الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخذ الأجرة على القُرَب كالإمامة وغيرها
مداخلة: ما حكم من قرأ القرآن بأجر؟
الشيخ: ليس له أجر، من قرأ القرآن بأجر فليس له أجر لا في الدنيا ولا في الآخرة، أعني: لا يستحق الأجر الذي اتَّفِقَ معه عليه، ولا هو مأجور في الآخرة، لِمَا ثبت من أدلة الشريعة عموماً وخصوصاً: أن كل عبادة لا يُقصد بها وجه الله تبارك وتعالى فهي ليست بعبادة مقبولة، بل يكون صاحبها مَأزوراً، من ذلك قوله عز وجل:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] فالإخلاص -لله عز وجل في القراءة هو مما يدخل في عموم هذه الآية، وكذلك قوله عز وجل:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108] ومن الإشراك في العبادة: أن يقصد المتعبد لله عز وجل غير وجه الله.
والله عز وجل يقول: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]، قال علماء التفسير -كالقرطبي وابن كثير وغيرهما-: إن هذه الآية تعطينا أن العمل لا يكون صالحاً إلا بشرطين اثنين:
الشرط الأول: أن يكون موافقاً للسنة، فهو العمل الصالح، لا يكون العمل صالحاً إلا إذا كان مطابقاً للسنة.
والشرط الآخر: أن يكون العامل لهذا العمل الصالح مخلصاً فيه لله عز وجل لا يبتغي من وراء ذلك أمراً من أمور الدنيا، «فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً» وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«اقرؤوا القرآن وتَغَنّوا به، قبل أن يأتي قوم يتعجلونه ولا يتأجلونه» يتعجلون أجر القراءة والتلاوة، ولا يتأجلون، أي: لا يطلبون الأجر الآجل في الآخرة.
فهذا كله دليل قاطع على أنه لا يجوز للمسلم أن يقرأ القرآن بالأجر الدنيوي،
وإنما عليه أن يبتغي من وراء ذلك الأجر الأخروي، الذي جاء عنه قوله صلى الله عليه وسلم:«من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات، لا أقول: ألم حرف، بل ألف حرف، لام حرف، ميم حرف» .
مداخلة: ما حكم أخذ الأجر على الأذان؟
الشيخ: نفس الجواب السابق، الأذان عبادة، والإمامة عبادة، والخطبة عبادة، وتعليم الدين عبادة، كل هذه الأمور تدخل في كلامنا السابق:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110].
ولكن هنا شيء لا بد من بيانه: أخذ الأجر على العبادة شيء، وأخذ الراتب شيء آخر، وينبغي ألَاّ يختلط الأمر على طلاب العلم، الراتب يُرَتِّبه الحاكم المسلم، يجعله لمن يقوم ببعض الوظائف الدينية، وهذا الراتب هو كالجعالة، فعلى من رُتِّب له ذلك ألّا يأخذه أجراً على عبادته، وإنما يأخذه تعويضاً وراتباً من دولته له.
ولعلكم تعلمون جميعاً: أن أبا بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه حينما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصبوه خليفة للمسلمين، جعلوا له راتباً؛ لأن في اشتغاله بهذا المنصب العظيم صرفاً عن القيام بطلب الرزق بالوسائل التي كان هو يعتادها من قبل، هذا مع أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه هو أفضل الناس وأتقاهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع ذلك ما مضى عليه إلا أيام قليلة حتى طلب منهم أن يزيدوه في راتبه؛ لأنه شعر بالتطبيق العملي، أن ما رُتِّب له لم يكفه فزادوه، فهذا الراتب ليس أجراً، فلا ينبغي لطالب العلم إذا كان إماماً أو كان مؤذناً، أن يأخذ ما يأخذ أولاً كأجر، فقد علمتم أن الأجر على العبادة معصية، ويؤزر ولا يؤجر.
وثانياً: أن يأخذه على أنه راتب من قِبَل الدولة، وللدولة لو كانت غنية أن ترتب راتباً ومعاشاً لكل فرد من أفراد المسلمين كبيرهم وصغيرهم، هذا ليس مقابل عبادة يقوم بها كل فرد، بل إن هذا من التيسير على عامة المسلمين، ولمساعدتهم على التفرغ لعبادة الله تبارك وتعالى وطاعته، كل في مجاله، ذاك المتعبد في عبادته، وذاك العالم
في تعليمه، وذاك طالب العلم في طلبه للعلم، وهكذا.
والشاهد من هذا الكلام: هو أن لا تخلطوا بين الأجر الذي لا يجوز أخذه على العبادة، وبين الراتب المرتَّب لطُلَّاب العلم وأهل العلم.
(الهدى والنور / 81/ 6.: 7.: .. )