الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا الحديث عرفنا الجواب عنه.
(الهدى والنور / 75/ 24: 37: .. )
رجل دخل المسجد والإمام في التشهد الأخير فهل يدخل معه في الصلاة أم ينتظر الجماعة الثانية
؟
مداخلة: ذهبت إلى المسجد، وجئت والإمام في التَشَهُّد الأخير، وأظن فيه جماعة .. أو آمل فيه جماعة ستقوم، هل أدخل في التشهد مع الإمام وهو في التشهد الأخير، أم أنتظر جماعة وأُصَلِّي جماعة؟
الشيخ: لا، حينما تأتي المسجد فَتَنْضَم إلى هذه الجماعة القائمة؛ لأنها هي الجماعة المشروعة، وما سوى ذلك من الجماعات، التي تتبع هذه الجماعة فهي ليست جماعة مشروعة، الجماعة المشروعة هي الجماعة الأولى، وقد قال عليه السلام:«إذا أتيتم الصلاة، فأتوها وعليكم السكينة والوقار، ولا تأتوها وأنتم تسعون، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا» .
فالمسلم مهما أدرك من صلاة الإمام، ولو قبل السلام، فيُكْتَب له صلاة جماعة، ولكن بنسب متفاوتة.
الذي يدرك صلاة الجماعة مع تكبيرة الإحرام، ليس شأنه وفضله كالذي يدرك الصلاة قبل سلام الإمام، لكن على كل حال هو أدرك الجماعة ولكلٍ ما يستحقه من الأجر.
أما أن تترك الانضمام إلى هذه الجماعة القائمة، انتظاراً لجماعة تالية، فأنت تنتظر جماعة غير سُنِّية؛ لأنه قد اتفق جماهير الأئمة -أعني الإمام- أبا حنيفة ومالكاً والشافعيَّ والإمام أحمد في رواية عنه -أنه- يكره تكرار الجماعة في المسجد الذي له إمام راتب ومؤذن راتب.
وقد جاء في «مصنّف» ابن أبي شيبة، من طريق الحسن البصري قال:«كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا فاتتهم الصلاة مع الجماعة صلوا فُرَادى» .
وأخذ هذا الأثر الإمامُ الشافعي، فأودعه في كتابه العظيم:«الأم» ، وأتبعه بجملة من عنده، فهو يقول:«وقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا فاتتهم الصلاة مع الجماعة، صلوا فرادى» كما قال الحسن.
وزاد الإمام الشافعي من عنده تَفَقُّهاً: «وقد كانوا قادرين على أن يجمعوا مرة أخرى، ولكنهم لم يفعلوا؛ لأنهم كرهوا أن يجمعوا في مسجد مرتين.
وهكذا جاء صراحة في «المدونة» المنسوبة للإمام مالك رحمه الله أنه ليس هناك جماعة ثانية.
وهذا بحث له [ذيل] طويل، وخلاف مديد في الفروع الفقهية، لكن حسبكم الآن هذا الأثر.
مداخلة: طبعاً لكن هناك حديث: ألا من رجل يتصدق على هذا؟
الشيخ: هو صحيح لا شك فيه؛ لأنه جاء من رواية أبي سعيد الخدري وأنس بن مالك لكن الحديث هذا في وادٍ ونحن في وادٍ آخر.
نحن بحثُنا الآن في عقد جماعة ثانية هي كالجماعة الأولى، من حيث أن المصلين فيها هم جميعُهم يُصَلّون ما عليهم من الفريضة، الجماعة الأولى والجماعة الثانية والثالثة كلهم يصلون فريضة الوقت، أما الحديث الذي تسأل عنه، فليس هذا بابه؛ ذلك لأن الحديث كما ذكرت صحيح، حيث يقول:«ألا رجل يتصدق على هذا، فيصلي معه» والحقيقة قلت آنفاً: أن هذا بحث طويل، لكن أشعر بأنني في الوقت الذي أردت التهرب منه، قد جُررت إليه، لكن على كل حال، فيه خير إن شاء الله.
إذا دخل جماعةٌ المسجد، فوجدوا الإمام قد صلى، فَتَقدّم أَحَدُهم فصلى بهم إماماً، قولوا لي الآن: من المُتَصَدِّق ومن المتصدَّق عليه من هذه الجماعة؟ ما في أحد.
إذاً: كلهم فقراء ومساكين؛ لأنهم فاتتهم الفريضة.
أما الرجل الذي جاء وقد فاتته الصلاة خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام لمن حوله:«ألا رجل يتصدق على هذا، ويصلي معه، فقام أحدهم» هذا القائم قد صلى الفرض وراء الرسول عليه السلام، فهو غني، أما ذاك الرجل الذي أراد أن يصلي وحده فهو فقير، فذاك الذي صلى خلف الرسول يتصدق على هذا، بإمكانه أن يتصدق على هذا، لكن هؤلاء الفقراء والمساكين الذين فاتتهم الجماعة كلهم سواء، فتقديمهم أحدَهم، من المُتَصدِّق ومن المُتَصَدَّق عليه، لا يوجد هذا أبداً؛ لذلك: الحديث هذا لا علاقة له بالجماعة الثانية.
هذه صورتها: أن الرجل يصلي مع الجماعة، ثم يرى رجلاً يريد أن يُصَلِّي وحده، فهو يصلي معه، لا بأس في هذا؛ لأن هذه جماعة نفل، وليست جماعة فرض، وبحثنا في جماعة الفرض، وليس في جماعة النفل، وعلى العكس من ذلك -مثلاً-: كما وقع في حجة الوداع، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الصبح في مسجد الخيف، لما سَلَّم وجد رجلين يوحي وضعهما أنهما لم يصليا مع الرسول، قال لهما:«أولستما مسلمين؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: فما منعكما أن تصليا معنا؟ قالا: يا رسول الله! إنا كنا قد صلينا في رحالنا، قال: فإذا صلى أحدكم في رحله ثم أتى مسجد الجماعة فليصل معهم، فإنها تكون له نافلة» فهذه نافلة كتلك الصلاة التي صلاها الرجل الذي استجاب لأمر الرسول عليه السلام: «ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه» فهذه نافلة، الجماعة جماعة نافلة، نحن نتكلم عن جماعة الفريضة.
جماعة الفريضة في المسجد الذي له إمام راتب، وله مؤذن راتب، ليجتمع الناس ليُصَلَّوا في هذا المسجد، لا يشرع جماعة ثانية؛ وسبب ذلك يعود إلى النقل والعقل والنقل هو الأصل؛ لأن هذا لم يقع في عهد الرسول عليه السلام، ولا في عهد الصحابة الكرام.
أما العقل والنظر السليم: فإنك إذا فَكّرت -لا سيما إذا كنت قد جَرَّبتَ كما جَرَّبتُ أنا- فستجد أن القول بشرعية الجماعة الثانية، يعود بالنقض للجماعة الأولى؛