المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌البشارات بالنبى المنتظر - خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم - جـ ١

[محمد أبو زهرة]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأول

- ‌مقدمة

- ‌محمد رسول الله وخاتم النبيين

- ‌‌‌يا رسول الله:

- ‌يا رسول الله:

- ‌يا رسول الله:

- ‌يا رسول الله يا خير البشر:

- ‌ربى العظيم:

- ‌[تمهيد]

- ‌الاضطراب الفكرى:

- ‌المجوسية:

- ‌المانوية:

- ‌المزدكية:

- ‌البراهمة:

- ‌[طبقات الناس في عقيدة البراهمة في المجتمع الهندي]

- ‌الطبقة الأولي: هى أعلاها وهى طبقة البراهمة

- ‌الطبقة الثانية: طبقة الجند

- ‌الطبقة الثالثة: طبقة الزراع والتجار

- ‌الطبقة الرابعة:

- ‌هل للبرهمية أصل سماوى:

- ‌[الأدلة على سماوية الأصل البرهمي]

- ‌أولهما:

- ‌ثانيهما:

- ‌أولها:

- ‌الأمر الثانى:

- ‌ كتبهم

- ‌الأمر الثالث:

- ‌البوذية:

- ‌[مبادىء بوذا الخلقية]

- ‌[أقسام البوذيين]

- ‌(أحدهما) البوذيون الذين أخذوا أنفسهم بالتعاليم السابقة

- ‌(ثانيهما) البوذيون المدنيون، وأولئك لم يطبقوا المنهاج الشاق

- ‌الكونفوشيوسية:

- ‌عقيدة الصين القديمة:

- ‌وثنية اليونان والرومان:

- ‌مزج الفلسفة بالدين:

- ‌التثليث فى الفلسفة:

- ‌ويلاحظ أمران:

- ‌أولهما- أنه التقت الأفلاطونية الحديثة مع الدين

- ‌الأمر الثانى- أن شيخ هذه المدرسة هو أمنيوس المتوفى سنة 242 ميلادية

- ‌وبذلك نقول مقررين أمرين:

- ‌أولهما

- ‌ثانيهما

- ‌العرب

- ‌دخول الوثنية أرض العرب:

- ‌لم ينسوا الله فى وثنيتهم:

- ‌القلوب فارغة من إيمان:

- ‌أرض النبوة الأولي

- ‌إدريس عربى:

- ‌نوح عربى:

- ‌هود نبى الله كان عربيا:

- ‌صالح عربى:

- ‌إبراهيم أبو العرب المستعربة وإسماعيل:

- ‌بناء الكعبة:

- ‌شعيب ومدين:

- ‌موسى كلف الرسالة فى أرض العرب:

- ‌أرض العرب مأوى الفارين بدينهم:

- ‌النصرانية:

- ‌رجل صالح:

- ‌أصحاب الأخدود:

- ‌اختصاص الجزيرة العربية

- ‌[أسئلة]

- ‌[الجواب]

- ‌أولها:

- ‌الأمر الثانى:

- ‌الأمر الثالث:

- ‌[عناصر تبوئ العرب الصدارة في الدعوة إلى الحق]

- ‌العنصر الأول: قوة فى النفس تقاوم، ولا تستسلم

- ‌العنصر الثانى: صفاء نفسى وقوة مدارك

- ‌العنصر الثالث: الأنفة وألا يطيعوا فى ذلة

- ‌الله أعلم حيث يجعل رسالته

- ‌مكة المكرمة

- ‌أول بناء فى مكة المكرمة وبلوغها هذه المنزلة:

- ‌مكة المكرمة موطن تقديس لأجل الكعبة المشرفة:

- ‌‌‌المكانوالزمان

- ‌المكان

- ‌الزمان:

- ‌البشارات

- ‌ويستفاد من هذا الكلام أمران:

- ‌أولهما:

- ‌ثانيهما:

- ‌محمد فى التوراة:

- ‌محمد فى الإنجيل:

- ‌على فترة من الرسل:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌محمد من أوسط قريش نسبا

