الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويتكاسلون، يقولون نجد جماعة ثانية وثالثه، ورابعة، خاصة في مساجد السوق، فهناك لا أعتقد أن الوضع ينطبق عليهم؛ لأنهم هناك ينتهي عملهم في كذا، في ساعة كذا، وهناك في مسافات بعيدة، ومساجد قليلة جداً هناك، فهل لهم فرصة -مثلاً- للجماعة الثانية؟
الشيخ: يا شيخ علي، إذا قلنا لهم رخصة، معنى ذلك؛ أولاً: أن نُقرَّهم في إقامتهم في تلك البلاد الكافرة، هذه واحدة.
والأخرى: أن نُقرَّهم في المحافظة على المساجد القليلة، ويقنعوا بالقليل، بينما الواجب أن يكون في كل مَحِلَّة فيها جماعة مسلمون، مسجد يجمعهم -على الأقل- للصلوات الخمس، وأن يكون في مَحِلَّة أخرى مسجد جامع، تجتمع فيه أهل المَحِلَّات كلها في المسجد الجامع.
فإذا قلنا -وهذا الذي قلته، ونعرفه تماماً-: بأنه هذا يُسوِّغ لهم أن يُكَرِّروا الجماعة في المسجد الواحد، فمعنى ذلك أننا أقررناهم على أمرين اثنين:
على إقامتهم في تلك البلاد التي لا تسمح لهم -لأنها بلاد كفر- أن يُقيموا شعائر الإسلام، كما لو كانوا في بلاد الإسلام.
هذا أولاً: معناه أن نُقرّهم أن يستقروا هناك، وهذا لا يجوز.
وثانياً: أن نُقِرّهم على الإقلال من بناء المساجد وهذا لا يجوز.
غيره.
(الهدى والنور /439/ 46: 17: 00)
حكم الجماعة الثانية
مداخلة: أريد أن استوضح بالنسبة للجماعة الثانية، والنهي عنها مع ذكر الأَوْلَى، -بارك الله فيكم-؟
لا شك: أولاً: أريد أن تتذكر معي البحث السابق الذي ابتدأناه بقولنا:
إن كل عبادة تدخل تحت نص عام، لم يجر عمل السلف بهذا الجزء من النص العام من العبادة، فهي لست من العبادة في شيء. تذكر هذا البحث -إن شاء الله-؟
مداخلة: نعم.
هذا يساعدنا على الجواب عن سؤالك الآن.
سؤالك له علاقة بالحديث الذي ذكرته في الجواب السابق، وهو قوله عليه الصلاة والسلام:«صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس أو بسبع وعشرين درجة» ، هنا نقف ولا بد نلنتساءل: الجماعة في هذا الحديث: كيف ينبغي أن تُفهم هذا اللفظة؟
(أل» هنا، «أل»: للتعريف في اللغة، تنقسم عندهم إلى قسمين:
إما أنها للعهد، وإما للشمول والاستغراق، أي: صلاة الجماعة: كل جماعة، وإلا صلاة الجماعة: الجماعة المعهودة المعروفة في الشرع؟
كل من المعنيين يمكن تفسيره.
يقال: صلاة الجماعة: ال للاستغراق والشمول، حينئذ يدخل في هذا الحديث أي جماعة صلت، ومنها الجماعة التي ضربت مثلاً آنفاً، والتي لا أظن فقيها يمكن أن يقول بشرعيتها، لعلك تذكر معي المثال.
مداخلة: نعم.
الشيخ: آه، فإذا كنا وقفنا عند هذا المثال، وكنا ما أدخلناه في عموم لفظة:«الجماعة» ، وتذكرنا الدليل، قلنا: إن هذه الجماعة الخاصة ما فُعِلت في زمن الرسول عليه السلام، فهي إذاً لم تدخل في عموم قوله:«صلاة الجماعة» ، واضح؟
مداخلة: نعم.
الشيخ: نأتي الآن إلى مثال آخر، وهو: أبعد عن العقول أن يقال: إنها بدعة، بل قد تميل بعض العقول إلى أن تقول إنها مشروعة، لو أن ناساً أرادوا أن يُصَلّوا قيام الليل جماعة، واستدلوا على ذلك بحديث: «صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ
…
» الخ، هل استدلالهم هذا صحيح أم لا؟
الجواب الآن، جواب امتحان، فأقول ماذا ترى؟
الملقي: هذا بالنسبة للدليل
…
كان يصلى وكان يصلى بعض الصحابة وراءه
…
فأرى الجواز، والله أعلم.
