الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثَّانِي: رُجُوعُ الشُّهُودِ عَنْ الشَّهَادَةِ بَعْدَ أَدَائِهَا وَقَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا، وَاعْتَرَفُوا بِشَهَادَةِ الزُّورِ وَأَنَّهُمْ تَابُوا، فَإِنَّ شَهَادَتَهُمْ لَا تُوجِبُ شَيْئًا، وَفِي تَأْدِيبِهِمْ خِلَافٌ، وَأَمَّا لَوْ رَجَعُوا بَعْدَ الْحُكْمِ بِهَا إمَّا فِي مَالٍ أَوْ فِي نَفْسٍ أَوْ حَدٍّ مِنْ قَطْعٍ أَوْ قَذْفٍ أَوْ شَتْمٍ، فَإِنْ أَخْبَرُوا عَنْ غَلَطٍ غَرِمُوا الْمَالَ وَدِيَةَ الْمُتْلَفِ، وَإِنْ أَخْبَرُوا عَنْ تَعَمُّدِ كَذِبٍ غَرِمُوا الْمَالَ. وَاخْتُلِفَ فِي إلْزَامِ الْقِصَاصِ فِي الْمُتْلَفِ بِالْقَطْعِ وَالْقَتْلِ وَنَحْوِهِمَا، أَوْ الدِّيَةِ وَلِذَلِكَ مَحَلٌّ مَذْكُورٌ فِيهِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَأَمَّا الرُّجُوعُ عَنْ الشَّهَادَةِ بِالْقَذْفِ وَالشَّتْمِ بَعْدَ الْحُكْمِ فَلَيْسَ فِيهِ غَيْرُ الْأَدَبِ.
[فَصْلٌ الشَّهَادَةُ الَّتِي لَا تُوجِبُ شَيْئًا أَصْلًا]
فَصْلٌ: وَأَمَّا الشَّهَادَةُ الَّتِي لَا تُوجِبُ شَيْئًا أَصْلًا، فَكَشَهَادَةِ الْعَبْدِ وَالْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ وَالنِّسَاءِ فِيمَا لَا يُقْبَلْنَ فِيهِ، وَلَا تُؤَثِّرُ شَهَادَتُهُنَّ فِيهِ شَيْئًا، كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَمِثْلُ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ فِي غَيْرِ مَا يَقَعُ بَيْنَهُمْ مِنْ الْقَتْلِ عَلَى مَا هُوَ مَشْرُوحٌ فِي بَابِهِ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي صِفَاتِ الشَّاهِدِ وَذِكْرِ مَوَانِعِ الْقَبُولِ]
وَمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّبْرِيزُ فِي الْعَدَالَةِ وَفِيهِ فَصْلَانِ: الْأَوَّلُ: فِي فَضْلِ الشَّاهِدِ وَصِفَتِهِ، وَقَدْ نَطَقَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ بِفَضْلِ الشَّهَادَةِ، وَرَفَعَهَا وَنَسَبَهَا تَعَالَى إلَى نَفْسِهِ، وَشَرَّفَ بِهَا مَلَائِكَتَهُ وَرُسُلَهُ وَأَفَاضِلَ خَلْقِهِ فَقَالَ تَعَالَى:{لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ} [النساء: 166] .
وَقَالَ تَعَالَى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41] ؟ فَجَعَلَ كُلَّ نَبِيٍّ شَهِيدًا عَلَى أُمَّتِهِ لِكَوْنِهِ أَفْضَلَ خَلْقِهِ فِي عَصْرِهِ.
وَقَالَ تَعَالَى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18] وَيَكْفِي بِالشَّهَادَةِ شَرَفًا، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَفَضَ الْفَاسِقَ عَنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ، وَرَفَعَ الْعَدْلَ بِقَبُولِهَا
مِنْهُ فَقَالَ تَعَالَى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] .
وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]، وَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْعَدْلَ هُوَ الْمَرْضِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وَعَرَّفَنَا سُبْحَانَهُ أَنَّ بِهِمْ قِوَامَ الْعَالَمِ فِي الدُّنْيَا، فَقَالَ تَعَالَى:{وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ} [البقرة: 251]، قَالَ بَعْضُهُمْ: الْإِشَارَةُ إلَى مَا يَدْفَعُ اللَّهُ عَنْ النَّاسِ بِالشُّهُودِ فِي حِفْظِ الْأَمْوَالِ وَالنُّفُوسِ وَالدِّمَاءِ وَالْأَعْرَاضِ، فَهُمْ حُجَّةُ الْإِمَامِ وَبِقَوْلِهِمْ تَنْفِيذُ الْأَحْكَامِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ: «أَكْرِمُوا مَنَازِلَ الشُّهُودِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَسْتَخْرِجُ بِهِمْ الْحُقُوقَ، وَيَرْفَعُ بِهِمْ الظُّلْمَ» . وَاشْتَقَّ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ اسْمًا مِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَهُوَ الشَّهِيدُ تَفَضُّلًا وَكَرْمًا.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلِلشَّاهِدِ فِي شَهَادَتِهِ حَالَانِ: حَالُ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَحَالُ أَدَائِهَا. فَأَمَّا حَالُ تَحَمُّلِهَا فَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الشَّاهِدِ فِيهَا، إلَّا كَوْنُهُ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الضَّبْطُ وَالتَّمْيِيزُ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا عَدْلًا كَانَ أَوْ فَاسِقًا. وَأَمَّا حَالُ أَدَائِهَا، فَمِنْ شَرْطِ جَوَازِ شَهَادَتِهِ أَنْ يَجْتَمِعَ فِيهِ خَمْسَةُ أَوْصَافٍ، مَتَى عَرِيَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهَا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ، وَهِيَ: الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ وَالْعَدَالَةُ، زَادَ ابْنُ رَاشِدٍ وَالْمُرُوءَةُ، وَاخْتُلِفَ فِي الرُّشْدِ وَزَادَ ابْنُ رُشْدٍ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّيَقُّظِ وَالسَّلَامَةِ مِنْ التَّغَفُّلِ.
