الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا يَمِينٍ، وَلَوْ لَمْ يُوَقِّتْ لِلدَّيْنِ وَقْتًا، فَأَرَى ذَلِكَ جَائِزًا فِي ثُلُثِهِ، وَلَا أَرَى ذَلِكَ يَجُوزُ فِي ثُلُثَيْ الْوَرَثَةِ، وَأَرَاهُ كَالْوَصِيَّةِ، وَأَمَّا الَّذِي وَقَّتَ الدَّيْنَ وَسَمَّاهُ، فَهُوَ كَرَجُلٍ أَقَرَّ بِدَيْنٍ وَسَمَّاهُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ صَاحِبَهُ وَلَا أَصْلَهُ، فَقَالَ مَنْ جَاءَ يَدَّعِيه فَاقْضُوهُ إيَّاهُ، فَذَلِكَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَإِذَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ اثْنَانِ أَوْ جَمَاعَةٌ، كُلُّ وَاحِدٍ يَدَّعِيه لِنَفْسِهِ تَحَاصُّوا فِيهِ.
مَسْأَلَةٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قَالَ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ فِي رَجُلٍ أَوْصَى أَنَّ مَا ادَّعَى بَنُو فُلَانٍ قِبَلِي فَأَعْطَوْهُمْ إيَّاهُ، وَمَا أَقَرُّوا بِهِ لِي قِبَلَهُمْ فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُمْ غَيْرَهُ، وَلَا تَسْتَحْلِفُوا مِنْهُمْ أَحَدًا، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ أَشْيَاءُ وَحِسَابٌ، فَقَضَى ابْنُ وَهْبٍ أَنْ يُجِيزُوا قَوْلَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثُّلُثِ، وَمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ كَانَتْ فِيهِ الْبَيِّنَاتُ وَالْأَيْمَانُ.
وَقَالَ مُطَّرِفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ مِثْلَهُ.
[الْبَابُ الثَّلَاثُونَ فِي الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ بَعْضِ أَصْحَابِ الْحَقِّ]
مَسْأَلَةٌ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي آخِرِ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ، وَأَرَاهَا مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ قُلْتُ أَرَأَيْت الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِشَيْءٍ لِلْعَامَّةِ كَالطَّرِيقِ أَوْ الْخَاصَّةِ أَوْ الْمُورَدَةِ وَنَحْوِهَا مَنْ يَشْهَدُ عَلَيْهِ؟ قَالَ عُدُولٌ مِنْ الْعَامَّةِ، قُلْت: وَكَيْفَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ سَهْمٌ؟ قَالَ هَذَا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ أَحَدٌ لَيْسَ لَهُ سَهْمٌ يَشْهَدُ عَلَيْهِ، قَالَ لِي: وَلَيْسَ هَذَا سَهْمًا أَيْضًا، وَلَوْ كَانَ سَهْمًا مَا قُطِعَ مَنْ سَرَقَ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَلَا حُدَّ مَنْ زَنَى بِجَارِيَةٍ مِنْ الْمَغْنَمِ وَهَذَا مِثْلُهُ، قَالَ: وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: فِي الْقَوْمِ تَعْرِضُ لَهُمْ اللُّصُوصُ، فَيَأْخُذُهُمْ الْقَوْمُ فَيَأْتُونَ بِهِمْ الْإِمَامَ وَيَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ تَعَرَّضُوا لَنَا، وَتَلَصَّصُوا أَنَّ الْإِمَامَ يَحْكُمُ فِيهِمْ بِحُكْمِ الْمُحَارِبِينَ بِشَهَادَتِهِمْ، قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَمَنْ يَشْهَدُ عَلَيْهِمْ إلَّا هُمْ وَهَذَا مِثْلُهُ، وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
مَسْأَلَةٌ وَفِي الْمُقْنِعِ فِي الْمَسْلُوبِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ هَؤُلَاءِ سَلَبُونَا هَذَا الْمَتَاعَ وَهَذِهِ الدَّوَابَّ، وَذَلِكَ بِأَيْدِي اللُّصُوصِ، قَالَ مُطَّرِفٌ: فَشَهَادَةُ عَدْلَيْنِ مِنْهُمْ جَائِزَةٌ فِي الْقَطْعِ وَفِي أَمْوَالِهِمْ وَأَمْوَالِ غَيْرِهِمْ، وَلَوْ لَمْ تَجُزْ
فِي الْمَالِ لَمْ تَجُزْ فِي الْقَطْعِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُقْبَلُ بَعْضُ الشَّهَادَةِ وَيُرَدُّ بَعْضُهَا.