الشيخ: حسنًا، هو الإنسان -حقيقة- اللي بيريد يتعلم يجاوب عن السؤال، «إن أصاب فله أجران، وإن أخطأ له أجر واحد» ، ثم هذا الخطأ سَيجُرُّه إلى الصواب ولا بد.
الآن يأتي سؤال: هل الجزئيات التي أنت استدللت بها على الجواز -وأحسنت حينما عقبت على الجواب بقولك: والله أعلم-، سؤال توضيحي: هل كانت تلكم الجماعة على سبيل التَدَاعي، ولا كانت صُدفة واتفاقاً -فيما تعلم-؟
مداخلة: لا أدري والله.
الشيخ: ما تدري، حسناً.
الجواب: لم يكن تداعياً، وإنما كانت صدفة واتفاقاً.
والدليل: نفس الروايات التي أنت تشير إليها.
مثلاً: حديث ابن عباس: قال: «بِتُّ ليلةً عند خالتي ميمونة، فقام الرسول عليه السلام وتوضأ، فقام يصلى، فقمت وتوضأت، ووقفت عن يساره، فجذبه عليه السلام وأوقفه عن يمينه» .
ابن عباس كان نائما، لكن لما شاف الرسول قام يصلي، قام، فالرسول دعاه، قال: تعال صلى معي، واضح هذه الصورة؟
مداخلة: نعم.
الشيخ: طيب، كذلك مثلاً: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةً يُصَلّى فرآه ابن مسعود، اقتدى وراءه، قال: فأطال القراءة، حتى هممت بأمر سوء، لأن القراءة طويلة لا تُطاق.
كذلك قصة حذيفة بن اليمان، لما اقتدى وراء الرسول عليه السلام فافتتح سورة البقرة، فقرأ، وقرأ، وقرأ.
بدأ الملل يتسرب أو التعب يتسرب إلى نفس حذيفة، لكن أخذ يُعَلِّل نفسه يقول: الآن عندما طولها، عندما أكثر من القراءة، بس يصل لرأس مائة آية يركع. قال: فمضى، قرأ المائة آية ومضى. الآن يركع والآن يركع، هكذا يُحَدِّث نفسه حتى ختم سورة البقرة كلها، وهي أطول سورة في القرآن الكريم.
الآن بس نخلص منها بيركع، فمضى، افتتح سورة آل عمران، استسلم للأمر الواقع وأمسك عن: الآن والآن.
خّلَّص الرسول سورة آل عمران بتمامها، ثم أفتتح سورة المائدة ثم رجع إلى سورة النساء، فقرأ أربع سورٍ طوال في ركعة واحدة .. الخ الحديث.
حديث طويل، نحن ما نتصوره اليوم لبعدنا عن العبادة والصبر عليها.
ما كان عن تداعي، التداعي هو: صلاة القيام في رمضان فقط.
فإذا وقعت صلاة جماعة في الليل هكذا بدون تداعي فهي مشروعة، أما تعالوا يا جماعة؟ بدنا نُصَلّي جماعة في قيام الليل، فهذا لم يقع.
المهم، قيام الليل جماعة لا يُشْرَع إلا اتفاقا، أما تعالوا يا جماعة بدنا نصلى جماعة، هذا خلاف السنة، وعلى ذلك، فقوله عليه السلام:«صلاة الجماعة» ، «أل» هنا ليست للاستغراق والشمول، لأنها ستفتح علينا أبواباً من محدثات الأمور، أكثرُها لم يقع والحمد لله حتى اليوم، والمثال السابق في التجمع في صلاة السنن القبلية والبعدية -الحمد لله- المسلمون لا يزالون يحافظون على السنة، يحافظون على السنة على السنة، ويحافظون على الفرض على الفرض، الفرض فرضه الجماعة، السنة
سنتها الإفراد، واضح؟ .
مداخلة: نعم.
الشيخ: هناك شبهة، يتشبث بها كثير من الناس في مخالفة هذه القاعدة الشرعية.
