المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌جماعات تقبل الواحدانية: - خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم - جـ ١

[محمد أبو زهرة]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأول

- ‌مقدمة

- ‌محمد رسول الله وخاتم النبيين

- ‌‌‌يا رسول الله:

- ‌يا رسول الله:

- ‌يا رسول الله:

- ‌يا رسول الله يا خير البشر:

- ‌ربى العظيم:

- ‌[تمهيد]

- ‌الاضطراب الفكرى:

- ‌المجوسية:

- ‌المانوية:

- ‌المزدكية:

- ‌البراهمة:

- ‌[طبقات الناس في عقيدة البراهمة في المجتمع الهندي]

- ‌الطبقة الأولي: هى أعلاها وهى طبقة البراهمة

- ‌الطبقة الثانية: طبقة الجند

- ‌الطبقة الثالثة: طبقة الزراع والتجار

- ‌الطبقة الرابعة:

- ‌هل للبرهمية أصل سماوى:

- ‌[الأدلة على سماوية الأصل البرهمي]

- ‌أولهما:

- ‌ثانيهما:

- ‌أولها:

- ‌الأمر الثانى:

- ‌ كتبهم

- ‌الأمر الثالث:

- ‌البوذية:

- ‌[مبادىء بوذا الخلقية]

- ‌[أقسام البوذيين]

- ‌(أحدهما) البوذيون الذين أخذوا أنفسهم بالتعاليم السابقة

- ‌(ثانيهما) البوذيون المدنيون، وأولئك لم يطبقوا المنهاج الشاق

- ‌الكونفوشيوسية:

- ‌عقيدة الصين القديمة:

- ‌وثنية اليونان والرومان:

- ‌مزج الفلسفة بالدين:

- ‌التثليث فى الفلسفة:

- ‌ويلاحظ أمران:

- ‌أولهما- أنه التقت الأفلاطونية الحديثة مع الدين

- ‌الأمر الثانى- أن شيخ هذه المدرسة هو أمنيوس المتوفى سنة 242 ميلادية

- ‌وبذلك نقول مقررين أمرين:

- ‌أولهما

- ‌ثانيهما

- ‌العرب

- ‌دخول الوثنية أرض العرب:

- ‌لم ينسوا الله فى وثنيتهم:

- ‌القلوب فارغة من إيمان:

- ‌أرض النبوة الأولي

- ‌إدريس عربى:

- ‌نوح عربى:

- ‌هود نبى الله كان عربيا:

- ‌صالح عربى:

- ‌إبراهيم أبو العرب المستعربة وإسماعيل:

- ‌بناء الكعبة:

- ‌شعيب ومدين:

- ‌موسى كلف الرسالة فى أرض العرب:

- ‌أرض العرب مأوى الفارين بدينهم:

- ‌النصرانية:

- ‌رجل صالح:

- ‌أصحاب الأخدود:

- ‌اختصاص الجزيرة العربية

- ‌[أسئلة]

- ‌[الجواب]

- ‌أولها:

- ‌الأمر الثانى:

- ‌الأمر الثالث:

- ‌[عناصر تبوئ العرب الصدارة في الدعوة إلى الحق]

- ‌العنصر الأول: قوة فى النفس تقاوم، ولا تستسلم

- ‌العنصر الثانى: صفاء نفسى وقوة مدارك

- ‌العنصر الثالث: الأنفة وألا يطيعوا فى ذلة

- ‌الله أعلم حيث يجعل رسالته

- ‌مكة المكرمة

- ‌أول بناء فى مكة المكرمة وبلوغها هذه المنزلة:

- ‌مكة المكرمة موطن تقديس لأجل الكعبة المشرفة:

- ‌‌‌المكانوالزمان

- ‌المكان

- ‌الزمان:

- ‌البشارات

- ‌ويستفاد من هذا الكلام أمران:

- ‌أولهما:

- ‌ثانيهما:

- ‌محمد فى التوراة:

