الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم الجماعة الثانية إذا كان إمامها ممن أدرك الجماعة الأولى
مداخلة: إذا جاء رجل إلى المسجد ووجد الصلاة قد انتهت، فهل يحق له، هل يجوز أن يأتم بمسبوق لحديث:«ألا رجل فيتصدق على هذا» .
الشيخ: على كل حال: الحديث الذي أشرت إليه، له علاقه بالجماعة الثانية، ويمكن التمثل منه على سؤالك، وهو الاقتداء بالمقتدي.
حديث: «ألا رجل يتصدق على هذا، فيصلي معه» مناسبته أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوماً، بعد أن صلى، جاء رجل دخل المسجد يريد أن يصلي، فقال عليه الصلاة والسلام لأصحابه الذين كانوا يُصَلّون معه:«ألا رجل يتصدق على هذا» وفي رواية: «يتجر على هذا، فيصلي معه، فقام رجل وصلى معه» .
يتوهم كثير من الناس، بأنه يفيده جواز الجماعة الثانية، التي تُفعل في كثير من المساجد اليوم، اثنين ثلاثة يدخلون المسجد، وقد صلى الإمام الراتب، فَيَتقدَّمهم أحدُهم ويصلي.
ثم تأتي جماعة ثانية، -أيضاً- يتقدمهم واحد ويصلي، وهكذا تتعدد الجماعات في المسجد الواحد، حُجَّتُهم في ذلك هذا الحديث، [وليس] له علاقة إطلاقاً بهذه الجماعات، التي أشرنا إليها آنفاً، لماذا؟
لأن الجماعة التي عُقِدَت في مسجد الرسول عليه السلام وبمرأى منه، بل بَحَضّ منه، ليس هي هذه الجماعات التي تقع اليوم، وأشرنا إليها آنفاً، هذه الجماعة التي انعقدت بالرجل الذي كان صلى مع الرسول عليه السلام، هذه الجماعة هي جماعة نفل، وليست جماعة فريضة؛ لأن الذي صلى مقتدياً بهذا الرجل الذي فاتته صلاة الجماعة هذا يتنفل خلف ذاك الرجل، فصلاته صلاة نافلة، وبالتالي تكون الجماعة جماعة نافلة، والذي يوضح هذا ويُؤَكِّده أنه لا يصح الاستدلال بهذا الحديث على هذه الجماعات التي تُفعل اليوم، أن الحديث صريح؛ لأن هناك رجل
مُتَصدِّق، ورجل متصدَّق عليه، الجماعات التي تقام الآن، ليس فيها هذان الوصفان، متصدِّق ومتصدَّق عليه، ونحن نفهم من كلمة الرسول صلى الله عليه وسلم «ألا رجل يتصدق على هذا، فيصلي معه؟ » ، أن المُتَصَدِّق غني، وأن المُتَصَدَّق عليه فقير، فمن هو المُتَصدِّق ومن هو المُتَصَدَّق عليه؟ الذي كان قد صلى مع الرسول عليه السلام، واكتسب فضيلة الجماعة خمساً وعشرين، أو سبعاً وعشرين درجة، هو بلا شك الغني، وهذا الذي فاتته هذه الجماعة هو الفقير، فهذا الذي تَصَدّق عليه، قد صلى الفريضة مع الجماعة، هذا فاتته هذه الفريضة، فإذاً هو المتصدَق عليه.
فالآن: لَمّا يدخلوا ثلاثة أربعة إلى المسجد، فاتتهم الجماعة جميعاً، فتقدمهم أحدهم، مَن المُتَصَدِّق عليهم؟ لا أحد، كلهم فقراء، لماذا؟ كلهم فاتتهم الجماعة، فاتهم سبع وعشرون درجة.