وَقَالَ أَصْبَغُ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَجُوزُ عَدْلَانِ مِنْهُمْ.
وَفِي الْقَطْعِ وَفِي أَمْوَالِ الرُّفْقَةِ غَيْرِ أَمْوَالِهِمَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَالُهَا يَسِيرًا فَتَجُوزُ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ.
وَقَالَ أَصْبَغُ لَا تَجُوزُ فِي الْقَطْعِ وَلَا لَهُمَا وَلَا لِغَيْرِهِمَا إنْ كَثُرَ مَا كَانَ لَهُمَا، فَإِذَا اُتُّهِمُوا فِي بَعْضِ الشَّهَادَةِ سَقَطَتْ كُلُّهَا، قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَيُقَامُ عَلَيْهِمْ بِشَهَادَتِهِمْ إذَا كَانُوا كَثِيرًا، وَأَقَلُّ الْكَثِيرِ أَرْبَعَةٌ، وَالْأَرْبَعَةُ قَوْلُ مَالِكٍ، قَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَلَا يُعْطَوْا الْأَمْوَالَ بِشَهَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ لِنَفْسِهِ، وَلَكِنْ يُعْطَوْنَ بِشَهَادَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، وَلَا يَكُونُونَ أَظِنَّاءُ بِمَا لِأَنْفُسِهِمْ وَإِنْ قَالَ اللُّصُوصُ لَمَّا قَطَعْنَا عَلَيْكُمْ زَالَتْ الظِّنَّةُ وَجَازَتْ الشَّهَادَةُ وَإِنْ قَالُوا قَطَعْنَا عَلَيْكُمْ فَقَدْ أَقَرُّوا بِشَهَادَتِهِمْ، وَلَا شَهَادَةَ لَهُمْ عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ.
مَسْأَلَةٌ وَفِي التَّهْذِيبِ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ شَهِدَ عَلَى وَصِيَّةٍ لَهُ فِيهَا شَيْءٌ تَافِهٌ لَا يُتَّهَمُ فِيهِ، جَازَتْ لَهُ وَلِغَيْرِهِ، إذْ لَا يَصِحُّ بَعْضُ الشَّهَادَةِ وَيُرَدُّ بَعْضُهَا.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: إنْ كَانَ مَعَهُ شَاهِدٌ غَيْرُهُ جَازَتْ شَهَادَتُهُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ جَازَتْ لِغَيْرِهِ وَلَمْ تَجُزْ لَهُ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهَا لَا تَجُوزُ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ.
تَنْبِيهٌ وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْأَوَّلِ تَجُوزُ لَهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ التَّبَعِ وَالتَّافِهِ ثُلُثُ الْوَصِيَّةِ.
وَفِي الطُّرَرِ لِلطَّنْجِيِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرِ: إنْ كَانَ مَعَ الشَّاهِدِ غَيْرُهُ وَكَانَ لَهُ فِيهَا شَيْءٌ أَمْ لَا، فَإِنَّ الثَّالِثَ الَّذِي لَمْ يَشْهَدْ يَأْخُذُ نَصِيبَهُ بِلَا يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِشَاهِدَيْنِ، وَالشَّاهِدَانِ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ صَاحِبِهِ، وَيَأْخُذُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ وَغَيْرُهُ قَدْ حَلَفَ.
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ أَيْضًا قَالَ: لَا يَخْلُو حَالُ هَذَا الشَّاهِدِ مِنْ وَجْهَيْنِ، إمَّا أَنْ يَشْهَدَ مَعَهُ غَيْرُهُ أَوْ يَنْفَرِدَ بِالشَّهَادَةِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ شَاهِدًا جَازَتْ فِي حَقِّ الْغَيْرِ بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَفِي حَقِّهِ بِيَمِينٍ، وَإِنْ انْفَرَدَ فَلَا يَخْلُو مَا شَهِدَ فِيهِ، إمَّا أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا فَيَمْتَنِعُ فِي حَقِّهِ وَفِي حَقِّ الْغَيْرِ قَوْلَانِ، أَوْ يَكُونَ يَسِيرًا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، قَوْلُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
الْأَوَّلُ: يَجُوزُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ، وَقَوْلُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَرِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمَا.
