الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعموم قوله تعالى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا} وتكون الحصيلة وتكون النتيجة كما يأتي:
«لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» إلا من أدرك الإمام راكعا فله صلاة لماذا؟ لأننا رأينا الأدلة المثبتة لصحة الصلاة.
وأيضا: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» إلا لمن سمعها من الإمام لماذا؟ لأنه تعالى يقول: {وَأَنْصِتُوا} ، ولأن الرسول عليه السلام يقول:«إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا» .
بعض العلماء يقولون نحن نعكس القضية فنقول: نخصص الآية بالحديث والحصيلة عندهم كالتالي-لكنه خطأ-:
قال الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا} إلا في قراءة الفاتحة ولابد من قراءتها ولو ولم ينصت ولو لم يستمع.
أي يخصصون الآية بالحديث على خلاف ما ذكرنا آنفا لكن هذا قلب لما ذكرنا آنفا مما تبين لعلماء الحديث والفقه أن النص العام إذا خُصص لا يجوز أن يخصص به النص العام الذي لم يخصص فلذلك فالصواب ما ذكرناه آنفا من تخصيص الحديث بالآية وليس تخصيص الآية بالحديث.
وبهذا القدر كفاية بالنسبة لهذا المسألة
(فتاوى جدة-موقع أهل الحديث والأثر- 14)
حكم قراءة الفاتحة للمأموم في الجهرية
مداخلة: ما حكم قراءة الفاتحة بالنسبة للمؤتم في الصلاة الجهرية؟
الشيخ: أنا شخصيًا لا أرى جواز قراءة الفاتحة وراء الإمام في الصلاة الجهرية
إلا في حالة من حالتين اثنتين:
الحالة الأولى: أن تكون قراءة الإمام في الجهرية لا تسمع إما لكونه بعيدًا، أو لكون السامع في سمعه ضعف، أو لا سمح الله صمم، أو لا يسمع ما يقرأ الإمام حينذاك لا بد له من القراءة.
والحالة الأخرى التي يجوز للمقتدي أن يقرأ القرآن: إذا كان الإمام من أولئك الأئمة الذين يسكتون سكتةً طويلة بعد فراغهم من الفاتحة، فهو أي: المقتدي والحالة هذه يهتبلها فرصة ليقرأ فيها الفاتحة، وهذا لا يعني أنني أعتقد شرعية هذه السكتة، هذه سكتة أقولها بصراحة: بدعة شافعية؛ لأنهم نظروا في قول مذهبهم بركنية قراءة الفاتحة حتى من المقتدي، فاصطدموا مع النص ومع النظر:
أما النص: فقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204].
أما النظر: فكيف يليق بإنسان يسمع تلاوة الإمام لآيات بعد فراغه من الفاتحة هو أحوج أعني: المقتدي، هو أحوج ما يكون إلى أن يسمع شيئًا من القرآن لا يحفظه .. على الأقل لا يحفظه كما يحفظ الفاتحة؛ لأن أكثر الناس ليسوا حفاظًا للقرآن، فالإمام يقرأ بعد الفاتحة آيات أكثر من المصلين خلفه هم بحاجة إلى أن يسمعوها وإلى أن يتدبروا فيها، في هذه الساعة يشتغل هو بنفسه ويقرأ الفاتحة، فكيف يعقل هذا؟ لا يعقل، وهم شعروا بهذه الحقيقة فلذلك أوجدوا لهم مخرجًا، فقالوا: للإمام إذا فرغت من قراءة الفاتحة فاسكت حتى يتفرغ من خلفك لقراءة الفاتحة.
ثم ليت أنهم يسكتون لتحقيق الغاية التي من أجلها وجدت هذه السكتة، نادر جدًا جدًا حتى في هذا المسجد من يسكت بمقدار الذي يقرأ المقتدي الفاتحة، أنا شخصيًا أغتنم هذه الفرصة وأبدأ بقراءة الفاتحة فلا أكاد أصل إلى النصف إلا بدأ بقراءة بعض الآيات، فإذًا: إما أن تسكت سكتة تامة تتسع لقراءة الفاتحة، وإلا لا تسكت كما هو السنة، فبعضهم يحاول الاستدلال لهذه السكتة بحديث سمرة بن
جندب وأبي بن كعب: أن الرسول عليه السلام كان له سكتتان: سكتة عند الصلاة .. تكبيرة الصلاة الأولى، وسكتة عند الفراغ من القراءة.