فَرْعٌ: فَلَوْ بَلَغَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَلَمْ يَحْتَلِمْ، وَكَانَ عَدْلًا فَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: تَجُوزُ شَهَادَتُهُ.
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ ابْنِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً إلَّا أَنْ يَحْتَلِمَ، أَوْ يَبْلُغَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ مُفِيدِ الْحُكَّامِ.
تَنْبِيهٌ: وَفِي كِتَابِ آدَابِ الشَّهَادَةِ لِأَبِي الْفَضْلِ الْعَبَّاسِ بْنِ إسْمَاعِيلَ ابْنِ مَعْمَرِ بْنِ حَبِيبٍ الْجَوْهَرِيِّ قَالَ: وَإِذَا أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ فَشَهِدَ شَهَادَةً وَقَدْ كَانَ عَدْلًا فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى تَجْدِيدِ تَعْدِيلٍ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ حَتَّى يُعَدَّلَ بَعْدَ بُلُوغِهِ.
وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مُحْتَجًّا لِمَذْهَبِهِ فِي كَوْنِهِ يَكْتَفِي بِظَاهِرِ الْإِسْلَامِ فِي الْعَدَالَةِ إذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ، وَشَهِدَ بِفَوْرِ إسْلَامِهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ تَعْوِيلًا عَلَى
مُجَرَّدِ الْإِسْلَامِ، قُلْنَا لَمْ يُعَوَّلْ فِي هَذَا إذَا قِيلَ بِقَبُولِ شَهَادَتِهِ عَلَى مُجَرَّدِ الْإِسْلَامِ، لَكِنْ عَلَى الْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَمْ يَعْصِ وَلَمْ يَفْسُقْ بَلْ جَبَّ إسْلَامُهُ عَنْهُ الْآثَامَ، فَصَارَ عِنْدَ الْإِسْلَامِ كَمَنْ قُطِعَ بِطَهَارَتِهِ وَلَمْ يَرَ ابْنُ الْقَصَّارِ قَبُولَ شَهَادَتِهِ، بَلْ ذَهَبَ إلَى التَّوَقُّفِ عَنْ قَبُولِهَا، حَتَّى يُعْلَمَ مَا يَبْدُو مِنْهُ، بَعْدَ إسْلَامِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مُصِرًّا بِقَلْبِهِ عَلَى مَعْصِيَةٍ، أَوْ اعْتِقَادٍ فَاسِدٍ، فَلِهَذَا قَيَّدَ فِي كِتَابِ آدَابِ الشَّهَادَةِ بِكَوْنِهِ كَانَ عَدْلًا قَبْلَ إسْلَامِهِ، فَأَمَّا الْبُلُوغُ؛ فَلِأَنَّ التَّكْلِيفَ شَرْطٌ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، فَلِذَلِكَ اشْتَرَطَ الْبُلُوغَ وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ عَلَى شُرُوطٍ يَأْتِي ذِكْرُهَا، وَكَذَلِكَ الْعَقْلُ شَرْطٌ فِي التَّكْلِيفِ، وَاشْتُرِطَتْ الْحُرِّيَّةُ لِظَوَاهِرِ آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، يَطُولُ ذِكْرُ الِاسْتِدْلَالِ مِنْهَا، وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ مِنْهَا مَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْإِسْلَامِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى:{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] ، وَالْكَافِرُ غَيْرُ مَرْضِيٍّ.
وَأَمَّا الْعَدَالَةُ فَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: اُخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْعَدَالَةِ وَالرِّضَا، الَّذِي تَجُوزُ بِهِ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ عِنْدِي: أَنَّهُ الشَّاهِدُ الَّذِي يَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ وَيَتَوَقَّى الصَّغَائِرَ، عَلَى أَنْ لَا صَغِيرَةَ عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا عُصِيَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فَهُوَ كَبِيرَةٌ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهَا صَغَائِرُ بِإِضَافَتِهَا إلَى الْكَبَائِرِ، قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَالْعَدَالَةُ هَيْئَةٌ رَاسِخَةٌ فِي النَّفْسِ، تَحُثُّ عَلَى مُلَازَمَةِ التَّقْوَى بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَتَوَقِّي الصَّغَائِرِ، وَالتَّحَاشِي عَنْ الرَّذَائِلِ الْمُبَاحَةِ.
وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: الْمُرَادُ بِهَا الِاعْتِدَالُ وَالِاسْتِوَاءُ فِي الْأَحْوَالِ الدِّينِيَّةِ، وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرَ الْأَمَانَةِ، عَفِيفًا عَنْ الْمَحَارِمِ، مُتَوَقِّيًا لِلْمَآثِمِ بَعِيدًا مِنْ الرِّيَبِ، مَأْمُونًا فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَيْسَتْ الْعَدَالَةُ أَنْ يُمْحِضَ الرَّجُلُ الطَّاعَةَ حَتَّى لَا تَشُوبَهَا مَعْصِيَةٌ، وَذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ إلَّا فِي الْأَوْلِيَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ، وَلَكِنْ مَنْ كَانَتْ أَكْثَرُ حَالِهِ الطَّاعَةَ وَهِيَ الْغَالِبُ مِنْ أَحْوَالِهِ، وَهُوَ مُجْتَنِبٌ لِلْكَبَائِرِ مُحَافِظٌ عَلَى تَرْكِ الصَّغَائِرِ. فَهُوَ الْعَدْلُ.
وَأَمَّا الْمُرُوءَةُ، فَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَى مُرُوءَتِهِ، قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُرُوءَةِ نَظَافَةَ الثَّوْبِ وَلَا فَرَاهَةَ الْمَرْكُوبِ وَجَوْدَةَ الْآلَةِ وَحُسْنَ الشَّارَةِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهَا: التَّصَوُّنُ وَالسَّمْتُ الْحَسَنُ، وَحِفْظُ اللِّسَانِ، وَتَجَنُّبُ مُخَالَطَةِ الْأَرَاذِلِ، وَتَرْكُ الْإِكْثَارِ مِنْ الْمُدَاعَبَةِ وَالْفُحْشِ وَكَثْرَةِ الْمُجُونِ، وَتَجَنُّبُ السُّخْفِ، وَالِارْتِفَاعُ عَنْ كُلِّ خُلُقٍ
رَدِيءٍ، يُرَى أَنَّ كُلَّ مَنْ تَخَلَّقَ بِهِ لَا يُحَافَظُ عَلَى دِينِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِهِ جُرْحَةً.
وَأَمَّا الرُّشْدُ: فَاخْتُلِفَ هَلْ مِنْ شَرْطِ الشَّاهِدِ أَنْ يَكُونَ رَشِيدًا مَالِكًا لِأَمْرِ نَفْسِهِ؟ فَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ شَهَادَةَ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ جَائِزَةٌ إنْ كَانَ عَدْلًا، وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَيْضًا عَنْهُ.
وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ لَوْ طَلَبَ مَالَهُ أُعْطِيهِ، وَاخْتَارَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ قَالَ: وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْبِكْرِ فِي الْمَالِ حَتَّى تَعْنُسَ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ.
وَأَمَّا الْيَقِظَةُ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَمِنْ شَرْطِ جَوَازِ الشَّهَادَةِ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ مِنْ أَهْلِ الْيَقِظَةِ وَالتَّحَرُّزِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْغَفْلَةِ لَمْ يُؤْمَنْ عَلَيْهِ التَّخْبِيلُ وَالتَّحَيُّلُ فَيَشْهَدُ بِالْبَاطِلِ.
الثَّانِي: فِي مَوَانِعِ الْقَبُولِ: وَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ: مَانِعٌ مُطْلَقًا وَمَانِعٌ عَلَى جِهَةٍ يَعْنِي أَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ مَعَ بَقَاءِ الْعَدَالَةِ.
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: يَكْثُرُ تَعْدَادُهُ وَيَتَعَذَّرُ حَصْرُهُ وَلَكِنْ نَذْكُرُ مِنْهُ مَا يَتَيَسَّرُ فَمِنْهُ كُلُّ وَصْفٍ أَوْ فِعْلٍ مُضَادٍّ لِلْعَدَالَةِ أَوْ لِلْمُرُوءَةِ، أَوَّلُهَا: كَتَعَاطِي فِعْلِ الْفَاحِشَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا مِنْ الْكَبَائِرِ، وَالْإِصْرَارُ عَلَى الصَّغِيرَةِ يُصَيِّرُهَا كَبِيرَةً.
وَمِنْهُ أَنْ يَقْتَطِعَ شَيْئًا مِنْ مَحَجَّةِ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ الْبَاجِيُّ فِي وَثَائِقِهِ: ذَلِكَ جُرْحَةٌ إنْ كَانَ اقْتِطَاعُهُ عَنْ مَعْرِفَةٍ وَقَصْدٍ، وَإِنْ كَانَ لَا يَضِيقُ وَلَا يَضُرُّ بِالْمَارِّينَ، وَظَاهِرُ قَوْلِ غَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَقْدَحُ إلَّا أَنْ يَضُرَّ وَيَفْعَلَهُ عَنْ مَعْرِفَةٍ، انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ سَهْلٍ وَنَقْلِهِ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ إذَا كَانَتْ الطَّرِيقُ وَاسِعَةً جِدًّا.