- ‌محمد فى الإنجيل:

- ‌على فترة من الرسل:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌محمد من أوسط قريش نسبا

- ‌النسب الطاهر

- ‌ قصى

- ‌ عبد المطلب

- ‌[صفات عبد المطلب]

- ‌الأولى- الطيبة والسماحة

- ‌الثانية- أنه كان مباركا

- ‌الثالثة- عزيمته، وإصراره على ما يقوم به من خير

- ‌عبد الله

- ‌الأم

- ‌صفات سامية فى امنة:

- ‌الجنين المبارك

- ‌أصحاب الفيل

- ‌ولد الهدى

- ‌ولادته قبل وفاة أبيه:

- ‌ظواهر تعلن مكانته

- ‌تاريخ مولده:

- ‌إرهاصات النبوة يوم مولده:

- ‌إرضاعه صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌اخبار شق الصدر

- ‌سفر أمه به إلى يثرب:

- ‌موت الطهور امنة:

- ‌فى حضن عبد المطلب

- ‌فى كنف أبى طالب

- ‌إلى العمل

- ‌حماية الله تعالى

- ‌إلى التجارة

- ‌سفره مع عمه

- ‌ارهاص وبشارة بالنبوة:

- ‌محمد التاجر:

- ‌مشاركته فى الأمور الجامعة

- ‌حرب الفجار

- ‌حلف الفضول

- ‌الزواج

- ‌خديجة:

- ‌ارهاصات الرحلة

- ‌الإملاك:

- ‌أغناه الله وواساه

- ‌إعادة بناء الكعبة

- ‌بناء قريش

- ‌الحمس:

- ‌التكامل الإنسانى فى محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌1- وفور عقله

- ‌2- بلاغته

- ‌3- الخلق الكامل

- ‌[أ] الرفق

- ‌[ب] العفو:

- ‌[ج] اخلاقه خارقة للعادة:

- ‌هيبة:

- ‌العفو والتسامح:

- ‌حياؤه:

- ‌جوده عليه الصلاة والسلام:

- ‌الشفقة والرأفة والرحمة:

- ‌صدقه وأمانته وعفته صلى الله عليه وسلم:

- ‌الوفاء ورعاية العهد:

- ‌العابد

- ‌عبادته قبل البعثة:

- ‌عبادته بعد البعثة:

- ‌الزاهد

- ‌زهده قبل البعثة:

- ‌زهده بعد البعثة:

- ‌قوت الزاهد:

- ‌الصابر المصابر

- ‌[أقسام الصبر]

- ‌أولها- الصبر على النوازل

- ‌القسم الثانى: الصبر على الحرمان من الأهواء والشهوات وقمعها

- ‌القسم الثالث: الصبر على ما ينزل من نوازل

- ‌العادل

- ‌ بعد البعثة

- ‌الشجاع

- ‌بعد البعثة

- ‌شجاعة النبى عليه الصلاة والسلام فى ميدان القتال:

- ‌الرجل

- ‌ أمور:

- ‌أولها: جمال تكوينه الجسمانى

- ‌الأمر الثانى- أن قلبه الطاهر كان يشع على وجهه بالنور

- ‌الأمر الثالث- شدة جاذبيته صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌ خاتم النبوة

- ‌تقدمة صفات النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌البشارات بالنبى المنتظر

- ‌ما كان يروج بين العرب من اخبار نبي يرسل

- ‌علم النبوة عند سلمان الفارسى قبل أن يلقاه:

- ‌يهود تخبر عن النبى [صلى الله عليه وسلم] المنتظر:

- ‌أخبار الكهان:

- ‌هل كان محمد عليه الصلاة والسلام يسمع اخبار الأحبار والرهبان والكهان

- ‌البعثة المحمدية

- ‌التجلى الأعظم

- ‌[التزام النبي ص بأمرين قبل أن يبعث]

- ‌أولهما

- ‌الأمر الثانى

- ‌التقى بالروح القدس:

