المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌إرهاصات النبوة يوم مولده: - خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم - جـ ١

[محمد أبو زهرة]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأول

- ‌مقدمة

- ‌محمد رسول الله وخاتم النبيين

- ‌‌‌يا رسول الله:

- ‌يا رسول الله:

- ‌يا رسول الله:

- ‌يا رسول الله يا خير البشر:

- ‌ربى العظيم:

- ‌[تمهيد]

- ‌الاضطراب الفكرى:

- ‌المجوسية:

- ‌المانوية:

- ‌المزدكية:

- ‌البراهمة:

- ‌[طبقات الناس في عقيدة البراهمة في المجتمع الهندي]

- ‌الطبقة الأولي: هى أعلاها وهى طبقة البراهمة

- ‌الطبقة الثانية: طبقة الجند

- ‌الطبقة الثالثة: طبقة الزراع والتجار

- ‌الطبقة الرابعة:

- ‌هل للبرهمية أصل سماوى:

- ‌[الأدلة على سماوية الأصل البرهمي]

- ‌أولهما:

- ‌ثانيهما:

- ‌أولها:

- ‌الأمر الثانى:

- ‌ كتبهم

- ‌الأمر الثالث:

- ‌البوذية:

- ‌[مبادىء بوذا الخلقية]

- ‌[أقسام البوذيين]

- ‌(أحدهما) البوذيون الذين أخذوا أنفسهم بالتعاليم السابقة

- ‌(ثانيهما) البوذيون المدنيون، وأولئك لم يطبقوا المنهاج الشاق

- ‌الكونفوشيوسية:

- ‌عقيدة الصين القديمة:

- ‌وثنية اليونان والرومان:

- ‌مزج الفلسفة بالدين:

- ‌التثليث فى الفلسفة:

- ‌ويلاحظ أمران:

- ‌أولهما- أنه التقت الأفلاطونية الحديثة مع الدين

- ‌الأمر الثانى- أن شيخ هذه المدرسة هو أمنيوس المتوفى سنة 242 ميلادية

- ‌وبذلك نقول مقررين أمرين:

- ‌أولهما

- ‌ثانيهما

- ‌العرب

- ‌دخول الوثنية أرض العرب:

- ‌لم ينسوا الله فى وثنيتهم:

- ‌القلوب فارغة من إيمان:

- ‌أرض النبوة الأولي

- ‌إدريس عربى:

- ‌نوح عربى:

- ‌هود نبى الله كان عربيا:

- ‌صالح عربى:

- ‌إبراهيم أبو العرب المستعربة وإسماعيل:

- ‌بناء الكعبة:

- ‌شعيب ومدين:

- ‌موسى كلف الرسالة فى أرض العرب:

- ‌أرض العرب مأوى الفارين بدينهم:

- ‌النصرانية:

- ‌رجل صالح:

- ‌أصحاب الأخدود:

- ‌اختصاص الجزيرة العربية

- ‌[أسئلة]

- ‌[الجواب]

- ‌أولها:

- ‌الأمر الثانى:

- ‌الأمر الثالث:

- ‌[عناصر تبوئ العرب الصدارة في الدعوة إلى الحق]

- ‌العنصر الأول: قوة فى النفس تقاوم، ولا تستسلم

- ‌العنصر الثانى: صفاء نفسى وقوة مدارك

- ‌العنصر الثالث: الأنفة وألا يطيعوا فى ذلة

- ‌الله أعلم حيث يجعل رسالته

- ‌مكة المكرمة

- ‌أول بناء فى مكة المكرمة وبلوغها هذه المنزلة:

- ‌مكة المكرمة موطن تقديس لأجل الكعبة المشرفة:

- ‌‌‌المكانوالزمان

- ‌المكان

- ‌الزمان:

- ‌البشارات

- ‌ويستفاد من هذا الكلام أمران:

- ‌أولهما:

- ‌ثانيهما:

- ‌محمد فى التوراة:

- ‌محمد فى الإنجيل:

- ‌على فترة من الرسل:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌محمد من أوسط قريش نسبا

- ‌النسب الطاهر

- ‌ قصى

- ‌ عبد المطلب

- ‌[صفات عبد المطلب]

- ‌الأولى- الطيبة والسماحة

- ‌الثانية- أنه كان مباركا

- ‌الثالثة- عزيمته، وإصراره على ما يقوم به من خير

- ‌عبد الله

- ‌الأم

- ‌صفات سامية فى امنة:

- ‌الجنين المبارك

- ‌أصحاب الفيل

- ‌ولد الهدى

- ‌ولادته قبل وفاة أبيه:

- ‌ظواهر تعلن مكانته

- ‌تاريخ مولده:

- ‌إرهاصات النبوة يوم مولده:

- ‌إرضاعه صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌اخبار شق الصدر

- ‌سفر أمه به إلى يثرب:

- ‌موت الطهور امنة:

- ‌فى حضن عبد المطلب

- ‌فى كنف أبى طالب

- ‌إلى العمل

- ‌حماية الله تعالى

- ‌إلى التجارة

- ‌سفره مع عمه

- ‌ارهاص وبشارة بالنبوة:

- ‌محمد التاجر:

- ‌مشاركته فى الأمور الجامعة

- ‌حرب الفجار

- ‌حلف الفضول

- ‌الزواج

- ‌خديجة:

- ‌ارهاصات الرحلة

- ‌الإملاك:

- ‌أغناه الله وواساه

- ‌إعادة بناء الكعبة

- ‌بناء قريش

- ‌الحمس:

- ‌التكامل الإنسانى فى محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌1- وفور عقله

- ‌2- بلاغته

- ‌3- الخلق الكامل

- ‌[أ] الرفق

- ‌[ب] العفو:

- ‌[ج] اخلاقه خارقة للعادة:

- ‌هيبة:

- ‌العفو والتسامح:

- ‌حياؤه:

- ‌جوده عليه الصلاة والسلام:

- ‌الشفقة والرأفة والرحمة:

- ‌صدقه وأمانته وعفته صلى الله عليه وسلم:

- ‌الوفاء ورعاية العهد:

- ‌العابد

- ‌عبادته قبل البعثة:

- ‌عبادته بعد البعثة:

- ‌الزاهد

- ‌زهده قبل البعثة:

- ‌زهده بعد البعثة:

- ‌قوت الزاهد:

- ‌الصابر المصابر

- ‌[أقسام الصبر]

- ‌أولها- الصبر على النوازل

- ‌القسم الثانى: الصبر على الحرمان من الأهواء والشهوات وقمعها

- ‌القسم الثالث: الصبر على ما ينزل من نوازل

- ‌العادل

- ‌ بعد البعثة

- ‌الشجاع

- ‌بعد البعثة

- ‌شجاعة النبى عليه الصلاة والسلام فى ميدان القتال:

- ‌الرجل

- ‌ أمور:

- ‌أولها: جمال تكوينه الجسمانى

- ‌الأمر الثانى- أن قلبه الطاهر كان يشع على وجهه بالنور

- ‌الأمر الثالث- شدة جاذبيته صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌ خاتم النبوة

- ‌تقدمة صفات النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌البشارات بالنبى المنتظر

- ‌ما كان يروج بين العرب من اخبار نبي يرسل

- ‌علم النبوة عند سلمان الفارسى قبل أن يلقاه:

- ‌يهود تخبر عن النبى [صلى الله عليه وسلم] المنتظر:

- ‌أخبار الكهان:

- ‌هل كان محمد عليه الصلاة والسلام يسمع اخبار الأحبار والرهبان والكهان

- ‌البعثة المحمدية

- ‌التجلى الأعظم

- ‌[التزام النبي ص بأمرين قبل أن يبعث]

- ‌أولهما

- ‌الأمر الثانى

- ‌التقى بالروح القدس:

- ‌قلق الزوجة الصالحة:

- ‌إلى ورقة بن نوفل:

- ‌فترة غياب روح القدس:

- ‌مدة الفترة:

- ‌الشهر الذى نزل فيه الوحى:

- ‌أول ما نزل من القران الكريم:

- ‌مراتب الوحى وشكله:

- ‌المرتبة الأولى:

- ‌والمرتبة الثانية

- ‌المرتبة الثالثة:

- ‌المرتبة الرابعة:

- ‌المرتبة الخامسة:

- ‌المرتبة السادسة:

- ‌ المرتبة السابعة

- ‌دعوة الحق

- ‌مراتب الدعوة:

- ‌الأولى النبوة:

- ‌المرتبة الثانية: إنذار العشيرة الأقربين

- ‌والمرتبة الثالثة: إنذار قومه

- ‌المرتبة الرابعة: عبر عنها ابن القيم بقوله

- ‌والمرتبة الخامسة: تبليغ الدعوة إلى غير العرب

- ‌أول من أسلم

- ‌الإسلام فى بيت النبوة:

- ‌إسلام على:

- ‌أول أسرة فى الإسلام:

- ‌النور يشرق من بيت النبوة

- ‌إسلام أبى بكر:

- ‌تتابع المخلصين:

- ‌فرضية الصلاة

- ‌وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين

- ‌بين أبى طالب وأبى لهب:

- ‌فاصدع بما تؤمر

- ‌[أقسام القلوب]

- ‌القسم الأول: القريب إلى الهداية

- ‌القسم الثانى: قوم امتلأت عقولهم بمعلومات سابقة

- ‌والقسم الثالث قسم غلبت عليه الضلالة

- ‌استجابة محمد صلى الله عليه وسلم لأمر ربه

- ‌السابقون السابقون

- ‌الاسلام يخرج إلى القبائل:

- ‌المناوأة

- ‌تلقى الناس للدعوة

- ‌الذين استجابوا لله والرسول

- ‌إسلام حمزة

- ‌اسلام عمر

- ‌بين عهدين

- ‌محاولة كفه عنهم بالاستمالة

- ‌لقاء أهل مكة المكرمة به لاستمالته:

- ‌جدلهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الاستعانة باهل الكتاب

- ‌إسماعهم القران الكريم

- ‌الايذاء والفتنة

- ‌ايذاء الضعفاء:

- ‌بلال رضى الله عنه واخوانه:

- ‌ال ياسر رضى الله عنهم وغيرهم:

- ‌التهديد بالتشنيع:

- ‌مصابرة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم:

- ‌الاذى ينزل بشخص النبى عليه الصلاة والسلام:

- ‌مهابة محمد عليه الصلاة والسلام:

- ‌لماذا لم يرهبهم صلى الله عليه وسلم بهيبته:

- ‌الهجرة إلى الحبشة

- ‌متابعة الأولياء ومتابعة الأعداء:

- ‌خديعة:

- ‌النبي صلي الله عليه وسلم يناضل ويصابر فى مكة المكرمة

- ‌لقاؤهم بأبى طالب:

- ‌المقاطعة

- ‌الأرضة تمنع اسم الله تعالى من مواثيقهم:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم مستمر فى دعوته

- ‌سعى فى نقض الصحيفة

- ‌نقض الصحيفة فعلا

- ‌انطلاق الدعوة الاسلامية:

- ‌عام الحزن

- ‌أبو طالب، وإيمانه

- ‌خديجة رضي الله عنها

- ‌ما كان بعد موت أبى طالب

- ‌حماية الله تعالي

- ‌المهابة مع المحبة

- ‌محمد عليه الصلاة والسلام فى الطائف

- ‌عداس والنبى صلى الله عليه وسلم:

- ‌دعاء، وعفو، وإجارة:

- ‌سماع الجن له:

- ‌فى جوار المطعم بن عدى

- ‌انشقاق القمر

- ‌الإسراء والمعراج

- ‌الإسراء بالجسم:

- ‌المعراج بالروح

- ‌الاسراء والمعراج فى صحاح السنة

- ‌انتشار الاسلام في البلاد العربية

- ‌وفد نصارى نجران:

- ‌عرض الرسول عليه الصلاة والسلام نفسه على القبائل

- ‌جماعات تقبل الواحدانية:

- ‌ما بين الروم والفرس:

- ‌التقاؤه صلى الله عليه وسلم بالأوس والخزرج

- ‌ابتداء الاتصال بأهل يثرب:

- ‌يوم بعاث:

- ‌بدء إسلام الأنصار

- ‌العقبة الأولى أو البيعة الأولى

- ‌مصعب بن عمير:

- ‌أول جمعة أقيمت بالمدينة المنورة:

- ‌العقبة الثانية

- ‌البيعة:

- ‌علم قريش بالبيعة:

- ‌ابتداء الهجرة

- ‌النبى صلى الله عليه وسلم يحرض المؤمنين على الهجرة:

- ‌الإذن للمؤمنين بالهجرة

- ‌هجرة النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌ما اقترن بالهجرة المحمدية:

- ‌تنفيذ المؤامرة:

- ‌اجتمع المشركون فى العتمة:

- ‌النبى صلى الله عليه وسلم مع صاحبه إلي الهجرة وطريقهما:

- ‌فى غار ثور:

- ‌سراقة والسير إلى المدينة المنورة:

- ‌الركب يسير فى طريق وعر:

- ‌أم معبد:

- ‌خوارق أخرى:

- ‌وصول النبى صلى الله عليه وسلم إلى قباء

- ‌دخول المدينة

- ‌خطب لرسول الله صلي الله عليه وسلم

- ‌الخطبة التى رواها ابن جرير:

- ‌بناء مسجده عليه الصلاة والسلام

الفصل: ‌إرهاصات النبوة يوم مولده:

ثانيهما: أن صاحب الروض الأنف يذكر فيما نقلنا أن الأشهر أنه ولد بعد خمسين يوما من قدوم جيش أبرهة، ولكن هناك قول اخر مشهور وهو أنه ولد بعد خمس وخمسين، كما فى رواية أبى جعفر محمد الباقر، إذ يذكر أن الفيل قدم فى النصف من المحرم، فيكون المناسب لليلة الثانية عشرة هو أن يكون قد مضى خمسة وخمسون ليلة «1» .

وإن ذلك يتفق من التقدير الشمسى بعشرين من نيسان، ولذلك نختار هذا إذا كانت روايته وثيقة، وإن ذلك الاختلاف اليسير فى ليلة مولده عليه الصلاة والسلام لا يضر لأنه عليه الصلاة والسلام وجد وشاهد الوجود الإنسانى وكان شهيدا على أمته حفيظا على شرعها، يشهد للمؤمنين بشرعه ويشهد على العصاة الخارجين، وأمته شاهدة على الناس بالحق، تبين للمنحرفين، وتهدى السالكين.

وروايات الميلاد جاءت على ألسنة من عاصروها، وما يعتمد على المشاهدة أو المعاصرة قد يختلف فيه العلم، فيذكر كل إنسان ما يعلم، وإن كانت الحقيقة لا تختلف، والمؤرخ يتعرفها من وراء الاختلاف اليسير، والله سبحانه وتعالى هو العليم.

‌إرهاصات النبوة يوم مولده:

82-

وضعت امنة الطاهرة حملها الطاهر الذى لم يثقل، فأضاء الوجود ببزوغ شمس هذا الوجود، وقد ذكرت الروايات فى كتب السيرة أمورا كثيرة ظهرت غب ولادته، أو قارنت الولادة:

(أ) فقد قالوا أنه خرت الأصنام، وتزايلت عن أماكنها، وتمايلت على وجوهها، لأنه جاء هادمها، وليس ذلك منها بإرادة، ولكنها بإرادة القاهر الحاكمة على كل شىء.

(ب) ظهر النور حتى أضاء قصور الشام.

(ج) جاء فى سيرة ابن اسحق «كان هشام بن عروة يحدث عن أبيه عن عائشة قالت كان يهودى قد سكن مكة يتجر فيها، فلما كانت الليلة التى ولد فيها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، قال فى مجلس قريش: يا معشر قريش. هل ولد فيكم الليلة مولود، فقال القوم: والله ما نعلمه، فقال: الله أكبر أما إذا أخطأتم فانظروا واحافظوا ما أقول لكم، ولد هذه الليلة نبى هذه الأمة الأخير بين كتفيه علامة فيها شعرات متواترات» .

وروى ابن إسحاق عن حسان بن ثابت «قال إنى لغلام تبعة ابن سبع سنين أو ثمانى سنين، أعقل ما رأيت وسمعت، إذا بيهودى فى يثرب يصرخ ذات غداة يا معشر يهود فاجتمعوا إليه وأنا أسمع، قالوا: ويلك مالك، قال قد طلع نجم أحمد الذى يولد الليلة» .

(1) البداية والنهاية لابن كثير ج 2 ص 262.

ص: 104

وحسان بن ثابت قد ولد قبل النبى عليه الصلاة والسلام بسبع سنين فإنه كانت سنه عند هجرة النبى عليه الصلاة والسلام إلى يثرب ستين سنة، والنبى صلى الله عليه وسلم كانت سنه ثلاثا وخمسين.

