الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإمام المسافر الذي يصلي بمقيمين هل يجهر بالسلام من الصلاة قبل تنبيه المأمومين أن يتموا الصلاة؟ وهل يقال أنه لا يسلم أصلاً بل ينبههم مباشرة
؟
السائل: [الإمام المسافر الذي يصلي بمقيمين هل يجهر بالسلام من الصلاة قبل تنبيه المأمومين أن يتموا الصلاة؟ وهل يقال أنه لا يسلم أصلاً بل ينبههم مباشرة؟ ]
الشيخ: نحن لا نجد في السنة وفي الآثار السلفية أن النبي صلى الله عليه وسلم أو عمر بن الخطاب الذي أخذ عنه أنه لما أم أهل مكة وصلى بهم قصراً قال لهم: أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر، لا نجد في هذه الرواية الصحيحة أن الراوي ذكر أنه قال:«السلام عليكم ورحمة الله أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر» حينئذٍ [الصواب هو] أن الإمام يسلم سلاماً يسمع نفسه وبذلك يخرج من الصلاة [كما في] نص الحديث السابق، ويرفع صوته بما ثبت عن عمر بن الخطاب، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر» فهذه العبارة بعد السلام بالخفض تنبيه لأولئك الناس أن لا يشاركوا الإمام ويخرجوا من الصلاة بالتسليم معه؛ لأنهم مقيمون، هذا الذي أنا أراه أما أن يقول: أتموا صلاتكم ويعد ذلك مكان السلام عليكم فهذا ما أعتقد أن أحداً يقع في مثل هذا الخطأ الفاحش، لا بد من السلام لكن بين أن يكون السلام جهراً كما هو الأصل بالنسبة للإمام وبين أن يكون سراً كما أرى في مثل هذا المقام، لعله وضح لك الأمر؟
(رحلة النور: 14 أ/00: 23: 00)
السنة في المسافر إذا اقتدى بمقيم أن يتم ولا يقصر
عن موسى قال: كنا مع ابن عباس بمكة، فقلت: إنا إذا كنا معكم صلينا أربعا، وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا ركعتين؟ قال:«تلك سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم» .
ترجمه الإمام بقوله: إتمام المسافر وراء المقيم.
ثم قال: وفي الحديث دلالة صريحة على أن السنة في المسافر إذا اقتدى بمقيم أنه يتم ولا يقصر، وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم، بل حكى الإمام الشافعي في «الأم» «1/ 159» إجماع عامة العلماء على ذلك، ونقله الحافظ ابن حجر عنه في «الفتح» «2/ 465» وأقره، وعلى ذلك جرى عمل السلف، فروى مالك في «الموطأ» «1/ 164» عن نافع: أن ابن عمر أقام بمكة عشر ليال يقصر الصلاة، إلا أن يصليها مع الإمام فيصليها بصلاته.
وفي رواية عنه: أن عبد الله بن عمر كان يصلي وراء الإمام بمنى أربعا، فإذا صلى لنفسه صلى ركعتين. ورواه ابن خزيمة في «صحيحه» «954» من طريق أخرى عن ابن عمر. وأخرجه الطحاوي في «شرح المعاني» «1/ 244» من طريق مالك، ومن قبله الإمام محمد في «موطئه» «ص 127 - 128» وقال:«وبهذا نأخذ إذا كان الإمام مقيما والرجل مسافر، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله» . وقوله: «إذا كان الإمام مقيما
…
» مفهومه - ومفاهيم المشايخ معتبرة عندهم! - أن الإمام إذا كان مسافر فأتم - كما يفعل بعض الشافعية -، أن المسافر المقتدي خلفه يقصر ولا يتم، وهذا خلاف ما فعله ابن عمر رضي الله عنهما، وتبعه على ذلك غيره من الصحابة، منهم عبد الله بن مسعود - الذي يتبنى الحنفية غالب أقواله - فإنه مع كونه كان ينكر على عثمان رضي الله عنه إتمامه الصلاة في منى، ويعيب ذلك عليه كما في «الصحيحين» ، فإنه مع ذلك صلى أربعا كما في «سنن أبي داود» «1960» و «البيهقي» «3/ 144» من طريق معاوية بن قرة عن أشياخه أن عبد الله صلى أربعا، قال: فقيل له: عبت على عثمان ثم صليت أربعا؟ ! قال: الخلاف شر. وهذا يحتمل أنه صلاها أربعا وحده، ويحتمل أنه صلاها خلف عثمان، ورواية البيهقي صريحة في ذلك، فدلالتها على المراد دلالة أولوية، كما لا يخفى على العلماء. ومنهم سلمان الفارسي، فقد روى أبو يعلى الكندي قال: «خرج سلمان في ثلاثة عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة، وكان سلمان أسنهم، فأقيمت الصلاة، فقالوا: تقدم يا أبا عبد الله! فقال: ما
أنا بالذي أتقدم، أنتم العرب، ومنكم النبي صلى الله عليه وسلم، فليتقدم بعضكم، فتقدم بعض القوم، فصلى أربع ركعات، فلما قضى الصلاة، قال سلمان: ما لنا وللمربعة، إنما يكفينا نصف المربعة».