اختلف الرواة في تحديد هذه السكتة الثانية، أعني بالرواة: الذين رووا الحديث من طريق الحسن البصري عن سمرة، فمنهم من قال: إذا فرغ من قراءة الفاتحة، ومنهم من قال: إذا فرغ من القراءة كلها، وهذه الرواية الثانية من حيث كثرة الطرق هي الأصح، لكن هذه لا تناسب القائلين بالسكتة بعد الفاتحة ولذلك هم رجحوا نظريًا هذه الرواية الأخرى التي تقول: بعد الفاتحة.
لو سلمنا لهم بذلك فنعود إلى الحديث فنقول: إن الحديث المعضول بعنعنة الحسن البصري عن سمرة، فإن الحسن البصري مع جلالة قدره كان مدلسًا، كان يروي عمن سمع منه ما لم يسمع منه، ولذلك اختلفوا فيه اختلافًا كثيرًا، والراجح أن ما صرح فيه بالتحديث فهو حجة؛ لأنه عدل ثقة حافظ لا شك ولا ريب في ذلك، مع أنه إمام كبير وزاهد عظيم، لكن له هذه العادة: أنه يروي عمن لقيه ما لم يسمع منه.
وهنا لا بد لي من أن أعرج إلى نقطة مهمة جدًا قل من ينبه أحد عليها، وقل من يتنبه لها، بل إن عامة الناس إذا سمعوا أو قرؤوا إن فلانًا كالحسن البصري مدلس اشمأزت قلوبهم من هذا الوصف وألقي فيها أنه رجل مطعون فيه، فيجب أن نعلم أن التدليس أنواع كثيرة، لكن هذا النوع الذي نحن الآن في صدده ليس فيه مطعن فيمن كان يتعاطى هذا النوع من التدليس، ما معنى هذا التدليس؟
مثلًا: أنا التقيت مع بعض العلماء الأفاضل مرارًا وتكرارًا وبخاصة ابن باز حفظه الله لما كنا في الجامعة، فسمعت منه كلمات، فإذا بلغتني كلمة أو موعظة أو حكمة أو ما شابه ذلك عنه بواسطة إنسان ما ولم أسمعها منه من قبل فقلت في هذا الكلمة التي سمعتها عنه بالواسطة، قال ابن باز فأنا مدلس، أنا مدلس اصطلاحًا، ولماذا استعمل هذا اللفظ العربي؟ لأنه يوهم السامعين أنني سمعت منه هذا الكلام، لكني أنا لم أقل: سمعت ابن باز .. لو أني
قلت كذلك حشرت في زمرة الكذابين وسقط الاحتجاج بنقلي وبكلامي، لكن لما لم أقل: سمعت، وقلت: قال ابن باز فهذا صحيح، قال ابن باز، لكن ما هي الواسطة بيني وبينه؟ يتوهم السامع أن هذا من جملة ما سمعته منه، فيتبين مع البحث والتحقيق أن هذا الكلام أنا ما سمعته منه، كان على الشيخ أن يقول: بلغني عن ابن باز، أو حدثت عن ابن باز، أحسن ما يقول: قال ابن باز يوهم الناس أن هذا مما تلقيته منه، هذا هو معنى التدليس.
ثم شيء آخر ينبغي أن يضم إلى هذا: لماذا يدلس المدلس هذا النوع من التدليس؟ لأن هناك أنواع أخرى قد يطعن بالمدلس وتسقط عدالته بخلاف ما نحن الآن بصدده من هذا النوع من التدليس، لماذا يدلس هذا التدليس؟ كانت هناك ظروف سياسية، كان بعض الولاة ينقم على بعض الرواة حتى من الصحابة، فيتحفظ التابعي في الرواية عن ذاك الصحابي الذي ينظر إليه الحاكم أو الملك أو الخليفة أو الوالي نظرة عداء، فلا يريد هذا الراوي أن يشهر نفسه بأن له صلة ما بذلك الصحابي
…
عند ذاك الوالي، فلا يقول: حدثني فلان ويكون قد سمع منه، وإنما يقول: قال فلان؛ لأنه إذا قال: قال فلان، لم يثبت اتصاله به، أما إذا قال: حدثني فلان، فقد أثبت اتصاله به، ففي هذه الحالة هو يتحاشى ألا يقع في هذا التفريق من أجل دفع الضر الذي قد يصيبه فيما لو صرح بالتحديث.