مَسْأَلَةٌ وَفِي الْمُقْنِعِ: قَالَ أَصْبَغُ فِي الْمُسْتَخْرَجَةِ فِي رَجُلَيْنِ شَهِدَا عَلَى وَصِيَّةٍ رَجُلٍ، فَشَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ، أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُ بِكَذَا، فَإِنْ كَانَ عَلَى كِتَابٍ وَاحِدٍ فِيهِ ذَلِكَ لَهُمَا فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْهَدُ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ، وَأَمَّا لَوْ شَهِدَ عَلَى غَيْرِ كِتَابٍ مَكْتُوبٍ فِيهِ الْوَصِيَّةُ، فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِفُلَانٍ بِكَذَا، ثُمَّ قَالَ الْمَشْهُودُ لَهُ بِالْوَصِيَّةِ: اشْهَدْ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ فُلَانًا الْمَيِّتَ أَوْصَى لِفُلَانٍ بِكَذَا، يَعْنِي الَّذِي شَهِدَ لَهُ بِالْوَصِيَّةِ فَهِيَ جَائِزَةٌ لَهُمَا، وَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ شَهَادَةِ الْآخَرِ.
مَسْأَلَةٌ وَلِابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدَّمَاتِ، عَلَى مَسْأَلَةِ التَّهْذِيبِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَمَا بَعْدَهَا كَلَامٌ فِيهِ جَمْعٌ وَتَفْصِيلٌ، رَأَيْت إثْبَاتَهُ هُنَا، قَالَ: وَأَمَّا التُّهْمَةُ الْحَاصِلَةُ فِي بَعْضِ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّهَا تُبْطِلُ جُمْلَةَ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ الْمَعْلُومِ فِي الْمَذْهَبِ، مِثْل أَنْ يَشْهَدَ رَجُلٌ أَنَّ لَهُ أَوْ لِأَبِيهِ وَلِرَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ عَلَى فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنْ مُعَامَلَةٍ أَوْ سَلَفٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَقَدْ وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا فِي شَهَادَةِ الشَّاهِدِ يَشْهَدُ أَنَّ رَجُلًا أَوْصَى لَهُ وَلِغَيْرِهِ بِوَصِيَّةِ مَالٍ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ، يَفْتَقِرُ تَحْصِيلُهُ إلَى تَفْصِيلٍ وَتَقْسِيمٍ وَذَلِكَ أَنَّهَا مَسْأَلَةٌ تَنْقَسِمُ عَلَى قِسْمَيْنِ، كُلُّ قِسْمٍ مِنْهُمَا لَا يَخْلُو مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُ الْقِسْمَيْنِ: أَنْ يَكُونَ الْمُوصِي أَشْهَدَ عَلَى وَصِيَّةٍ مَكْتُوبَةٍ، وَقَدْ أَوْصَى فِيهَا لِلشَّاهِدِ بِوَصِيَّةٍ. وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَلَى لَفْظٍ بِغَيْرِ كِتَابٍ، فَيَقُولَ لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا لِأَحَدِ الشُّهُودِ.
فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَنْ يُشْهِدَ الْمُوصِي عَلَى وَصِيَّتِهِ، وَقَدْ أَوْصَى فِيهَا لِلشَّاهِدِ بِوَصِيَّةٍ، فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَا سَمَّى الشَّاهِدُ فِيهَا يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا، فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا فَفِي ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّ شَهَادَةَ الْمُوصِي لَهُ لَا تَجُوزُ لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَّهَمُ فِي الْيَسِيرِ، كَذَا يُتَّهَمُ فِي غَيْرِ الْوَصِيَّةِ، وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْمُدَوَّنَةِ.
وَالثَّانِي أَنَّ شَهَادَتَهُ تَجُوزُ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ حَلَفَ الْمُوصِي لَهُمْ مَعَ شَهَادَتِهِ، أَنَّ مَا شَهِدَ بِهِ مِنْ الْوَصِيَّةِ حَقٌّ، وَأَخَذَ مَالَهُ فِيهَا بِشَهَادَتِهِ مَعَ أَيْمَانِهِمْ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ التَّبَعِ لِجُمْلَةِ الْوَصِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ أَوْصَى لَهُ أَيْضًا بِيَسِيرٍ، ثَبَتَتْ الْوَصِيَّةُ أَيْضًا بِشَهَادَتِهِمَا، وَأَخَذَ هُوَ مَا لَهُ فِيهَا بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَرِوَايَةُ مُطَّرِفٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْوَاضِحَةِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ شَهَادَتَهُ تَجُوزُ لِغَيْرِهِ وَلَا تَجُوزُ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ حَلَفَ الْمُوصَى لَهُمْ مَعَ شَهَادَتِهِ، وَاسْتَحَقُّوا وَصَايَاهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ أَوْصَى لَهُ فِيهَا بِشَيْءٍ يَسِيرٍ أَيْضًا، ثَبَتَتْ الْوَصِيَّةُ بِشَهَادَتِهِمَا لِمَنْ سِوَاهُمَا، وَأَخَذُوا وَصَايَاهُمْ بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَحَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ شَهَادَةِ صَاحِبِهِ فَاسْتَحَقَّ وَصِيَّتَهُ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَنْ لَمْ يُوصِ لَهُ فِيهَا بِشَيْءٍ، ثَبَتَتْ الْوَصِيَّةُ بِشَهَادَتِهِمَا لِمَنْ سِوَاهُ، وَحَلَفَ مَعَ شَهَادَةِ صَاحِبِهِ فَاسْتَحَقَّ وَصِيَّتَهُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ.
وَالرَّابِعُ: أَنَّ شَهَادَتَهُ تَجُوزُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ إنْ كَانَ مَعَهُ شَاهِدٌ غَيْرُهُ، فَتَثْبُتُ الْوَصِيَّةُ بِشَهَادَتِهِمَا، وَيَأْخُذُ مَا لَهُ فِيهَا بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَكَذَلِكَ صَاحِبُهُ أَيْضًا إنْ كَانَ لَهُ فِيهَا شَيْءٌ، وَيَأْخُذُ مَا لَهُ فِيهَا بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَاهِدٌ غَيْرَهُ فَإِنَّهَا تَجُوزُ لِغَيْرِهِ، وَلَا تَجُوزُ لِنَفْسِهِ وَيَحْلِفُ غَيْرُهُ مَعَ شَهَادَتِهِ، وَيَسْتَحِقُّ وَصِيَّتَهُ وَلَا يَكُونُ لَهُ هُوَ شَيْءٌ، وَهُوَ قَوْلُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَوْصَى بِهِ لِلشَّاهِدِ كَثِيرًا فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الْأَقْوَالِ، وَقِيلَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِغَيْرِهِ، وَلَا تَجُوزُ لِنَفْسِهِ عَلَى قِيَاسِ أَصْبَغَ فِي نَوَازِلِهِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ، فِي الْعَبْدَيْنِ يَشْهَدَانِ بَعْدَ عِتْقِهِمَا، أَنَّ الَّذِي أَعْتَقَهُمَا غَصَبَهُمَا مِنْ رَجُلٍ مَعَ مِائَةِ دِينَارٍ، أَنَّ شَهَادَتَهُمَا تَجُوزُ فِي الْمِائَةِ دِينَارٍ، وَلَا تَجُوزُ فِي غَصْبِ رِقَابِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا يُتَّهَمَانِ أَنْ يُرِيدَا إرْقَاقَ أَنْفُسِهِمَا، وَلَا يَجُوزُ لِحُرٍّ أَنْ يُرِقَّ نَفْسَهُ. وَيَقُومُ مِنْ قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الشَّهَادَةَ إذَا رُدَّ بَعْضُهَا لِتُهْمَةٍ جَازَ مِنْهَا مَا لَا تُهْمَةَ فِيهِ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ الْمَعْلُومِ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يُشْهِدَ الْمُوصِي عَلَى وَصِيَّتِهِ لَفْظًا بِغَيْرِ كِتَابٍ، فَيَقُولَ لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا، لِأَحَدِ الشُّهُودِ، فَلَا يَخْلُو