وهكذا تواردت أخبار من جهات مختلفة عن اليهود بأنهم أدركوا مطلع ولادة النبى عليه الصلاة والسلام، ونحن نؤمن بأن اليهود كان عندهم من علم التوراة ما يجعلهم يعلمون أن النبى الأمى سيبعث من العرب، وكانوا يستفتحون به على المشركين الذين كانوا يجاورونهم فى المدينة، فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ، فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ «1» .

(د) ذكر مخزوم بن هانيء المخزومى أن إيوان كسرى ارتجس ليلة مولد النبى صلى الله عليه وسلم، وسقطت منه أربع عشرة غرفة، وخمدت نيران فارس التى يعبدها المجوس، ولم تخمد قبل ذلك بألف سنة.

ورأى أحد رجال كسرى فى منامه أن إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة والفرات فى بلاده، فلما قص الرؤيا على كسرى أفزعه، فتصبر وإن لم يصبر، فجمع كبار دولته وقال لهم: أتدرون فيم بعثت إليكم؟ قالوا: لا إلا أن يخبرنا الملك، فبينما هم كذلك إذ ورد إليهم كتاب بخمود النار، ثم أخبرهم بما رأى أحد رجاله وبما هاله وقد تأولوا هذه الرؤيا، وخمود النيران بأن حدثا يكون من بلاد العرب.

83-

ونقف وقفة قصيرة، أمام هذه الروايات التى تواردت من مزايلة الأصنام عن أماكنها وتمايل وجوهها، وإضاءة الضوء ساعة مولده، وارتكاس إيوان كسرى، وخمود نار فارس التى لم تخمد منذ ألف سنة، فنقرر أن العبرة فيها بصدق الرواية لا بكون هذه الأخبار مقبولة فى العقل فإن حكم مؤرخ بعدم صدق الرواية رددناها.

ونقول فى الرواية أن المحققين فى علم الرواية لم يجدوا مساغا لتكذيبها فإن الحافظ بن كثير يروى فى هذا روايات كثيرة يعلن شكه فى صدق بعضها، ويسكت عن سائرها، وقد نقلنا ما لم يشك فيه، فحق علينا أن نقبل منها ما قبل، ونرد منها ما ذكر أن فيه ريبا، وخبر الصادق يقبل، مادام لم يعرف عليه كذب، والأحكام تبنى على أخبار الصادقين، ولو كان فيها احتمال الكذب لأنه احتمال غير مبنى على دليل، ومجرد الاحتمال لا يمكن أن يكون سببا لرد أقوال الصادقين، وإلا ما حكم قضاء، ولا أدين متهم، ولا ثبت حق، ولا دفع باطل، ولذلك لا يسعنا الا أن نقبل ما لم يجر فيه طعن.

وأما من ناحية قبول العقل، فإنا قد بينّا أن خوارق العادات تجىء بتقدير الله تعالى الذى لا يتقيد بالعادات ولا بما يجرى بين الناس من أسباب ومسببات، فإنه خالق الأسباب والمسببات، فقد يكون الرجز والمحق والخسف والزلزال لفساد قام به بعض الخلق، وذكرنا الايات الدالة على أن الله تعالى يلقى

(1) سورة البقرة: 89.

ص: 105

بالنعم على من يتقى ويعمل صالحا وقد تلونا من قبل قوله تعالى وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ «1» وذكرنا أن الرجز والعذاب قد يكون بسبب فساد ارتكبه بعض الأقوام، كما أنزل الله تعالى من الرجز على فرعون وملئه، بما كانوا يفسدون فى الأرض.

فالذين يدعون أن هذه الأخبار غير مقبولة فى العقل، إنما ينظرون إلى الأسباب والمسببات العادية التى تجرى فى أعمال بنى الإنسان، ولو علوا بأنظارهم إلى ما فى الكون من كسوف وخسوف وما فى الرياح من مثيرات، وما فى الأرض من زلزال وخسوف ما وجدوا لذلك تعليلا إلا أن تكون إرادة الحكيم العليم القاهر فوق كل شيء الذى لا يسأل عما يفعل، وأنه يفعل ما يفعل لحكم يريدها، ومصالح يقدرها، وقد ربطها بأمور يعلمها، وهو علام الغيوب، وتقديره هو تقدير العليم الخبير.