- ‌النسب الطاهر

- ‌ قصى

- ‌ عبد المطلب

- ‌[صفات عبد المطلب]

- ‌الأولى- الطيبة والسماحة

- ‌الثانية- أنه كان مباركا

- ‌الثالثة- عزيمته، وإصراره على ما يقوم به من خير

- ‌عبد الله

- ‌الأم

- ‌صفات سامية فى امنة:

- ‌الجنين المبارك

- ‌أصحاب الفيل

- ‌ولد الهدى

- ‌ولادته قبل وفاة أبيه:

- ‌ظواهر تعلن مكانته

- ‌تاريخ مولده:

- ‌إرهاصات النبوة يوم مولده:

- ‌إرضاعه صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌اخبار شق الصدر

- ‌سفر أمه به إلى يثرب:

- ‌موت الطهور امنة:

- ‌فى حضن عبد المطلب

- ‌فى كنف أبى طالب

- ‌إلى العمل

- ‌حماية الله تعالى

- ‌إلى التجارة

- ‌سفره مع عمه

- ‌ارهاص وبشارة بالنبوة:

- ‌محمد التاجر:

- ‌مشاركته فى الأمور الجامعة

- ‌حرب الفجار

- ‌حلف الفضول

- ‌الزواج

- ‌خديجة:

- ‌ارهاصات الرحلة

- ‌الإملاك:

- ‌أغناه الله وواساه

- ‌إعادة بناء الكعبة

- ‌بناء قريش

- ‌الحمس:

- ‌التكامل الإنسانى فى محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌1- وفور عقله

- ‌2- بلاغته

- ‌3- الخلق الكامل

- ‌[أ] الرفق

- ‌[ب] العفو:

- ‌[ج] اخلاقه خارقة للعادة:

- ‌هيبة:

- ‌العفو والتسامح:

- ‌حياؤه:

- ‌جوده عليه الصلاة والسلام:

- ‌الشفقة والرأفة والرحمة:

- ‌صدقه وأمانته وعفته صلى الله عليه وسلم:

- ‌الوفاء ورعاية العهد:

- ‌العابد

- ‌عبادته قبل البعثة:

- ‌عبادته بعد البعثة:

- ‌الزاهد

- ‌زهده قبل البعثة:

- ‌زهده بعد البعثة:

- ‌قوت الزاهد:

- ‌الصابر المصابر

- ‌[أقسام الصبر]

- ‌أولها- الصبر على النوازل

- ‌القسم الثانى: الصبر على الحرمان من الأهواء والشهوات وقمعها

- ‌القسم الثالث: الصبر على ما ينزل من نوازل

- ‌العادل

- ‌ بعد البعثة

- ‌الشجاع

- ‌بعد البعثة

- ‌شجاعة النبى عليه الصلاة والسلام فى ميدان القتال:

- ‌الرجل

- ‌ أمور:

- ‌أولها: جمال تكوينه الجسمانى

- ‌الأمر الثانى- أن قلبه الطاهر كان يشع على وجهه بالنور

- ‌الأمر الثالث- شدة جاذبيته صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌ خاتم النبوة

- ‌تقدمة صفات النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌البشارات بالنبى المنتظر

- ‌ما كان يروج بين العرب من اخبار نبي يرسل

- ‌علم النبوة عند سلمان الفارسى قبل أن يلقاه:

- ‌يهود تخبر عن النبى [صلى الله عليه وسلم] المنتظر:

- ‌أخبار الكهان:

- ‌هل كان محمد عليه الصلاة والسلام يسمع اخبار الأحبار والرهبان والكهان

- ‌البعثة المحمدية

- ‌التجلى الأعظم

- ‌[التزام النبي ص بأمرين قبل أن يبعث]

- ‌أولهما

- ‌الأمر الثانى

- ‌التقى بالروح القدس:

- ‌قلق الزوجة الصالحة:

- ‌إلى ورقة بن نوفل:

- ‌فترة غياب روح القدس:

- ‌مدة الفترة:

- ‌الشهر الذى نزل فيه الوحى:

- ‌أول ما نزل من القران الكريم:

- ‌مراتب الوحى وشكله:

- ‌المرتبة الأولى:

- ‌والمرتبة الثانية

- ‌المرتبة الثالثة:

- ‌المرتبة الرابعة:

- ‌المرتبة الخامسة:

- ‌المرتبة السادسة:

- ‌ المرتبة السابعة

- ‌دعوة الحق

- ‌مراتب الدعوة:

- ‌الأولى النبوة:

- ‌المرتبة الثانية: إنذار العشيرة الأقربين

- ‌والمرتبة الثالثة: إنذار قومه

- ‌المرتبة الرابعة: عبر عنها ابن القيم بقوله

- ‌والمرتبة الخامسة: تبليغ الدعوة إلى غير العرب

- ‌أول من أسلم

- ‌الإسلام فى بيت النبوة:

- ‌إسلام على:

- ‌أول أسرة فى الإسلام:

- ‌النور يشرق من بيت النبوة

- ‌إسلام أبى بكر:

- ‌تتابع المخلصين:

- ‌فرضية الصلاة

- ‌وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين

- ‌بين أبى طالب وأبى لهب:

- ‌فاصدع بما تؤمر

- ‌[أقسام القلوب]

- ‌القسم الأول: القريب إلى الهداية

- ‌القسم الثانى: قوم امتلأت عقولهم بمعلومات سابقة

- ‌والقسم الثالث قسم غلبت عليه الضلالة

- ‌استجابة محمد صلى الله عليه وسلم لأمر ربه

- ‌السابقون السابقون

- ‌الاسلام يخرج إلى القبائل:

- ‌المناوأة

- ‌تلقى الناس للدعوة

- ‌الذين استجابوا لله والرسول

- ‌إسلام حمزة

- ‌اسلام عمر

- ‌بين عهدين

- ‌محاولة كفه عنهم بالاستمالة

- ‌لقاء أهل مكة المكرمة به لاستمالته:

- ‌جدلهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الاستعانة باهل الكتاب

- ‌إسماعهم القران الكريم

- ‌الايذاء والفتنة

- ‌ايذاء الضعفاء:

- ‌بلال رضى الله عنه واخوانه:

- ‌ال ياسر رضى الله عنهم وغيرهم:

- ‌التهديد بالتشنيع:

- ‌مصابرة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم:

- ‌الاذى ينزل بشخص النبى عليه الصلاة والسلام:

- ‌مهابة محمد عليه الصلاة والسلام:

- ‌لماذا لم يرهبهم صلى الله عليه وسلم بهيبته:

- ‌الهجرة إلى الحبشة

- ‌متابعة الأولياء ومتابعة الأعداء:

- ‌خديعة:

- ‌النبي صلي الله عليه وسلم يناضل ويصابر فى مكة المكرمة

- ‌لقاؤهم بأبى طالب:

- ‌المقاطعة

- ‌الأرضة تمنع اسم الله تعالى من مواثيقهم:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم مستمر فى دعوته

- ‌سعى فى نقض الصحيفة

- ‌نقض الصحيفة فعلا

- ‌انطلاق الدعوة الاسلامية:

- ‌عام الحزن

- ‌أبو طالب، وإيمانه

- ‌خديجة رضي الله عنها

- ‌ما كان بعد موت أبى طالب

- ‌حماية الله تعالي

- ‌المهابة مع المحبة

- ‌محمد عليه الصلاة والسلام فى الطائف

- ‌عداس والنبى صلى الله عليه وسلم:

- ‌دعاء، وعفو، وإجارة:

- ‌سماع الجن له:

- ‌فى جوار المطعم بن عدى

- ‌انشقاق القمر

- ‌الإسراء والمعراج

- ‌الإسراء بالجسم:

- ‌المعراج بالروح

- ‌الاسراء والمعراج فى صحاح السنة

- ‌انتشار الاسلام في البلاد العربية

- ‌وفد نصارى نجران:

- ‌عرض الرسول عليه الصلاة والسلام نفسه على القبائل

- ‌جماعات تقبل الواحدانية:

- ‌ما بين الروم والفرس:

- ‌التقاؤه صلى الله عليه وسلم بالأوس والخزرج

- ‌ابتداء الاتصال بأهل يثرب:

- ‌يوم بعاث:

- ‌بدء إسلام الأنصار

- ‌العقبة الأولى أو البيعة الأولى

- ‌مصعب بن عمير:

- ‌أول جمعة أقيمت بالمدينة المنورة:

- ‌العقبة الثانية

- ‌البيعة:

- ‌علم قريش بالبيعة:

- ‌ابتداء الهجرة

- ‌النبى صلى الله عليه وسلم يحرض المؤمنين على الهجرة:

- ‌الإذن للمؤمنين بالهجرة

- ‌هجرة النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌ما اقترن بالهجرة المحمدية:

- ‌تنفيذ المؤامرة:

- ‌اجتمع المشركون فى العتمة:

- ‌النبى صلى الله عليه وسلم مع صاحبه إلي الهجرة وطريقهما:

- ‌فى غار ثور:

- ‌سراقة والسير إلى المدينة المنورة:

- ‌الركب يسير فى طريق وعر:

- ‌أم معبد:

- ‌خوارق أخرى:

- ‌وصول النبى صلى الله عليه وسلم إلى قباء

- ‌دخول المدينة

- ‌خطب لرسول الله صلي الله عليه وسلم

- ‌الخطبة التى رواها ابن جرير:

- ‌بناء مسجده عليه الصلاة والسلام

الفصل: ‌البشارات بالنبى المنتظر

ونقول فى الإجابة عن ذلك: «إننا استعنا بالأخبار التى وردت عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بعد الرسالة لأنها وضحت صفاته قبل الرسالة، ولأنها ذكرها من شاهد وعاين من بعد الرسالة، وهذه الصفات التى عاينها الذين آمنوا بمحمد صلوات الله وسلامه عليه، صفات ذاتية، لم تجيء بالرسالة، ولكنها كانت قائمة بذاته الطاهرة من قبلها، فما وصفه الجسدى حادثا بعد الرسالة، ولكنه كان من قبلها، واستمر بعدها، وما كان ما اتصف به من الأمانة والصدق، والعفة، والحلم، والعفو، بأخلاق عرضت له، ولكنها كانت ككل الملكات الذاتية لا تكون عارضة، ولكن تكون مستكنة تامة، وإن أخبار النبى عليه الصلاة والسلام ما كانت لتقوم عليها البينات النيرة الواضحة قبل الرسالة، وهو لم يكن له أصحاب يتبعون سيرته، ويدونون خليقته، ويهتمون بما كان عليه، وما كان من الممكن أن يتكشف للناس أمر هذه السجايا إلا بعد أن يختلط بهم، ويتقدم للدعوة لربه، ويلتقى بالقبائل، ويقرب المرافقين ويدنيهم، ويوجههم ويهداهم، ويصبر للمخالفين، ولا يلاحيهم، ويجادلهم بالتى هى أحسن، ويوطيء أكنافه لهم، وهو ليس فظا ولا غليظ القلب، فالأخبار التى استشهدنا بها لإثبات صفاته، وما كان عليه من خلق ذاتي، ما كانت الرسالة منشئة لها، ولكنها كاشفة الغطاء عنها، معرفة لها، وهى ذاتية قد هيأته لأن يكون المبعوث رحمة للعالمين، يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ «1» .

‌البشارات بالنبى المنتظر

173-

كان العالم يموج بفتن مادية، فالحرب كانت قائمة على قدم وساق بين الفرس والرومان، ومن قبل عصر نبوة عيسى انسابت الجيوش اليونانية بقيادة الإسكندر المقدونى وراء فارس، حتى وصلت إلى الصين، وقد كان العصر من بعد عيسى عصر الاضطهاد الديني، اضطهد النصارى ابتداء، ومكث اضطهادهم زهاء ثلاثة قرون لقوا فيها من الرومان واليهود أشد ما يلاقى ذو اعتقاد فى اعتقاده، وذو إيمان فى إيمانه، حتى أن نيرون أحد أباطرة الرومان كان يطليهم بالقار، ويشعل النار فيهم، ويسير فى موكبه تحيط به تلك المشاعل الإنسانية لهؤلاء المؤمنين الصادقين فى إيمانهم الذين لم يغيروا ولم يبدلوا، وقبلوا العذاب الهون، وتوقعوه، ورفضوا أن يغيروا فى سبيل دنيا يصيبونها، أو دفع عذاب ليتقوه.