- ‌قلق الزوجة الصالحة:

- ‌إلى ورقة بن نوفل:

- ‌فترة غياب روح القدس:

- ‌مدة الفترة:

- ‌الشهر الذى نزل فيه الوحى:

- ‌أول ما نزل من القران الكريم:

- ‌مراتب الوحى وشكله:

- ‌المرتبة الأولى:

- ‌والمرتبة الثانية

- ‌المرتبة الثالثة:

- ‌المرتبة الرابعة:

- ‌المرتبة الخامسة:

- ‌المرتبة السادسة:

- ‌ المرتبة السابعة

- ‌دعوة الحق

- ‌مراتب الدعوة:

- ‌الأولى النبوة:

- ‌المرتبة الثانية: إنذار العشيرة الأقربين

- ‌والمرتبة الثالثة: إنذار قومه

- ‌المرتبة الرابعة: عبر عنها ابن القيم بقوله

- ‌والمرتبة الخامسة: تبليغ الدعوة إلى غير العرب

- ‌أول من أسلم

- ‌الإسلام فى بيت النبوة:

- ‌إسلام على:

- ‌أول أسرة فى الإسلام:

- ‌النور يشرق من بيت النبوة

- ‌إسلام أبى بكر:

- ‌تتابع المخلصين:

- ‌فرضية الصلاة

- ‌وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين

- ‌بين أبى طالب وأبى لهب:

- ‌فاصدع بما تؤمر

- ‌[أقسام القلوب]

- ‌القسم الأول: القريب إلى الهداية

- ‌القسم الثانى: قوم امتلأت عقولهم بمعلومات سابقة

- ‌والقسم الثالث قسم غلبت عليه الضلالة

- ‌استجابة محمد صلى الله عليه وسلم لأمر ربه

- ‌السابقون السابقون

- ‌الاسلام يخرج إلى القبائل:

- ‌المناوأة

- ‌تلقى الناس للدعوة

- ‌الذين استجابوا لله والرسول

- ‌إسلام حمزة

- ‌اسلام عمر

- ‌بين عهدين

- ‌محاولة كفه عنهم بالاستمالة

- ‌لقاء أهل مكة المكرمة به لاستمالته:

- ‌جدلهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الاستعانة باهل الكتاب

- ‌إسماعهم القران الكريم

- ‌الايذاء والفتنة

- ‌ايذاء الضعفاء:

- ‌بلال رضى الله عنه واخوانه:

- ‌ال ياسر رضى الله عنهم وغيرهم:

- ‌التهديد بالتشنيع:

- ‌مصابرة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم:

- ‌الاذى ينزل بشخص النبى عليه الصلاة والسلام:

- ‌مهابة محمد عليه الصلاة والسلام:

- ‌لماذا لم يرهبهم صلى الله عليه وسلم بهيبته:

- ‌الهجرة إلى الحبشة

- ‌متابعة الأولياء ومتابعة الأعداء:

- ‌خديعة:

- ‌النبي صلي الله عليه وسلم يناضل ويصابر فى مكة المكرمة

- ‌لقاؤهم بأبى طالب:

- ‌المقاطعة

- ‌الأرضة تمنع اسم الله تعالى من مواثيقهم:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم مستمر فى دعوته

- ‌سعى فى نقض الصحيفة

- ‌نقض الصحيفة فعلا

- ‌انطلاق الدعوة الاسلامية:

- ‌عام الحزن

- ‌أبو طالب، وإيمانه

- ‌خديجة رضي الله عنها

- ‌ما كان بعد موت أبى طالب

- ‌حماية الله تعالي

- ‌المهابة مع المحبة

- ‌محمد عليه الصلاة والسلام فى الطائف

- ‌عداس والنبى صلى الله عليه وسلم:

- ‌دعاء، وعفو، وإجارة:

- ‌سماع الجن له:

- ‌فى جوار المطعم بن عدى

- ‌انشقاق القمر

- ‌الإسراء والمعراج

- ‌الإسراء بالجسم:

- ‌المعراج بالروح

- ‌الاسراء والمعراج فى صحاح السنة

- ‌انتشار الاسلام في البلاد العربية

- ‌وفد نصارى نجران:

- ‌عرض الرسول عليه الصلاة والسلام نفسه على القبائل

- ‌جماعات تقبل الواحدانية:

- ‌ما بين الروم والفرس:

- ‌التقاؤه صلى الله عليه وسلم بالأوس والخزرج

- ‌ابتداء الاتصال بأهل يثرب:

- ‌يوم بعاث:

- ‌بدء إسلام الأنصار

- ‌العقبة الأولى أو البيعة الأولى

- ‌مصعب بن عمير:

- ‌أول جمعة أقيمت بالمدينة المنورة:

- ‌العقبة الثانية

- ‌البيعة:

- ‌علم قريش بالبيعة:

- ‌ابتداء الهجرة

- ‌النبى صلى الله عليه وسلم يحرض المؤمنين على الهجرة:

- ‌الإذن للمؤمنين بالهجرة

- ‌هجرة النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌ما اقترن بالهجرة المحمدية:

- ‌تنفيذ المؤامرة:

- ‌اجتمع المشركون فى العتمة:

- ‌النبى صلى الله عليه وسلم مع صاحبه إلي الهجرة وطريقهما:

- ‌فى غار ثور:

- ‌سراقة والسير إلى المدينة المنورة:

- ‌الركب يسير فى طريق وعر:

- ‌أم معبد:

- ‌خوارق أخرى:

- ‌وصول النبى صلى الله عليه وسلم إلى قباء

- ‌دخول المدينة

- ‌خطب لرسول الله صلي الله عليه وسلم

- ‌الخطبة التى رواها ابن جرير:

- ‌بناء مسجده عليه الصلاة والسلام

الفصل: ‌جماعات تقبل الواحدانية:

بقوله: «يا أيها الناس، قولوا لا إله إلا الله تفلحوا» يتصدى أبو جهل وأبو لهب وهما يتناوبان فيقول: «يا بنى فلان، إن هذا إنما يدعوكم إلى أن تسلخوا اللات والعزى من أعناقكم، إلى ما جاء من البدعة والضلالة، فلا تطيعوه، ولا تسمعوا منه» .

وهكذا كانت الدعوة المحمدية تأخذ طريقها، والذين يصدون عن سبيل الله يدعثرونها، ولكن نور الحق لا تطفئه الضلالة، ولا تعمى عنه الأبصار، والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم دائب على الدعوة، اتبعوه أو فارقوه، وربما وجد غفلة عن اتباعه، فانتهزها. ومهما يكن مقدار الاستجابة، فإن إعلام الناس بعقيدة التوحيد ينبه الأذهان إلى التفكير فى الأوثان، ومجرد التفكير فيها يحبطها.

ولقد روى عن ابن شهاب الزهرى أنه قال: «كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يعرض نفسه على قبائل العرب فى كل موسم، ويخاطب أشرافهم، ويكلم كل شريف قوم، لا يسألهم مع ذلك إلا أن يؤووه ويمنعوه، ويقول «لا أكره أحدا على شيء، من رضى منكم بالذى أدعو إليه، فذلك، ومن كره، لم أكرهه، إنما أريد أن تحرزونى (أى تمنعونى) فيما يراد لى من القتل، حتى أبلغ رسالة ربى، وحتى يقضى الله تعالى لى، ولمن صحبنى بما شاء» .

ونرى من هذا أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يدعوهم بالحكمة، فهو يأتيهم من قبل ما شهر عن العرب بحبهم للنجدة، ولا يأتيهم ابتداء بمحاربة تدينهم، كما قال الله تعالى ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ «1» .