وَمِنْهُ: أَنْ يَدَّعِيَ عِلْمَ الْقَضَاءِ بِالنُّجُومِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: إنْ ادَّعَاهُ وَاشْتُهِرَ بِهِ وَأَكَلَ الْمَالَ بِهِ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ، انْتَهَى مِنْ ابْنِ رَاشِدٍ، وَفِي فَتَاوَى ابْنِ رُشْدٍ: الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُسْتَوْفًى، وَمِنْ جُمْلَتِهِ أَنَّ الْمُنَجِّمَ إذَا كَانَ مُؤْمِنًا بِاَللَّهِ عز وجل، مُقِرًّا بِأَنَّ النُّجُومَ وَاخْتِلَافَهَا فِي الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي شَيْءٍ مِمَّا يَحْدُثُ فِي الْعَالَمِ، وَأَنَّ اللَّهَ عز وجل هُوَ الْفَاعِلُ لِذَلِكَ كُلِّهِ، إلَّا أَنَّهُ جَعَلَهَا أَدِلَّةً عَلَى مَا يَفْعَلُهُ اللَّهُ عز وجل، فَحُكْمُ هَذَا أَنْ يُزْجَرَ عَنْ اعْتِقَادِهِ وَيُؤَدَّبَ عَلَيْهِ أَبَدًا. حَتَّى يَكُفَّ عَنْهُ وَيَرْجِعَ عَنْ
اعْتِقَادِهِ وَيَتُوبَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ يُجْرَحُ بِهَا، فَتَسْقُطُ إمَامَتُهُ وَشَهَادَتُهُ عَلَى مَا قَالَهُ سَحْنُونٌ فِي نَوَازِلِهِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُصَدِّقَهُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَجْتَمِعَ فِي قَلْبِ مُؤْمِنٍ تَصْدِيقُهُ مَعَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ} [النمل: 65] وقَوْله تَعَالَى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} [الجن: 26]{إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 27] وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ.
وَمِنْهُ: سَمَاعُ الْقِيَانِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: مَنْ سَمِعَ صَوْتَ الْعِيدَانِ وَحَضَرَهَا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا نَبِيذٌ، إلَّا أَنْ يَحْضُرَهَا فِي عُرْسٍ أَوْ صَنِيعٍ فَلَا أَبْلُغُ بِهِ رَدَّ الشَّهَادَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا نَبِيذٌ، وَلَيْسَ الصَّنِيعُ كَغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا عَلَى كُلِّ حَالٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَمَنْ سَمِعَ رَجُلًا يُغَنِّي لَمْ أَرُدُّ بِذَلِكَ شَهَادَتَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُدْمِنًا، وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ الْمُغَنِّي وَالْمُغَنِّيَةِ إذَا عُرِفُوا بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ مَنْ يَغْشَى الْمُغَنِّينَ أَوْ يَغْشَوْنَهُ أَوْ أَكْثَرَ سَمَاعَ الْقِيَانِ. فَائِدَةٌ: فِي حُكْمِ السَّمَاعِ مِنْ الرِّحْلَةِ لِلْإِمَامِ الْخَطِيبِ الْعَلَّامَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَشِيدٍ، قَالَ: حَكَى الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرٍ الْمَقْدِسِيُّ الْمُحَدِّثُ الصُّوفِيُّ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالَ: سَأَلْت الشَّرِيفَ أَبَا عَلِيٍّ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْهَاشِمِيَّ عَنْ السَّمَاعِ فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ فِيهِ، غَيْرَ أَنِّي حَضَرْت بِدَارِ شَيْخِنَا أَبِي الْحَسَنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْحَارِثِ التَّمِيمِيِّ شَيْخِ الْحَنَابِلَةِ سَنَةَ سَبْعِينَ وَثَلَثِمِائَةٍ فِي دَعْوَةٍ عَمِلَهَا لِأَصْحَابِهِ حَضَرَهَا الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ شَيْخُ الْمَالِكِيَّةِ، وَأَبُو الْقَاسِمِ الدَّارَكِيُّ شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ شَيْخُ الطَّوَائِفِ وَإِمَامُ وَقْتِهِ، وَأَبُو الْحَسَنِ طَاهِرُ بْنُ الْحُسَيْنِ شَيْخُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ سَمْعُونٍ شَيْخُ الْوُعَّاظِ وَالزُّهَّادِ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مُجَاهِدٍ شَيْخُ الْمُتَكَلِّمِينَ، فَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: لَوْ سَقَطَ السَّقْفُ عَلَى هَؤُلَاءِ لَمْ يَبْقَ بِالْعِرَاقِ أَحَدٌ يُفْتِي فِي نَازِلَةٍ يُشْبِهُ وَاحِدًا مِنْهُمْ، وَحَضَرَ مَعَهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ غُلَامُ بَابَا وَكَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ بِصَوْتٍ حَسَنٍ، وَرُبَّمَا قَالَ شَيْئًا فَقِيلَ لَهُ: قُلْ لَنَا شَيْئًا فَقَالَ وَهُمْ يَسْمَعُونَ:
خَطَّتْ أَنَامِلُهَا فِي بَطْنِ قِرْطَاسِ
…
رِسَالَةً بِعَبِيرٍ لَا بِأَنْفَاسِ
أَنْ زُرْ فَدَيْتُكَ لِي مِنْ غَيْرِ مُحْتَشَمٍ
…
فَإِنَّ حُبَّكَ لِي قَدْ ضَاعَ فِي النَّاسِ
فَكَانَ قَوْلِي لِمَنْ أَدَّى رِسَالَتَهَا
…
قِفِي لِأَمْشِيَ عَلَى الْعَيْنَيْنِ وَالرَّاسِ
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: فَبَعْدَ مَا رَأَيْت هَذَا لَا يُمْكِنُنِي أَنْ أُفْتِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا بِحَظْرٍ وَلَا إبَاحَةٍ. وَمِنْهُ النَّائِحَةُ إذَا عُرِفَتْ بِذَلِكَ.