القاعدة الشرعية هي: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن في عهده تقام -لا في مسجده ولا في مسجد غيره- جماعتان في وقت من الأوقات الخمسة.
وهذا مروي في بعض كتب السنة، وحَفِظَه لنا أحد أئمة الفقه الأربعة، وهو: الإمام الشافعي رحمه الله.
أما السنة: فقد جاء في مصنف ابن أبي شيبة من حديث الحسن البصري قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا فاتتهم الجماعة صلوا فرادى.
قلت: حفظ لنا النص الإمام الشافعي، فذكر في كتابه المشهور بـ «كتاب الأم» ، قال:«وإذا دخل جماعة المسجد فوجدوا الإمام قد صلى صلوا فرادى، فإن صلوا جماعة أجزأتهم صلاتهم، ولكني أكره لهم ذلك؛ لأنه لم يكن من عمل السلف» ، ثم قال:«وإنا قد حفظنا أن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فاتتهم الصلاة مع الجماعة، فصلوا فرادى، وقد كانوا قادرين على أن يُجمعوا مرة أخرى، ولكنهم لم يفعلوا كراهية أن يجمعوا في مسجد مرتين» .
هذا كلام الإمام الشافعي، كلام إمام فقيه في منتهى الدقة في تعبيره.
إذا كانت الجماعة الثانية في عهد الرسول عليه السلام غير معروفة -فحينئذ- تدخل في القاعدة السابقة، ولا يشملها قوله عليه السلام «صلاة الجماعة» .
نعود إلى حديثك: حديثك ليس له علاقة بموضوعنا إطلاقاً، ويأتي البيان: جاء في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما من حديث أبي سعيد الخدري وأنس بن مالك -رضي عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم: «صلى ذات يوم، ولما سلم، دخل رجل يريد أن يصلى وحده، لأن الجماعة انتهت، فقال عليه الصلاة والسلام لمن حوله ممن كانوا
صلوا خلفه: «ألا رجل يتصدق على هذا، فيصلى معه» ، فقام رجل من الذين صلوا مع الرسول وصلى معه»، وأرجو الانتباه، الحديث يقول:«صلى معه» ، ولم يقل: صلى به.
وأظن في فرق واضح بين الحديث وبين ما قد يساء فهمه.
فقام وصلى معه: أي: من هو الإمام في هذه الصلاة الثانية، اللى بدنا نسميها الآن؟
الملقي: الداخل.
الشيخ: الداخل. إذن، من الذي جعل هذه الصلاة جماعة، الداخل أم الذي تَصَدّق عليه؟
الذي تصدق عليه، لأنه هو الذي صلى معه، وصلى خلفه متصدقًا عليه، هذا هو الحديث.
الآن نقول: ما علاقة هذا الحديث بالجماعة الثانية؟ الجماعة الثانية والثالثة والرابعة.
وأنا أذكر جيداً: لما كنت في دمشق الشام، كنت أدخل أكبر مسجد في سوريا -وربما حتى في كثير من البلاد العربية-: مسجد بني أمية.
أدخل بعد صلاة العصر، فأسمع أذان المؤذن للمغرب، وهناك جماعة قائمة تصلي صلاة العصر.
تَصَوّر بقى كم جماعة أُقيمت بعد الجماعة الأولى.
الشاهد: ليس لهذا الحديث علاقة مطلقاً بالجماعة الثانية، -فضلاً عن الثالثة والرابعة-، لماذا؟
لأن البحث: جماعة ثانية تشبه الجماعة الأولى، من حيث أن الإمام في فرض، والمقتدون أيضاً مفترضون، هذه الجماعة جماعة فريضة، هل هذه وقعت في عهد الرسول؟
عرفنا -سابقاً- من رواية ابن أبي شيبة، والإمام الشافعي أنهم كانوا قادرين على
أن يُجمعوا مرة أخرى، ولكنهم لم يفعلوا، لأنهم كرهوا أن يجمعوا في مسجد مرتين.
إذًا: مثل هذه الجماعة ما وقعت.
الآن عندنا حديث أبي داود والترمذي، نقول: نعم، هذا الحديث يؤخذ منه أن من كان صلى مع الجماعة المشروعة، ودخل رجل يريد أن يصلى فيتطوع عليه، ويتفضل عليه، ويتصدق عليه بأن يصلى خلفه.
