الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذات صباح يوم لقضاء الحاجة وكان معه المغيرة بن شعبة، فلما جاء وقت الوضوء صب المغيرة على النبي صلى الله عليه وسلم وكان الناس ينتظرونه عليه السلام ليصلي بهم إمامًا كما هي عادته فلما استأخروه قدموا عبد الرحمن بن عوف فصلى بهم إمامًا، فجاء المغيرة مع النبي صلى الله عليه وسلم فهم المغيرة أن ينبئ الإمام بمجيء الرسول صلى الله عليه وسلم ليتأخر فأشار إليه أن دعه، فاقتدى الرسول عليه السلام والمغير بعبد الرحمن بن عوف، ثم سلم عبد الرحمن وقام وقضيا الركعة التي كانت فاتتهما، فلم يقتدي المغيرة بالرسول عليه السلام في تمام هذه الصلاة كما يفعل البعض اليوم، وكذلك الصورة التي أنت ذكرتها آنفًا أن يأتي رجل وقد سلم الإمام فيجد بعض المسبوقين، فيقتدي به، فلم تقع هذه الصورة أبدًا.
والجماعة الثانية على كل حال في المسجد لا تشرع؛ لأن السلف الصالح كلهم كانوا إذا فاتتهم الصلاة مع الجماعة صلوا فرادى، وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله في كتابه الأم: وأنا قد حفظنا أن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فاتتهم الصلاة مع الجماعة فصلوا فرادى وقد كانوا قادرين على أن يجمعوا مرة أخرى، ولكنهم لم يفعلوا؛ لأنهم كرهوا أن يجمعوا في مسجد مرتين.
(فتاوى رابغ (6) /00: 36: 36)
حكم الجماعة الثانية في المسجد
مداخلة: فضيلة الشيخ حفظك الله ما حكم الجماعة الثانية في المسجد؟ وإذا كانت مكروهة وأتيت بعد انتهاء الجماعة الأولى فهل أعود إلى بيتي وأصلي الصلاة في البيت؟ أرجو التوضيح أثابكم الله.
الشيخ: هذه المسألة اختلف فيها الفقهاء من الأئمة الأربعة ثم من تابعهم، فأكثرهم على القول بكراهة تكرار الجماعة في مسجد له إمام راتب ومؤذن راتب، المؤذن يؤذن يجمع الناس للصلاة في هذا المسجد، والإمام يؤمهم ويصلي بهم، أما مسجد على قارعة الطريق ليس له إمام راتب ولا مؤذن راتب فتجوز الجماعة الثانية وما بعدها فيه، كلما دخلت جماعة أقامت الصلاة جماعة لا حرج في ذلك بهذا الشرط
المذكور وهو: أن لا يكون له إمام راتب ولا مؤذن راتب بخلاف ما إذا كان من للمسجد مثل هذا الشرط فحينئذ تكره عقد جماعة ثانية، هذا مذهب الإمام أبي حنيفة والإمام مالك والإمام الشافعي.
أما الأمام أحمد فالرواية المشهورة عنه أنه يقول بجواز تكرار الجماعة في المسجد الواحد، لكني وجدت في كتابه المعروف بمسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني صاحب السنن المعروف بسنن أبي داود وجدته يروي عن الإمام أحمد أنه قال: تكره إعادة صلاة الجماعة في الحرمين الشريفين أكثر من غيرهما، فرأيت في هذا النقل الصحيح الذي نقله أبو داود في مسائله عن الإمام أحمد رحمه الله ما يوافق أقوال الأئمة الثلاثة الذين ذكرتهم آنفا، وكلام الإمام الشافعي في كتابه المشهور والمسمى: بالأم صريح جدًا في هذه المسألة.
وفيه فائدة قلما تلتقط من غير كتابه حيث قال بلسانه العربي القرشي: وإذا دخل جماعة المسجد فوجدوا الإمام قد صلى صلوا فرادى، وإن صلوا جماعة جازت صلاتهم، وإنما أكره ذلك منهم؛ لأنه لم يكن من عمل السلف ثم قال: وأما مسجد على قارعة طريق ليس له إمام راتب ولا مؤذن راتب فيجوز تكرار الجماعة فيه.