وَمِنْهُ شَهَادَةُ الشَّاعِرِ الَّذِي يَمْدَحُ مَنْ أَعْطَاهُ وَيَهْجُو مَنْ مَنَعَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا يَهْجُو مَنْ مَنَعَهُ وَلَا يُؤْذِي أَحَدًا بِلِسَانِهِ وَيَأْخُذُ مِمَّنْ أَعْطَاهُ، فَأَرَى أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ إنْ كَانَ عَدْلًا، وَحَكَى ابْنُ رَاشِدٍ عَنْ زَرْبٍ: إنْ كَانَ الشَّاعِرُ يَكْذِبُ فِي شِعْرِهِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ، قَالَ: وَأَمَّا: وَصْفُ الشَّاعِرِ النِّسَاءَ، أَوْ الْخَمْرَ، بِمَا يَجُوزُ لَهُ فَلَا يَقْدَحُ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَةِ الْأَحْوَذِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: لَا بَأْسَ بِإِنْشَادِ الشِّعْرِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ فِي مَدْحِ الدِّينِ، وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ الْخَمْرُ مَمْدُوحَةً بِصِفَاتِهَا الْخَبِيثَةِ مِنْ طِيبِ رَائِحَةٍ وَحُسْنِ لَوْنٍ، وَاسْتَدَلَّ بِمَا فِي قَصِيدَةِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ الَّتِي أَوَّلُهَا بَانَتْ سُعَادُ وَمِنْهُ عَصْرُ الْخَمْرِ وَبَيْعُهَا وَكِرَاءُ دَارِهِ مِمَّنْ يَبِيعُهَا.
وَمِنْهُ: بَيْعُ النَّرْدِ وَالْمَزَامِيرِ وَالطَّنَابِيرِ وَآلَاتِ اللَّهْوِ قَالَهُ سَحْنُونٌ، وَمِنْهُ: أَنْ يُحَلِّفَ أَبَاهُ، قَالَ ابْنُ زَرْبٍ: أَوْ جَدَّهُ أَوْ يُحَدَّ لَهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ.
وَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: ذَلِكَ جُرْحَةٌ مَا لَمْ يُعْذَرْ بِجَهْلٍ.
وَمِنْهُ: قَطْعُ السِّكَّةِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْمَوَّازِ إلَّا أَنْ يُعْذَرَ بِجَهْلٍ.
وَقَالَ عَنْهُ الْعُتْبِيُّ: لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا.
وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَيْسَ قَطْعُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ بِجُرْحَةٍ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: وَهَذَا الِاخْتِلَافُ عِنْدِي إنَّمَا هُوَ إذَا قَطَعَهَا وَهِيَ وَازِنَةٌ فَرَدَّهَا نَاقِصَةً، وَالْبَلَدُ لَا تَجُوزُ فِيهِ إلَّا وَازِنَةً وَهِيَ تَجْرِي فِيهِ عَدَدًا بِغَيْرِ وَزْنٍ فَانْتَفَعَ بِمَا قَطَعَ مِنْهَا وَيُنْفِقُهَا بِغَيْرِ وَزْنٍ، فَتَجْرِي مَجْرَى الْوَازِنَةِ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ ذَلِكَ جُرْحَةٌ، وَلَوْ قَطَعَهَا وَكَانَ التَّبَايُعُ بِهَا بِالْمِيزَانِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ التَّبَايُعَ بِهَا لَيْسَ بِجُرْحَةٍ وَإِنْ كَانَ عَالَمًا فَمَكْرُوهٌ وَذَلِكَ.
مَسْأَلَةٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْطَعَ الرَّجُلُ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ حُلِيًّا لِبَنَاتِهِ وَنِسَائِهِ، قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ، وَانْظُرْ فِي الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ فِي رَسْمِ شَكَّ فِي طَوَافِهِ وَرَسْمِ تَأْخِيرِ الْعِشَاءَيْنِ مَا لَا يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ وَمَا يُكْرَهُ مِنْهُ. وَيَجُوزُ مِنْهُ، وَمَا يُتَّفَقُ عَلَيْهِ مِنْ
ذَلِكَ وَيُخْتَلَفُ فِيهِ.
وَمِنْهُ اعْتِقَادُ الْبِدْعَةِ، كَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْإِبَاضِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ، قَالَ سَحْنُونٌ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْبِدَعِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى شَهَادَتِهِمْ فِي الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ غَيْرِ الْعُدُولِ لِلضَّرُورَةِ، وَمِنْهُ الْكِهَانَةُ.
