الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب فرض الحج
فرض الحج عينًا إجماعًا على كل مكلف بشروطه الآتية مرة واحدة في العمر، وسنت العمرة في حق كل مكلف مرة واحدة في العمر على المشهور، رواه محمد.
وسواء في ذلك أهل مكة وغيرهم، خلافًا لابن الجهم وابن حبيب في إيجابها مطلقًا.
وقال ابن حارثة: فرض على أهل مكة.
ويصح رفع (مرة) على أنه خبر لقوله: (فرض الحج)، ونصبه على أن فرض فعل مبني لما لم يسم فاعله.
[صفة فرضيته: ]
وفي فوريته -أي: فرض الحج- وهو قول مالك، واقتصر عليه في الجلاب، وأخذ به العراقيون، وشهره ابن بزيزة، وتراخيه، وبه قال المغاربة اللخمي والباجي وابن رشد والتلمساني وغيرهم، وشهره الفاكهاني، وعليه فغاية التراخي لخوف الفوات، فإن خافه تعين حينئذ فورًا] اتفاقًا (1).
(1) قال في إرشاد الفحول (1/ 259، وما بعدها): "اختلف في الأمر هل يقتضي الفور أم لا؟ فالقائلون: إنه يقتضي التكرار يقولون: بأنه يقتضي الفور؛ لأنه يلزم القول بذلك مما لزمهم من استغراق الأوقات بالفعل المأمور على ما مر، وأما من عداهم فيقولون: المأمور به لا يخلو إما أن يكون مقيدًا بوقت يفوت الأداء بفواته، أولًا وعلى الثاني يكون لمجرد الطلب فيجوز التأخير على وجه لا يفوت المأمور به، وهذا هو الصحيح عند الحنفية، وعزي إلى الشافعي وأصحابه، واختاره الرازي والآمدي وابن الحاجب والبيضاوي.
قال ابن برهان: لم ينقل عن أبي حنيفة والشافعي نص، وإنما فروعهما تدل على ذلك.
قال في المحصول: والحق أنه موضوع لطلب الفعل، وهو القدر المشترك بين طلب =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الفعل على الفور وطلبه على التراخي من غير أن يكون في اللفظ إشعار بخصوص كونه فورًا أو تراخيًا. انتهى.
وقيل: إنه يقتضي الفور، فيحب الإتيان به في أول أوقات الإمكان للفعل المأمور به، وعزي إلى المالكية والحنابلة وبعض الحنفية والشافعية، وقال القاضي: الأمر يوجب إما الفور أو العزم على الإتيان به في ثاني الحال.
وتوقف الجويني في أنه باعتبار اللغة للفور أو التراخي قال: فيمتثل المأمور بكل من الفور والتراخي لعدم رجحان أحدهما على الآخر مع التوقف في إثمه بالتراخي لا بالفور لعدم احتمال وجوب التراخي، وقيل بالوقف في الامتثال، ، أي: ، لا ندري هل يأثم إن بادر أو إن أخر لاحتمال وجوب التراخي.
استدل القائلون بالتكرار المستلزم لاقتضاء الفور بما تقدم في الفصل الذي قبل هذا، وقد تقدم دفعه.
واحتج من قال: بأنه في غير المقيد بوقت لمجرد الطلب بما تقدم أيضًا، من أن دلالته لا تزيد على مجرد الطلب بفور أو تراخي لا بحسب المادة، ولا بحسب الصيغة لأن هيئة الأمر لا دلالة لها إلا على الطلب في خصوص زمان، وخصوص المطلوب من المادة، ولا دلالة لها إلا على مجرد الفعل فلزم أن تمام مدلول الصيغة طلب الفعل فقط، وكونها دالة على الفور، أو التراخي خارج عن مدلوله، وإنما يفهم ذلك بالقرائن فلا بد من جعلها حقيقة للقدر المشترك بين القسمين دفعًا للاشتراك والمجاز والموضوع لإفادة القدر المشترك بين القسمين لا يكون فيه إشعار بخصوصية أحدهما على التعيين؛ لأن تلك الخصوصية مغايرة لمسمى اللفظ وغير لازمة له فثبت أن اللفظ لا إشعار له بخصوص كونه فورًا ولا بخصوص كونه تراخيًا.