وكانت مصر من أول البلاد التى دخلت فى النصرانية الأولي، ولم يغيروا ولم يبدلوا، ولذلك كانوا أشد البلاد تعرضا لأذى الرومان الذين كان سلطانهم مفروضا عليها وعلى الشام، وجاء إليهم العذاب الشديد فى عهد دقلديانوس، وذبحت فيهم مذابح سجلها التاريخ، وأرخ بها التاريخ القبطى مسجلا تلك المذابح، يذكر الرومان بما يعود عليهم بالخزى والعار، ويذكر المصريين الأولين بالافتخار، ويذكر المتأخرين من الأقباط بالاعتبار.

(1) سورة ال عمران: 74.

ص: 242

ولما دخل قسطنطين إمبراطور روما فى النصرانية فى الثلث الأول من القرن الرابع، كان ذلك سبيلا لسيطرة الانحراف فيها، وانتقل الاضطهاد من النصارى إلى اليهود فأذيقوا من العذاب كئوسا وشربوا منه، ثم جاء من بعد ذلك لون اخر من الاضطهاد، ذلك أن كنيسة روما خالفت كنيسة مصر فى بعض جزئيات عقائد النصرانية بعد أن انحرفت من الواحدانية إلى التثليث وانقلب الاضطهاد إلى داخل النصارى أنفسهم، فكان منهم الملكانيون الذين تتمثل فيهم عقيدة روما، واليعقوبيون الذين تتمثل فيهم عقيدة المصريين.

وكان ذلك الاضطراب فى العقيدة النصرانية التى حرفت، ثم انتهاؤه إلى أمر غير معقول فى ذاته، من قيل أن المسيح ابن الله، وأنه نزل إلى السموات العلا حيث الله أبوه، وتجسد إلى الأرض لتغفر خطيئة ادم لعصيانه ربه وأكله من الشجرة، فكان غريبا أن يكون تكفيرا للمعصية الأولى بالأكل بمعصية أشد وأوغل، هى قتلهم ولد الله فى زعمهم، والعقل لا يعلم ولا يدرك أن معصية أشد فى حق الله تكون تكفيرا لمعصية أقل، بل لخطأ جاء تضليلا من عدو أثيم.

ومن غرائب تلك العقيدة أنها تحاول الجمع بين الواحدانية والتثليت فيصعب التصوير، ولكن مع ذلك يصدقون على ريب من مفكريهم، وتسليم من عوامهم.

174-

والعرب كانوا فى حيرة أشد، وإن كانت حياتهم لا تمكنهم من التأملات فى العقائد، ولعلهم لو تأملوا، ولم يغلب الاتباع، وقولهم إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ، وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ «1» لكانوا قادرين على الوصول إلى الصواب، أو على الأقل منهم من يصل، كما فعل الحنفاء، وأنهم كانوا قبل البعثة عددا محدودا.

لقد كانت حياتهم مضطربة بين توحيد جزئي، ووثنية جانبية، لقد كانوا يتبعون إبراهيم ويعتقدون أن الله واحده هو خالق الكون ومنشئه ومدبره، فاعترفوا بذلك بواحدانية الخلق والتكوين، ولكن مع ذلك أشركوا معه فى العبادة أحجارا لا تنفع ولا تضر، يزعمون أن العبادة لها تجعل منها شفعاء يشفعون.

ثم كانت البشائر بأن نبيا سيبعث كان يتردد فى البلاد العربية، كان يجرى على ألسنة بعض العرب، كما يروى عن قس بن ساعدة الإيادى أنه ذكر فى إحدى خطبه أن نبيا قد أدركهم زمانه، وان اوانه.

