الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل تُقرأ الفاتحة، مع الإمام في الصلاة الجهرية
؟
السائل: هل تُقرأ الفاتحة، مع الإمام في الصلاة الجهرية؟
الشيخ: لا، لا نرى ذلك.
(الهدى والنور/428/ 36: 32: 00)
قراءة الفاتحة للمأموم خلف الإمام
مداخلة: في بعض الإخوان يقول: ما في داعي أن المأموم يقرأ الفاتحة [خلف الإمام]، وما يجعل له مجال.
الشيخ: الحديث: «لا صلاة لمن لم يقرأ الفاتحة» حديث عام، فعلاً يشمل كل قراءة، سواء كانت صلاة منفرد، أو صلاة مقتد، أو صلاة إمام، لكن يقابله نصوص -أيضاً- هي نصوص عامة، وأنت أشرت آنفاً بنفسك إلى الآية:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204]، -أيضاً- يقال في هذه الآية مثلما نقلت أنت عن علماء الأزهر، وهذا طبعاً أنت المسؤول عن هذا النقل، يعني: على عُهدتك، نحن ما ندري أيش قالوا، أي نعم، أنهم قالوا: إن هذا الحديث مطلق ما هو مقيد، كذلك يقال بالنسبة للآية، بِدّك الآية كما تسمع:{فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا} [الأعراف: 204].
ما قال: لا في الصلاة ولا في خارج الصلاة، لا خارج الصلاة، ولا داخل الصلاة، هذه أول واحدة، ثاني شيء: ما قال: في السِرّية دون الجهرية، وإنما الآية مطلقة.
فهنا صار في نصين مطلقين، فأيُّ النصين يقيد الآخر ويُخَصّصه؟ هذا من دقائق علم الفقه، الذي يُسمى بعلم أصول الفقه.
ثم يضاف إلى الآية حديث صريح وصحيح، وهو أيضاً مُطْلَق غير مقيد، ألا
وهو قوله عليه السلام: «إنما جُعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكَبِّروا، وإذا قرأ فأنصتوا» ، «وإذا قرأ فأنصتوا» ، ما فرَّق بين مقتدي، وبين سر وبين جهر، وإنما مطلقاً، «إنما جُعِل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا» .
وواضح جداً أن كلمة: «أنصتوا» ، سواء في هذا الحديث أو في الآية السابقة
تعني: «أن اسكتوا» إذا كان هناك قراءة مسموعة.
ولذلك كانت الآية مع الحديث بعمومهما وشمولهما، توجب على المقتدي ألَاّ يقرأ وراء الإمام الذي يجهر بالقراءة.
مذهب الشافعية -دون بقية المذاهب الأخرى- يوجبون على المقتدي أن يقرأ الفاتحة، ولو كان هو يجهر بالقراءة، ويقولون في الحديث:«لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» ، مطلق، أو عام ما هو مقيد بصلاة سرية دون جهرية.
لكن نفس الشافعية مع مرور الزمن وتحرّر العلم، وجدوا أنفسهم مضطرين إلى أن ينضمُّوا إلى مذهب الجماهير، الذين يقولون بأنه لا يُشرع أن يقرأ المقتدي والإمام يرفع صوته.
الشيخ: اسمح لي -بارك الله فيك-، قلنا لك: اصبر، وما صبرك إلا بالله، لو أنك لحظةً صبرت عليّ.
قلت لك: لذلك أوجدوا مخرجاً لأنفسهم، بأن فرضوا على الإمام أن يسكت تلك السكتة، لماذا؟
لأنهم ما أخذوا مع الجمهور، ما أخذوا أن المقتدي يقرأ والإمام يجهر، فقالوا: إذاً نحن نقول بأن على الإمام أن يسكت بعد قراءة الفاتحة، ليتفرغ المقتدي لقراءة الفاتحة بنفسه.
نحن نقول الآن: هذا المخرج لا يصح أن يكون مخرجاً، إلا لو ثبت في السنة [لأنه صلى الله عليه وسلم أمّ] أُمته أكثر من عشرين سنة، وكان يجهر في الصلاة الجهرية، ويسُر في الصلاة السرية، فهل سكت بعد أن قرأ الفاتحة في الصلاة الجهرية، ليتمكن مَن خلفه
من قراءة الفاتحة؟
الجواب: لا.
-فأيضاً- لماذا نحن نُوجِد مخارج لأنفسنا؟ كان المقتضي لإيجادها موجود في عهد الرسول عليه السلام.