وإذا كان الله تعالى قد أراد الكرامة لمحمد صلى الله عليه وسلم وأراد أن يعلم من يطيفون به من أهل وقوم ما كرمه الله تعالى به، وهو سينادى بالحق، فإن ذلك هو المعقول، وغيره هو المردود، لأنه مخالف لما قدره الله تعالى لهذا الإنسان الذى سيعلم الإنسانية كلها.

84-

ولا يصح لعاقل أن يقول أن هذه أوهام سيطرت، وخيالات خيلت، وظنون ظنت، لمجرد أنها خالفت مجارى العادات، وما ألف الناس فى كل مولود، فليس ككل مولود.

ومع ذلك فنحن نرجح صدقها، ولا نلزم الناس بالإيمان بها، فليس من الإيمان أن نؤمن بأن إيوان كسرى ارتجف، ولا النار خمدت، ولا أن الوجود قد استنار عند ما شرف هذا الوجود، لأن هذه الأمور ليست جزا مما دعا النبى صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان به، إذ أن ما يجب الإيمان به هو ما دعا إليه، وما تكلم به عن الله سبحانه وتعالى، وما نطق به القران الكريم، وحكم به الديان.

ولو رجعنا إلى ما كتبته الأناجيل الحاضرة فى مولد عيسى عليه السلام وما ألزمت الأناجيل به النصارى الذين يؤمنون بهذه الأناجيل التى يزعمون صدقها- لوجدنا أن ما تذكره السيرة النبوية لا يعد شيئا كثيرا بالنسبة لما ذكرته الأناجيل وأوجبت الإيمان به، ولنقبض قبضة يسيرة مما جاء فى هذه الأناجيل وما زعمته بالنسبة لولادة المسيح عليه السلام:

(أ) جاء فى إنجيل متى فى الإصحاح الثانى أنه لما ولد يسوع المسيح ظهر نجمه فى المشرق، وبواسطة ظهور نجمه عرف الناس محل ولادته.

(1) سورة الأعراف: 96.

ص: 106

(ب) وجاء فى إنجيل لوقا فى الإصحاح الثانى: لما ولد يسوع المسيح رتل الملائكة فرحا وسرورا، وظهر من السحاب أنغام مطربة.

(ج) وجاء فى ولادة المسيح أيضا فى أحد الأناجيل، لما ولد يسوع المسيح أضيء الغار بنور عظيم أعيا بلمعانه عينى القابلة، وعينى خطيب أمه يوسف النجار.

(د) وجاء فى إنجيل لوقا الإصحاح الثانى «وعرف الرعاة يسوع، وسجدوا له» .

(هـ) وجاء فى إنجيل متى الإصحاح الثانى أيضا «ولما ولد يسوع فى بيت لحم اليهودية فى أيام هيرودس الملك، إذ المجوس من الشرق قد جاؤا إلى أورشليم قائلين: أين هو المولود من اليهود» .

هذه قبضة مما عند النصارى فى أناجيلهم، ولا شك أن ما يذكر عند ولادة الرسول من أخبار صادقة هى دون ما يذكره هؤلاء عن مولد عيسى عليه السلام.

وإنه من الحق أن نقرر أن الفارق بين ما يقولون فى مولد عيسى عليه السلام وما يقوله الرواة الصادقون من ناحيتين:

الأولى- أن ما يذكر فى الأناجيل عن حال عيسى عليه السلام أكثر غرابة، وما يذكر لنبينا عليه السلام أقل غرابة بكثير.

الناحية الثانية أننا لا يجب علينا دينا وإيمانا أن نذعن لهذه الأخبار وإن كانت صادقة، ولكن المسيحيين يعتقدون صدق ما فى أناجيلهم، من لم يصدقها يكون كافرا بها.

وإذا كان ذلك هو الحق الذى لا ريب فيه، فليس لأحد من الذين كتبوا فى النبى عليه الصلاة والسلام أن يثيروا غبارا حول ما ذكر عند ولادته عليه الصلاة والسلام. وإلا فعليهم أن يثيروا عثيرا بل أكواما من التراب، حول ما قيل عند ولادة السيد المسيح عليه السلام، ولكن رضى الله عن عبد الله بن عباس الذى يقول: إن الإنسان يرى الشظية فى عين أخيه، ولا يرى الخشبة فى عينه هو، وما ذلك إلا لعدم الإنصاف.

ص: 107