إذًا: التدليس من هذا النوع لأسباب وظروف شخصية بعضها سياسية تضطر الراوي أن يروي بالعنعنة ولا يصرح بالتحديث، فمثل هذا يتوقف علماء الحديث عن الاحتجاج بحديثه حتى يتبين لهم، إما أن يكون سمعه منه مباشرة، وهنا يقولون: قد صرح بالتحديث في رواية أخرى فأمنا تدليسه، وصار حديثه صحيحًا، وأحيانًا يظهر أنه يوجد واسطة بينه وبين ذلك المروي عنه الصحابي
…
فيظهر حينئذ بالوساطة إن كان ثقة صح حديثه؛ لأنه يروى ثقة عن ثقة عن الصحابي، فإذًا: لا يتبادرن إلى ذهن أحد حين يسمع في محاضرة ما: إن فلانًا يدلس، لا يتسابق إلى ذهنه أن هذا طعن فيه .. في عدالته، لا وإنما هذا اصطلاح عند علماء الحديث لدقتهم في الرواية أن لا يؤخذ عمن عرف بهذا النوع من التدليس إلا إذا صرح بالتحديث.
إذا عرفنا هذا ورجعنا إلى حديث السكتتين: فرواية الحسن البصري عن سمرة بالعنعنة، ولا ندري إذا كان سمع الحديث عنه مباشرة أو تلقاه عنه بواسطة هي هذه الواسطة عندنا مجهولة فيبقى الحديث في زمرة الأحاديث الضعيفة، وهذا كله قائم على أساس ترجيح رواية أن السكتة الثانية كانت بعد فراغه عليه السلام من الفاتحة، وأكثر الروايات التي جاءت عن الراوي عن الحسن البصري، وهو يونس بن عبيد أكثر الروايات جاءت عن يونس عن الحسن عن سمرة بسكتة بعد الفراغ من القراءة كلها، حينئذ يسقط الاحتجاج بهذا الحديث حتى ولو ثبت أن الحسن البصري سمعه من سمرة بن جندب، وهذا مما لا وجود له.
أخيرًا: أذكر هنا ما قاله الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله في كتابه زاد المعاد في هدي خير العباد، قال وهو يبحث في هذه المسألة وبين عدم ثبوتها في السنة، يقول: لو كان هناك للنبي صلى الله عليه وسلم سكتة بعد فراغه من قراءته الفاتحة جهرًا لتوفرت الدواعي لنقل هذه السكتة لطولها، كما توفرت الدواعي لنقل السكتة الأولى، فقد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال:«قالوا: يا رسول الله، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ماذا تقول؟ قال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب» إلى آخر الدعاء المعروف في أدعية الاستفتاح.
يقول ابن القيم: هذا السكوت في هذا المكان قبل قراءة الفاتحة يشبه تمامًا ذاك السكوت المدعى بعد قراءة الفاتحة، فكما أنهم سألوا الرسول عليه السلام عن سكتته الأولى: ماذا تقول في هذه السكتة الطويلة: الله أكبر .. هذا شيء يلفت النظر، ولذلك سألوه، تبين لهم أنه يقرأ دعاء الاستفتاح، إذًا: لو كان هناك سكتة ثانية في طولها تشبه هذه السكتة الأولى بعد الفراغ من الفاتحة أيضًا لسألوه: لماذا .. أو ماذا تقول يا رسول الله؟ سيقول كما هو شأن كثير من القراء اليوم: لا أقول شيئًا، لكني أسكت لقراءة من خلفي الفاتحة، أو كما يفعل أيضًا بعض القراء: أنا لا أسكت، لكن أقرأ من السورة التي أريد أن أقرأها بعد الفاتحة أقرأ أولها سرًا بمقدار الفاتحة التي يقرؤها من خلفي ثم أبدأ بالجهر، كل هذا لم يقع، فعدم الوقوع لهذا الشيء دليل