أي: في هذا الحديث دليل بأنه: يجوز لمن صلى الفريضة أن يعيدها وراء من يصلى الفريضة، بالنسبة إليه فريضة، وبالنسبة للذي يصلى خلفه نافلة.
بحثنا إذًا: في إقامة إمام ومقتدين به، هذا ليس فيه شيء من ذلك، والذي يؤكد لكم: انظروا الآن هذا الواقع الذي نشاهده في بعض المساجد، بسبب الغفلة عن العلم الصحيح، دخلوا ثلاثة، أربعة متأخرين عن صلاة الجماعة، فتقدمهم أحدهم، والآخرون يصلون خلفه.
من هو المُتَصدِّق ومن هو المُتَصَدَّق عليه؟ لا أحد، لماذا؟ لأن في الصورة التي وقعت في زمن الرسول: المتصدِّق هو الغنى، هذا كسب فضيلة الصلاة مع الجماع الأولى، أولاً.
وثانياً: وراء الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا هو الغنى، أما الفقير هو اللي فاتته هذه الفضيلة، وهو الذي أراد أن يصلى.
أما هذا الذي حثَّه الرسول أن يصلى خلفه، فقال له:«ألا رجل يتصدق على هذا» فإذًا: هو تصدق عليه، فانعقدت الجماعة به، فهو مُتَصَدِّق، أما الفقير فهو الإمام.
أما الجماعة الثانية -اليوم- التي تقع، فكلهم فقراء، لأنهم فاتتهم الجماعة الأولى.
باختصار: ليس لهذا الحديث علاقة بموضوع الجماعة الثانية.
ولذلك: كتب الفقه، -وخاصةً متونها- تنص على أنه يكره تكرار الجماعة في مسجد له إمام راتب، ومؤذن راتب، وهذا نص الإمام الشافعي في الأم.
يخرج من ذلك المساجد التي تُبنى على الطرق: كالمساجد التي ما بين مكة والمدينة.
هذه كلها جاء جماعة من المارة يصلون فيها بإمام من عندهم، ما شي الحال؟
أما مسجد في مَحِلّة: له إمام راتب ومؤذن راتب يقول لهم: حي على الصلاة، حي على الفلاح، ثم بعضهم يتقاعس في بيته، في عمله، يا أخي بنصلي فيما بعد.
وأنا في أول طلبي للعلم كنت مبتلىً بهذا القول، كنت أسمع الأذان من المسجد، وهو بجانبي، لا يبعد عنى أكثر من خمسين مترًا، أكون أنا -ساعاتي- أصلح الساعات، أقول: هه با خلص الساعة، بيصير في نقاش أنا بيني وبين عقلي: لك أنت بين ما تخلص الساعة يكون انتهت الجماعة. با صلي جماعة ثانية، لابد أُلاقي إمام. لك ما بتلاقي إمام. نفسي بتقول لي: أنت ما عاجبك نفسك، أنت طالب علم، أنت بتصلي إمام. هكذا كنت أفعل فعلاً.
لما علمت أن هذا خلاف السنة، كنت مجرد ما أسمع المؤذن يقول: الله أكبر، الله أكبر، أحط الساعة اليّ عَمّ أصلحها أمامي، وأقوم وأسعى ركضا إلى الميِضَأة أتوضأ وأصلى.
أعني بهذا: أنه إذا قام في أذهان المسلمين شرعية الجماعة الثانية والثالثة، فهذا يؤدي إلى فرط عِقْد الجماعة الأولى، وتقليل عددها، والواقع أكبر دليل.
شو الفرق بين صلاة الجماعة وصلاة الجمعة؟ الجمعة قائم في الأذهان ما يصير تكرارها؛ ولذلك بدّه يصلى الجمعة يسعى كما قال تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} .
على العكس من ذلك: لما كان قائما ومستقراً في نفوس كثير من الناس أنه في جماعة ثانية وثالثة، ها اللّي بِدّهم يصلوا مع الجماعة بيتقاعسوا عن الجماعة الأولى، بسبب هذه الفكرة القائمة في أذهانهم، وهي خلاف السنة.
فيكون حصيلة فهم هذه المسألة فهماً علمياً صحيحاً: هو مسارعة المسلمين إلى إجابة منادي الله: حي على الصلاة، حي على الفلاح.