وأن البلاد العربية، وخصوصا الحجاز كانت يتجاوب فيها ذكر احتمال رسول مبعوث، تذاكره كثيرون ممن كانت لهم دراسات للديانات، مثل ما جاء على لسان قس بن ساعدة الانف الذكر، ولعله يوميء إلى أن له صلة بالنصرانية وخصوصا أنه ثبت فى القران، أن التبشير بالنبى محمد الأمى عليه الصلاة والسلام مذكور فى التوراة والإنجيل، كما قال الله تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ «2» .

(1) سورة الزخرف: 23.

(2)

سورة الأعراف: 157.

ص: 243

وقال تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ، رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً، سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ، ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ، وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ «1» .

وقال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ، قالَ: أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي، قالُوا أَقْرَرْنا، قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ «2» .

وقال تعالى فى بشارة عيسى عليه السلام بمحمد النبى الأمين صلى الله عليه وسلم: وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ، مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ، وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ «3» .

وهكذا نجد النصوص القرانية الكثيرة التى جاء فيها أن محمدا عليه الصلاة والسلام ذكر فى التوراة والإنجيل، وقد أشرنا إلى ذكره فى كل الديانات القديمة قبل تحريفها، حتى البراهمة والزرادشتية قبل التغيير والتبديل فيها.

ويهمنا أن نعرف ذكر التوراة لمحمد عليه الصلاة والسلام.

175-

وقد وجدنا النصوص فى التوراة حتى بعد تحريفها، وبعد أن نسوا حظا مما ذكروا به توميء أو تشير بإشارة واضحة تكاد تكون عبارة لا إشارة- مبشرة بنبى الله تعالى محمد بن عبد الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وإليك ذلك النص الذى يكاد يكون صريحا، ولكنه نص فى دلالته، سواء أكان بالإشارة أم بالعبارة:

«جاء الله من سينا، وأشرق من ساعير، واستعلن من فاران (أى مكة المكرمة) . وقد فسر ابن ظفر من كتاب المسلمين فى السيرة الطاهرة، معنى النص فقال: مجيئه من سينا تكليمه لموسي، وإشراقه من ساعير- وهى جبال فلسطين إنزاله الإنجيل على عيسي، وبالقرب من هذه الجبال قرية الناصرة، حيث ولد عيسى عليه الصلاة والسلام، واستعلن من جبال فاران وهى جبال مكة، إنزال القران «4» » .

(1) سورة الفتح: 29.

(2)

سورة ال عمران: 81.

(3)

سورة الصف: 6.

(4)

خبر البشر، لابن ظفر ص 9.

ص: 244

ونرى من هذا أن الرموز كانت للأماكن، وبتبيين الرسل الذين بعثوا فيها، ومجيء الرب بالبداهة هو مجيء رسالاته، فإن الله تعالى لا ينزل بذاته انما تنزل هدايته، ويجيء أمره ونهيه على ألسنة رسله، وقد ذكرت أماكن ثلاثة هى سينا، وقد جاء من طريقها كليم الله تعالى موسى عليه الصلاة والسلام ومجيء رسالة الله تعالى إلى فلسطين حيث ولد سيدنا عيسى عليه السلام بالناصرة، من فلسطين انبعث نور رسالته عليه السلام، ومجيء رسالة الله من فاران حيث مكة المكرمة زاد الله تعالى نبيها تشريفا وتعظيما.

كانت هى ما نزل على محمد بن عبد الله صلى الله تعالى عليه وسلم.

ويقول صاحب كتاب خير البشر فى بيان تبشير التوراة بالنبى محمد عليه الصلاة والسلام:

قرأت فى ترجمة للتوراة لموسى عليه السلام، جاء فيها، والله ربك مقيم نبيا من إخوتك، فاستمع له كالذى سمعت ربك فى حوريب يوم الاجتماع حين قلت:«لا أعود أسمع صوت ربى لئلا أموت، فقال الله تعالى لى. نعم ما قالوا. وسألتم لهم نبيا من إخوتهم، وأجعل كلامى فى فمه، فيقول لكم كل شيء امره به وأيما رجل لم يطع من تكلم باسمى فإنى أنتقم منه» .

