الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ما فيه القضاء والكفارة: ]
ولما قدم وجوب القضاء في كل واجب، ذكر أن في بعض أنواع الواجب الكفارة مع القضاء بشروط أفادها ضمن قوله: وكفر الكفارة الكبرى إن تعمد -أي: تعمد الفطر- وهو الشرط الأول.
وثانيها: كونه منتهك حرمة الشهر، فلا كفارة على متأول، ولذا قال: بلا تأويل -أي: بالاستناد لشبهة- ثم وصف التأويل بقوله: قريب؛ ليخرج البعيد، ولهما أمثلة سيذكرها.
ولما كان الجاهل وهو الذي لا يستند لشيء أدخله في العامد مع أن حكمه كالمتأول على المعروف من المذهب، أخرجه بقوله: وبلا جهل.
وأشار لثالثها بكون ذلك الواجب رمضان في زمنه بقوله: في رمضان فقط، لا في نذر أو كفارة أو غيرهما ولا في قضاء رمضان على المشهور، خلافًا لرواية ابن الماجشون وابن نافع، وهو من خصوصيات رمضان على المشهور.
ثم ذكر معمول تعمدًا معددًا لما يقع به الكفارة بقوله: جماعًا ولو بمغيب حشفة أو قدرها في قبل أو دبر من حي أو ميت أو بهيمة فنسيان الجماع غير موجب لها عندنا؛ لخبر: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"، أي: إثمه، فانظر حديث عهد بإسلام إن تعمد الجماع غير موجب لها، وإن الصوم الإمساك عن الأكل والشرب، لا الجماع فلا كفارة عليه.
أو رفع نيه نهارًا؛ بناءً على رفضه بذلك، وهو المشهور، فمن عزم على الأكل والشرب ناسيًا ولم يرفع نيته ثم ترك ما عزم عليه فلا شيء عليه، أو تعمد أكلًا أو شربًا بفم فقط اتفاقًا، ولا كفارة فيما وصل لحلقه من أنف وأذن على المشهور، خلافًا لأبي مصعب.
ثم بالغ على وجوب الكفارة بما يصل من الفم بقوله: وإن باستياك بجوزاء، وهي قشر أصول الجوز، وأكثر من يستعمله أهل الهند والمغرب،
ويتحلل منه كثير يصل للجوف مع الريق.
وظاهر كلامه: استاك ليلًا أو نهارًا؛ لأنه تصبح بفيه وباطن شفتيه وظاهرهما، ولكن قيد ذلك ابن لبابة بكونه نهارًا، وأما ليلًا وأصبحت على فيه فالقضاء فقط.
أو إن تعمد الصائم منيًا -أي: خروجه- فعليه القضاء والكفارة إن لم يكن بإدامة فكر، بل بتقبيل أو مباشرة أو لمس، وإن كان بإدامة فكر وكانت عادته الإنزال عند ذلك، وأما إن كانت عادته السلامة عنده لكنه خالف عادته وأنزل فقولان: لزوم الكفارة وعدمها، حكاهما ابن رشد وابن الحاجب أيضًا، لكن في الفكر والنظر، واختار اللخمي وابن عبد السلام [الثاني]، وإلى اختيار اللخمي أشار بقوله: إلا أن يخالف عادته على المختار فلا كفارة حينئذ (1).
(1) قال في المنح: (2/ 138 - 139): " (أو) تعمد (منيًا)، أي: إخراجه بتقبيل أو مباشرة بل (وإن بإدامة فكر) أو نظر وعادته الإنزال منهما ولو في بعض الأحوال؛ فإن كان اعتاد عدمه منهما فخالف عادته وأنزل فقولان في لزوم كفارته وعدمه، واختاره اللخمي وإليه أشار بقوله (إلا أن يخالف عادته على المختار) فإن لم يدمهما فلا كفارة اتفاقًا، فقوله، إلا أن يخالف عادته راجع لإدامة الفكر، ومثلها إدامة النظر، وأما الإنزال بالتقبيل والمباشرة ففيه الكفارة وإن خالف عادته على المعتمد وإن لم يستدم.
واعترض على المصنف أن اختيار اللخمي إنما هو في القبلة والمباشرة.
وأجيب بأنه يلزم من جريان القيد فيهما جريانه في الفكر والنظر بالأولى، لكن لما كان القيد فيهما ضعيفًا تركه، وفي الفكر والنظر معتمدًا ذكره. نعم اعترض بأنه لابن عبد السلام لا اللخمي فالأولى على الأصح أفاده عبق.
البناني قوله: وإن خالف عادته على المعتمد إلخ. انظر من أين له ذلك، وفي التوضيح وابن عرفة والبيان أن في مقدمات الجماع إذا أنزل منها ثلاثة أقوال؛ الأول: لمالك رضي الله عنه في المدونة وهو القضاء والكفارة مطلقًا، والثاني: لأشهب القضاء فقط مطلقًا، الثابت لابن القاسم في المدونة القضاء والكفارة إلا أن ينزل عن نظر أو فكر غير مستدامين، وعليه جرى المصنف طفى.
ولم يعرج ابن رشد على عادة السلامة ولا عدمها وإنما ذكر ذلك اللخمي؛ فإنه لما حكى الخلاف في القبلة هل فيها الكفارة إن أنزل وهو قول مالك لا كفارة فيها في المدونة. =