الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن الحكم القديمة المعروفة والمروية في بعض الكتب: من ثمارهم تعرفونهم، تعرف ثمرة المسألة إذا كانت صوابًا أو خطأً، تعرف صوابها من خطئها من ثمرتها.
إذا قيل بشرعية الجماعة الثانية وما بعدها، تفرقت الجماعة الأولى وتوزعت.
وإذا قيل لا جماعة تكسب هذه الفضيلة: «سبعة وعشرين درجة إلا الجماعة الأولى، انطلق المسلمون يسعون إلى ذكر الله» .
الملقي: لو قال قائل: لِمَ فَرَقّتم بين المسجد اللّي فيه إمام راتب، ومؤذن راتب، وبين المساجد التي ليس فيها إمام راتب ومؤذن راتب، وما الدليل على ذلك في تفريقكم: إنه عدم قيام الجماعة الثانية؟
الشيخ: وهذا مذكور في نفس الأم للشافعي.
الملقي: نعم.
الشيخ: بالنسبة لمسجد له إمام راتب، ومؤذن راتب، يعني له جماعة، أما المساجد التي ليس لها إمام راتب ومؤذن راتب ليس لها جماعة.
فتكرار الجماعة هناك يَجمَع ولا يُفرق، بعكس تكرار الجماعة في المسجد الذي له إمام راتب، ومؤذن راتب، فهو يفرق ولا يجمع، فشتان ما بينهما، وهذا من فقه الإمام الشافعي.
(الهدى والنور /527/ 03: 00: 01)
(الهدى والنور /528/ 46: 00: 00)
الجماعة الثانية في المسجد
مداخلة: ما هو حكم اثنين أو ثلاثة رجال، حضروا إلى المسجد بعد انتهاء صلاة الظهر، أو العصر، أو أيَّ فريضة كانت، أن يصلوا جماعة، أو منفردين هؤلاء الثلاثة أو الاثنين؟
الشيخ: نحن نعتقد -جازمين- بما قال به أئمة المسلمين الأقدمين، كالإمام مالك والشافعي نصاً من كتبهم، وكذلك أبو حنيفة -وإن كان ليس له كتب لكن كتب أصحابه- كلهم مجتمعون على أنه يكره تكرار الجماعة في مسجد له إمام راتب ومؤذن راتب.
يُفَرِّق هؤلاء الأئمة بفقههم، بين مسجد على قارعة الطريق، أشبه ما يكون بالمساجد في طريق المدينة
…
المدينة، مساجد صغيرة المارة يدخلون فيها فيصلون، فالجماعة هنا جائزة.
أما مسجد مَحِلَّة، هذا المسجد له جوارُه وله أهله وأصحابُه والمصلون فيه .. له مؤذن يخبرهم بحضور وقت الصلاة، وله إمام يؤمّهم، فمثل هذه المساجد، اتّفق هؤلاء الأئمة -الذين سَمَّيتهم لك آنفاً- بعدم شرعية الصلاة جماعةً ثانية أو ثالثة وما بعدها، ونص على ذلك الإمام مالك والإمام الشافعي -كما قلتُ- في كتبهم.
ومن أغرب ما ورد عن الإمام مالك، أنه قال: «لو أن إمام مسجدٍ لم يحضر، ولا حضر أحد إلاّ المؤذن، فصلَّى وحده، ثم حضر الجماعة، قال: يُصَلّون وَحْدَهم كُلَّهم، مع أنه لم تقم جماعة، لكن المؤذن قام بواجب الإخبار، والإمام لعذر أو آخر لم يحضر، فَصَلَّى هذا المؤذن وحده، ثم جاءت الجماعة قال: يُصَلّون فُرادَى، هذا كُلّه من باب سَدّ الذريعة.
مداخلة: طيب! ماذا تقول أنت يا شيخنا في هذه المسألة؟
الشيخ: كيف؟
مداخلة: هذه المسألة بالذات الصورة هذه، ما هو رأيك فيها؟
الشيخ: أنا معها.
مداخلة: حتى يعني
…
الشيخ: حتى في هذه الصورة، نعم.
مداخلة: سد الذريعة.
الشيخ: نعم، المسجد الذي وافقته آنفاً.
مداخلة: نعم، نعم.
الشيخ: نعم، إخوانُنا يعرفون قصتي أنا مع الجماعة الأولى والثانية، وأنا بُرْهَةً طويلة من الدهر ساعاتي، مُصْلِح الساعات، وكان محلي -دُكَّاني- بجانب المسجد، فكنت أسمع الأذان بآذاني، ولكن كنت متأثراً بالفقه السائد، والمُشَاهد في المساجد تكرار الجماعة الواحدة بعد الأخرى.
فأنا مثلاً: أشتغل في الساعة، أريد أن أُرَكِّب برغي، أو أريد أن أُرَكِّب عقرب، أسمع الأذان، وأُعَلِّل لنفسي أن هذه شغلة بسيطة، سرعان ما أنتهي منها، وسأقوم وأُدرك صلاة الجماعة، هذه تُصْبِح أحياناً ليست بسيطة، صعبة وطويلة الأمد، ويصبح نقاش بيني وبين عقلي وبين نفسي، أن هذا ستفوِّتك صلاة الجماعة، اترك الساعة ستجدها في أرضها، واذهب وأدرك الجماعة، نفسي ستقول لي: لا، ولو كان راحت الجماعة ستجد جماعة ثانية .. عقلي يقول: افرض أنه لم نجد إماماً يصلي فينا، أنت طالب علم ..
فعلى الأقل في هذه المسألة.