ونلاحظ هنا أنه ذكر أن الرسول سيكون من إخوة بنى إسرائيل، لا منهم، ولا تكون هذه الأخوة إلا من بنى إسماعيل، أخى إسحاق الأكبر، فإن هؤلاء هم الذين يقال لهم إخوة، وعيسى ومن قبله داود، وسليمان وغيرهما، لا يقال لهم إخوة بنى إسرائيل إنما يقال عنهم أبناء إسرائيل، لأنهم من يعقوب ابن إسحاق، ويقول صاحب كتاب (خير البشر)«قوله أجعل كلامى فى فمه، واضح فى أن المقصود به محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، لأن معناه أن الله تعالى يوحى إليه بكلامه (أى الله) فينطق به، أى يوحى إليه بالقران فينطق به» «1» .

176-

وإذا كانت هذه الإشارات الواضحة في التوراة، فإن في الإنجيل مثلها، بل ما هو أكثر وضوحا منها، فقد ورد التبشير، بالبارقليط في الإنجيل، وإن الترجمة الحرفية لهذه الكلمة العبرية هي أحمد، فهو مطابقة من حيث المعني التبشيرى بأحمد، وقد جاء القران الكريم بالذي بشر به عيسي عليه السلام اسمه أحمد، إذ قال سبحانه:«ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد» وقد جاء في الأناجيل علي لسان عيسي عليه السلام: «إن أجبتموني فاحافظوا وصيتي، وأنا أطلب إلى أبي فيعطيكم بارقليط اخر يكون معكم الدهر كله» .

(1) راجع السيرة العطرة- للأستاذ عبد العزيز خير الدين، وخير البشر لابن ظفر ص 11.

ص: 245

فهذا النص يبين أن الله تعالى سيبعث من بعده رسولا هو أحمد، يقوم بتبليغ رسالة ربه، كما يقوم عيسى عليه السلام، وأن شريعته باقية مع الدهر، أى أنها خالدة لا شريعة بعدها، وأن صاحبها هو خاتم النبيين.

والتعبير بالأب من تحريف النصارى لمعنى الله بعد أن غيروا وبدلوا فهو مأخوذ من الإنجيل بعد أن حرفت الديانة عن موضعها، ومع ذلك فإن كثيرين كانوا يفسرون البنوة بأنها بنوة النعمة والمحبة، كما يقول اليهود نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ «1» .

وقد جاء فى الأناجيل بعد تحريف الديانة النصرانية «إن هذا القول الذى سمعتموه ليس هو لى بل للاب الذى أرسلنى لكم بهذا، وأنا معكم، فأما البارقليط روح القدس الذى يرسل أبى باسمى، فهو يعلمكم كل شيء، ويذكركم جميع ما أقول لكم» .

ولعل الغرابة فى أن تسمى رسالة محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام أنها باسم المسيح، وأنها محرفة بلا ريب، ومهما يكن فليس المراد بالاسمية أن تكون دعوة محمد صلى الله عليه وسلم صورة كاملة لدعوة المسيح، إنما المراد الموافقة فيما يكون دعوة للمسيح بالواحدانية، وأن دعوة محمد عليه الصلاة والسلام، هى ما كان يدعو إليه، وما يتفق مع قوله، كما قال الله تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ، ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ، وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ، وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ. كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ «2» وروى أن عيسى عليه السلام قال فى «البارقليط الذى أرسل إليكم من عند أبى روح الحق الذى يخرج من الأب فهو يشهد لى، وأنتم تشهدون لى أيضا لكينونتكم معى من أول أمرى» وهذا صريح فى أن محمدا عليه الصلاة والسلام يشهد الكتاب الذى أنزل عليه وهو القران بأنه مصدق لما بين يديه من التوراة والإنجيل، وقد سمى القران بحق روح الحق، وقد سمى كذلك كما قال الله تعالى: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا «3» .

