الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحث على أداء الصلاة في جماعة
أول ما يبدو لي، أن أُهَنئ جوار هذا المسجد المبارك -إن شاء الله- والذي نرجو أن يكون قد أُسِّس على تقوى من الله، ولا يكون المسجد قد أُسِّس على تقوى من الله تبارك وتعالى إلا إذا كان على سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ذلك أن من سُنَّة النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه أول ما هاجر من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، كان أول ما بدأ به هو أن بَنى مسجدَه عليه الصلاة والسلام؛ ذلك لأن المساجد هي مأوى ومُجْتَمع المسلمين، بل هي مدرستُهم التي يتلقون فيها الدروس التي تعلمهم شريعة الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك كثرت الأحاديث التي تَحضُّ المسلمين على بناء المساجد، وبخاصة في الأرض أو في المحلة التي لا مسجد فيها؛ لذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ما من ثلاثة في بدو، لا يُؤَذَّن فيهم، ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان -أي: أحاط بهم- فعليكم بالجماعة؛ فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية» .
ولذلك كان من الواجب على كل مسلم مكلف أن يحافظ على أداء الصلوات الخمس في المسجد، وليس أن يصلي في داره أو في دكانه أو في معمله، بل عليه أن يَدَع كل شيءٍ يُشْغله عن الاستجابة لداعي الله -ألا وهو المؤذن حينما يقول-: حَيّ على الصلاة، حي على الفلاح، فحينما يسمع المسلم هذا الأمر المُنظّم من رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل يوم خمس مرات، ذلك لكي لا يكون لأيّ مسلم عذر في التخلف عن صلاة الجماعة، فقد قال عليه الصلاة والسلام:«من سمع النداء ولم يجب، ولا عذر له، فلا صلاة له» ، هذا حديث يحض المسلم على أن يجيب منادي الله حينما يقول: حَيَّ على الصلاة، حَيَّ على الفلاح.
فإذا لم يفعل، ولم يكن له عذر شرعي، فصلاته تدور بين ألَّا تُرفع مطلقاً، أي: ألا تكون مقبولة، وبين أن تكون مقبولة في أدنى درجات الثواب والأجر.
ولذلك أكد النبي صلى الله عليه وسلم المعنى المُتَضَمِّن في هذا الحديث، -الآمر كل من يسمع
النداء أن يجيب- بمثل قوله عليه الصلاة والسلام: «لقد هممت أن آمُر رجلاً فَيُصَلي بالناس، ثم آمُر رجلاً فيحطب حَطَباً، ثم أُخَالف إلى أناس يَدَعون الصلاة مع الجماعة، فأُحَرِّق عليهم بيوتَهم، والذي نفس محمد بيده لو يعلم أحدهم أن في المسجد مرماتين حسنتين لشهدها» ، في هذا الحديث وعيد شديد جداً لمن يتخلف عن الصلاة في مسجد المسلمين دون عذر شرعي، أنه يستحق أن يُحَرّق بالنار في الدنيا قبل الآخرة؛ ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال كما سمعتم:«لقد هممت أن آمر رجلاً فيصلي بالناس» أي: نيابة عنه، ثم هو يفعل ما يأتي، قال:«ثم أُخَالف إلى أُناس يَدَعون الصلاة مع الجماعة فأُحَرِّق عليهم بيوتهم» يخالف إلى أناس يدعون الصلاة مع الجماعة، أي: أباغتهم وأفاجئهم؛ لأن المفروض في هؤلاء المتخلفين أن يجيبوا منادي الله كما قلنا، والمفروض أنهم يعلمون أن الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي في المسجد إماماً، كما هي عادته، ولكنه هَمَّ عليه الصلاة والسلام أن يُوكِل رجلاً أن يُصَلي نيابة عنه؛ ليباغت المتخلفين عن الصلاة في المسجد، فيُحَرِّق عليهم بيوتهم.
ثم قال عليه الصلاة والسلام مبيناً البلاء الذي يصيب كثيراً من الناس، وبخاصة في آخر الزمان كزماننا هذا، أنهم يتخلفون عن الجماعة لأمر دنيوي مهما كان حقيراً، فقال عليه الصلاة والسلام:«والذي نفس محمد بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد في المسجد مرماتين حسنتين» يعني: عظمتين من أسفل قدم الشاة أو المعزاية، ترمى عادة في الأرض لا قيمة لها، لو يعلم أنه يجد في المسجد فائدة دنيوية كهاتين المرماتين «لشهدها» ، أي: صلاة العشاء.
إلى هنا ينتهي هذا الحديث، وهو من أصح الأحاديث حيث أخرجه الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما.
