الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْقِسْمُ السَّادِسُ فِي ذِكْرِ الْيَمِينِ وَصِفَتِهَا وَزَمَانِهَا وَمَكَانِهَا]
وَالتَّغْلِيظِ فِيهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي كِتَابِ الْمُذْهَبِ: الْيَمِينُ تَكُونُ تَارَةً لِرَفْعِ الدَّعْوَى كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَالٍ فَيُنْكِرُهُ، وَتَارَةً لِتَصْحِيحِهَا كَالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَتَارَةً لِإِيقَافِهَا كَالْحَلِفِ عَلَى نَفْيِ حَقٍّ ثَبَتَ لِصَغِيرٍ بِشَاهِدٍ، وَتَارَةً لِتَتْمِيمِ الْحُكْمِ كَيَمِينِ الِاسْتِبْرَاءِ. أَمَّا صِفَتُهَا فَهِيَ فِي الْحُقُوقِ كُلِّهَا بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، لَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ، وَرَوَى ابْنُ كِنَانَةَ أَنَّهُ يُزَادُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ وَفِي اللِّعَانِ وَالْقَسَامَةِ عَلَى الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ.
وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ إنَّمَا يَحْلِفُ الْحَالِفُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَا يَأْمُرُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْحُقُوقِ وَالدِّمَاءِ وَاللِّعَانِ، وَكُلَّمَا كَانَ فِيهِ الْيَمِينُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالنَّصَارَى وَالْيَهُودِ وَالْمَجُوس، غَيْرَ أَنَّ كُلَّ هَؤُلَاءِ غَيْرَ الْمُسْلِمِينَ إنَّمَا يُحَلَّفُونَ حَيْثُ يُعَظِّمُونَ مِنْ كَنَائِسِهِمْ، وَمَوَاضِعِ عِبَادَاتِهِمْ، وَيُرْسِلُ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ رَسُولًا يُحَلِّفُهُمْ بِاَللَّهِ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ وَأَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ مِثْلَ ذَلِكَ كُلِّهِ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يُزَادُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ.
فَرْعٌ: وَوَقَعَ لِمَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ يَقُولُ فِي الْقَسَامَةِ: بِاَللَّهِ الَّذِي أَحْيَا وَأَمَاتَ.
وَفِي اللِّعَانِ أَشْهَدُ بِعِلْمِ اللَّهِ يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ.
فَرْعٌ: وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُزَادُ عَلَى الْيَهُودِيِّ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، وَعَلَى النَّصْرَانِيِّ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى.
تَنْبِيهٌ: وَمِنْ الْكُفَّارِ مَنْ لَا يَحْلِفُ بِمَا يَحْلِفُ بِهِ الْمُسْلِمُ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ مَا يَقُولُهُ أَهْلُ التَّوْحِيدِ، وَيَحْتَجُّونَ أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ الْخُرُوجُ عَنْ دِينِهِمْ لِيَمِينٍ
وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ، قَالَ: فَيُحْتَاطُ حَتَّى يَقُولَ مَا لَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الشَّهَادَةِ بِالْحَقِّ، وَلَا يَحْلِفُ بِكُفْرِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي مَجُوسِيَّةٍ أَسْلَمَ زَوْجُهَا فَلَاعَنَتْ فَقَالَتْ أَقُولُ: وَالنَّارِ، فَقَالَ لَا تَحْلِفُ إلَّا بِاَللَّهِ.
فَرْعٌ: لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ وَاَللَّهِ أَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ فَقَالَ، أَشْهَبُ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ فِيهِمَا.
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: مُقْتَضَى النَّظَرِ أَنَّهَا يَمِينٌ مُجْزِئَةٌ مُنْعَقِدَةٌ وَتَجِبُ بِهَا الْكَفَّارَةُ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ رَدَّ يَمِينًا عَلَى رَجُلٍ ادَّعَى عَلَيْهِ دَعْوًى كَاذِبَةً، فَلَمَّا قَامَ الرَّجُلُ يَحْلِفُ قَالَ لَهُ اقْتَصِرْ عَلَى قَوْلِكَ وَاَللَّهِ، فَفَعَلَ الرَّجُلُ فَمَا اسْتَتَمَّ يَمِينَهُ حَتَّى سَقَطَ مَيِّتًا فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ خَشِيت أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى فَيَحْلُمَ عَنْهُ.