مع ذلك ما أوجد الرسول هذا المخرج، هذا المخرج جاء من خطأ فَهْم للحديث، بأنه عام يشمل حتى المقتدي وراء الإمام في الجهرية، من أين جاء الخطأ؟
من عدم التَنَبُّه للحديث الذي أنت قلت: -لا شك في صحته- «قراءة الإمام قراءة لمن خلفه» .
إذاً: الإمام حينما يقرأ جهراً، وأنت تسمع، وأنت تدبر ما يقرأ، حصل لك المقصود من قراءتك لنفسك لو قرأت والإمام ساكت، بل أنا أُلاحظ شيئاً، المستمع للتلاوة باستطاعته أن يتدبر أكثر من القارئ نَفسِه، صحيح، أو لا؟
مداخلة: صحيح.
الشيخ: إذا كان الأمر كذلك، فحينما يقرأ الإمام وأنت تصغي لقراءته، فقد حصل لك القراءة وزيادة.
ولذلك جاء في صحيح البخاري: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال لأحد أصحابه، هما روايتان، مَرَّة لابن مسعود، ومَرَّة لأُبَيّ بن كعب، قال:«اقرأ عليّ القرآن، قال: أقرأ عليك القرآن وعليك أُنزل؟ ! قال: اقرأ، فإني أحب أن أسمعه من غيري» .
فإذاً: رَبُّنا عز وجل حينما أوجب الإنصات على المقتدين السامعين لتلاوة القرآن، إنما أوجب ذلك لأمر مرغوب به عند الله، وهو أن يستمع هذا السامع لقراءة الإمام، ويتدبر فيما يقرأ، أما لو أنت قرأت والإمام يقرأ، ما تستطع أن تَدَّبّر ما تقرأ أبداً؛ لأنك أنت مشغول للإصغاء، ومشغول بالقراءة، والله يقول:{مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب: 4]، فأنت واحدة من الاثنتين: إما أن تَنْتَبِه
لقراءة الإمام وتَدَّبّر فيها، وإما أن تنتبه لما تقرأ أنت في نفسك.
لهذا كانت المذاهب الثلاثة: أن المقتدي يقرأ في السرية، ويُنْصِت في الجهرية؛ وبذلك تجتمع النصوص الشرعية.
وهنا مسألة فيها شيء من الدِّقة، من الناحية الفقهية: الحديث الأول: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» ، حينما تنقل أنت عن علماء الأزهر، بأنهم قالوا: إن الحديث مطلق، نحن نقول: هذا الحديث ليس على إطلاقه، فقد دخله تخصيص باتفاق جماهير علماء المسلمين، ومنهم الشافعية أنفسهم.
أنت الآن إذا دخلت المسجد، ووجدت الإمام راكعاً واقتديت به وركعت معه، أدركتَ الركعة أم لا؟ أدركت الركعة، ماذا نفعل في قوله:«لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» ؟
لم يبقَ الحديث على عمومه، دخله التقيِّيد والتخصيص، فصار معنى الحديث: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، إلا لمن لم يستطع أن يقرأ الفاتحة في صورة من الصور منها: أن يأتي المسجد، فيجد الإمام راكعاً، فلا يستطيع أن يقرأ الفاتحة، ومحسوبة له الركعة، بما أنه ما قرأ الفاتحة، إذاً: فالحديث هذا ليس على إطلاقه.
مداخلة: إذا تَكَرّمت، بالنسبة لما دار بين الشافعية: إذا الأحاديث تعارضت يعني: أليس الأفضل التوفيق بينها، وهو حال الشافعية على من يقول: يقرأ الفاتحة بعد الإمام في سكتته، أنهم وفّقوا بين الأحاديث المتعارضة.
الشيخ: عفواً، الظاهر أننا نسينا ما قلنا، التوفيق بين الأحاديث ما يكون بمخالفة السنة، فقد ذكرت آنفاً، ذكرنا -آنفاً-: أن الرسول عليه السلام طيلة حياته المباركة، حينما كان يصلي بالناس في الصلاة الجهرية، ما كان يسكت.
فما يكون الجمع بين الأحاديث بأن نحن نعطي حَلاًّ يخالف سنة الرسول عليه السلام طيلة حياته المباركة، نحن نأتي بحل من نفس الأحاديث، وهذا الذي كنت أنا في صدد -إتمام- بيان الحل، لأني قلت: - لأمر ما- ذكرت أن حديث: «لا صلاة لمن لم يقرأ» ليس مطلقاً، كما نقلت عن العلماء، وإنما هو مُقَيّد في بعض الصور،