الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استئذان الإمام إقامة جماعة ثانية
مداخلة: من كان يرى الجماعة الثانية في المسجد، وإمام المسجد لا يراها، فهل يجب عليه أن يستأذن إمام المسجد لإقامتها؟
الشيخ: لا، لا يجوز؛ لأن الاستئذان معناه: أنه مشروع، وهو لا يرى الشرعية، فكيف يطلب أن يستأذنوا منه.
(الهدى والنور /626/ 21: 41: 00)
صلاة الجماعة الثانية في المسجد
مداخلة: يسأل هنا ما حكم صلاة الجماعة الثانية بعد الجماعة الأولى في كل فريضة، يصلون
الشيخ: نعم.
مداخلة: ويُنْهوا الصلاة، ومن ثَمَّ تأتي جماعة أخرى وتقيم الصلاة وتصلى جماعة ثانية.
الشيخ: هذه -في الحقيقة- الجماعة الثانية من العادات التي سار عليها المسلمون من زمن بعيد، وهي ليست مشروعة عند جماهير علماء المسلمين، كلنا يعلم أن صلاة الجماعة في مساجد المسلمين فريضة أو واجبة، يجب على كل مسلم أن يسعى إليها فور سماعه المؤذن يقول: حَيَّ على الصلاة حَيَّ على الفلاح، هذا الواجب في سبيل الحفاظ عليها وتكثير ثواب جماعتها حَضّ النبي صلى الله عليه وسلم على أدائها فقال:«صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس» وفي رواية «بسبع وعشرين درجة» ثم كلما كثرت الجماعة، كلما كان أجرها أعظم عند الله تبارك وتعالى.
لذلك كان السلف الصالح حريصين كل الحرص على المحافظة على هذه
الجماعة، أولاً: ليقوموا بواجب قوله تعالى: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43] كما شرحنا ذلك في درس أو ومحاضرة مضت، {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43] أي: صَلُّوا مع المصلين في المساجد، فحرصاً من السلف، كانوا يفعلون ذلك، ويحضرون الصلاة في المساجد، ثم بعد ذلك لا تقام جماعة ثانية أبداً؛ ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم، الذي سن للأمة هذه الجماعة، جعلها جماعة فريضة واحدة، فمسجد النبي صلى الله عليه وسلم في زمنه، كسائر المساجد الأخرى التي كانت في بلده أو في غيرها من البلاد التي دخلها الإسلام، كان المسلمون يحافظون على وحدة الجماعة.
ومن الأدلة على ذلك: الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد هممت أن آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم آمر رجالاً فيحطبوا حطباً، ثم أُخَالف إلى أناس يَدَعون الصلاة مع الجماعة، فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفس محمد بيده لو يعلم أحدهم أن في المسجد مرماتين حسنتين لشهدها، أي صلاة العشاء» فهذا الحديث يدل على أنه لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا الجماعة الأولى، من أين أخذنا هذه الدِّلَالة؟ من هَمِّه عليه السلام بحرق بيوت المتخلفين عن صلاة الجماعة، وإلا لو كان هناك جماعة ثانية ومشروعة، لكان في ذلك عذرٌ واضحٌ لأولئك المتخلفين في بيوتهم، فكان بإمكانهم أن يعتذروا عن أنفسهم، وأن يقولوا: لو هَمَّ أو لو فعل الرسول ما هَمّ به من تحريق بيوتهم في بالنار، لقالوا: يا رسول الله، نحن نُصَلِّي مع الجماعة الثانية أو الثالثة أو ما أدري كم الرقم، يختلف هذا باختلاف البلاد والمساجد، وأنا شخصياً في دمشق شاهدت أكثر من مَرَّة، وفي المسجد الكبير -مسجد بني أمية- أذان المغرب يُؤَذَّن، وهناك جماعة في المسجد يصلون صلاة العصر، تَصَوَّروا كما جماعة أُقيمت من بعد الجماعة الأولى، علماً أن من مساوئ هذه المسجد الكبير، غير تكرار هذه الجماعة الطارئة، فهناك أربع محاريب وأربعة جماعات مُعْتَرف بها في وزارة الأوقاف، بل ولكل محراب إمامُه، هذا هو الإمام الحنفي في الوسط، يميناً الشافعي، يساراً الحنبلي، ثم المالكي .. هكذا، هذا بلا شك ليس مشروعاً، بل كراهيته أشد مما نحن نتحدث فيه؛ لأنها أئمة معترف فيها رسمياً من قِبَل الدولة.
