الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل فى صلاة المسافر
(563) - (حديث: " أن النبى صلى الله عليه وسلم وخلفاءه داوموا على القصر
" (ص 134) .
* صحيح المعنى.
وأما اللفظ فلم أره فى شىء من دواوين السنة ، والظاهر أن المؤلف أخذه من مجموعة من الأحاديث ، فأنا أذكر بعضها مما يدل على المعنى:
الأول: عن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب قال: " صحبت ابن عمر فى طريق مكة ، قال: فصلى لنا الظهر ركعتين ، ثم أقبل وأقبلنا معه حتى جاء رحله ، وجلس وجلسنا معه ، فحانت منه التفاتة نحو حيث صلى ، فرأى ناساً قياماً ، فقال: ما يصنع هؤلاء؟ قلت: يسبحون ، قال: لو كنت مسبحاً أتممت صلاتى ، يا ابن أخى إنى صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى السفر فلم يزد
على ركعتين حتى قبضه الله ، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله ، وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله ، ثم صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله ، وقد قال الله (لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة) ".
أخرجه البخارى (1/280) ومسلم (2/144) وأبو عوانة (2/335) وأبو داود (1223) والنسائى (1/213) والترمذى (2/544) وحسنه والبيهقى (3/158) وأحمد (2/24 و56) عن عيسى بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن أبيه به ،
والسياق لمسلم.
ولفظ البخارى:
" صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان لا يزيد فى السفر على ركعتين ، وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك ".
وهو رواية لأحمد ، وفى أخرى له (2/44 ـ 45) من طريق خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم به بلفظ:" خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان يصلى صلاة السفر يعنى ركعتين ، ومع أبى بكر ، وعمر ، وعثمان ست سنين من إمرته ، ثم صلى أربعاً ".
ثم أخرجه هو (2/21) وأبو عوانة (2/338) من هذا الوجه نحوه.
قلت: ورواية خبيب هذه ـ وهو ثقة ـ تبين خطأ قول عيسى بن حفص فى روايته عن عثمان: " فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله " فقد زاد عليهما فى آخر أمره كما فى هذه الرواية الصحيحة عن حفص ، وقد تابعه جماعة ، ولذلك أنكر بعض المحققين قول عيسى هذا ، ففى " نصب الراية " (2/192) : " قال عبد الحق: هكذا فى هذه الرواية ، والصحيح أن عثمان أتم فى آخر الأمر ،
كما أخرجاه من رواية نافع عنه ، ومن رواية ابنه سالم أنه عليه السلام صلى صلاة المسافر بمنى وغيره ركعتين وأبو بكر وعمر {وصلى عثمان ركعتين صدرا من خلافته ثم أتمها أربعا انتهى} .
وله طريق أخرى عن ابن عمر ، فقال عوف الأزدى:" كان عمر بن عبيد الله بن معمر أميراً على فارس ، فكتب إلى ابن عمر يسأله عن الصلاة؟ فكتب ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان إذا خرج من أهله صلى ركعتين حتى يرجع إليهم ".
أخرجه أحمد (2/45) وإسناده حسن فى المتابعات والشواهد ، رجاله
كلهم ثقات غير عوف هذا ، أورده ابن أبى حاتم (3/1/385) وسمى أباه عبد الله ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ، وذكره ابن حبان فى " الثقات "(1/174) .
وله فى المسند طرق أخرى ، وسيأتى أحدها فى الحديث (577) .
الثانى: عن أنس بن مالك قال: " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فصلى ركعتين ركعتين حتى رجع ، قلت: كم أقام بمكة؟ قال: عشراً ".
أخرجه البخارى (1/276) ومسلم (2/145) وأبو عوانة (2/346 ـ 347) والنسائى (1/212) والترمذى (2/433) والدارمى (1/355) وابن ماجه (1077) والبيهقى (3/136) وأحمد (3/187 و190) .
وقال الترمذى: " حديث حسن صحيح ".
الثالث: عن ابن عباس ، وله عنه طريقان:
1 ـ عن سعيد بن شفى قال:
" جعل الناس يسألون ابن عباس عن الصلاة؟ فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من أهله لم يصل إلا ركعتين حتى يرجع إليهم ".
أخرجه الطحاوى (1/242) وأحمد (1/241 و285) وابن أبى شيبة (2/109/2) من طريق أبى إسحاق عنه.
قلت: رجاله ثقات غير أن أبا إسحاق ـ وهو السبيعى ـ كان اختلط.
2 ـ عن ابن سيرين عن ابن عباس:
" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سافر من المدينة لا يخاف إلا الله عز وجل فصلى ركعتين ركعتين حتى رجع ".
أخرجه أحمد (1/215 و266) وابن أبى شيبة (2/110/1) وسنده صحيح على شرط الشيخين ، وقد أخرجه النسائى أيضاً (1/211) . والترمذى (2/431) وقال:" حديث حسن صحيح ".
قلت: ويعارض هذه الأحاديث حديث عائشة قالت: " قصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى السفر وأتم ".
أخرجه الطحاوى (1/241) وابن أبى شيبة (2/111/2) والدارقطنى (242) والبيهقى (3/141 ـ 142) من طريق مغيرة بن زياد عن عطاء بن أبى رباح عنها.
ولكنه لا يصح ، فإن المغيرة هذا قال الدارقطنى عقبه:" ليس بالقوى ".
وقد سأل عبد الله بن أحمد أباه عن حديثه هذا: يصح؟ فقال: " له أحاديث منكرة ، وأنكر هذا الحديث " كما فى مسائله (107) .
وقد تابعه طلحة بن عمرو ، عند الدارقطنى والبيهقى ، ولكنها متابعة واهية لا تقوم بها حجة.
