الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ: إن عادة التأمين في كل البلاد التي طفتها، وحللت بها، أن المقتدين يسابقون الإمام بآمين.
فينبغي إن كنتم من هذا الجمهور، أن تتنبهوا، وإن كنتم غرباء أمثالنا أن تُنَبَّهوا، فعليكم أنكم إذا سمعتم الإمام يقول:{وَلَا الضَّالِّين} أن تحبسوا أَنْفَاسَكم وأن لا تتلفظوا بآمين حتى تسمعوا الإمام بدأ بآمين، فإذا كنتم منتبهين لهذا الحكم، فالحمد لله.
وعليكم كما قلت -آنفاً- أن تُذكِّروا مَن حولكم، وستتذكرون كلامي هذا إذا ما انتبهتم في أي مسجد تصلون فيه صلاة جهرية، أن كل الناس يسابقون الإمام بآمين، فلا يكاد الإمام ينتهي من قوله «ولا الضالين» إلا وضَجّ المسجد بآمين.
مداخلة: نعم.
الشيخ: فإذاً: على المقتدين أن يتريثوا حتى يسمعوا ابتداءً الإمام بآمين، ثم هم يؤمنون عملاً بقوله عليه الصلاة والسلام:«إذا أمّن الإمام فأمّنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه» ، حديث متفق عليه بين الشيخين.
مداخلة: نعم.
(الهدى والنور / 205/ 53: 59: 00)
التأمين خلف الإمام متى يكون
؟
مداخلة: إذا قال الإمام: آمين فقولوا: آمين، متى نقول: آمين؟
الشيخ: أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم يفسر بعضها بعضًا، هذا الحديث تفسيره في الحديث الآخر، وهو متفق عليه أيضًا، ألا وهو قوله صلى الله عليه وسلم:«إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» إذا أمن فأمنوا، هذا هو الوقت الذي ينبغي على المقتدين أن يتلفظوا بالتأمين، وبيان ذلك أن الإمام إذا بدأ بقوله: آآمين، فعلى المقتدين أن يتابعوه في ذلك، لا يتقدمونه ولا يتأخرون عنه، ومن
الملاحظ مع الأسف أن هذه السنة مهجورة في كثير من البلاد التي أتيتها وصليت وراء أئمتها، فإن الإمام لا يكاد ينتهي من قوله: ولا الضالين، إلا ضج المسجد بقولهم: آمين.
يجب على كل مصل بصورة عامة أن يكون يقظًا ولا يكون غافلًا، ومن لازم هذه اليقظة أن يضع كل شيء موضعه، فمن ذلك: ألا يسبق الإمام بقول: آمين، فينبغي أن ينتظر حتى يسمع قول الإمام مبتدئًا بمد الآلف الممدودة: آ، فيجمع الجمع بمتابعة الإمام في آمين، وإلا أولًا خالفوا هذا الأمر النبوي الصريح:«إذا أمن فأمنوا» فإنه على وزان قوله عليه السلام: «إذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا» إلى آخر الحديث.
وثانيًا: إذا سابقوا الإمام خسروا ذلك الأجر العظيم الذي وعد به عليه الصلاة والسلام المؤْمنين المؤَمنين خلف الإمام وهو: «غفر الله له ما تقدم من ذنبه» .. «إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» ذكر عليه الصلاة والسلام هنا الملائكة مشيرًا إلى أنهم كما وصفهم ربهم بحق: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6] فبدهي جدًا أن الملائكة الكرام الذين يحضرون الصلاة مع جماعة المسلمين لا يسبقون الإمام كما يفعل بعض المصلين خلف الرسول عليه السلام، وكما نحن في صدد بيان ذلك.
فحينئذ إذا تقيد المسلم بهذا الحديث من حيث عدم مسابقته للإمام يقع تأمينه مع تامين الملائكة، فقد جعل الرسول عليه السلام هذه الموافقة سببًا شرعيًا لتحصيل المؤمن مغفرة الله لذنوبه.
ومن فضل الله عز وجل على عباده أنه في الوقت الذي ابتلاهم بصفتهم بشرًا، ابتلاهم بالشهوة وبغريزة الميل إلى الهوى، فهم ولا بد يقعون في شيء كثير أو قليل من المخالفة؛ لأنهم لم يفطروا على العصمة كالملائكة، كما يشير إلى ذلك قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «كتب على ابن آدم حظه من الزنا فهو مدركه
لا محالة، فالعين تزني وزناها النظر، والأذن تزني وزناها السمع، واليد تزني وزناها البطش - أي: المصافحة - والرجل تزني وزناها المشي، والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه».
فإذًا: الإنسان بطبيعة كونه إنسانًا لا بد أن يواقع قليلًا أو كثيرًا من المعاصي التي إن لم يغفرها الله كان ارتكابه لمعاصيه سببًا لنيل عذابه: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88 - 89] مع هذا الطبع الذي طبع الله عز وجل البشر من عباده قد جعل لهم أسبابًا شرعية يكفر الله لهم بها ذنوبهم، بعض هذه الأسباب سبحان الله ميسرة، ما تحتاج مثلًا إلى جهد جهيد، كمثل قوله عليه السلام:«من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» وكقوله عليه السلام: «مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جار غمر أمام دار أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، أترونه يبقى من درنه على بدنه شيء؟ قالوا: لا يا رسول الله! قال: فكذلك الصلوات الخمس يكفر الله بهن الخطايا» .
فالصلوات تحتاج إلى جهد .. إلى استعداد وإلى آخره، لكن من فضل الله عز وجل أنه جعل سببًا ميسرًا جدًا لنيل مغفرته، مع قليل من الملاحظة أو الجهاد للنفس، ما هو؟ فقط أن تراقب قول الإمام: ولا الضالين، وتحبس نفسك حتى يشرع الإمام فيقول: آآ .. إذًا: تابعه أنت وإذا بك استحققت مغفرة الله تبارك وتعالى لمجرد تحقيق هذه المتابعة: «إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» .
ومن هنا يظهر وقد انتهيت من الإجابة عن السؤال، فأذكر فائدة: يظهر تجاوب أحكام الشريعة بعضها مع بعض، فالذين يذهبون إلى عدم شرعية جهر الإمام بالتأمين يكون مذهبهم هذا مخسرًا لهم هذه الفضيلة؛ لأنهم لا يتمكنون من تطبيق هذا الأمر النبوي الكريم:«إذا أمن الإمام فأمنوا» هم لا يدركون أتابع الإمام القول بآمين فور انتهائه من قراءته: {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7]؟ لا يدرون ذلك، ثم هم لا يدرون أطال المد المسمى عند علماء التجويد بمد اللين:{وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7]