وجاء فى الأناجيل أيضا: «البارقليط لا يجيئكم ما لم أذهب، فإذا جاء وبخ العالم على الخطيئة، ولا يقول من تلقاء نفسه، ولكنه يسمع ما يكلمهم به، ويسوسهم بالحق، ويخبرهم بالحوادث والغيوب «4» » .

(1) سورة المائدة: 81.

(2)

سورة الشورى: 13.

(3)

راجع السيرة العطرة ونهاية الأرب ج 16 ص 110، وخير البشر. ر الاية من سورة الشوري:52.

(4)

نهاية الأرب، والسيرة العطرة.

ص: 246

وأن فى هذا النص وصفا للنبى عليه الصلاة والسلام بعينه من بين الرسل، وذلك الوصف هو قوله:«ويسوسهم بالحق» ولا شك أن رسالة محمد عليه الصلاة والسلام، لم تقتصر على بيان الحقائق الإلهية التى بعث بها عليه الصلاة والسلام، بل ساس الناس لتطبيقها، فأنشأ دولة، وطبق النظم القرانية تطبيقا دقيقا سليما، وإن هذه صفة كاملة لرسالة محمد عليه الصلاة والسلام، وعمله.

وإن كلمة البارقليط التى جاءت فى هذه النصوص قال علماء العبرية أن ترجمتها الحرفية كما أسلفنا أحمد، وهى فى معناها الذى يعرف السر، والحكمة، وهو قد بلغ أقصى الحمد لهذا.

177-

ولقد نقل بعض الكتاب الفضلاء «1» عبارات من كتب العهد القديم، عن الزبور الذى جاء به داود عليه السلام، وأشعياء، وشمعون، وحزقيل.

(أ) ومما جاء فى مزامير داود «اللهم اجعل جاعل السنة يحيا» .

وجاء فيه، «إنه اذا جاءت الرحمة على شفتيك من أجل ذلك أبارك عليك إلى الأبد، فتقلد السيف، فإن بهاءك وحمدك الغالب، واركب كلمة الحق، فإن شرائعك مقرونة بهيبة يمينك، والأمم يخرون تحتك» .

ولا شك أن دلالة هذه النصوص على التبشير بمحمد عليه الصلاة والسلام وليست هذه الإشارة بينة، كبيانها فى النقول السابقة عن توراة موسى، وإنجيل عيسى عليهما السلام، ولكنها قد تدل بالاقتضاء، لا بالإشارة المجردة، لأن الذى أحيا السنة وهى عبادة الله تعالى واحده، إذ هى الطريقة القويمة هو محمد عليه الصلاة والسلام، بعد أن حرفت النصرانية، إلى انحراف التثليث.

وفى النص كانت الدلالة بالتضمين أيضا، إذ وصف فيه من يباركه الله تعالى بأن شريعته تقرن بهيبة يمينه، وإن شريعة محمد عليه الصلاة والسلام تأمر بدفع الباطل بما تحمله اليمين وهو السيف، ولم تكن شريعة عيسى عليه السلام كذلك، إنما كان يغلب التسامح، ولم يحمل سيفا، ولم يدع الحواريين إلى حمل السيف، بل الذى حمل السيف الذى يشير إليه نبى الله داود، ووضع الباطل تحت الأقدام، وخر الجبابرة تحت الشريعة الإسلامية في عهده، وعهد الحواريين من أصحابه هو محمد عليه الصلاة والسلام.

ولقد جاء فى الزبور عبارة لعلها أصرح من هذه العبارة فى سلطان شريعة محمد عليه الصلاة والسلام، وهذا نصها «فإذا جاز من البحر إلى البحر، ومن عند الأنهار إلى منقطع البر، وخر أهل الجزائر على وجوههم كبهم ولحس أعداؤه التراب، وجاءته الملوك بالقرابين، ودانت له الأمم بالطاعة، لأنه يخلص

(1) هو ابن ظفر فى كتابه خير البشر- ص 14 و 96.

ص: 247