الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجوب اتصال الصفوف في الجماعة
- حديث: «أن عائشة قالت لنساء كن يصلين في حجرتها: «لا تصلين بصلاة الإمام فإنكن دونه فى حجاب» .
[قال الإمام]: لم أجده.
وقد قال البخارى في صحيحه «باب إذا كان بين الإمام وبين القوم حائط أو سترة، وقال الحسن: لا بأس أن تصلى وبينك وبينه نهر، وقال أبو مجلز: يأتم الإمام وإن كان بينهما طريق أو جدار إذا سمع تكبير الإمام» .
قال الحافظ في شرحه للجملة الأولى من كلام البخارى «2/ 178» : «أى هل يضر ذلك بالاقتداء أو لا؟ والظاهر من تصرفه، أنه لا يضر كما ذهب إليه المالكية، والمسألة ذات خلاف شهير، ومنهم من فرق بين المسجد وغيره» .
قلت: وقد روى ابن أبى شيبة في المصنف «2/ 25/1 ـ 2» آثاراً في المنع من ذلك، وأخرى فى الرخصة فيه وهذه أكثر وأصح، ولعل ذلك لعذر كضيق المسجد أو نحوه، وإلا فالواجب الصلاة فى المسجد ووصل الصفوف، فما يفعله الناس اليوم في موسم الحج من الصلاة في الغرف التى حول المسجد الحرام مع عدم اتصال الصفوف فيه فلا أراه جائزاً بوجه من الوجوه.
[إرواء الغليل تحت حديث رقم (543)]
تسوية الصفوف سنة متروكة
[قال الإمام]: سنة متروكة يجب إحياؤها:
استفاضت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بإقامة الصفوف وتسويتها، بحيث يندر أن تخفى على أحد من طلاب العلم فضلاً عن شيوخه، ولكن ربما يخفى على
كثيرين منهم أن من إقامة الصف تسويته بالأقدام، وليس فقط بالمناكب، بل لقد سمعنا مرارًا من بعض أئمة المساجد -حين يامرون بالتسوية- التنبيه على أن السنة فيها إنما هي بالمناكب دون الأقدام! ولما كان ذلك خلاف الثابت في السنة الصحيحة، رأيت أنه لا بد من ذكر ما ورد فيه من الحديث، تذكيرًا لمن أراد أن يعمل بما صح من السنة، غير مغتر بالعادات والتقاليد الفاشية في الأمة.
فأقول لقد صح في ذلك حديثان:
الأول: من حديث أنس.
والثاني: من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما.
أما حديث أنس فهو: «أقيموا صفوفكم وتراصوا، فإني أراكم من وراء ظهري» .
وأما حديث النعمان فهو: «أقيموا صفوفكم ثلاثا، والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن بين قلوبكم» .
وفي هذين الحديثين فوائد هامة: الأولى: وجوب إقامة الصفوف وتسويتها والتراص فيها، للأمر بذلك، والأصل فيه الوجوب إلا لقرينة، كما هو مقرر في الأصول، والقرينة هنا تؤكد الوجوب وهو قوله صلى الله عليه وسلم:«أو ليخالفن الله بين قلوبكم» . فإن مثل هذا التهديد لا يقال فيما ليس بواجب، كما لا يخفى. الثانية: أن التسوية المذكورة إنما تكون بلصق المنكب بالمنكب، وحافة القدم بالقدم، لأن هذا هو الذي فعله الصحابة رضي الله عنهم حين أمروا بإقامة الصفوف «1/ 72» ولهذا قال الحافظ في «الفتح» بعد أن ساق الزيادة التي أوردتها في الحديث الأول من قول أنس:«وأفاد هذا التصريح أن الفعل المذكور كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا يتم الاحتجاج به على بيان المراد بإقامة الصف وتسويته» . ومن المؤسف أن هذه السنة من التسوية قد تهاون بها المسلمون، بل أضاعوها إلا القليل منهم، فإني لم أرها عند طائفة منهم إلا أهل الحديث، فإني رأيتهم في مكة سنة «1368» حريصين على التمسك بها كغيرها من سنن المصطفى عليه الصلاة والسلام بخلاف غيرهم من
أتباع المذاهب الأربعة - لا أستثني منهم حتى الحنابلة - فقد صارت هذه السنة عندهم نسيا منسيا، بل إنهم تتابعوا على هجرها والإعراض عنها، ذلك لأن أكثر مذاهبهم نصت على أن السنة في القيام التفريج بين القدمين بقدر أربع أصابع، فإن زاد كره، كما جاء مفصلا في «الفقه على المذاهب الأربعة» «1/ 207» ، والتقدير المذكور لا أصل له في السنة، وإنما هو مجرد رأي، ولو صح لوجب تقييده بالإمام والمنفرد حتى لا يعارض به هذه السنة الصحيحة، كما تقتضيه القواعد الأصولية. وخلاصة القول: إنني أهيب بالمسلمين - وخاصة أئمة المساجد - الحريصين على اتباعه صلى الله عليه وسلم واكتساب فضيلة إحياء سنته صلى الله عليه وسلم أن يعملوا بهذه السنة ويحرصوا عليها، ويدعوا الناس، إليها حتى يجتمعوا عليها جميعا.
وبذلك ينجون من تهديد «أو ليخالفن الله بين قلوبكم» .
وأزيد في هذه الطبعة فأقول: لقد بلغني عن أحد الدعاة أنه يهون من شأن هذه السنة العملية التي جرى عليها الصحابة، وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم، ويلمح إلى أنه لم يكن من تعليمه صلى الله عليه وسلم إياهم، ولم ينتبه - والله أعلم - إلى أن ذلك فهم منهم أولا، وأنه صلى الله عليه وسلم قد أقرهم عليه ثانيًا، وذلك كاف عند أهل السنة في إثبات شرعية ذلك، لأن الشاهد يرى ما لا يرى الغائب، وهم القوم لا يشقى متبع سبيلهم.
[إلى أن قال]:
الخامسة: أن شروع الإمام في تكبيرة الإحرام عند قول المؤذن «قد قامت الصلاة» بدعة، لمخالفتها للسنة الصحيحة كما يدل على ذلك هذان الحديثان، لاسيما الأول منهما، فإنهما يفيدان أن على الإمام بعد إقامة الصلاة واجبا ينبغي عليه القيام به، وهو أمر الناس بالتسوية مذكرا لهم بها، فإنه مسؤول عنهم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته
…
».
السلسلة الصحيحة (1/ 1/70 - 74)