الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تأخير الصبيان في الصف
مداخلة: قد رأيت ونحن في إقبالنا على الصلاة .. رأيت أحد الإخوة الكبار يؤخر صبياً أو غلاماً، ويُقَدّم أخاً كبيراً، فما حكم الشرع في ذلك؟
الشيخ: الجواب له صلة ببعض الأجوبة المتقدمة، هناك حديث في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا قام يُصَلّي، قَدّم الرجال ثم الصبيان من خلفهم، ثم النساء، لكن هذا الحديث في إسناده شهر بن حوشب، وهذا رجل فيه ضعف من قِبَل حفظه، لكن السنة العملية التي جرى عليها المسلمون تطابق هذا الحديث الضعيف إسناده، ثم لا نعدم أن نجد بعض النصوص الحديثية التي تُفَصّل عملياً، أو تطبيقاً عملياً الحديث الصحيح، ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام:«لِيَليَني منكم أولوا الأحلام والنهى» ومما لا شك فيه أن الصبية الصغار لا أحد يفهم أنهم ممن يشملهم هذا الحديث: «ألوا الأحلام والنهى» بل لا يشمل هذا الحديث الرجال الكبار، إذا لم يكونوا متميزين بعلمهم وفقههم وعقلهم على الآخرين، فهذا الحديث فيه تلميح قَوِيّ إلى ذلك التصنيف الذي رواه لنا الحديث السابق.
ثم طَبَّق هذا الحديث أحد الأصحاب المعروفين بعلمهم وفضلهم، أعني به: أُبَي بن كعب رضي الله عنه حيث أُقِيمت الصلاة يوماً، فتقدَّم إلى الصف الأول، وأَخّر صبياً كان هناك أو غلاماً -لم أعد أذكر اللفظ تماماً- أخَّره ونَصَّب نفسه مكانه، وبعد الصلاة التفت إلى هذا الغلام، وكأنه يُقَدِّم إليه عذراً عما فعل معه، وروى له هذا الحديث:«أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: لِيَلِيَني منكم أولوا الأحلام والنُّهى» فيقول للغلام: أنت لستَ من هؤلاء، وأنا فعلت ما فعلت ائتماراً بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فهذا هو جواب السؤال.
مداخلة: هل كان رأي فضيلتكم يخالف هذا سابقاً؟
الشيخ: لا أذكر أنه اختلف رأيي، ولكن الخطب سهل، نحن كما يقولون في سوريا: أولا اليوم، هذا علمنا في هذه الساعة، قد يختلف ما بين ساعة وأخرى، والمسلم لا يجمد، وإنما هو يتغير ويتبدل، قد يكون طالحاً فيصير صالحاً، وقد يكون صالحاً فيصير طالحاً، المهم أن يتغير إلى خير، أما ماذا كان فما يهمنا، وكما جاء عن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- أنه سئل عن مسألة إرث فسئل فقيل له: أنت بالعام القابل كان جوابك غير هذا، قال: ذاك على ما قلنا، وهذا على ما نقول الآن.
مداخلة: تتمة للفائدة -إن شاء الله- هل نجعل الصبيان في صف منفصل الآن، وإن لم يكتمل الصف الأول؟
الشيخ: لا، يمكن هذا الذي أنت الآن اشتبه عليك الأمر، أنا أقول: إذا كان هناك مسجد عريض خاصة في مثل صلاة الفجر، أو صلاة العشاء، هذه الصلاة وتلك التي هي أثقل الصلاة على المنافقين، لا يكتمل الصف الأول -عادةً- فجاء بعض الصبية واصطفّوا في الصف الأول لا نؤخرهم؛ لأنه في هذه الحالة لا يُبْعِدون الرجال عن منزلتهم، وهو الصف الأول، أما إذا كان هناك صفوف فيُؤَخّرون، هذا كان ولا يزال هو رأيي.