وَمِنْهُ أَنْ يَتْرُكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَقِيلَ إذَا تَرَكَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُبَرَّزِينَ فِي الصَّلَاحِ وَمِمَّنْ لَا يُتَّهَمُ فَهُوَ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ، قَالَ ذَلِكَ فِيمَنْ تَرَكَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِي التَّجْرِيحِ بِتَرْكِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَقِيلَ: لَا يُجْرَحُ بِتَرْكِهَا؛ لِأَنَّ الْأَعْذَارَ الْقَاطِعَةَ عَنْ الْجُمُعَةِ قَدْ تَخْفَى عَنْ النَّاسِ وَمِنْهَا: مَا يُكْرَهُ إظْهَارُهُ، فَيُوكَلُ ذَلِكَ إلَى أَمَانَةِ الْمُتَخَلِّفِ عَنْهَا، وَلَا تَسْقُطُ الْعَدَالَةُ الثَّابِتَةُ بِأَمْرٍ مُحْتَمَلٍ هَلْ وَقَعَ عَلَى وَجْهٍ مُبَاحٍ أَوْ مَحْظُورٍ؟ وَقِيلَ: بَلْ يُجْرَحُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَرْكَهَا مَعْصِيَةٌ وَالْأَعْذَارُ نَادِرَةٌ وَنَحْنُ نَسْتَصْحِبُ الظَّاهِرَ مِنْ الْأُمُورِ. وَاخْتُلِفَ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ هَلْ يَقَعُ التَّجْرِيحُ بِالتَّخَلُّفِ عَنْهَا مَرَّةً وَاحِدَةً، أَوْ لَا يَقَعُ إلَّا بِالتَّخَلُّفِ عَنْهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؟ . وَمِنْهُ: مَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا تَعَمَّدَ ذَلِكَ فِي فَرِيضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ قَالَهُ ابْنُ كِنَانَةَ.
وَمِنْهُ مَنْ لَا يُحْكِمُ فَرَائِضَ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ. وَمِنْهُ: قَالَ سَحْنُونٌ: وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مَنْ سَافَرَ فَاحْتَاجَ إلَى التَّيَمُّمِ فَلَمْ يُحْسِنْهُ. وَمِنْهُ: مَنْ لَزِمَتْهُ زَكَاةٌ فَلَمْ يَعْلَمْ نِصَابَهَا.
وَمِنْهُ مَنْ اتَّصَلَ وَفْرُهُ وَقُوَّتُهُ فَبَلَغَ عُمْرُهُ إلَى سِتِّينَ سَنَةً فَلَمْ يَحُجَّ فَلَا شَهَادَةَ لَهُ، قِيلَ لَهُ: وَإِنْ كَانَ بِالْأَنْدَلُسِ، قَالَ: وَإِنْ كَانَ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَمِنْهُ: مَنْ حَبَسَ دَيْنًا فَلَمْ يَقْضِهِ وَهُوَ غَنِيٌّ.
وَمِنْهُ: مَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ، رُدَّتْ شَهَادَتُهُ وَعَلَيْهِ الْأَدَبُ إنْ كَانَ غَيْرَ جَاهِلٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَطِئَ صَغِيرَةً مِثْلُهَا لَا يُوطَأُ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ.
وَمِنْهُ: الْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ وَإِنْ فَرَّ الْإِمَامُ، قَالَ ابْنُ زَرْبٍ: حَتَّى تُعْرَفَ تَوْبَتُهُ وَيَزْدَادَ خَيْرًا، وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ أَنْ يَفِرَّ مِنْ الْمِثْلَيْنِ.
وَمِنْهُ: تَرْكُ الصَّلَاةِ أَوْ الصِّيَامِ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ الْمَشْرُوعُ. وَمِنْهُ: جَهْلُ أَحْكَامِ قَصْرِ الصَّلَاةِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّفَرِ.
وَمِنْهُ: شَهَادَةُ الْفَقِيهِ فِيمَا اُسْتُفْتِيَ فِيهِ إذَا جَاءَهُ الْمُسْتَفْتِي فِي أَمْرٍ يَنْوِي فِيهِ، فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَشْهَدُ بِمَا سَمِعَ وَهِيَ رِوَايَةُ يَحْيَى.
وَفِي رِوَايَةِ عِيسَى عَنْهُ: لَا يَشْهَدُ بِمَا سَمِعَ وَبِهِ الْعَمَلُ، وَمِثْلُهُ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ فِي مُنْتَخَبِهِ مِنْ مُفِيدِ الْحُكَّامِ. وَمِنْهُ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى تَرْكِ الْمَنْدُوبِ الْمُؤَكَّدِ: كَالْوِتْرِ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ.
وَمِنْهُ: أَنْ يُحَدَّ فِي قَذْفٍ، فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ مُطْلَقًا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَعَنْ مَالِكٍ إلَّا مَا حُدَّ فِيهِ، وَبِهِ قَالَ مُطَرِّفٌ
وَابْنُ الْمَاجِشُونِ. وَهَذَا الْخِلَافُ يَدْخُلُ فِي شَهَادَةِ وَلَدِ الزِّنَا، وَفِي شَهَادَةِ الْبِكْرِ الزَّانِي فِي الزِّنَا. وَشَهَادَةِ السَّارِقِ إذَا قُطِعَ فِيهَا.
