الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على حسن نواياكم، نعم.
(الهدى والنور/716/ 43: 00: 00)
حكم إقامة الجماعة الثانية في المسجد
الملقي: إذا أحدٌ دخل المسجد وقد انتهت الصلاة، وحدثت الصلاة الثانية جماعة.
الشيخ: تصلي وحدك؛ لأن الصلاة المشروعة هي الجماعة الأولى.
أولاً: هكذا كانت السنة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في مصنف ابن أبي شيبة عن الحسن البصري:«أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا إذا فاتتهم الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم أو قال: الصلاة مع الجماعة، صلوا فرادى» .
هذا عن الصحابة، وعَلَّق الإمام الشافعي هذا الأثر في كتابه الأم، وأتبعه تفقهاً منه بقوله:«وقد كانوا قادرين على أن يصلوا جماعةً مرةً أخرى، ولكنهم لم يفعلوا؛ لأنهم كرهوا أن يجمعوا في مسجد مرتين» .
لكن هو من فقهه رضي الله عنه يُفَصِّل فيجعل هذا الحكم خاصاً في مسجد له مؤذن راتب، وإمام راتب، المؤذن يعلن، والإمام يجمع الناس حوله.
وأما مسجد في قارعة طريق، ليس له مؤذن ولا إمام راتب، فكلما دخلت جماعة صلوا جماعة لا بأس من ذلك؛ ليه بيفرِّق الإمام الشافعي هذا التفريق؟
بيقول: لأنه في الحالة الأولى، في مخالفة للسلف، وفي تفريق لجماعة المسلمين، يعني: مسجد له مؤذن، وله إمام له جماعته، فإذا قيل لهذه الجماعة إنه يجوز جماعة ثانية وثالثة تفرَّقت الجماعة.
فبدل ما يكون المسجد ممتلئ كله أو جُلّه أو نصفه بتلاقي صف أو نص صف، أو أقل أو أكثر، لماذا؟
لأنهم يتأخرون ويُفرِّقون الجماعة الأولى إلى جماعات متعددة.
فهذا المسجد الذي له إمام راتب، ومؤذن راتب، إذا قيل لهذه الجماعة: يجوز لكم تعداد الجماعة تفرقت الجماعة.
[أنا -كما تعلمون- كدت أن أقول: من أبناء دمشق، لكن خشيت أن يفهموا أنني من مواليد دمشق، ولذلك عدلت من هذا القول إلى قولي: أنا من سكان دمشق، وعشت هناك سنين طويلة؛ «لأنني هاجرت من بلدي مع والدي رحمه الله، وسني في التاسعة»، فلا أنسى أبداً أنني] كنت أرى جماعات صلاة العصر، تستمر في أكبر مسجد، مسجد بني أمية إلى أذان المغرب، وبتعرفوا -يمكن قسم كبير منكم-، مثل مسجد بني أمية كبير، وحوله الأسواق: سوق الحمدية، والوزورية، والمسكية، وو
…
إلى أخره.
فتصوروا هذول لو كانوا يتجاوبون مع المنادي: حي على الصلاة حي على الفلاح، كم تكون الجماعة في ذاك المسجد؟
لكن استقر في أذهانهم: في جماعة ثانية، ويستدل لهذه الجماعة الثانية بعض الناس -ويؤسفني أن يكون فيهم من نحترم علمهم- بمثل قوله صلى الله عليه وسلم:«صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس» ، وفي رواية:«بسبع وعشرين درجة» .
إذاً: صلاة الجماعة، هذه جماعة، وهذه جماعة إذاً
…
هنا فائدة علمية: -أرجوا أن تنتبهوا لها لأنها مهمة جداً جداً-، استدل المستدل في حديث:«صلاة الجماعة» ، على شرعية تكرار الجماعة في المسجد الذي له إمام راتب ومؤذن راتب، فهو فهم الحديث بالتعبير اللغوي أن «أل» التعريف في «الجماعة» هي أو هو للاستغراق والشمول، «صلاة الجماعة» فسرها بمعنى: صلاة كل جماعة.
لأنه «أل» التعريف عند علماء اللغة والبيان والبلاغة تنقسم إلى قسمين: إما للعموم والشمول، وإما للعهد، هالّلي في الذهن، فالفرق بين «أل» و «أل» هذه واسع جداً إذا
فهمت أن ال في الجماعة للعموم والشمول، صح الاستدلال بالحديث على أنه: كل جماعة تُقام في أي مسجد فهي جماعة مشروعة، وثوابها سبع وعشرون درجة.
أما إذا فُهمت على العهد، فيبطل هذا التعميم ويختص بجماعة مُعينة.
فما هو الصحيح؟ وكيف يُمكن تمييز هذا من هذا؟
«صلاة الجماعة» ، إذا قلنا:«أل» للاستغراق والشمول، صح الاستدلال على شرعية كل جماعة بعد الفريضة التي صُلّيت مع الجماعة الأولى.
أما إذا فُسرت «أل» بأنها للعهد، وليست للاستغراق والشمول تنحصر بجماعة واحدة.
ما هي الجماعة الواحدة؟ هي المعروفة شرعاً، والمستقرة في الذهن، كلكم يتصور معي ما سأذكره الآن وهو أن الرسول عليه السلام خاطب أصحابه بهذا الحديث، فإذا كان أصحابه لا يعهدون منه في مسجده إلا جماعة واحدة، فحينما يسمعون قوله عليه السلام:«صلاة الجماعة» ، أيّ جماعة بيستقر في الذهن المقصودة بهذه الفضيلة؟ الجماعات التي لم تُخلق بعد؟ لا هذا ما يخطر في البال، ما يخطر في البال إطلاقاً، وإنما الجماعة المعهودة، ولذلك يقال: هذه «أل» هي للعهد، وليست للاستغراق والشمول، وعلى العكس من ذلك: إذا افترضنا أنه كانت تقام جماعات عديدة في مسجده عليه السلام، تارة هو يَؤُمهم، تارة يؤمهم أبو بكر، في نفس صلاة واحدة، الظهر، العصر، المغرب، العشاء .. إلى آخره، فقال عليه السلام حينما قال:«صلاة الجماعة» ، إلى وين بيروح فهمهم؟ لهذه الجماعات المتعددة؟ !
فإذا علمتم أنه لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا جماعة واحدة، إذاً: انحصرت «أل» هنا أنها للعهد وليست للاستغراق وللشمول.
من هنا نحن نأتي إلى القاعدة الفقهية الهامة، وهي: أنه يجب تفسير أحاديث الرسول عليه السلام، بعضها ببعض، والحديث القولي يُفَسّر بالحديث العملي.
أضرب لكم مثلاً حساساً، وبعد ذلك ننتهي إلى تلخيص القاعدة الهامة: «