ثم قال وهذه هي الفائدة العزيزة التي أشرت إليها آنفًا: وأنا قد حفظنا أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فاتتهم الصلاة مع الجماعة دخلوا المسجد فوجدوا الإمام قد صلى صلوا فرادى قال: وقد كانوا قادرين على أن يجمعوا في مسجد مرة أخرى ولكنهم لم يفعلوا؛ لأنهم كرهوا أن يجمعوا في مسجد مرتين، والحكمة في هذا الحكم الذي تبناه الأئمة الثلاثة وتبعهم الإمام أحمد في تلك الرواية الصحيحة عنه أن القول أو أن إقامة الجماعة الثانية وما بعدها في المسجد الذي له إمام راتب ومؤذن راتب يؤدي إلى تفريق جماعة المسلمين وعلى الأقل تقليل الجماعة الأولى، فإنها هي التي قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم:«صلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد بخمس - وفي الرواية الأخرى بسبع - وعشرين درجة» فهذه الفضيلة إنما تختص بها الجماعة الأولى
لما سبق من الدليل أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا إذا فاتتهم الصلاة مع الجماعة أي: الأولى صلوا فرادى، فلماذا صلوا فرادى؟ ذلك أولًا؛ لأن الفضيلة التي ذكرناها آنفًا أنها بسبع وعشرين درجة قد فاتت فلا مجال لتعويضها، وثانيًا: لأن عمل السلف كان على عدم إعادة الجماعة، فالجماعة الأولى هي التي أشار إليها نبينا صلوات الله وسلامه عليه في الحديث الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وقد هممت أن آمر رجلًا فيصلي بالناس، ثم آمر رجالًا فيحطبوا حطبًا، ثم أخالف إلى أناس يدعون الصلاة مع الجماعة» الجماعة هنا بالعهد أي: الجماعة التي كان [يقيمها، وقد كان صلى الله عليه وسلم يقول]: «لو يعلم أحدهم أن في المسجد مرماتين حسنتين لشهدها يعني: صلاة العشاء» فإذا ذكرنا هذا الحديث الذي فيه هذا الوعيد الشديد حيث هم النبي صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوت المتخلفين عن صلاة الجماعة هذا الهم الدال على أهمية وعظمة حكم صلاة الجماعة وهي
أنها فريضة، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم هَمَّ بتحريق المتخلفين عن هذه الجماعة هي الجماعة الأولى، فهل من قائل بأن مثل هذا الترهيب الشديد يتوجه أيضًا إلى كل الجماعات التي تقام بعد الجماعة الأولى، ما أتخيل عالماً أوتي شيئًا من الفقه يجرؤ على أن يقول بأنه يعاقب المتخلف عن الجماعة الثانية فما بعدها كما يعاقب المتخلف عن الجماعة الأولى، إذا ذكرنا هذا الوعيد الشديد للمتخلف عن صلاة الجماعة الأولى والذي لنا أن نذكر مثل هذا الوعيد في جماعة أخرى اتفق العلماء على أنه لا يشرع في إعادتها مرة ثانية ألا وهي جماعة صلاة الجمعة.
كما سمعتم هذا الحديث وهو في الصحيحين بنحوه أو بلفظه عن أبي هريرة، ففي صحيح مسلم نحوه من حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد هممت أن أحرق بيوت المتخلفين عن صلاة الجمعة» فحينما ترون اشتراط التخلف عن صلاة الجمعة وعن صلاة الجماعة تفهمون أن في غير صلاة الجمعة هي حكمها مثل حكم صلاة الجماعة، أي: هي فرض كما قال الله تبارك وتعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43] كذلك نفهم أنه كما لا يجوز إعادة الجمعة في المسجد الواحد، كذلك لا يجوز إعادة الجماعة في المسجد الواحد