وَفِي شَهَادَةِ قَاتِلِ الْعَمْدِ إذَا عُفِيَ عَنْهُ فِي الْقَتْلِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي الْمَشْهُورُ، قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: تُرَدُّ شَهَادَةُ الزَّانِي فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالزِّنَا، وَكَذَلِكَ الْمَنْبُوذُ كَاللِّعَانِ وَالْقَذْفِ.
وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَذْهَبُ فِي رَدِّ شَهَادَةِ وَلَدِ الزِّنَا فِي الزِّنَا، وَقَبُولِهَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَذْهَبِ.
وَمِنْهُ: تَكَرُّرُ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ فِي قَوْلِ سَحْنُونٍ. وَمِنْهُ: قَبُولُ جَوَازِ الْعُمَّالِ الْمَضْرُوبِ عَلَى أَيْدِيهِمْ، وَكَذَلِكَ إدْمَانُ الْأَكْلِ عِنْدَهُمْ بِخِلَافِ قَبُولِ جَوَائِزِ الْخُلَفَاءِ مَنْ يُرْضَى مِنْهُمْ وَمَنْ لَا يُرْضَى، وَقَدْ قَبِلَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَهْلِ الْفَضْلِ. وَمِنْهُ: مُعَامَلَةُ أَهْلِ الْغُصُوبِ وَالسَّلَفِ مِنْهُمْ: وَمِنْهُ اعْتِيَادُ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ.
وَمِنْهُ: الْعَصَبِيَّةُ وَهُوَ أَنْ يُبْغِضَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَنِي فُلَانٍ أَوْ مِنْ قَبِيلَةِ كَذَا. وَمِنْهُ: النَّمِيمَةُ. وَمِنْهُ الطَّعْنُ عَلَى النَّاسِ. وَمِنْهُ الْخِيَانَةُ وَالرِّشْوَةُ. وَمِنْهُ تَلْقِينُ الْخَصْمِ الْخُصُومَةَ فَقِيهًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ. وَمِنْهُ: صَنْعَةُ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ.
وَمِنْهُ: إتْيَانُ مَجْلِسِ الْقَاضِي ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَاتٍ لِغَيْرِ حَاجَةٍ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إظْهَارَ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ الْقَاضِي وَيَجْعَلُ ذَلِكَ مَأْكَلَةً لِلنَّاسِ، وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَمِنْهُ: أَنْ يَأْخُذَ حِجَارَةً مِنْ الْمَسْجِدِ وَيَقُولَ: تَسَلَّفْتهَا وَرَدَدْتُ مِثْلَهَا. وَمِنْهُ: أَنْ يَسْكُنَ فِي دَارٍ يَعْلَمُ أَنَّ أَصْلَهَا مَغْصُوبٌ. وَمِنْهُ: أَنْ يَكُونَ لَهُ ابْنٌ شِرِّيبٌ سَمَّاعٌ لِلْغِنَاءِ مِنْ الْخَدَمِ وَغَيْرِهِنَّ يَسْكُنُ مَعَهُ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ. وَمِنْهُ: الِالْتِفَاتُ فِي الصَّلَاةِ يَمِينًا وَشِمَالًا. وَمِنْهُ: سُكُوتُهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مِثْلُ: عِتْقِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ يَرَاهُمَا يُمْلَكَانِ، وَطَلَاقِ امْرَأَةٍ يَرَى زَوْجَهَا مُقِيمًا مَعَهَا وَلَا يَقُومُ بِذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُ عُذْرٌ، وَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ.
وَمِنْهُ: الْإِدْمَانُ عَلَى اللَّعِبِ بِالْحَمَامِ، وَمِنْهُ: الْإِدْمَانُ عَلَى اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ، وَذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا هُوَ الْمَرَّةُ بَعْدَ الْمَرَّةِ فَشَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ إذَا كَانَ عَدْلًا، وَكَرِهَ مَالِكٌ اللَّعِبَ بِهَا وَإِنْ قَلَّ وَقَالَ هُوَ أَشَدُّ مِنْ النَّرْدِ.
وَقَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَاللَّاعِبُ بِالْحَمَامِ وَالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ إنْ كَانَ يُقَامِرُ عَلَيْهَا، أَوْ كَانَ مُدْمِنًا لَمْ يُقَامِرْ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إنْ كَانَ كَثِيرَ اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ حَتَّى يَشْغَلَهُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ، طُرِحَتْ شَهَادَتُهُ وَإِلَّا جَازَتْ. وَأَمَّا النَّرْدُ فَلَا أَعْلَمُ مَنْ يَلْعَبُ بِهِ فِي وَقْتِنَا هَذَا إلَّا أَهْلُ السَّفَهِ وَمَنْ تَرَكَ الْمُرُوءَةَ مِنْ الدِّينِ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ، قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: تَجُوزُ شَهَادَةُ مَنْ لَا يُدْمِنُ اللَّعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ إذْ لَا يَخْلُو الْإِنْسَانُ مِنْ لَهْوٍ
وَفَرَحٍ يَسِيرٍ، وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ، قَالَ مُحَمَّدٌ وَغَيْرُهُ: لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُدْمِنًا عَلَى اللَّعِبِ. قَالَ فِي الْمَذْهَبِ، وَحَكَى الدَّاوُدِيُّ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ لَعِبَهَا مَرَّةً فِي الْعُمْرِ تَسْقُطُ بِهِ الشَّهَادَةُ.