أما الإسلام الذي جاء في القرآن، وجاء في حديث الرسول عليه السلام، فهو لا يعترف بهذه الجماعات الطارئة كما مثلت لكم آنفاً .. أذان المغرب يُؤَذَّن وهناك جماعة تصلي صلاة العصر، هذه الجماعة الطارئة، فأنْكَر منها أربعة جماعات، بل ثلاث جماعات بعد الجماعة الأولى معترف بها رسمياً، وتُصرف أموال الشعب المسلم لإقامة هذه الجماعات غير المشروعة، وهي بعد الجماعة الأولى، هذا بلا شك يخالف القرآن، ويخالف السنة، أما القرآن فقوله تبارك وتعالى:{وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الروم: 31]{مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: 32].
{وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الروم: 31]{مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ} [الروم: 32] لا شك أن الصلاة من الدِّين، فالتَفَرُّق في هذه الصلاة هو تَفَرُّق في الدين، ولا أدل على ذلك: من أننا كنا نشاهد تقام الصلاة فَيُصَلي الإمام الأول وهناك جلوس .. ناس جلوس لا يقومون يصلون، لماذا؟ لأنهم يريدون أن يُصَلّوا بإمامهم، فإذا أُقيمت الصلاة للجماعة الثانية، للإمام الثاني، هناك ناس آخرون جلوس، لماذا؟ يريدون أن يصلوا مع إمامهم، الثالث والرابع .. هكذا.
فأيُّ تفرق أَشَدّ من هذا التفرق؟ هذا التفرق معترف به رسمياً في الدولة.
ولقد وقع لي مَرَّة أن قلت لأحد المتعصبة وهو في المسجد: قد أُقيمت الصلاة فهيّا لنصلي، قال: هذه الصلاة لم تقم لنا .. لم تَقُم لنا.
يعني: هو مذهبه -مثلاً- حنفي والصلاة التي أُقيمت أُقيمت للشافعية، هذه أمور كانت تقع منذ قرون، أما في هذا الزمان فقد اضّمحلت العصبية، لكن -مع الأسف أقول- لم تَضْمَحِل من كثير من الناس، لأنها تخالف الإسلام، وتُفَرِّق الدين، وإنما لأن الواحد منهم لا يبالي يصلي مع الإمام الأول أو الثاني.
خلاصة الكلام: تكرار الجماعة في المساجد، ولو كانت غير رسمية، فهي مما تفرق الجماعة الأولى، والتَفَرُّق في الإسلام منهيٌّ عنه، ولستم بحاجة إلى توسع في
هذه القضية، ولكني أُذَكِّركم بكلمة للإمام الشافعي رحمه الله قالها في كتابه «الأم» المعروف قال: وإذا دخل جماعة المسجد فوجدوا الإمام قد صَلَّى صَلّوا فرادى، لِمَ؟ قال: لأنه لم يكن من عمل أهل السلف، ثم قال الإمام الشافعي: وأَنَّا قد حفظنا أن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فاتتهم الصلاة مع الإمام فَصَلّوا فُرادى، وقد كانوا قادرين على أن يُجَمّعوا مرة أخرى، ولكنهم لم يفعلوا؛ لأنهم كرهوا أن يُجَمّعوا في مسجد مرتين، قال الشافعي: وأَنَّا قد حفظنا أن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فاتتهم الصلاة مع الإمام فصلوا فرادى .. كل واحد منهم يُصَلّي لنفسه قال الإمام رحمه الله: وقد كانوا قادرين على أن يُجَمعوا مرة أخرى ولكنهم لم يفعلوا؛ لأنهم كرهوا أن يجمعوا في مسجد مرتين، يعني يصلوا جماعة ثانية.