(الهدى والنور/776/ 56: 23: 00)
(الهدى والنور/776/ 06: 29: 00)
متابعة الإمام المخالف للسنة
السائل: الإمام من أحد المذاهب المتّبعة، فهل نوافقه في كل شيء، حتى ولو كان، المسألة أرى أنه ما فيها نص، مثل الإسدال عند المالكية، فأتابع أيضا في الإسدال؟
الشيخ: هذا يختلف باختلاف الإمام، الإمام إما أن يكون عالما، أو أن يكون مُتّبعا، أو أن يكون مُقَلِّدًا، ثم هذه الأصناف الثلاثة، إما -نرجع لسؤالك- يمكن الأول إقامة الحجة، أقيمت الحجة عليهم، وتبيّنت لهم، ثم لم ينصاعوا لها، هؤلاء لا
حرمة لهم، لأن المقلد ليس عالما، فمذهبه مذهب إمامه، إذاً هذا نحن ليس لنا كلام معه، لأنه إنما يَتَّبع من علمه التابع، الذي هو أرقى منه، يعني: في عنده استعداد ليفهم -مثلا- دليلاً مما يقدم إليه إلى
…
آخره.
فإذا فَهِم الدليل الدال على السنة، ثم لم يخضع لهذه السنة -أيضا- نحن لا نقيم له وزنا، وهكذا حتى نصل إلى الإمام اسمًا ومعنًى، أي: أنه عالم.
مثل: مسألة الوضع في القيام الثاني -مثلا- قد لا يقتنع رجل بأن هذا الوضع هو سنة مثلي، وقد يقتنع آخر بأنه سنة مثل كثير من مشايخهم، وعلى رأسهم الشيخ ابن باز -حفظه الله- وأنا أذكر آخر مرة زرته في الطائف، في رمضان صليت خلفه صلاة العشاء -فيما أظن أو الصبح- والله نسيت فقبضت مع أنه هذا خلاف رأيي، لكني أرى أن الرجل رجل عالم فاضل لا يتّبع هواه، وهذا الذي بدا له، فأجد -حينئذ- نفسي كابن مسعود مع عثمان ابن عفان، حينما كان عثمان يُصَلِّي في منًى في الحج تاماً، ويصلي عبد الله ابن مسعود خلفه تاماً، فيقول له بعض أصحابه العارفين برأيه إن السنة القصر، فكيف أنت تُتِم، فيقول: الخلاف شر، الخلاف شر، فهذا جوابي عمّا سألت.
السائل: جزاك الله خيراً.
الشيخ: وإياك -إن شاء الله- فإذاً: إذا كان يا أخي بعض الإخوان أهل الحديث، أو المتبعين للسلف قد يخالفون شخص مثلي، أو مثلا ابن باز هذا ليس معيار، المعيار هو العلم، فمن بلغه العلم فقد أُقِيمت الحجة عليه.
السائل: شيخ الإسلام رحمه الله تَكَلّم في الفتاوى عن جلسة الاستراحة: إذا كان الإمام لا يجلسها، قال: كالتأخُّر عن السلام.
الشيخ: كالتأخر عن السلام، كيف، يعني؟
السائل: يعني: لو تأخرت شيئاً بسيطاً عن الإمام، فمثلا: بعض الناس
يتأخر
…
هذا كلام شيخ الإسلام.
الشيخ: هل قرأت في الفتاوى، أنه يقول بمتابعة الإمام في المسائل الخلافية؟
السائل: ذكر هذا.
الشيخ: فكيف التوفيق بين الأصل والفرع؟
السائل: قدم الأصل على الفرع.
الشيخ: هذا هو، ثم ينبغي على طلاب العلم: أن يُلاحظوا شيئا، وهو الفتاوى المذكورة في مجموع الفتاوى لابن تيمية، لا شك تستحضروا معي -تماما- حقيقةً زمنيةً، لكن ما تجعلونها حقيقة قائمة ذهنية، أن هذه الفتاوى هي مجموع عشرات السنين من حياة ابن تيمية العلمية أليس كذلك؟
السائل: نعم.