وَمِنْهُ: الْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا. وَمِنْهُ: رُكُوبُ الْبَحْرِ عِنْدَ ارْتِجَاجِهِ وَفِي غَيْرِ إبَّانِهِ. وَمِنْهُ: دُخُولُ الْحَمَّامِ بِغَيْرِ مِئْزَرٍ وَعَدَمُ تَطَهُّرِهِ فِي الْحَمَّامِ بَعْدَ غُسْلِهِ بِمَاءٍ لَا يَشُكُّ فِي طَهُورِيَّتِهِ. وَمِنْهُ: إفْسَادُ الزَّرْعِ وَرَعْيُهُ عَلَى وَجْهِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ. وَمِنْهُ: تَعْلِيمُ جَارِيَتِهِ الْغِنَاءَ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ. وَمِنْهُ: وَطْءُ الْمَرْأَةِ فِي حَيْضِهَا. وَمِنْهُ الطَّحِينُ فِي الرَّحَا الْمَغْصُوبَةِ إذَا عَلِمَ ذَلِكَ. وَمِنْهُ: الِانْتِسَابُ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَالِانْتِمَاءُ إلَى غَيْرِ مَوَالِيه. وَمِنْهُ: هَجْرُ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ حَتَّى وَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ غَيْرَ مُوَادٍّ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْهَجْرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِالْعَدَاوَةِ وَالْخُصُومَةِ إذَا كَانَتَا فِي أُمُورِ الدُّنْيَا، وَمِنْهُ: أَنْ يَتَحَرَّفَ بِالْحِرَفِ الدَّنِيئَةِ اخْتِيَارًا وَيَكُونُ مِمَّنْ لَا يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ، كَدِبَاغَةٍ وَحِجَامَةٍ وَحِيَاكَةٍ وَكُنَاسَةٍ، فَأَمَّا أَرْبَابُهَا وَفَاعِلُهَا مُضْطَرًّا فَلَا يَقْدَحُ فِيهِ، وَمِنْهُ: الْأَكْلُ فِي السُّوقِ.
وَمِنْهُ: شَهَادَةُ الْقِرَاءَةِ بِأَلْحَانٍ عَلَى اخْتِلَافٍ.
وَفِي ابْنِ يُونُسَ وَأَكْرَهُ الْقِرَاءَةَ بِالْأَلْحَانِ حَتَّى يُشْبِهَ الْغِنَاءَ، وَلَا أَرُدُّ شَهَادَةَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ، قَالَ ابْنُ الْقُرَظِيِّ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي رَدِّ شَهَادَتِهِ.
وَقَالَ ابْنُ الْفَرَسِ: وَاسْتَحْسَنَ بَعْضُهُمْ أَنْ لَا تَجُوزَ شَهَادَتُهُ كَأَنَّهُ رَآهُمْ غَيْرَ مَرْضِيِّينَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى قَالَ {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] .
وَمِنْهُ: شَهَادَةُ الْبَخِيلِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ يُؤَدِّي زَكَاتَهُ وَكَأَنَّ مَنْ لَمْ يُجِزْهَا رَآهُ بِتِلْكَ الْحَالَةِ غَيْرَ مَرْضِيٍّ.
وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: الْبُخْلُ مَنْعُ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ.
وَأَمَّا مَنْعُ مَا لَا يَجِبُ فَالْقَدَحُ بِهِ فِي الشَّهَادَةِ يَفْتَقِرُ إلَى تَفْصِيلٍ يَعْرِفُهُ مَنْ يَعْرِفُ الِاسْتِدْلَالَ بِحَرَكَاتِ النَّاسِ وَطِبَاعِهِمْ وَسَيْرِهِمْ فِي دِينِهِمْ وَصِدْقِهِمْ. وَمِنْهُ: شَهَادَةُ الْأَخْرَسِ، قَالَ ابْنُ الْفَرَسِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهَا، وَمِنْهُ: شَهَادَةُ آكِلِ الطِّينِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي قَبُولِهَا قَالَهُ ابْنُ الْفَرَسِ، وَوَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّهُ إذَا غَلَبَتْهُ شَهْوَتُهُ عَلَى أَكْلِ مَا يَضُرُّ بَدَنَهُ، فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ تَغْلِبَهُ عَلَى أَنْ يَقْبَلَ الرِّشْوَةَ أَوْ يَشْهَدَ لِلْحَمِيَّةِ وَالْعَصَبِيَّةِ. وَمِنْهُ: شَهَادَةُ نَاتِفِ لِحْيَتِهِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهَا. وَمِنْهُ: شَهَادَةُ الْبَائِلِ قَائِمًا وَفِيهَا خِلَافٌ. وَمِنْهُ: شَهَادَةُ الْأَغْلَفِ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إنْ تَرَكَ ذَلِكَ مِنْ عُذْرٍ فَشَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَلَا شَهَادَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ فِطْرَةً مِنْ سُنَّةِ الْإِسْلَامِ، وَلَا عُذْرَ لَهُ بِإِسْلَامِهِ وَهُوَ كَبِيرٌ قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ، وَمِنْهُ: شَهَادَةُ غَيْرِ الْحَسَنِ