فإذاً: جَرّ الحديث وتطبيقه على هذه الجماعات التي تقع اليوم، هذا في الواقع تحميل الحديث ما لا يتحمل، وأوضح شيء هو: أن يُلاحظ مُتَصَدِّق ومُتَصَدَّق عليه، هذا لا يوجد في هذه الجماعة؛ لأنهم كلهم مُفْترِضون، بينما هناك كان مفترِض وهو الإمام، ومتنفِّل وهو المُتَصَدِّق عليه.
لهذا فاستدلال بهذا الحديث، هو كما يقول الشافعي وغيرُه:«أنه من كان قد صلى الفَرض مع الجماعة، ثم حضر جماعة أخرى، هل له أن يعيد تلك الصلاة مع الجماعة الأخرى» ؟ الجماعة المشروعة، قالوا: نعم. وهذا هو الدليل.
أو من صلى الفريضة، هل له أن يَؤُم جماعةً ما صلوا الفريضة، الجواب: نعم. لأن هذا وقع في عهد الرسول عليه السلام، حيث كان معاذ بن جبل -كما في صحيح البخاري- كان يصلي صلاة العشاء الآخرة وراء النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يذهب إلى قبيلته، فيصلي بهم نفس الصلاة، أي يؤمهم في صلاة العشاء، كانوا يعرفونه أنه أفقههم وأعلمهم وأَقْوَاهم، فيعرفون من جهة بأنه يصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم
فينتظرونه حتى يعود إليهم، فيصلي بهم صلاة العشاء.
قال راوي الحديث، وهو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه:«هي له نافلة وهي لهم فريضة» ، فمعاذ كان قد صَلّى فأعادها، فهذا يجوز.
كذلك يجوز لمن صلى الفريضة فوجد جماعة أخرى، يصلي معهم تلك الصلاة نفسها، لكنها تكون له نافلة.
وعلى هذه الصورة أدلة، منها: حديث الإمام مالك في «الموطأ» أن النبي صلى الله عليه وسلم، صلى في حجة الوداع في مسجد الخير المعروف اليوم في ذلك المكان، صلى صلاة الفجر، لما سلم وجد رجلين قد انتحيا ناحيةً، يدل وَضْعُهما على أنهما لم يشتركا في الصلاة مع الجماعة، فقال لهما عليه الصلاة والسلام:«أولستما مُسْلِمَين؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: فما يمنعكما أن تصليا معنا؟ قالا: يا رسول الله! إنا كنا صلّينا في رِحَالنا، قال: فإذا صلى أحدكم في رحله، ثم أتى مسجد الجماعة فليصلي معهم، فإنها تكون له نافلة» .
فهذا الصحابي الذي كان صلى مع الرسول، وقام استجابة لِحَضّ الرسول صلى الله عليه وسلم:«ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه؟ » صلى معه نفس الصلاة نافلة.
كذلك من الأدلة على هذه الصورة أو قريب منها: قوله عليه الصلاة والسلام -كما في صحيح مسلم، من حديث أبي ذر الغفاري- قال: قال عليه الصلاة والسلام: «سيكون عليكم أمراء يُمِيتُون الصلاة، وفي رواية يُؤَخِّرون الصلاة عن وقتها، فإذا رأيتم ذلك، فَصَلّوا أنتم الصلاة في وقتها، ثم صلوها معهم فإنها تكون لكم نافلة» .
«ألا رجل يتصدق على هذا، فيصلي معه؟ » لا يدل -مطلقاً- على شرعية الجماعة الثانية والثالثة، لاختلاف صورتها عن الصورة التي أَقَرّها الرسول عليه الصلاة والسلام.
إذا عُرِفَ هذا: أمكننا أن ننتقل إلى أصل السؤال، وهو:
رجل دخل المسجد، وقد سلم الإمام، وقام أحدهم كان مسبوقاً بركعة أو بركعتين، فهل لهذا الداخل أن يقتدي بهذا المسبوق؟
الجواب: لا، والسبب أن الجماعة الثانية لا تُعرف في عهد الرسول عليه السلام،