فإن طلحة هذا ، قد قال الدارقطنى فيه:" ضعيف " وقد ألان الدارقطنى القول فيه فإن حاله أشد مما ذكر ، فقد قال أحمد والنسائى: متروك الحديث.
وقال ابن حبان: " كان ممن يروى عن الثقات ما ليس من أحاديثهم ، لا يحل كتب حديثه ولا الرواية عنه إلا على جهة التعجب ".
وفى " التقريب ": أنه متروك.
وقد خالفهما عمر بن ذر المرهبى ، فقال: أخبرنا عطاء بن أبى رباح " أن عائشة كانت تصلى فى السفر المكتوبة أربعاً ".
أخرجه البيهقى وقال: " عمربن ذر كوفى ثقة ".
قلت: فروايته أولى ، وهى تدل على أن الإتمام إنما هو عن عائشة موقوفا عليها ، وهذا ثابت عنها من غير طريق ، فى الصحيحين وغيرهما كما يأتى ، وأما الرفع فلم يثبت عنها من وجه يصح.
وقد رواه الدارقطنى ومن طريقه البيهقى (3/141) وابن الجوزى فى " التحقيق "(1/153/1) من طريق سعيد بن محمد بن ثواب حدثنا أبو عاصم حدثنا عمرو بن سعيد عن عطاء بن أبى رباح عنها: " أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقصر فى السفر
ويتم ، ويفطر ويصوم ".
وقال: " هذا إسناد صحيح ".
قلت: ورجاله كلهم ثقات غير ابن ثواب ، فإنى لم أجد له ترجمة فى غير " تاريخ بغداد " ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً فهو مجهول الحال كما سبق بيانه فى حديث " لا يمس القرآن إلا طاهر " رقم (122) فلا تطمئن النفس لصحة هذا الحديث ، وهذا إذا كانت الرواية بلفظ:" يتم " و" يصوم " أى النبى صلى الله عليه وسلم ، كما وقع ذلك فى السنن المطبوعة ، أما إذا كانت بلفظ " وتتم "" وتصوم " كما أورده الحافظ فى " التلخيص "(ص 128) مصرحاً ومقيداً له بأنه بالمثناة من فوق ، فلا إشكال حينئذ ، لأن المعنى أن عائشة هى التى كانت تتم ، وهذا عنها صحيح كما سبق. ولكن فيما أورده الحافظ نظر عندى ، لأن الرواية فى السنن كما ذكرنا بالمثناة التحتية ، وكذلك فى " تحقيق ابن الجوزى " و" نصب الراية " للزيلعى (2/192) من طريق الدارقطنى.
ومن الغريب أن الحافظ مع إيراده ما سبق قال عقب ذلك: " وقد استنكره أحمد ، وصحته بعيدة ، فإن عائشة كانت تتم ، وذكر عروة أنها تأولت ما تأول عثمان ، كما فى الصحيح ، فلو كان عندها عن النبى صلى الله عليه وسلم رواية لم يقل عروة عنها أنها تأولت ، وقد ثبت فى الصحيحين خلاف ذلك ".
ووجه الغرابة ، أن الذى استنكره أحمد إنما هو رفع الحديث إلى النبى صلى الله عليه وسلم ، وهو الذى يتوجه إليه قول الحافظ (وصحته بعيدة
…
" وما بعده من التعليل ، لا الموقوف ، فلعل ضمير " استنكره " فى كلامه راجع إلى الحديث الذى ساقه الحافظ قبل هذا وهو عن عائشة قالت: " سافرت مع النبى صلى الله عليه وسلم فلما رجعت قال: ما صنعت فى سفرك؟ قلت: أتممت الذى قصرت ، وصمت الذى أفطرت ، قال: أحسنت ".
هذا لفظ الحديث فى شرح الرافعى.
فقال الحافظ فى تخريجه: " النسائى والدارقطنى والبيهقى من حديث العلاء بن زهير عن عبد الرحمن بن الأسود عن عائشة: " أنها اعتمرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة حتى إذا قدمت مكة قالت: يا رسول الله بأبى أنت وأمى ، أتممتُ وقصرتَ ، وأفطرتَ وصمت ، فقال: أحسنت يا عائشة ، وما عاب على ".
وفى رواية الدارقطنى: " عمرة فى رمضان " واستنكر ذلك ، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يعتمر فى رمضان ، وفيه اختلاف فى اتصاله.
قال الدارقطنى: عبد الرحمن أدرك عائشة ودخل عليها وهو مراهق ، وهو كما قال ففى " تاريخ البخارى " وغيره ما يشهد لذلك ، وقال أبو حاتم: دخل عليها وهو صغير ، ولم يسمع منها.
قلت: وفى ابن أبى شيبة والطحاوى ثبوت سماعه منها.
وفى رواية للدارقطنى: عن عبد الرحمن عن أبيه عن عائشة.
قال أبو بكر النيسابورى: من قال فيه عن أبيه أخطأ.
واختلف قول الدارقطنى فيه ، فقال فى السنن: إسناده حسن.
وقال فى العلل: " المرسل أشبه ".
قلت: ولعل الإرسال هو علة الحديث ، وقد تعلق بعضهم فى إعلاله بالعلاء بن زهير لقول ابن حبان فيه:" يروى عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات ، فبطل الاحتجاج به فيما لم يوافق الثقات ".
فقد رد الذهبى ثم العسقلانى هذا القول بأن العبرة بتوثيق يحيى ـ يعنى أن ابن معين قد وثقه ـ ، فلا يعتد بتضعيف ابن حبان إياه ، لاسيما وهو قد أورده