والحِكْمَة في هذا ظاهرة جداً؛ لأن الجماعة الثانية والثالثة تُفَرِّق الجماعة الأولى، وهذا أمر مُشَاهد خاصةً يوم الجمعة، المسجد يغصّ بالمصلين يوم الجمعة، من أسباب ذلك: أنهم يعلمون أنه ما هناك إمام ثانٍ، ولذلك فهم يصلون في المسجد يوم الجمعة كلهم، وقد يضطرون للصلاة خارج المسجد، لشدة الزحام، فلو أن المصلين المحافظين على الصلاة في الجماعة يحرصون على أدائها مع الجماعة الأولى -أيضاً- لغَصّ المسجد بهؤلاء المصلين، ولكن حينما استقرّ في أنفسهم أن الجماعة الثانية جائزة والثالثة، فكل واحد يتعلل بِعِلّة، وهي غير شرعية حتماً، لا بأس إذا فاتتنا الجماعة الأولى نصليها جماعة ثانية وثالثة وأخرى.
وختاماً: أضرب لكم مثلاً بشخصي أنا: أنا كنت طالب علم، وصاحب مهنة، وهو تصليح الساعات والمسجد جاري، كنت إذا سمعت الأذان وفي يدي ساعة أُصْلِحُها أقول هاه حتى أنتهي منها، وقريباً أنتهي، ثم يأخذ العمل وقتاً، فيصير مناقشة بين عقلي وبين نفسي .. راح تفوتك الصلاة، بعدين قم ما عليش، إذا فاتتني الصلاة فلا بد أن أجد إماماً آخر يصلي بنا ونصلي خلفه .. ثم تتم المناقشة بين العقل والنفس، ربما ما تجد إمام، وإن لم تجد أنت طالب علم، يعني أنت ألست تعجب بحالك؟ طالب العلم، وتقرأ القرآن جيداً، إن ما وجدت إمامًا أنت تؤم الناس .. ،
هكذا كنت أضيع صلاة الجماعة الأولى، بمثل هذه التَعَلُّلات.
ثم لما هداني الله عز وجل وعَرَّفني سنة النبي صلى الله عليه وسلم بعامّة، وهذه السنة بخاصة، كنت أول ما أسمع الأذان ولو بِدّي أُرَكِّب عقرب أو ما شابه ذلك، أدع الساعة أمامي على الطاولة، وأقوم وأُصَلّي، وأجد الساعة كما هي، وأتم الشغل بعد الصلاة.
هذا مثال في شخصي، وكل الناس مِثْلي تماماً في تَعُّللهم في إعراضهم وعدم حرصهم على الجماعة الأولى، لذلك أُذَكِّر -والذكرى تنفع المؤمنين- بضرورة الحرص على المحافظة على الجماعة الأولى، ولا تقيموا جماعة ثانية؛ لأن صلاتك وحدك والحالة هذه أفضل من صلاتك جماعة ثانية.
ثم أُذَكِّر بشيء هام .. إذا كان المسلم دائماً في باله أن يصلي في المسجد مع الجماعة الأولى، وهذا ما أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أوّله «سبعة يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في طاعة الله، ورجل قلبه مُعَلّق بالمساجد» ما معنى:«رجل قلبه معلق بالمساجد» ؟ يعني: عقله ولبه في المسجد، أي: مجرد ما يسمع الله أكبر الله أكبر، يَدَع كلَّ شيء من عمل وينطلق إلى المسجد، إذا كان المسلم -هكذا- حريصاً على صلاة الجماعة، ثم تأخَّر به تهيؤه لصلاة الجماعة .. ذهب -مثلاً- لقضاء الحاجة، فبينما انتهى، وبينما جَدّد وضوءه ودخل المسجد، وإذا الإمام سَلَّم، فهذا تُكتب له صلاة الجماعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من توضأ في بيته وأحسن وضوءه، ثم أتى مسجد الجماعة فوجدهم قد صَلّوا، كتب الله له مثل أجر صلاتهم، دون أن يُنْقِص من أجورهم شيئًا» ، إذاً: المهم -بارك الله فيكم- أن تحرصوا على أداء الصلاة مع الجماعة الأولى، فمتى علم الله منكم حرصًا، هذا لو فاتته الجماعة مرة أو مرات كُتب له أجر الجماعة، أما الأشخاص الذين لا يبالون صَلّوها جماعة مع الأولى أو الثانية أو ما صلوها جماعة .. هؤلاء لا تُكتب لهم الجماعة، إلا إذا أدّوها فعلاً مع الجماعة الأولى ..
إذاً: حَسِّنوا نواياكم، حتى تؤدوا العبادة كما أمركم ربكم، فإذا فاتتكم أُجِرْتم