أخرجه عبد الرزاق «4283» وابن أبي شيبة «2/ 448» والطحاوي «1/ 242» بإسناد رجاله ثقات، ولولا أن فيه عنعنة أبي إسحاق السبيعي واختلاطه لصححت إسناده، فسكوت الشيخ عبد الله الغماري عنه في رسالته «الرأي القويم» «ص 30» ليس بجيد، لاسيما وقد جزم بنسبته إلى سلمان في رسالته الأخرى «الصبح السافر» «ص 42» هذا ولقد شذ في هذه المسألة ابن حزم كعادته في كثير غيرها، فقد ذهب إلى وجوب قصر المسافر وراء المقيم، واحتج بالأدلة العامة القاضية بأن صلاة المسافر ركعتان، كما جاء في أحاديث كثيرة صحيحة. وليس بخاف على أهل العلم أن ذلك لا يفيد فيما نحن فيه، لأن حديث الترجمة يخصص تلك الأحاديث العامة، بمختلف رواياته، بعضها بدلالة المفهوم، وبعضها بدلالة المنطوق. ولا يجوز ضرب الدليل الخاص بالعام، أو تقديم العام على الخاص، سواء كانا في الكتاب أو في السنة، خلافا لبعض المتمذهبة. وليس ذلك من مذهب ابن حزم رحمه الله، فالذي يغلب على الظن أنه لم يستحضر هذا الحديث حين تكلم على هذه المسألة، أو على الأقل لم يطلع على الروايات الدالة على خلافه بدلالة المنطوق، وإلا لم يخالفها إن شاء الله تعالى، وأما رواية مسلم فمن الممكن أن يكون قد اطلع عليها ولكنه لم يرها حجة لدلالتها بطريق المفهوم، وليس هو حجة عنده خلافا للجمهور، ومذهبهم هو الصواب كما هو مبين في علم الأصول، فإن كان قد اطلع عليها فكان عليه أن يذكرها مع جوابه عنها، ليكون القارئ على بينة من الأمر. وإن من غرائبه أنه استشهد لما ذهب إليه بما نقله عن عبد الرزاق - وهو في «مصنفه» «2/ 519» - من طريق داود بن أبي عاصم قال:«سألت ابن عمر عن الصلاة في السفر؟ فقال: ركعتان. قلت: كيف ترى ونحن ههنا بمنى؟ قال: ويحك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنت به؟ قلت: نعم. قال: فإنه كان يصلي ركعتين. فصل ركعتين إن شئت أو دع» .
قلت: وسنده صحيح، وقال عقبه:«وهذا بيان جلي بأمر ابن عمر المسافر أن يصلي خلف المقيم ركعتين فقط» .
قلت: وهذا فهم عجيب، واضطراب في الفهم غريب، من مثل هذا الإمام اللبيب، فإنك ترى معي أنه ليس في هذه الرواية ذكر للإمام مطلقا، سواء كان مسافرا أم مقيما. وغاية ما فيه أن ابن أبي عاصم بعد أن سمع من ابن عمر أن الصلاة في السفر ركعتان، أراد أن يستوضح منه عن الصلاة وهم - يعني الحجاج - في منى: هل يقصرون أيضا؟ فأجابه بالإيجاب، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي فيها ركعتين. هذا كل ما يمكن فهمه من هذه الرواية، وهو الذي فهمه من خرجها، فأوردها عبد الرزاق في «باب الصلاة في السفر» في جملة أحاديث وآثار في القصر، وكذلك أورده ابن أبي شيبة في باب «من كان يقصر الصلاة» من «مصنفه» «2/ 451» . وداود بن أبي عاصم هذا طائفي مكي، فمن المحتمل أنه عرضت له شبهة من جهة كونه مكيا، والمسافة بينها وبين منى قصيرة، فأجابه ابن عمر بما تقدم، وكأنه يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم قصر في منى هو ومن كان معه من المكيين الحجاج. والله أعلم.
وإن مما يؤكد خطأ ابن حزم في ذلك الفهم ما سبق ذكره بالسند الصحيح عن ابن عمر أنه كان إذا صلى في مكة ومنى لنفسه قصر، وإذا صلى وراء الإمام صلى أربعا. فلو كان سؤال داود عن صلاة المسافر وراء المقيم، لأفتاه بهذا الذي ارتضاه لنفسه من الإتمام في هذه الحالة، ضرورة أنه لا يعقل أن تخالف فتواه قوله، ويؤيد هذا أنه قد صح عنه أنه أفتى بذلك غيره، فروى عبد الرزاق «2/ 542 / 4381» بسند صحيح عن أبي مجلز قال: قلت لابن عمر: أدركت ركعة من صلاة المقيمين وأنا مسافر؟ قال: صل بصلاتهم. أورده في «باب المسافر يدخل في صلاة المقيمين» .
وذكر فيه آثارا أخرى عن بعض التابعين بمعناه، إلا أن بعضهم فصل، فقال في المسافر يدرك ركعة من صلاة المقيمين في الظهر: يزيد إليها ثلاثا، وإن أدركهم جلوسا صلى ركعتين. ولم يرو عن أحد منهم الاقتصار على ركعتين على كل حال كما هو قول ابن حزم! وأما ما ذكره من طريق شعبة عن المغيرة بن مقسم عن عبد الرحمن بن تميم بن حذلم قال:«كان أبي إذا أدرك من صلاة المقيم ركعة وهو مسافر صلى إليها أخرى، وإذا أدرك ركعتين اجتزأهما» ، وقال ابن حزم: «تميم بن حذلم من