فَرْعٌ: وَفِي الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ قَالَ: وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ شَعْبَانَ أَنَّ مَنْ حَلَفَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ فَلْيَقُلْ رَبِّ هَذَا الْمِنْبَرِ.
فَصْلٌ: وَهَلْ يَحْلِفُ قَائِمًا أَوْ لَا؟ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَحْلِفُ قَائِمًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ: أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالْحَلِفِ فِي الْمَسَاجِدِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا فَيَكُونُونَ قُعُودًا، وَفِي الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ يَحْلِفُ قَائِمًا.
وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنَّ الْحَالِفَ لَا يَسْتَقْبِلُ بِهِ الْقِبْلَةَ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ مَالِكٍ وَيَحْلِفُونَ قِيَامًا يَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّفْسِيرِ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ يَعْنِي أَنَّهُ يَحْلِفُ قَائِمًا وَلَا يَسْتَقْبِلُ بِهِ الْقِبْلَةَ، وَحَكَى ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ الْقِيَامَ فِي الْأَيْمَانِ هُوَ فِي اللِّعَانِ وَالْقَسَامَةِ دُونَ سَائِرِ الْحُقُوقِ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ لِمَالِكٍ أَنَّهُ يَحْلِفُ قَائِمًا دُبُرَ الصَّلَاةِ، وَقَدْ قِيلَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ قَائِمًا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ انْتَهَى مِنْ الْبَيَانِ وَمِنْ ابْنِ شَاسٍ.
وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ يَحْلِفُ جَالِسًا يَعْنِي عِنْدَ الْمِنْبَرِ.
وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ قَائِمًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْعُتْبِيَّةِ.
تَنْبِيهٌ: وَمَنْ قَالَ بِالْحَلِفِ قَائِمًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَسَوَاءٌ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ.
مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ أَقَلَّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ لَمْ يَحْلِفْ قَائِمًا وَلَا مُسْتَقْبِلًا، بَلْ يَحْلِفُ بِمَكَانِهِ جَالِسًا فِي أَيِّ مَوْضِعٍ حُكِمَ عَلَيْهِ.
مَسْأَلَةٌ: وَفِي وَثَائِقِ ابْنِ الْهِنْدِيِّ وَالْمُتَيْطِيَّةِ قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ قُلْت لِسَحْنُونٍ إنَّ ابْنَ عَاصِمٍ يُحَلِّفُ النَّاسَ بِالطَّلَاقِ يُغَلِّظُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ، فَقَالَ وَمِنْ أَيْنَ أَخَذَهَا، فَقُلْت لَهُ مِنْ الْأَثَرِ " يُحْدِثُ النَّاسُ أَقْضِيَةً بِقَدْرِ مَا أَحْدَثُوا مِنْ الْفُجُورِ " فَقَالَ: مِثْلُ ابْنِ عَاصِمٍ يَتَأَوَّلُ هَذَا،،، وَابْنُ عَاصِمٍ مِنْ رُوَاةِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرَوَى عَنْ أَشْهَبَ أَيْضًا وَكَانَ مُحْتَسِبًا بِالْأَنْدَلُسِ. وَأَمَّا زَمَانُهَا: فَفِي الْجَوَاهِرِ لِابْنِ شَاسٍ اُخْتُلِفَ فِي التَّغْلِيظِ بِالزَّمَانِ، فَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ كِنَانَةَ يَتَحَرَّى بِالْأَيْمَانِ فِي الْمَالِ الْعَظِيمِ وَفِي الدِّمَاءِ وَاللِّعَانِ السَّاعَاتِ الَّتِي يَحْضُرُ النَّاسُ فِيهَا بِالْمَسَاجِدِ وَيَجْتَمِعُونَ لِلصَّلَاةِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ مَالٍ وَحَقٍّ فَفِي كُلِّ حِينٍ.
وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ بِذَلِكَ فِي الدِّمَاءِ وَاللِّعَانِ فَقَطْ.
وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ انْتَهَى.
وَعَنْ مَالِكٍ فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ اللِّعَانَ يَكُونُ بِإِثْرِ صَلَاةٍ أَحَبُّ إلَيَّ، قَالَ: وَقَدْ كَانَ عِنْدَنَا بَعْدَ الْعَصْرِ وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ.
وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ بَعْدَ الْعَصْرِ وَالصُّبْحِ، وَقِيلَ بَعْدَ الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ.
وَقَالَ سَحْنُونٌ بَعْدَ الْعَصْرِ سُنَّةٌ.
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَكُونُ عِنْدَ الْإِمَامِ.
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ لَيْسَ يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِيَ أَوْ الْفَقِيهَ الْجَلِيلَ، يُرِيدُ عَنْ أَمْرِ الْإِمَامِ أَوْ الْقَاضِي، وَاسْتَحَبَّ غَيْرُ وَاحِدٍ مَذْهَبَ سَحْنُونٍ.
فَرْعٌ: قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ لِسَحْنُونٍ: إنَّ ابْنَ عَجْلَانَ قَالَ لِي يُحَلَّفُ الْيَهُودِيُّ يَوْمَ السَّبْتِ وَالنَّصْرَانِيُّ يَوْمَ الْأَحَدِ.
وَقَالَ إنِّي رَأَيْتُهُمْ يَرْهَبُونَ ذَلِكَ لِقَوْلِ مَالِكٍ يُحَلَّفُونَ حَيْثُ يُعَظِّمُونَ فَأَعْجَبَهُ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: اخْتَلَفَ أَشْيَاخُ الْقَيْرَوَانِ فِي الطَّالِبِ يُسْأَلُ أَنْ يُحَلَّفَ لَهُ غَرِيمُهُ الْيَهُودِيُّ يَوْمَ السَّبْتِ هَلْ يُحْكَمُ عَلَى الْيَهُودِيِّ بِذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا مِنْ حَقِّ الْمُسْلِمِ فَيُحْكَمُ لَهُ بِذَلِكَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُقْضَى لَهُ بِذَلِكَ، وَأَلَّفَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي ذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ: وَفِي " الْمُتَيْطِيَّةِ " الْأَيْمَانُ إنَّمَا تَجِبُ بِالنَّهَارِ إلَّا عَلَى أَهْلِ السِّتْرِ وَالْحِجَابِ مِنْ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ بِالنَّهَارِ أَشْنَعُ فَرُبَّمَا تَوَقَّعَ الْحَالِفُ الشُّنْعَةَ فَيَرْجِعُ إلَى الْحَقِّ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يُذْكَرَ فِي الْعُقُودِ الَّتِي تُكْتَبُ فِي
الْأَيْمَانِ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ فُلَانَةَ مِنْ أَهْلِ الْحِجَابِ، وَمِمَّنْ يَجِبُ أَنْ تُحَلَّفَ لَيْلًا، وَأَنَّ الْقَائِمَ بِالْيَمِينِ عَلَيْهَا مِمَّنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ.