وهنا سؤال قد يرد في خاطر بعض الناس عادةً ألا وهو: لماذا هَمَّ عليه الصلاة والسلام بحرق المتخلفين عن صلاة الجماعة ولم يفعل؟
قال: «لقد هممت» لكنه ما فعل، ولذلك هذا الحديث يُذَكِّرنا بآية في القرآن الكريم قد يسيء فهمها بعض التالين والقارئين للقرآن الكريم، حينما يمرون بقوله
تبارك وتعالى في سورة يوسف: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف: 24]، فالهَمّ لا يعني الفعل، وإنما هو من مقدمات الفعل، فالعلماء يقسمون ما يخطر في بال المسلم، ثم ما ينتج من وراء ذلك من العمل إلى أقسام:
القسم الأول: الخاطرة، خاطرة تخطر في بال الإنسان، -سواء كان خيراً أو كان شراً- فإذا قويت هذه الخاطرة وأخذت مكانها من بال الإنسان صار هَمَّا، فإذا قويت وازدادت قوة هذه الخاطرة، ووصلت إلى مرتبة الهَمّ، يلي ذلك العزم، وليس بعد العزم إلا الفعل؛ ولذلك قال تعالى في مسألة الطلاق:{وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 227].
فالشاهد: أن العزم قبل الفعل، وليس بعده إلا الفعل.
فلما هَمَّ النبي صلى الله عليه وسلم على التحريق فهو لم يَعْزِم، لماذا -فضلاً عن أنه لم ينفذ-؟
الجواب: أن في البيوت -كما تعلمون- من لا تجب عليه صلاة الجماعة، أول ذلك النساء، ثم الصبيان الذين لم يدخلوا في مرتبة التكليف، يكون أيضاً في البيوت ناس مكلفين، ولكنهم من المعذورين؛ ولذلك كان من حِكْمة الرسول عليه السلام أن أوعد ولم يُنَفّذ، فقد جمع بين تحقيق المصلحة، وبين الحض على حضور صلاة الجماعة، ودفع المفسدة وهو عدم تحريق البيوت بمن فيها؛ لأنه لو فعل ذلك لأصاب الحريق من لا يستحق الحَرْق.
إذاً: في هذا الحديث وعيد شديد لأولئك الذين يتخلفون عن صلاة الجماعة دون عذر شرعي، وليس هناك من الأعذار ما يمكن أن يُذْكَر في هذه المناسبة، إلا أن يكون الرجل مريضاً، إلا أن يكون نائماً، وأن يكون نومه أيضاً مشروعاً، وهذا له بحث طويل، ولا أريد الآن الخوض فيه؛ خشية أن نخرج عمَّا ما نحن في صدده.
فالشاهد: أن الله عز وجل قد امتن على أهل هذه المحلَّة بهذا المسجد، وهو أقرب ما يكون إلى السُنّة، ولا أقول -آسفاً، لا أقول- إنه على السنة؛ فإني أرى فيه بعض الأشياء التي ما كانت تنبغي، ولكني أقول كلمة حق: إنه أقرب ما يكون إلى
السنة، بالنسبة للمساجد الأخرى التي تبنى في هذا الزمان، وتنفق في سبيل تشييدها وزخرفتها الأموال الطائلة في زعم أنهم يُعَظِّمون شعائر الله، والأمر ليس كذلك؛ لأن تعظيم شعائر الله عز وجل ليس ببنيان المساجد مشيدة مزخرفة، زخارف تلهي المصلين عن الإقبال في صلاتهم على رب العالمين.
لقد جاء في صحيح البخاري وصحيح مسلم من حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: لما رَجَعت أُمُّ سلمة وأم حبيبة من الحبشة ذكرتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتاها في الحبشة، وذكرتا من حسنها وتصاوير فيها، فقال عليه الصلاة والسلام:«أولئك كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا عليه مسجداً وصَوّروا فيه تلك التصاوير، أولئك شرار الخلق عند الله تبارك وتعالى» .
أولئك أي: النصارى، كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، وزادوا إثماً على إثم أن صَوَّروا تلك التصاوير، المقصود هنا بالتصاوير: هي النقوش والزخارف.
ولذلك جاء في الحديث الآخر في سنن أبي داود وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما أُمِرت بتشييد المساجد» ، تشييد المساجد أي: رفع بنيانها فوق الحاجة التي يحتاجها المصلون فيها.
هذا الحديث رواه أبو داود من حديث ابن عباس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما سمعتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أُمِرت بتشييد المساجد» ، قال ابن عباس بعد أن روى هذا الحديث عنه صلى الله عليه وسلم:«لَتُزَخْرِفُنَّها كما زخرفت اليهود والنصارى» .
هذا القول الصادر من ابن عباس في ظاهره في ظاهر إسناده موقوف عليه، هو من كلامه، ويمكن أن يقال فيه في التعبير العلمي الحديثي: إنه موقوف في حكم المرفوع، وإما أن يقال، -وهذا لا بد منه- إن لم يُقَل الأول: إنه فهمه من مجموع الأحاديث الواردة في هذا الصدد، من ذلك حديث عائشة حينما تحدث النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أولئك كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح، بنوا على قبره مسجداً، وصَوَّروا