فاقتنعتُ أنه كما أنه في المجتمع العام لا يُشْرَع إلا إمام واحد هو الخليفة، كذلك في المجتمع الخاص، -وهو المسجد- لا يُشْرَع إلا إمام واحد، اقتنعت في هذا ..
بعد هذا الاقتناع، الساعة بيدي، وضعتها على الطاولة أمامي، وانطلقت سراعاً، نادر جداً جداً بعدما حملت في نفسي هذه العقيدة الصحيحة أن تفوتني صلاة الجماعة.
ولذلك: فالقول بجواز الجماعة الثانية، هي تَصُدُّ عن ذكر الله مع الجماعة الأولى، هذا أمر واقع ما له من دافع.
وأنا رُبِّيت في دمشق، وكنت أدخل مسجد بني أمية بعد صلاة العصر لحضور بعض الدروس هناك كنت في بعض الأحيان أسمع أذان المغرب، وجماعة صلاة العصر لم تُسَلِّم بعد.
أي: من جملة الجماعات .. صلى الإمام الأول الحنفي .. هذا في الزمن الأول، بعد ذلك أصبح الإمام الأول هو الشافعي، وبعد ذلك: صلى الإمام الأول في محرابه والإمام الثاني في محرابه والثالث والرابع .. أربعة محاريب .. أربعة أئمة يُصَلّون بصورة رسمية، ونظامية في المسجد الأموي الكبير .. مع ذلك تستمر الجماعات، حتى ندرك جماعة تُصلِّي العصر وأذان المغرب يُؤَذَّن، فالقول بجواز الجماعة الثانية، وإدخالها تحت عموم قوله عليه السلام:«صلاة الجماعة تَفْضُل صلاةَ الفرد بسبع وعشرين درجة» هذا فيه تعطيل الجماعة الأولى.
ولذلك: الآن نجد الفرق بين صلاة الجمعة وصلاة الجماعة ..
صلاة الجمعة: لأن الناس يعلمون أن لا تكرار فيغص المسجد بالمصلين .. صلاة الظهر يعرفون أنها تتكرر، فيكملوا صف أوصفين ..
هذه الآثار كافية لتنبيه المسلم بِصحَّة هذا القول الذي نقلتُه لكم آنفاً، أنه لا جماعة ثانية في مسجد له إمام راتب ومؤذن راتب.
وهذا القول مُدَعَّم بالسنة العملية، أي: في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن في مسجده إلا جماعة واحدة، وهذا يُسْتَنْبط باستنْباطات دقيقة جداً، منها: قوله عليه السلام: «لقد هممت أن آمُرَ رجلاً فيُصَلِّي بالناس، ثم آمرُ رِجَالاً فيحطِبُوا حَطَباً، ثم أُخالف إلى أُناس يَدَعون الصلاة مع الجماعة، فأُحَرِّق عليهم بيوتَهم، -والذي نفس محمد بيده- لو يعلم أحدهم أن في المسجد مرماتين حسنتين لشهدها» أي: صلاة العشاء.
وجه الاستنباط من الحديث: أن الرسول عليه السلام هَمَّ أن يُوكِل واحداً يصلي نيابةً عنه، ويذهب هو يُغافل المتخلفين عن صلاة الجماعة، ويُحَرِّق البيوت عليهم، لماذا؟ لأنهم تركوا فريضة الجماعة.
وهذا معناه: أنه لا جماعة ثانية؛ لأنه لو قال الرسول: «ماذا تفعلون هنا» ؟ لماذا لا تحضرون صلاة الجماعة؟ كانوا سيقولون يا رسول الله: هناك جماعة ثانية .. هناك جماعة ثالثة.
لكن: لا، مسدود عليهم طريق الاحتجاج على الرسول، وحجة الرسول قائمة عليهم؛ لأنه نَبَّأهم أنه لا جماعة إلا الجماعة الأولى؛ ولذلك جاز له عليه الصلاة والسلام، أن يُخَالف إلى أولئك الأقوام، ويُحَرِّق عليهم بيوتَهم، لكنه لم يفعل لسبب معروف عند العلماء، وهو أن في البيوت من لا تَجِب عليهم صلاةُ الجماعة من النساء والأطفال
…
إلى آخره.
وهذا أسلوب رائع جداً من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الترهيب من مخالفة الشرع، وهو الهَمّ بتحريق النار، لماذا لم يفعل؟ لأنه قام المانع .. وُجِد المُقْتَضي للتحريق، فَهَدّدهم بذلك، لكن قام المانع فلم يُنفِّذ، هذا أسلوب رائع جداً.
إذاً: لهذا الحديث وجذوره، لم يكن السلف الصالح يعرفون جماعتين في مسجد واحد.
ولذلك صح عن عبد الله بن مسعود، أنه كان عنده رجلان من أصحابه التابعين الذين نقلوا العلم عنه، فانطلقوا إلى المسجد، وإذا الناس خارجون، انتهت الصلاة، فعاد بهما إلى بيته وصلى بهم جماعة وهو يعلم قوله صلى الله عليه وسلم:«أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» فلماذا لم يدخل المسجد ويُصَلِّي الفريضة؟ لأن الرسول يعني قال أفضل صلاة الجماعة؟ لكن عندما كان لا جماعة ثانية، رجع بهم وجَمَّع بهم في بيته.
ومن هذه النقول، وهي كثيرة وكثيرة جداً: لذلك فالجماعة الثانية لا تشرع نصاً وعقلاً .. نقلاً وعقلاً؛ لأنها تُفَرِّق جماعةَ المسلمين، وتُتَّخذ وسيلة للتباغض والتنافر والتشاحن ..
(الهدى والنور/545/ 59: 20: 00)