الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لقد كانوا ينتهون من المجاوبة إلى الإصغاء إلى دعوة الحق واتباعها من غير تلكؤ، وإن هذا يدل على صفاء نفوسهم، وحيث خلت النفوس من المنازعات بالشرف، والمنافسة فى الفخر، فإنها تتجه إلى الحق بقلب سليم، فتسارع إلى الدخول فيه، وقد أحسوا أن فى الاتباع منجاة لهم من التفرق والنزاع الذى أداهم إلى الحرب، وعضتهم بنابها، وفوق ذلك كانت وصلتهم إرهاصات بذكر النبوة المحمدية كان يستفتح بها اليهود عليهم.
العقبة الثانية
314-
جاءت العقبة الأولى بعد اللقاء الأول بين النبى صلى الله تعالى عليه وسلم والخزرج وبهم انتقل خبر الإسلام إلى يثرب التى أعدها الله تعالى لتكون المدينة الفاضلة، مدينة الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم، ثم كان فى العقبة الأولى التعريف بمباديء الإسلام والبيعة بها، على أن تكون هذه البيعة الميثاق الذى أخذه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وكانت البيعة الثانية فى العقبة بعد أن فشا الإسلام، وكانت تمهيدا للانتقال إلى المدينة والهجرة، ويظهر أنها كانت فى اخر موسم حضره النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بالمدينة المنورة، والعقبة الأولى كانت فى الموسم الذى قبله، ولذلك كانت البيعة فيها بالإيواء والنصرة، كما يتبين ذلك.
ويظهر أن خبر اتصال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كان يتسرب إلى قريش، ويحاولون أن يأخذوا حذرهم، إذ رأوا أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كان يعرض نفسه على القبائل، وهم يتوجسون خيفة من أن تخرج الدعوة إلى التوحيد من بين ظهرانيهم إلى العرب، وإنهم يتوقعون منهم الاستجابة، ليستعين بهم، ويتخذ منهم قوة عليهم.
وقد رأينا كيف يتعقبه أبو جهل وأبو لهب، ويتناوبان.
لذلك عندما جاء مصعب من يثرب هو وأسعد بن زرارة، ومعهم جماعات من الأوس والخزرج، قد أسلموا، وقد كان معهم من سكان يثرب من كانوا لا يزالون على وثنيتهم، ولم يذوقوا بعد بشاشة الإسلام، ومنهم من تتجافي قلوبهم دونه مثل عبد الله بن أبى بن سلول الذى أكله بغض الإسلام والمسلمين، حتى صار رأس النفاق فى المدينة المنورة من بعد، وكان يضع الفتنة ويبنيها، ويثيرها حيثما وجد إلى ذلك سبيلا.
ولقد أخذ النبى صلى الله تعالى عليه وسلم حذره من ناحيتين، من ناحية قريش الذين احتسبوا بأن أمرا يدبر من ورائهم، ولقد كان يرى عيونهم تبث من حوله، حتى أن الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم
ليقول لوفد الأوس والخزرج عندما التقى بهم فى العقبة: «ليتكلم متكلمكم، ولا يطل الخطبة، فإن عليكم من المشركين عينا، وإن يعلموا بكم يفضحوكم» .
والناحية الثانية من أولئك المشركين الذين صحبوا المسلمين من الأوس والخزرج، ولعله صلى الله تعالى عليه وسلم فيما حذر من عيون المشركين، كان كلامه يعم الفريقين، فريق قريش، وفريق المشركين الذين صحبوا وفد الإيمان.
ولهذا لم يلتق فى أول حضورهم، بل ضرب لهم موعدا فى أيام منى، فلم يأخذ عليهم البيعة فى أول لقاء.
فروى ابن إسحاق بسنده عن كعب بن مالك، قال «خرجنا إلى الحج وواعدنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بالعقبة من أواسط أيام التشريق فلما فرغنا من الحج، وكانت الليلة التى واعدنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم
…
وكنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين.
ويقول كعب فى هذه الرواية: فنمنا تلك الليلة فى قومنا فى رحالنا حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم نتسلل تسلل القطا مستخفين، حتى اجتمعنا عند العقبة ونحن ثلاث وسبعون رجلا، ومعنا امرأتان.
هذه رواية كعب بن مالك، وروى أنهم كانوا سبعين، ومعهم امرأتان.
التقى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فى الميقات المحدود، والمكان المعين وقد صحبه فى هذا اللقاء عمه العباس بن عبد المطلب، وهو على دين قومه وإنما صحبه ليتوثق له، ويطمئن على نصرته، وقد قال فى هذا اللقاء:«يا معشر الخزرج «1» ، إن محمدا منا، حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا، ممن هم على مثل رأينا فيه فهو فى عز من قومه، ومنعة فى بلده، وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم، واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، وما نعوه من خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج إليكم، فمن الان فدعوه، فإنه فى عزة ومنعة من قومه وبلده.
عندئذ قال قائل الأوس والخزرج: قد سمعنا ما قلت، فتكلم يا رسول الله، فخذ لنفسك ولربك ما أحببت.
فتكلم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ودعا إلى الله تعالى، ورغب فى الإسلام.
وقد طلب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن يختاروا من بينهم اثنى عشر نقيبا ففعلوا.
(1) قال ابن هشام: كانت العرب يسمون هذا الحى الخزرج، خزرجها وأوسها، ولعل ذلك لأنهم كانوا أكثر أو أظهر عند قريش.