خِصَامٍ، فَكُلُّ مَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ الْقَاضِي عَلَى قَضَائِهِ أَوْ مَشُورَتِهِ لَا يَكُونُ إلَّا ثِقَةً مَأْمُونًا.
[فَصْلٌ وَأَرْزَاقُ الْأَعْوَانِ الَّذِينَ يُوَجِّهُهُمْ الْقَاضِي فِي مَصَالِحِ النَّاسِ]
وَأَرْزَاقُ الْأَعْوَانِ الَّذِينَ يُوَجِّهُهُمْ فِي مَصَالِحِ النَّاسِ وَرَفْعِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ تَكُونُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَالْحُكْمِ فِي أَرْزَاقِ الْقَضَاءِ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ شَيْئًا فِي أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَإِذَا كَانَ لَهُمْ رِزْقٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَخْذُ شَيْءٍ عَلَى الْقَضَايَا الَّتِي يُبْعَثُونَ فِيهَا كَمَا لَا يَجُوزُ لِلْقُضَاةِ أَخْذُ شَيْءٍ، فَإِنْ لَمْ يُصْرَفْ لَهُمْ شَيْءٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ دَفَعَ الْقَاضِي لِلطَّالِبِ طَابَعًا يَرْفَعُ بِهِ الْخَصْمَ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ، فَإِنْ لَمْ يَرْتَفِعْ وَاضْطُرَّ إلَى الْأَعْوَانِ فَلْيَجْعَلْ الْقَاضِي لَهُمْ شَيْئًا مِنْ رِزْقِهِ إذَا أَمْكَنَهُ وَقَوِيَ عَلَيْهِ إذَا رَفَعَ الْمَطْلُوبَ مِمَّا يَلْزَمُهُ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ فَأَحْسَنُ الْوُجُوهِ أَنْ يَكُونَ الطَّالِبُ هُوَ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى النُّهُوضِ فِي إحْضَارِ الْمَطْلُوبِ وَرَفْعِهِ فَيَتَّفِقُ مَعَ الْعَوِينِ عَلَى ذَلِكَ بِمَا يَرَاهُ، إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ لَدَدُ الْمَطْلُوبِ بِالْمَطْلَبِ وَأَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ الْحُضُورِ بَعْدَ أَنْ دَعَاهُ، فَإِنَّ أُجْرَةَ الْعَوِينِ الَّذِي يُحْضِرُهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْفَخَارِ، وَسَتَأْتِي فِي الْبَابِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ.
وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُبِيحَ لِلنَّاسِ الرُّكُوبَ مَعَهُ إلَّا فِي حَاجَةٍ أَوْ رَفْعِ مَظْلِمَةٍ، فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَرْكَبَ لِيَنْظُرَ إلَى الشَّيْءِ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ فِيمَا قَدْ تُشُوجِرَ فِيهِ عِنْدَهُ وَاخْتَلَطَ فِيهِ الْأَمْرُ وَطَالَتْ فِيهِ الْخُصُومَةُ وَلَا يَجِدُ سَبِيلًا إلَى مَعْرِفَتِهِ إلَّا بِمُعَايَنَةٍ. وَقَدْ يَكْثُرُ هَذَا فِي بَابِ دَعْوَى الضَّرَرِ وَقَدْ رَكِبَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي أَمْرٍ لِيَنْظُرَ إلَيْهِ، فَذُكِرَ لَهُ فِي الطَّرِيقِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَقَفَ عَلَيْهِ وَحَكَمَ فِيهِ، فَانْصَرَفَ وَلَمْ يَنْظُرْ فِيهِ.
وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكْثُرَ الدِّخَالُ عَلَيْهِ وَلَا الرِّكَابُ مَعَهُ] وَلَا مَنْ يَحُفُّ بِهِ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ كَانَتْ لَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَكُونُوا أَهْلَ أَمَانَةٍ وَنَصِيحَةٍ وَفَضْلٍ، فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَإِذَا كَانُوا عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ كَبُرَتْ نَفْسُهُ وَعَظُمَ عِنْدَهُ سُلْطَانُهُ. وَيَكْفِي الْقَاضِيَ فِي مَعْرِفَتِهِ قُبْحَ حَالِ الرَّجُلِ أَنْ يَصْحَبَهُ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا دَفْعِ مَظْلِمَةٍ وَلَا خُصُومَةٍ وَحُقَّ عَلَيْهِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَلْزَمُونَ ذَلِكَ لِاسْتِشْكَالِ أَمْوَالِ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُمْ يُرُونَ النَّاسَ أَنَّ لَهُمْ