وكان أكثر الجماعات لا يحبون دعوة الحق، ومنهم من يحسن الرد، ومنهم من كان يقول:

الحق بقومك. ولكن بعض الاحاد كانت تصغى أفئدتهم، وإن لم يستطع الكثيرون أن يخرجوا من ربقة ما هم عليه دفعة واحدة.

‌جماعات تقبل الواحدانية:

305-

ومع الصدود من الجماعات، والصد من بعض الاحاد، والميل من اخر كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ماشيا فى الاتجاه إلى القبائل فى موسم الحج، وهو يتوسم الناس، ويتعرف الوجوه والأشراف ومعه أبو بكر الصديق، وهو من أعلم الناس بأحوال العرب.

وكان بجوار القبائل التى أعرضت، كانت جماعات قد أقبلت على الاستماع، وبدت منها الاستجابة، حتى كانت قبيلتا الأوس والخزرج، على ما سنبين، ولنذكر لك خبرا عن بعض الجماعات

(1) سورة النحل: 125.

ص: 427

التى مالت ابتداء، قبل اللقاء بأهل يثرب، وسنجد فى كلامهم مجاوبة تدل على قدرتهم على المنعة، وقوة تفكيرهم.

روى أبو نعيم أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم صحب فى إحدى مرات عرضه نفسه الكريمة على القبائل على بن أبى طالب وأبا بكر رضى الله تعالى عنهما، وكان بين أبى بكر، وبين قبيلة من شيبان بن ثعلبة صلة ومودة، ثم جرى بينهم وبين النبى صلى الله تعالى عليه وسلم حديث طويل.

قال أبو بكر مخاطبا القوم: ممن القوم؟ قالوا: من بنى شيبان بن ثعلبة.

فالتفت إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وقال: بأبى أنت وأمى ليس بعد هؤلاء من عز فى قومهم، وهؤلاء غرر فى قومهم، وغرر الناس، وكان فى القوم مفروق بن عمرو، وهانيء بن قبيصة؛ والمثنى بن حارثة، والنعمان بن شريك، وكان أقرب الناس إلى أبى بكر مجلسا مفروق بن عمرو وكان قد غلب عليهم بيانا ولسانا فقال له أبو بكر: كيف العدد فيكم؟

فقال له مفروق بن عمرو: إنا لنزيد على ألف، ولن نغلب من قلة.

فقال له أبو بكر: فكيف المنعة فيكم؟

فقال مفروق: علينا الجهد، ولكل قوم جد.

فقال أبو بكر: فكيف الحرب بينكم وبين عدوكم،

فقال مفروق: إنا أشد ما نكون لقاء حين نغضب، وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد، والسلاح على اللقاح، والنصر من عند الله يديلنا مرة ويديل علينا، لعلك أخو قريش (أى النبى صلى الله عليه وسلم .

فقال أبو بكر: إن كان قد بلغكم أنه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فها هو ذا.

فقال مفروق: بلغنا أنه يقول ذلك. ثم التفت إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مخاطبا له، فجلس، وقام أبو بكر يظله بثوبه. فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم:

أدعوكم إلى شهادة ألاإله إلا الله واحده لا شريك له، وأنى رسول الله وأن تؤوونى وتنصرونى حتى أؤدى عن الله تعالى الذى أمرنى به، فإن قريشا تظاهرت على أمر الله، وكذبت رسوله، واستغنت بالباطل عن الحق، والله هو الغنى الحميد.

ص: 428

فقال مفروق: وإلام أيضا يا أخا قريش.

فتلا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قول الله تعالى: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً، وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ، وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ، وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ، لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ، وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ، لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها، وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا، وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى، وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا، ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ، ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ «1» .

فقال مفروق، وإلام تدعو أيضا يا أخا قريش؟ فو الله ما هذا من كلام أهل الأرض، ولو كان كلامهم لعرفناه.

فتلا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قول الله تعالي: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى، وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ «2» .

فقال مفروق: دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، ولقد أساء قوم كذبوك، وظاهروا عليك.