أَيْضًا مِنْ أَنْ يَكُونَ الَّذِي أَوْصَى بِهِ لِأَحَدِ الشُّهُودِ كَثِيرًا أَوْ يَسِيرًا، فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا، فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِنَفْسِهِ بِاتِّفَاقٍ وَتَجُوزُ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ حَلَفَ الْمُوصَى لَهُمْ مَعَ شَهَادَتِهِ، وَاسْتَحَقُّوا وَصَايَاهُمْ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ يَشْهَدُ لِنَفْسِهِ، يَسِيرًا أَيْضًا حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ شَهَادَةِ صَاحِبِهِ، وَاسْتَحَقَّ وَصِيَّتَهُ وَأَخَذَ مَنْ سِوَاهُمَا وَصَايَاهُمْ بِشَهَادَتِهِمَا دُونَ يَمِينٍ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ لَمْ يَشْهَدْ لِنَفْسِهِ بِشَيْءٍ حَلَفَ هُوَ مَعَهُ، وَاسْتَحَقَّ وَصِيَّتَهُ وَأَخَذَ مَنْ سِوَاهُ وَصِيَّتَهُ بِشَهَادَتِهِمَا دُونَ يَمِينٍ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِنَفْسِهِ بِاتِّفَاقٍ، وَتَجُوزُ لِغَيْرِهِ عَلَى قَوْلِ مُطَّرِفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَلَا تَجُوزُ عَلَى مَا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُهُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَمُطَّرِفٍ حَلَفَ الْمُوصَى لَهُمْ وَاسْتَحَقُّوا وَصَايَاهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ مَعَ شَهَادَتِهِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ يَشْهَدُ لِنَفْسِهِ، حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ شَهَادَةِ صَاحِبِهِ فَاسْتَحَقَّ وَصِيَّتَهُ، إنْ لَمْ تَكُنْ شَهَادَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ عَلَى مَذْهَبِهِمَا فِي الشُّهُودِ، يَشْهَدُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَنَّ شَهَادَتَهُمْ لَا تَجُوزُ إنْ كَانَتْ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، وَأَخَذَ مَنْ سِوَاهُمَا وَصِيَّتَهُ بِشَهَادَتِهِمَا دُونَ يَمِينٍ، وَلَمْ يُنْقَلْ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي نَقَلْت مِنْهَا حُكْمُ الْيَسِيرِ، فَانْظُرْهُ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْهَا.
مَسْأَلَةٌ قَالَ سَحْنُونٌ: فِي الْمُتَكَارِيَيْنِ السَّفِينَةَ، وَقَدْ نَقَدُوا الْكِرَاءَ فَعَطِبَتْ قَبْلَ الْبَلَاغِ، وَأَنْكَرَ قَبْضَ الْكِرَاءِ، قَالَ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ جَائِزَةٌ وَيَرْجِعُونَ عَلَيْهِ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَا تَجُوزُ إذْ لَيْسَتْ بِمَوْضِعِ ضَرُورَةٍ، وَقَدْ كَانُوا يَجِدُونَ مَنْ يَشْهَدُ سِوَاهُمْ إذَا أَرَادُوا أَنْ يَنْقُدُوهُ بِالْكِرَاءِ.
مَسْأَلَةٌ وَفِي الْمُقْنِعِ إنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى وَصِيَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، وَلَهُمَا فِي وَاحِدَةِ مِنْهُمَا شَيْءٌ إنْ كَانَ يَسِيرًا أَجَازَتْ وَإِلَّا لَمْ تَجُزْ فِيهِمَا جَمِيعًا.
مَسْأَلَةٌ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ: وَإِذَا شَهِدَ عَلَى وَصِيَّةٍ لَهُ فِيهَا شَيْءٌ وَلِغَيْرِهِ وَمُعَيَّنَيْنِ لَيْسَ لَهُ فِيهَا شَيْءٌ، فَإِنْ كَانَ مَا لِلشَّاهِدِ فِيهَا تَافِهًا لَا يُتَّهَمُ فِيهِ جَازَتْ لَهُ وَلِغَيْرِهِ، وَلَا يَمِينَ لَهُ مَعَ الشَّاهِدِ الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ
شَيْئًا لَهُ بَالٌ لَمْ تَجُزْ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ، وَقَدْ كُنْت لَا أَرَى أَنْ تَجُوزَ فِي قَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ ثُمَّ رَأَيْت هَذَا.