وَأَمَّا مَكَانُهَا: فَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ لِي مُطَرِّفٌ سَمِعْنَا مَالِكًا يَقُولُ وَجَمِيعُ مَشَايِخِنَا بِالْمَدِينَةِ فِي اسْتِحْلَافِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِيمَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِمْ أَوْ قَطَعُوهُ بِأَيْمَانِهِمْ كُلِّ أَمْرٍ لَهُ بَالٌ أَوْ بَلَغَ رُبُعَ دِينَارٍ فَصَاعِدًا، فَإِنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَعِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
تَنْبِيهٌ: وَذَلِكَ إذَا أَبَى الطَّالِبُ أَنْ يَحْلِفَ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ قَالَهُ مُؤَلِّفُ مَسَائِلِ الْقَضَاءِ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْمَدِينَةِ مِنْ الْبُلْدَانِ فَفِي مَسْجِدِهِمْ الْأَعْظَمِ حَيْثُ يُعَظِّمُونَ مِنْهُ عِنْدَ مِنْبَرِهِمْ أَوْ تِلْقَاءَ قِبْلَتِهِمْ. وَفِي الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ: يُحَلَّفُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ فِيمَا لَهُ بَالٌ وَفِيمَا يَبْلُغُ رُبُعَ دِينَارٍ فَصَاعِدًا عِنْدَ الْمِنْبَرِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَمَالِكٌ لَا يَرَى الِاسْتِحْلَافَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، وَلَا فِي مِنْبَرِ الْمَدِينَةِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي كَاذِبًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» وَمَا جَاءَ مِنْ ذِكْرِ الْمِنْبَرِ وَالْحَلِفِ عِنْدَهُ فِي غَيْرِ الْمَدِينَةِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ لِحُرْمَةِ مَوْضِعِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ لَا لِحُرْمَتِهِ فِي نَفْسِهِ، إذْ لَوْ نُقِلَ عَنْ مَوْضِعِهِ إلَى مَوْضِعٍ سِوَاهُ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ تُنْقَلْ الْيَمِينُ مِنْ مَوْضِعِهَا إلَى حَيْثُ الْمِنْبَرُ، بِخِلَافِ مِنْبَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَيْسَ هُوَ عِنْدَ مِحْرَابِهِ عليه الصلاة والسلام؛ لِأَنَّهُ زِيدَ فِي قِبْلَتِهِ فَبَقِيَ الْمِنْبَرُ فِي مَوْضِعِهِ انْتَهَى. وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمِنْبَرَ فِي مَكَانِهِ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ عِنْدَ مِحْرَابِ الْمَسْجِدِ يَعْنِي الْمِحْرَابَ الَّذِي فِي الْقِبْلَةِ، وَنِسْبَةُ ذَلِكَ الْمِحْرَابِ إلَيْهِ صلى الله عليه وسلم كَنِسْبَةِ جَمِيعِ الْمَسْجِدِ إلَيْهِ، فَيُقَالُ مَسْجِدُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلِذَلِكَ قَالُوا: إنَّ الصَّلَاةَ تُضَاعَفُ فِيمَا زِيدَ فِيهِ كَمَا تُضَاعَفُ فِي الْمَسْجِدِ الْقَدِيمِ، وَلَمَّا زَادَ عُمَرُ رضي الله عنه فِي الْمَسْجِدِ مِنْ نَاحِيَةِ الْقِبْلَةِ نَقَلَ مَحَلَّ الْإِمَامِ إلَى تِلْكَ الزِّيَادَةِ، وَكَانَ فِيهَا مِحْرَابٌ، وَاسْتُشْهِدَ رضي الله عنه فِي ذَلِكَ الْمِحْرَابِ، ثُمَّ زَادَ بَعْدَهُ عُثْمَانُ رضي الله عنه مِنْ نَاحِيَةِ الْقِبْلَةِ أَيْضًا وَانْتَقَلَ مَحَلُّ الْإِمَامَةِ إلَى الْمِحْرَابِ الَّذِي فِي الْقِبْلَةِ الْآنَ وَهُوَ مِحْرَابُ عُثْمَانَ رضي الله عنه وَكَانَ فِي أَيَّامِ مَالِكٍ يُصَلِّي الْإِمَامُ فِي مِحْرَابِ عُثْمَانَ فَلَمَّا قَلَّ النَّاسُ رَجَعُوا إلَى مِحْرَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي بَيْنَ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ وَالْمِنْبَرِ.
فَرْعٌ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَأَمَّا فِي مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةَ فَبَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ قَالَ مَالِكٌ يُحَلَّفُ بِمَكَّةَ عِنْدَ الرُّكْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ،
وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ وَسَأَلْت سَحْنُونًا عَنْ الْحَلِفِ فِي مَكَّةَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ هَلْ هُوَ مِثْلُ الْحَلِفِ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ فَقَالَ: لَا.
فَرْعٌ: وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْمَدِينَةِ مِنْ جَوَامِعِ الْأَمْصَارِ فَقَدْ تَقَدَّمَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ.
