الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القراءة من المصحف في الصلاة
مداخلة: هل يجوز [حمل] القرآن الكريم في الصلاة المكتوبة أم يقرأ حاضراً؟
الشيخ: أما في المكتوبة، فأمر ما أظن أن أحداً يقول بشرعيته.
وإنما الخلاف المعروف إنما هو في النافلة، بل وليس في كل نافلة، وإنما في قيام الليل، بل وليس في كل قيام من الليل، وإنما هو في قيام الليل خاصة في رمضان، الخلاف في هذا الموطن فقط، فمنهم من يرى ذلك ويجيزه وبخاصة إذا كان الإمام لا يحفظ كثيراً من القرآن، ومنهم من لا يرى شرعية ذلك، وأنا مع هؤلاء لسببين اثنين:
السبب الأول: أنه لم يكن معروفاً في عهد السلف، وأنا أعني ما أقول حينما أقول لم يكن معروفاً في عهد السلف، أي: كظاهرة دينية اجتماعية، فلا يعترضن أحد بقوله بأن هناك رواية أن عبداً لعائشة رضي الله تعالى عنها كان يَؤُمُّها من المصحف، فإن هذه الرواية مع صحتها لا تخالف ما قلته لكم آنفاً؛ لأن كون الشيء يقع في مكان محصور بين جدران أربع، وبين شيء يُعْلَن على الملأ جميعاً، ثم لا أحد ينكر ذلك، فهذا الذي نقوله وندخله في عموم قولنا آنفاً:«وكل خير في اتباع من سلف» .
أي: إذا كان هناك عمل اشتهر فعله بين السلف، دون أن يكون بينهم أي خلاف، فهذا نحن نتبعه ونسَلِّم له.
أما في مثل ما نحن في صدده الآن، أن السيدة عائشة كان يؤمها عبدها من المصحف المفتوح بين يديه، فهذه قضية خاصة قد تكون لها أسبابها وملابساتها.
هذا هو السبب الأول، وخلاصته: أنه لم يكن معروفاً في عهد السلف، كما هو المعروف اليوم في عهد الخلف، ففي كثير من المساجد في كثير من البلاد تجدون الإمام قد وضع في مثل هذه الطاولة وهو يقرأ منه، هذه ظاهرة لم تكن إطلاقاً فيمن مضى من السلف الصالح، ولذلك هنا نحن نقول:
وكل خير في اتباع من سلف.
هذا هو الأمر الأول.
الأمر الآخر: أن القول بجواز هذا العمل فضلاً عن القول بشرعيته يلزم منه معاكَسَة أو على الأقل مخالفة توجيهات نبوية كريمة، وهي تدور كلها حول الحض للمسلم الذي يعتني بإمامة الناس.
والإمامة تستلزم أن يكون متميزاً في حفظه للقرآن؛ لأن ذلك هو السبب الأول الذي يجعل للحافظ حق الأولوية في إمامة الناس كما جاء في صحيح مسلم: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء، فأقدَمُهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأكبرهم سناً» .
إذاً: المرتبة الأولى التي بها يستحق المتصف بها الإمامية هو حفظ القرآن.
فهذا الحفظ لكي لا يفلت ولا يذهب من الحافظ ما تعب على حفظه برهة من الزمان، قال عليه الصلاة والسلام:«تعاهدوا هذا القرآن وتَغَنَّوا به، فوالذي نفس محمد بيده، إنه أشد تفلتاً من صدور الرجال من الإبل من عقلها» .
ففتح باب تجويز القراءة من الإمام من المصحف يصرفه كما يقال اليوم أوتوماتيكياً عن تنفيذ الأمر النبوي تعاهدوا، لماذا يتعاهد القرآن، وهاهم العلماء يجيزون له أن يقرأ من القرآن المفتوح بين يديه، هذا أمر لا بد منه، أي: أتى باب القول بجواز القراءة من المصحف من الإمام، من آثاره السيئة عدم الاهتمام بحفظ القرآن، لكن قد يكون له آثار أو مخلفات أخرى سيئة، وذلك يختلف من إمام إلى آخر.
وأنا أذكر ما رأيته بعيني هاتين في بعض المساجد حينما كُتِب لي أن أصلي وراء إمام وبحضرة إمام من أئمة المسلمين العلماء الفقهاء، كان يقرأ في صلاة التراويح من المصحف، فإذا ركع وضع المصحف تحت إبطه، فالآن أنا رأيته وأظنكم تتصورون معي أنه شبه مُغَلَّل، ذلك لأنه لا يستطيع أن يرفع يديه هكذا؛ لأن المصحف سيقع منه، فإذاً: هو سَيُدَاري ما تأبطه من المصحف فلا يرفع يده كما ينبغي، وهل يقف المحظور والأثر المحظور إلى هذا الوضع فقط؟
لا الوضع أشكل، حينما يسجد وهو إمام، ويستطيع أن يجافي عضديه عن إبطيه، لا يستطيع أن يجافي، إلا كالمريض يجافي بإحدى يديه ولا يجافي بالأخرى؛ لأنه تأبط المصحف الذي كان يقرأ منه.
من يقول بأن هذا أمر جائز؟
لذلك ابتدع بعضهم هذه البدعة، نصبوا أَمامهم نُصُباً قاعدة، فيضعون المصحف ولا يكون هناك حركات ولا مضايقات.
كل هذا تكلف في الدين، ولذلك نحن في الأصل ينبغي علينا أن نأمر الأئمة بأمر نبينا:«تعاهدوا هذا القرآن» ثم إذا لم يتيسر فنقول: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله» ثم إن كان هناك إمام راتب، أي موظف مسؤول، فلا ينبغي أن يتقدم أحد بين يديه إلا إذا هو آثره، وليس مؤاثرة من باب الرياء والسمعة، وإنما من باب الأحق بالإمامة إذا كان يعلم أنه أحفظ منه فيقدِّمه، «لا يُؤَم الرجل في سلطانه» كما تعلمون في بعض الأحاديث الصحيحة «إلا بإذنه» فإذا أذن هو جاز للآخر أن يؤم، لكن يُسْتَحب في هذا الذي يؤم في سلطانه أن يُراعي منازل الناس، فإذا وجد هناك رجلاً أقرأ منه وأعلم منه، فعليه أن يُقدِّمه، فإن سُدَّت الأبواب كلها حينئذ قلنا لهذا الإمام الذي لا يحفظ إلا شيئاً قليلاً من القرآن:{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20]، وانتهى الأمر.
ليس هناك داع لمثل هذا التكلف وهذا التصنع.
كلامي هذا كله يدندن حول النافلة، والنافلة الخاصة في قيام الليل، وبصورة أخص قيام الليل في رمضان، أما في الفريضة فلا أحد يقول بذلك إن شاء الله.
(الهدى والنور /618/ 45: 16: 00)