وكأنه أحب أن يشركه فى الكلام هانيء بن قبيصة، فقال: وهذا هانيء بن قبيصة شيخنا وصاحب ديننا.

فقال هانيء: قد سمعت مقالتك يا أخا قريش، وصدقت قولك. وإنى أرى إن تركنا ديننا، واتبعناك على دينك لمجلس جلسته إلينا.. لم نتفكر فى أمرك، وننظر فى عاقبة ما تدعو إليه- زلة فى الرأى، وطيشة فى العقل، وقلة نظر فى العاقبة، وإنما تكون الذلة فى العجلة، وإن من ورائنا قوما نكره أن نعقد عليهم عقدا، ولكن نرجع وترجع، وننظر وتنظر.

وكأنه أحب أن يشركه فى الكلام المثنى بن حارثة، فقال: وهذا المثنى شيخنا وصاحب حربنا.

فقال المثنى: قد سمعت مقالتك، واستحسنت قولك يا أخا قريش، وأعجبنى ما تكلمات به، والجواب هو جواب هانيء بن قبيصة. وتركنا ديننا واتباعنا إياك لمجلس جلسته إلينا، وإنا إنما نزلنا بين حيزين:

أحدهما اليمامة، والاخر السماوة.

(1) سورة الأنعام: 151- 153.

(2)

سورة النحل: 90.

ص: 429

فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: وما هذان الحيزان.

فقال له المثنى: أما أحدهما فطفوف البر، وأرض العرب، وأما الاخر فأرض فارس وأنهار كسرى، وإنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى: لا نحدث حدثا ولا نؤوى محدثا، ولعل الأمر الذى تدعونا إليه مما يكرهه الملوك. فأما ما كان مما يلى العرب، فذنب صاحبه مغفور، وعذره مقبول، وأما ما كان يلى بلاد فارس، فذنب صاحبه غير مغفور، وعذره غير مقبول؛ فإن أردت أن تنصرف ونمنعك مما يلى العرب فعلنا.

فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ما أسأتم الرد، إذ أفصحتم بالصدق، إنه لا يقوم بدين الله إلا من حاطه من جميع جوانبه.

ثم قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: مخاطبا: «أرأيتم، إن لم تلبثوا، إلا يسيرا، حتى يمنحكم الله بلادهم وأموالهم، ويغريكم بهم أتسبحون الله وتقدسونه؟ فقال النعمان بن شريك: «اللهم إن ذلك لك يا أخا قريش» .

فتلا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قول الله تعالي: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً. وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ، وَسِراجاً مُنِيراً «1» .

ثم نهض رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قابضا على يدى أبى بكر.

يقول ابن كثير فى البداية والنهاية بعد أن ساق الخبر: هذا حديث غريب جدا، كتبناه لما فيه من دلائل النبوة، ومحاسن الأخلاق ومكارم الشيم، وفصاحة العرب» «2» .

وفى الخبر أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم تنبأ لهم أنهم سينصرون على فارس قريبا، وقد انتصروا فعلا، وأعلن ذلك النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فقد قال لأصحابه:«احمدوا الله كثيرا، فقد ظفر أبناء ربيعة بأهل فارس» وإن هذا الخبر الطويل يدل على أمور:

(أ) منها أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كان دائبا على بث الدعوة بين القبائل فى موسم الحج، سواء أكانوا من القبائل المتاخمة لفارس، أم المتاخمة للروم فى الشام، وأنه كان يلقى تأييدا على حسب البعد.

(ب) ومنها- أنه كما كان يلقى صدودا، كان يلقى أيضا حسن تفهم، وإن كان ثمة تمرد، ومنشؤه أنهم لا يريدون أن يتركوا ما هم عليه ليغيروا بمجرد مجلس.

(1) سورة الأحزاب: 45، 46.

(2)

البداية والنهاية لابن كثير ج 3 ص 144، 145.

ص: 430