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَمَّا الْيَمِينُ فِي غَيْرِ الْمَدِينَةِ مِنْ جَوَامِعِ الْأَمْصَارِ فَعِنْدَ الْمِحْرَابِ.
وَفِي " الطُّرَرِ " لِأَبِي إبْرَاهِيمَ الْأَعْرَجِ عِنْدَ قَوْلِهِ - فِي التَّهْذِيبِ: لَا يَعْرِفُ مَالِكٌ الْيَمِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ فِيهِ إلَى أَنَّ الْجَامِعَ كُلَّهُ سَوَاءٌ، وَهِيَ رِوَايَةٌ فِي الْمُذْهَبِ.
فَرْعٌ: وَفِي الْأَحْكَامِ لِابْنِ سَهْلٍ: وَلَا يُحَلَّفُ فِي مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ فِي قَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ.
فَرْعٌ: وَيُحَلَّفُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فِي كَنَائِسِهِمْ حَيْثُ يُعَظِّمُونَ مِنْهَا، قِيلَ لَهُ فَيُحَلَّفُ الْمَجُوسِيُّ فِي بَيْتِ نَارِهِ قَالَ يُحَلَّفُ حَيْثُ يُعَظِّمُ مِنْ بَيْتِ نَارِهِ أَوْ غَيْرِهِ.
فَرْعٌ: وَفِي " الْمُتَيْطِيَّةِ " وَاخْتُلِفَ فِي إخْرَاجِ الْمَرْأَةِ مِنْ بَيْتِهَا عِنْدَ وُجُوبِ الْيَمِينِ عَلَيْهَا فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: تَخْرُجُ الْمَرْأَةُ فِيمَا لَهُ بَالٌ فَتُحَلَّفُ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَخْرُجُ نَهَارًا فَلْتَخْرُجْ لَيْلًا وَتُحَلَّفُ فِي بَيْتِهَا، إنْ لَمْ تَكُنْ مِمَّنْ تَخْرُجُ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ وَحَكَى أَبُو عَمْرِو بْنُ عَاتٍ فِي " الطُّرَرِ " أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ تَخْرُجُ بِالنَّهَارِ إلَى الْحَمَّامِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهَا تُحَلَّفُ بِالنَّهَارِ وَإِنْ خَرَجَتْ مُسْتَتِرَةً، قَالَ وَعِنْدِي فِي خُرُوجِ الْمَرْأَةِ بِالنَّهَارِ إلَى الْجَامِعِ كَشْفٌ لَهَا وَلِحَالِهَا، وَإِنْ كَانَتْ تَخْرُجُ بِالنَّهَارِ؛ لِأَنَّهَا إذَا خَرَجَتْ لِلْحَلِفِ عُرِفَ أَنَّهَا فُلَانَةُ، بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَتْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ أَخْبَرَنِي بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهَا وَقَعَتْ بِتُونُسَ وَأَنَّهُ وَجَدَ فِيهَا نَصًّا بِذَلِكَ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: وَفِي شَهَادَاتِ الْمُدَوَّنَةِ وَأَقْضِيَةِ الْمُخْتَلِطَةِ قُلْت: أَرَأَيْت النِّسَاءَ الْعَوَاتِقَ وَغَيْرَهُنَّ مِنْ الْإِمَاءِ وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ الْمُدَبَّرَاتِ وَالْمُكَاتَبَاتِ أَيُحَلَّفْنَ فِي الْمَسْجِدِ، قَالَ إنَّمَا سَأَلْت مَالِكًا عَنْ النِّسَاءِ أَيْنَ يُحَلَّفْنَ، فَقَالَ: فِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ بَالٌ فَإِنَّهُنَّ يُحَلَّفْنَ فِيهِ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ. قَالَ ابْنُ لُبَابَةَ فِي مُنْتَخَبِهِ: الْعَوَاتِقُ لَا يَمِينَ عَلَى مَنْ لَمْ تُطْلَقْ مِنْهُنَّ مِنْ الْوِلَايَةِ، إلَّا فِي