الشيخ: طيب، وطالب العلم القوي يشعر بنفسه ما يذكره، بأن هذا الذي يقع له قد وقع لمن قبله، ممن هم أعلم منه بكثير.
أي: وأنا أتكلم الآن عن نفسي، يتطور رأي العالم بِرُقِّي علمه ودراسته ومطالعاته، فقد يكون له رأي فيما مضى، ثم يتغير رأيه تماما، كما يقع مني كثيرًا في بعض الأحاديث تصحيحا وتضعيفا، وقليلًا في بعض المسائل الفقهية.
المسألة التي كنا فيها -آنفا- جَهْر المقتدي «بآمين» كنتُ رَجَّحت قديما -منذ نحو عشرين سنة- الإسرار، ثم بدا لي أخيرًا منذ بضع سنين: أن المقتدين يجهرون مع الإمام، فالإنسان يتطور، لا يثبت على رأي، من هنا كان للإمام الشافعي مذهبان: مذهب قديم، ومذهب جديد، ومن هنا كان لأبي حنيفة، بل لإمام السنة الإمام أحمد، عديدًا من الأقوال في المسألة الواحدة، هذا لا يعني أنه متناقض كما يزعم بعض الجهلة، وإنما يعني: أنه يَتَرقى في العلم، ويتقدم في العلم، ثم لا يخجل من الناس أن يقولوا -والله- كان الشيخ يقول هكذا، وصار يقول هكذا، هذا
جاهل، لا يخجل: لأنه يعرف أن اتّباع الحق هو الأحق.
فابن تيمية في فتاواه، ليس مُسْتَنْكَرا أبدًا أن تجد فيها قولين متناقضين، فضلا أن تجد قولين متقاربين لكنهما مختلفان، وهكذا، ما أدري إذا كنتم قرأتم فتوى له بجواب عن سؤال التوسل بالرسول عليه السلام وأنه يُجَوِّز، قرأتم هذه الفتوى؟
السائل: قرأتها.
الشيخ: نعم.
السائل: موجودة في الفتاوى، في كتاب.
الشيخ: هذا يناقض «قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة» لابن تيمية.
السائل: في له كتاب جديد بعد ذلك طُبِع على المخطوطات، رد على هذا الشيء.
الشيخ: أقول لك «قاعدة جليلة» موجودة في نفس الفتاوى، فأنا قصدي أقول: إن هذا كان رأي له فيما مضى، أول نشأته العلمية، فلا نقول إذاً: مجرد ما ذُكر في فتاوى ابن تيمية أن هذا رأيه، يمكن يكون هذا رأيه ومات عليه، وممكن يكون رأيه قديما ثم حاد عنه إلى غيره، وهكذا، هذا يفيدنا جدا في معرفة الراجح من المرجوح من أقول الأئمة، وأنا أذكر جَيّدًا أن في فتاواه يقول: -وهذا لم أره لغيره- أن المقتدي عليه أن يُتَابع الإمام فيما اختلف فيه العلماء، هذه الجزئية ما وقع نظري عليها، فإن صح النقل كما قيل -آنفا- فهذا يمكن أن يكون قبل أن يُقَعِّد تلك القاعدة، وقبل أن يضع ذلك الأصل، فهو الأصل أن يقول: إنه يأتي بالسنة كما أنتم، يعني: وكما كل الناس
…
هكذا الأصل، الإنسان يثبت على السنة، فإذا ما تبين له أن هذا الأصل ينبغي الخروج عنه، كما فعل ابن مسعود مع إمامة عثمان ابن عفان رضي الله عنه حينئذ يتغيّر الرأي في الفرع تبعا للأصل.
(الهدى والنور/779/ 00: 16: 00)