واحتجوا أيضًا بأنه يحسن من السيد أن يقول لعبده: افعل الفعل الفلاني في الحال، أو غدًا، ولو كان كونه فورًا داخلًا في لفظ "افعل" لكان الأول تكرارًا والثاني نقضًا وأنه غير جائز.
واحتجوا أيضًا بأن أهل اللغة قالوا: لا فرق بين قولنا: تفعل وبين قولنا: افعل إلا أن الأول خبر والثاني إنشاء، لكن قولنا: تفعل لا إشعار له بشيء من الأوقات فإنه يكفي في صدقه الإتيان به في، أي: وقت كان فكذلك الأمر، وإلا لكان بينهما فرق سوى كون أحدهما خبرًا والثاني إنشاء.
واحتج القائلون بالفور: بأن كل مخبر بكلام خبري كزيد قائم، ومنشئ كبعت وطالق، يقصد الحاضر عند الإطلاق عن القرائن حتى يكون موجودًا للبيع والطلاق بما ذكر، فكذا الأمر والجامع بينه وبين الخبر كون كل منهما من أقسام الكلام، وبينه وبين سائر الإنشاءات التي يقصد بها الحاضر كون كل منها إنشاء. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وأجيب: بأن ذلك قياس في اللغة؛ لأنهم قاسوا الأمر في إفادته الفور على الخبر والإنشاء للجامع المذكور، وهو مع اتحاد الحكم غير جائز فكيف مع اختلافه فإنه في الخبر والإنشاء تعين الزمان الحاضر "للظرفية" ويمتنع ذلك في الأمر لأن الحاصل لا يطلب.
واحتجوا ثانيًا: بأن النهي يفيد الفور فكذا الأمر، والجامع بينهما كونهما طلبًا.
وأجيب: بأنه قياس في اللغة وقد تقدم بطلانه.
وأيضًا: الفور في النهي ضروري؛ لأن المطلوب الترك مستمرًّا على ما مر، بخلاف الأمر.
وأيضًا: المطلوب بالنهي وهو "الامتثال" إنما يحصل بالفور، فالفور يثبت بضرورة الامتثال لا أنه يفيد الفور، فالمراد أن الفور ضروري في الامتثال للنهي.
واحتجوا ثالثًا: بأن الأمر نهي عن الأضداد، والنهي للفور فيلزم أن يكون الأمر للفور.
وأجيب بما تقدم من الدفع بمثل هذا في الفصل الذي قبل هذا.
واحتجوا رابعًا: بأن اللَّه ذم إبليس على عدم الفور بقوله: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} ، حيث قال:{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا} ، فدل على أنه للفور، وإلا لما استحق الذم لأنه لم يتضيق عليه.
وأجيب عن هذا: بأن ذلك حكاية حال فلعله كان مقرونًا بما يدل على الفور، ولا يخفى ما في هذا الجواب من الضعف، فإنه لو كان مجرد التجويز مسوغًا لدفع الأدلة لم يبق دليل إلا وقيل فيه مثل ذلك.
وأجيب أيضًا: بأن هذا الأمر لإبليس مقيد بوقت، وهو وقت نفخ الروح في آدم بدليل قوله:
{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72)} فذم إبليس على تركه الامتثال للأمر في ذلك الوقت المعين.
واحتجوا خامسًا: بقوله سبحانه: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} ، وقوله تعالى:{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} .
وأجيب: بأن هاتين الآيتين لو دلتا على وجوب الفور لما فيهما من الأمر بالمسارعة والاستباق، لم يلزم منه دلالة نفس الأمر على الفور.