مَسْأَلَةٌ قَالَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ أَوْصَى فِي مَرَضِهِ إلَى امْرَأَتِهِ، وَإِلَى ثَلَاثَةِ نَفَرٍ أَحَدُهُمْ غَائِبٌ، وَقَدْ أَوْصَى لَهُمْ فِيهَا بِشَيْءٍ، وَلَا يَشْهَدُ عَلَيْهَا غَيْرُهُمْ، فَيَشْهَدُ الْحَاضِرَانِ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ إنْ كَانَ مَا أَوْصَى لَهُمَا بِهِ يَسِيرًا لَا يُتَّهَمَانِ فِيهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا، قَالَ سَحْنُونٌ لَا أَعْرِفُ هَذَا، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُمَا يُتَّهَمَانِ عَلَى مَا يَلِيَانِ لِلْيَتَامَى.
مَسْأَلَةٌ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي كِتَابِهِ عَنْ مَالِكٍ فِي شَاهِدَيْنِ أَوْصَى رَجُلٌ إلَيْهِمَا وَأَشْهَدَهُمَا فِي ثُلُثِهِ: إنَّ ثُلُثَ مَالَهُ ثُلُثُهُ لِلْمَسَاكِينِ وَثُلُثُهُ لِفُلَانٍ وَثُلُثُهُ لَهُمَا، قَالَ هَذَا يَسِيرٌ وَتَجُوزُ لَهُمَا وَلِغَيْرِهِمَا، وَلَوْ كَانَ شَيْئًا لَهُ بَالٌ لَمْ تَجُزْ لَهُمَا وَلَا لِغَيْرِهِمَا، وَقَدْ قِيلَ لَا تَجُوزُ أَصْلًا قَلَّ أَمْ كَثُرَ، وَبِهَذَا أَخَذَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ.
مَسْأَلَةٌ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ الْمُغِيرَةِ: فِيمَنْ افْتَرَى عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ النَّاسِ، هَلْ تَجُوزُ شَهَادَةُ أَحَدٍ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ لِمَنْ قَامَ بِهِ؟ وَكَيْفَ إنْ قَالَ الشُّهُودُ نَحْنُ لَا نَطْلُبُهُ؟ فَقَالَ إنْ كَانَ قَالَهُ لِجَمَاعَةٍ عَظِيمَةٍ، مِثْلَ أَهْلِ مِصْرَ أَوْ الشَّامِ أَوْ أَهْلِ مَكَّةَ جَازَتْ شَهَادَةُ مَنْ شَهِدَ مِنْهُمْ لِبُعْدِ الْحَمِيَّةِ وَالتَّعَصُّبِ مِنْ هَذَا، وَإِنْ قَالَهُ لِبَطْنٍ أَوْ فَخْذٍ مِثْلَ زَهْرَةَ وَمَخْزُومٍ أَوْ جِيرَانِهِ، وَجِيرَانُهُ غَيْرُ كَثِيرٍ، فَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ فِيهِ مِمَّنْ عَنِيَ بِالْقَوْلِ لِلتُّهْمَةِ.
مَسْأَلَةٌ وَأَجَازَ سَحْنُونٌ شَهَادَةَ مَنْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَطَعَ مِنْ طَرِيقِ الْعَامَّةِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ طَرِيقُهُ الَّذِي يَمُرُّ فِيهِ إذَا لَمْ يَلِ هُوَ الْخُصُومَةَ بِذَلِكَ.
مَسْأَلَةٌ قَالَ عِيسَى فِي الْمُسْتَخْرَجَةِ فِيمَنْ اُحْتُضِرَ وَوَرَثَتُهُ أَخَوَاهُ شَاهِدَانِ فِي حَقٍّ لَهُ، فَقَالَ لَهُمَا: اُتْرُكَا مِنْهُ مَوْرُوثَكُمَا، أَوْ يَتْرُكُهُ أَحَدُكُمَا فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ، فِيهِ فَفَعَلَا أَوْ فَعَلَ، قَالَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ.
مَسْأَلَةٌ وَفِي الْمُسْتَخْرَجَةِ عَنْ أَصْبَغَ فِيمَنْ تَرِثُهُ ابْنَتُهُ وَأَخَوَاهُ، فَتَرَكَا مِيرَاثَهُمَا مِنْهُ قَبْلَ مَوْتِهِ، فَلَمَّا مَاتَ وَجَدَتْ الِابْنَةُ ذِكْرَ حَقٍّ لَهُ بِشَهَادَتِهِمَا، قَالَ هِيَ جَائِزَةٌ إذْ لَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا شَيْئًا.