الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قراءة القرآن من المصحف في الصلاة
[قال الإمام]: منذ ساعات سُئِلت عن قراءة القرآن من المصحف في الصلاة، لا يتبادر إلى الذهن أن فيها شيء، فهو يقرأ من القرآن أكثر مما يستحضره من الذهن، وأعلم أنا في هذه الدار أو هذه الديار أنهم في رمضان يكثرون من هذا العمل، تجد الإمام ماسك المصحف لماذا؟ لأنه لا يحفظ، وأنه لو كان ممن أوتي حفظاً، لاستغني عن ترك المصحف، قَلَّ من يتذكر ويتدبر عاقبة هذا العمل.
عاقبة هذا العمل خلاف ما رمى إليه الرسول صلى الله عليه وسلم بحديثه الصحيح المشهور: «اقرؤوا هذا القرآن وتعاهدوا به، وتغنوا به، فوالذي نفس محمد بيده إنه أشد تفلتًا من صدور الرجال من الإبل من عُقُلها» .
وفي هذا الحديث أمر بتعاهد القرآن، أي: العناية بتكراره، حتى يَرْسَخ في الصدر؛ لأن الرسول عليه السلام يؤكد أن هذا القرآن أشد تَفَلُّتاً من صدور الرجل من الإبل من عُقُلِها.
في الفقه الإسلامي شيء اسمه باب سد الذرائع، وهذه قاعدة أصولية هامة جداً، ينفذ منها الإنسان إلى معرفة كثير من أحكام ليس عليها نص صريح في السنة أو في القرآن، مثل هذه مثلاً، إيش فيها إذا فتح المصحف وقرأ، والرسول يقول:«من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات، لا أقول الم حرف، بل ألف وحرف ولام حرف وميم حرف» .
إذاً: يستطيع يقرأ من المصحف مباشرة أكثر مما يستطيع يقرأ من حافظته، لكن أيضاً تعود لنا القاعدة السالفة الذكر:«إنما الأعمال بالخواتيم» ، إلى أين يؤدي فتح باب القراءة من المصحف من أئمة المساجد، أن لا نجد حُفَّاظاً؛ لأن هؤلاء سيعتمدون على قراءة القرآن من المصحف مباشرة، هذا شيء.
والشيء الثاني: أن هؤلاء الأئمة الذين يقرؤون من المصحف في صلاتهم،
سيُضَيِّعون كثيراً من السنن، إن لم نقل الواجبات فيما يتعلق بصفة الصلاة.
تجد أحدَهم بعدما انتهى من قراءة المصحف، وضعه تحت إبطاه وَشَدَّ عليه، كيف تشوفه إذا ركع، لأنه إذا مد يده وقع المصحف.
فإذاً: هو إذا عمل هكذا خالف السنة، وأكثر من هذا إذا أراد أن يسجد، كان الرسول عليه السلام إذا سجد جافى بين عضده وجانبيه، حتى لو أرادت بهيمة أن تمر لمرت بسهولة، هذا
…
لا بد أن يبقى عاضداً على المصحف حتى لا يسقط.
فهذا مثله -ويا ليت هذا يكون مثله- كمثل من يبني قصراً ويهدم مصراً، لكن هذا لا يبني شيئاً، بل يخالف السنة في العناية بحفظ القرآن، ويتواكل على القراءة من المصحف.
لذلك لا نرى نحن هذه القراءة من المصحف على الإنسان، خاصة من كان يأخذ راتباً في أداء وظيفة الإمامة، أن يقوم بواجب هذا الراتب، وأن يُعْنَى عنايةً خاصةً بحفظ القرآن، حتى يُحْسِن إمامة الناس خاصة في شهر القيام .. شهر رمضان المبارك.
مداخلة: إذا كان غير حافظ ومنفرد، ويضع مصحفاً صغيراً في جيبه بعد التلاوة مثلا؟
الشيخ: نفس الحكم؛ لا يختلف، هذا يقال له: إن كنت لا تحفظ.
مداخلة: يعني صلاته صحيحة؟
الشيخ: نعم، الصلاة صحيحة، ونحن ما بنحكي الصلاة صحيحة، الصلاة صحيحة، لكن هذا الأكمل وإلا سواه؟ هذا الأفضل وإلا سواه.
مداخلة: ما في شك.
الشيخ: هذا هو، لا، نحن الآن نبحث ..
مداخلة: كأنه عند الأحناف أن هذا يُبْطِل الصلاة، فمن أين جاؤوا بهذا الحكم؟
الشيخ: هذا يأتي حكمه من «حركات، أن الثلاث حركات .. تبطل الصلاة
…
هذا ما أعرفه عنهم، لكن المعروف عنهم أنهم مُتَشَدِّدون جداً في الحركات في الصلاة، فيقولون ثلاث حركات متتابعة تُبْطِل الصلاة.
فالمنفرد الذي سألت عنه، يقال له: إن كان عندك استعداد، عندك حافظة، فاحفظ القرآن وتعاهده، حتى لا يتفلت منك، وإذا لم يكن عندك استعداد، فافعل كذاك الذي كان يؤم الناس في عهد الرسول عليه السلام، رجل من الأنصار يؤم الناس في الصلوات الخمس ليس في رمضان، فكان يقرأ في كل ركعة:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]، شكوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذا إمام
…
هكذا قصته، بعد الصلاة كان يقول لهم: يا جماعة! إن أعجبكم هذا، فسوف أؤمكم وإلا ابحثوا عن غيري، فَشَكَوْه للرسول بعد الصلاة، ذكر له ما قالوا له، قال: والله يا رسول الله إني أُحبها. قال: «حُبُّك إياها أدخلك الجنة» .
فأيُّ عامي لا يتصور أنه لا يحفظ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]، فيُكَرِّرها، وقد قال عليه السلام:«{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن» .
ومرةً خرج الرسول عليه السلام على الصحابة، قال لهم:«أيكم يعجز أن يقرأ القرآن في كل ليلة؟ قالوا: كلنا. قال: من قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ثلاث مرات فكأنما قرأ القرآن كله» .
فإذًا: الأمر مُيَسَّر، لكن هذا التيسير ضل عنه كثير من المسلمين؛ بسبب غفلتهم عن دينهم من جهة، وبسبب ركوبهم رؤوسهم واتّباعهم أهواءهم من جهةٍ أخرى. والله المستعان.
(الهدى والنور / 92 / .. : .. : .. )