الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان عمر رضى الله تعالى عنه حفيا بألا يضرب إلا أشراف قريش ليعرفوا حرارة الضربات فصك وجوههم صك الجندل، فما كان فى هذه المعركة التى أثارها يدنو منه شريف إلا أخذه بالضرب الشديد حتى أعجز الناس، ثم أتبع المجالس التى كان يجلس فيها، فيظهر الإيمان «1» ، فيلاقونه ويذيقهم من إسااتهم كؤوسا.
عاد إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ومعه المسلمون يدعوهم إلى أن يظهروا مجتمعين، وألا يبقوا متفرقين، فتجمعوا وخرجوا ليصلوا فى الكعبة الشريفة مجتمعين، وساروا على صفين على رأس أحدهما حمزة أسد الله وسيد الشهداء، وعلى رأس الثانى عمر رضى الله تبارك وتعالى عنهم.
وتحدوا بجموعهم قريشا أن تمنعهم، ولم يجدوا جوابا لهذا التحدى العملى، لأن أبا جهل داعية الشر تذكر قوس حمزة تقمع رأسه، وتذكر عتبة بن ربيعة صرع عمر، ووضع أصابعه فى عينيه.
ظهر الإسلام، فظهر النور، وسارت الركبان، بما اعتز به الإسلام، وانخذل الشرك، وتحول الاضطهاد من الاحاد إلى الجماعات على ما سنبين فى الاضطهاد، الذى نؤجل الكلام فيه، لأنه استمر طول مدة الدعوة فى مكة المكرمة، وانتهى بالهجرة.
وأخذ المشركون يسلكون ثلاثة مسالك مع الاضطهاد:
أولها: محاولة استمالة النبى عليه الصلاة والسلام ليمنعوه من الجهر بدعوته.
وثانيها: مجادلته لإعجازه أو إظهار ضعفه فى زعمهم.
وثالثها: الشكوى منه لعمه أبى طالب.
محاولة كفه عنهم بالاستمالة
238-
يئس الكفار من النبى عليه الصلاة والسلام، اذوا أنصاره فثبتوا، واذوه وتهكموا به فما نالوا، وكلما زادوا إيذاء سرى الإيمان فى القلوب، فبإيذائهم للنبى صلى الله عليه وسلم هدى الله حمزة للإيمان فكان إلبا عليهم، وبسبب إيذاء عمر لختنه ولأخته، ولرؤيته المؤمنين يهاجرون رق قلبه، فامن، وكان إيمانه كارثة كرث الله سبحانه وتعالى بها الشرك وأهله، فكان القوة الفارقة بين استخفاء المسلمين، وإعلان الإسلام، والمجاهرة بالعبادة، وإظهار صوت الحق يرن فى جوف المسجد الحرام.
(1) البداية ج 3 ص 31، 79
وإذا كانوا هم يؤذون فالنبى صلى الله تعالى عليه وسلم يسالم ويدعو بالحكمة والموعظة الحسنة، لا يقطع، ولا يكف عن الدعوة، بل إنه يألم لألمهم، ويواسيهم فى أزماتهم.
حتى أنه نزل بأهل مكة المكرمة قحط، فدعا صلى الله تعالى عليه وسلم لهم بإنزال المطر، فنزل، ويظهر أن ذلك كان فى الفترة التى عاشها النبى عليه الصلاة والسلام بين أهل مكة المكرمة بعد وفاة أبى طالب إلى أن هاجر، ولذلك روى أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بعد أن استجابت دعوته ود لو كان أبو طالب حيا رجاء إيمانه، ورجاء أن يعلم أن دينه أى محمد صلى الله عليه وسلم خير لقومه، ويروى أن هذا الاستسقاء كان ومحمد عليه الصلاة والسلام بالمدينة، فقال: لو أدرك أبو طالب هذا الاستسقاء ونصره «1» .
ولقد كان من المشركين من يعتريهم ما يفيد قبول ما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام أو على الأقل عدم المبادرة بتكذيبه والتريث فى ذلك، حتى ينظر أتعم دعوته، وتستجاب، أم تضعف وترد.
(1) المذكور في رؤية أبي طالب لاستسقاء النبي صلي الله تعالي عليه وسلم أنه راه في حياة عبد المطلب، روي أن رقية بنت أبي أصفي بن هاشم قالت: «تتابعت علي قريش سنو جدب، قد أقحلت الظلف، وأرقت العظم، فبينا أنا راقدة للهم
…
إذا أنا بهاتف يصرخ بصوت صحل: يا معشر قريش إن هذا النبي المبعوث منكم، هذا إبان نجومه، فحيهلا بالحيا والخصب، ألا فانظروا منكم رجلا طوالا أبيض أشم العرنين
…
ألا فليحضر هو وولده، وليدلف إليه من كل بطن رجل
…
وليمسوا من الطيب، وليطوفوا بالبيت سبعا، وفيهم الطيب الطاهر لذاته، فليدع الرجل وليؤمن القوم
…
قالت فأصبحت مذعورة قد قف جلدي ووله عقلي واقتصصت رؤياي
…
فقالوا هو شيبة الحمد: وعبد المطلب، فتتابعت عنده قريش، وانفض إليه الناس من كل بطن رجل فمسوا واستلموا وطوفوا، ثم ارتقوا أبا قبيس، وطفق القوم يدقون حوله ما إن يدرك سعيهم. مهلة، حتي قروا بذروة الجبل، واستكفوا جنابيه فقام عبد المطلب، فاعتضد ابن ابنه محمدا صلي الله تعالي عليه وسلم فرفعه علي عاتقه وهو يومئذ غلام قد أيفع، ثم قال:«اللهم ساد الخلة، وكاشف الكربة، أنت عالم غير معلم، ومسئول غير مبخل وهذه عبداؤك وإماؤك.. يشكون إليك سنتهم، فاسمعن اللهم وأمطرن عليهم غيثا مغدقا، فما راموا حتي انفجرت السماء بمائها وكظ الوادي بثجيجه» هذا ما جاء في الروض الأنف، والله أعلم بصدق الرواية.
(2)
سيرة ابن هشام ج 1 ص 289.