واحتجوا سادسًا: بأنه لو جاز التأخير لجاز إما إلى بدل أو إلى غير بدل، والقسمان باطلان، فالقول بجواز التأخير باطل.
أما فساد القسم الأول: فهو أن البدل هو الذي يقوم مقام المبدل من كل الوجوه فإذا أتى بهذا البدل وجب أن يسقط عنه التكليف وبالاتفاق ليس كذلك.
وأما فساد القسم الثاني: فذلك يمنع من كونه واجبًا؛ لأنه يفهم من قولنا ليس بواجب =
وأشار لتشهير القولين بقوله: خلاف، واختلف: هل خوف الفوات ببلوغ المكلف ستين سنة، وهو لسحنون، وانفرد بتفسيقه ورد شهادته، أو
= إلا أنه يجوز تركه إلى غير بدل.
وأجيب: باختيار الشق الأول، ويقوم البدل مقام المبدل في ذلك الوقت لا في كل الأوقات فلا يلزم من الإتيان بالبدل سقوط الأمر بالمبدل. ورد بأنه إذا كان مقتضى الأمر الإتيان بتلك الماهية مرة واحدة في، أي: وقت كان، فهذا البدل قائم مقامه في هذا المعنى فقد حصل ما هو المقصود من الأمر بتمامه فوجب سقوط الأمر بالكلية، وإنما يتم ما ذكروه من الجواب بتقدير اقتضاء الأمر للتكرار، وهو باطل كما تقدم.
واحتجوا سابعًا: بأنه لو جاز التأخير لوجب أن يكون إلى وقت معين أو إلى آخر أزمنة الإمكان، والأول منتف لأن الكلام في غير المؤقت، والثاني تكليف ما لا يطلق لكونه غير معين عند المكلف، والتكليف بإيقاع الفعل في وقت مجهول تكليف بما لا يطاق.
وأجيب بالنقض الإجمالي والنقض التفصيلي، أما الاجمالي فلجواز التصريح بالإطلاق، بأن يقول الشارع: افعل ولك التأجير فإنه جائز إجماعًا، وما ذكرتم من الدليل جار فيه، وأما التفصيل، فبأنه إنما يلزم تكليف ما لا يطاق بإيجاب التأخير إلى آخر أزمنة الإمكان، أما جواز التأخير إلى وقت يعينه المكلف فلا يلزم منه تكليف ما لا يطاق لتمكنه من الامتثال في، أي: وقت أراد إيقاع الفعل فيه.
واحتج القاضي لما ذهب إليه أنه ثبت في خصال الكفارة بأنه لو أتى بإحداها أجزأ، ولو أخل بها عصى، وأن العزم يقوم مقام الفعل فلا يكون عاصيًا إلا بتركهما.
وأجيب: بأن الطاعة إنما هي بالفعل بخصوصه، فهو مقتضى الأمر؛ فوجوب العزم ليس مقتضاه.
واستدل الجويني على ما ذهب إليه من الوقف بأن الطلب متحقق، والشك في جواز التأخير فوجب الفور ليخرج عن العهدة بيقين.
واعترض عليه: بأن هذا الاستدلال لا يلائم ما تقدم له من التوقف في كون الأمر للفور وأيضًا وجوب المبادرة ينافي قوله المتقدم، حيث قال: أقطع بأن المكلف مهما أتى بالمأمور به فهو موقع بحكم الصيغة للمطلوب.
واعتراض عليه أيضًا: بأن التأخير لا نسلم أنه مشكوك فيه، بل التأخير جائز حقًّا لما تقدم من الأدلة، فالحق قول من قال: إنه لمطلق الطلب من غير تقييد بفور ولا تراخ، ولا ينافي هذا اقتضاء بعض الأوامر للفور كقول القائل: اسقني أطعمني فإنما ذلك من حيث إن مثل هذا الطلب يراد منه الفور فكان ذلك قرينة على إرادته به، وليس النزاع في مثل هذا إنما النزاع في الأوامر المجردة عن الدلالة على خصوص الفور أو التراخي كما عرفت".