الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه الصلاة والسلام مكتوب، كما قال تعالي: وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ، قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ، وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ، وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ، وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ، فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ، أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ «1» .
والجواب عن ذلك أن أهل الكتاب كانوا يجادلون النبي صلى الله عليه وسلم إذ كانوا على مقربة من دعوته، فكان يحاجهم بما عندهم، وكانوا هم يعرفون النبي، ويستفتحون على المشركين عندما كانوا ينازلونهم بالنبى عليه الصلاة والسلام قبل أن يبعث، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به.
على أن رسالة النبى عليه الصلاة والسلام ما كانت تستمد من شهادة السابقين، إنما كانت قوتها تستمد من ذاتها، وتحمل فى نفسها الشهادة بصدقها، والبينات الناطقة بأنها حق، وأنها من الله العزيز الحكيم.
محمد فى التوراة:
53-
جاء ذكر محمد عليه الصلاة والسلام فى التوراة بالإشارة الواضحة، ومع أنه جرى فيها التغيير والتبديل لم يمح ذلك ما فيها من إشارات بينات واضحات إلى رسالته عليه الصلاة والسلام مما جعل اليهود يعرفونه على وجه اليقين، كما يعرفون أبناءهم، واستفتاحهم على المشركين به قبل أن يبعث، فلما بعث كفروا.
وقد عنى الأستاذ عبد الحق ببيان النصوص العبرية التى فيها البشارة بالنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وكانت ترجمتها هى «إن الرب جاء من سيناء ونهض من ساعير لهم، وسطع من جبل فاران، وجاء مع عشرة الاف قديس وخرج من يمينه نار شريعة لهم» .
وجبل فاران إنما هو بمكة، وقد قال عبد الحق فى ذلك: «إن الشواهد القديمة جميعا تنبيء عن وجود فاران فى مكة، وقد قال المؤرخ جيرون، واللاهوتى يوسبيوس إن فاران عند بلاد العرب على مسيرة ثلاثة أيام إلى الشرق من أيلة، ولا يكتفى بالنقل العبرى وترجمته، بل ينقل عن النص العربى المترجم أن إسماعيل سكن برية فاران بالحجاز، ثم يقرر أن سفر العدد من العهد القديم جاء فيه أن بنى إسرائيل ارتحلوا
(1) سورة الأعراف: 156، 157.
من برية سيناء فحلت السحابة فى برية فاران.. ويستنبط من ذكر عشرة الالاف الذين ذكروا على أنهم محمد وأصحابه عندما خرجوا فى غزواتهم إلى مكة، وإلى الشام، فقد بلغوا هذا العدد، وكانوا من الصحابة الأطهار. ويسوق ما جاء فى التوراة من أن موسى كليم الله تعالى بشر بمحمد عليه الصلاة والسلام بقوله:«إن نبيا مثلى سيقيم الرب إلهكم من إخوانكم أبناء إبراهيم» .
ويسترسل الكاتب المحقق فى بيان ما جاء بالتوراة من إشارات فيذكر أن عبارة «نبى من أبناء إبراهيم مثلي» تثبت أنه محمد عليه الصلاة والسلام، إذ لم يجيء أى نبى بعد موسى عليه السلام بشريعة كاملة تبين كل الأحكام غير القران الكريم الذى نسخ بعض الأحكام التى جاءت فى التوراة «1» .
وهكذا نجد التوراة قد بشرت بالنبى وإشارات التبليغ قائمة فيها، حتى بعد أن عراها التغيير والتبديل.
وإن هذا الكلام لا يبشر فقط بالنبى عليه الصلاة والسلام، بل يبين مكان الرسالة، ومنبعثها الذى تعم منه مشارق الأرض ومغاربها، ففاران كما جاء فى أخبار المؤرخين والمحققين من الكتاب الأقدمين، كان بينها وبين أيلة مسيرة ثلاثة أيام، وكما جاء فى كثير من أقوال المؤرخين كانت حول مكة أو بمكة.
وقد ذكر الأحمديون الذين عنوا بترجمة معانى القران الكريم، وإن كنا نخالفهم فى أصل ترجمة القران، كما نرى الرأى المبطل لاعتقادهم، مع ذلك نأخذ كلامهم فى التبشير بالنبى صلى الله عليه وسلم، فإن اللؤلؤة الفائقة لا تهون لهوان غائصها الذى استخرجها، والحكمة ضالة المؤمن يلقفها أنى وجدها.
ذكر الأستاذ المرحوم العقاد ما قاله الأحمديون، فقال:
«ومن الجماعات التى عنيت عناية خاصة بهذه النبوات جماعة الأحمدية الهندية التى ترجمت القران (أى معانيه) إلى اللغة الإنجليزية، فإنها أفردت للنبوات والطوالع عن ظهور محمد عليه الصلاة والسلام بحثا مستفيضا فى مقدمة الترجمة.. قالت فيه إن نبوءة موسى الكليم تشتمل على ثلاثة أجزاء، وهى التجلى فى سيناء، وقد حصل فى زمانه، والتجلى من ساعير، أو جبل أشعر، وقد تجلى فى زمن السيد المسيح، لأن هذا الجبل، على قول الجماعة الأحمدية، واقع حيث يقيم أولاد يعقوب الذين اشتهروا بعد ذلك بأبناء أشعر، وأما التجلى الثالث فمن أرض فاران، وهى أرض التلال التى بين المدينة ومكة.
وقد جاء فى كتاب (فصل الخطاب) أن الأطفال يحيون الحجاج فى تلك الأراضى بالرياض من برية فاران
…
وقد أصبح أبناء إسماعيل أمة كبيرة، كما جاء فى وعد إبراهيم، فلا يسعهم شريط من الأرض على تخوم كنعان ولا وجه لإقامتهم، حيث أقام العرب المنتسبون إلى إسماعيل، ولا باعث لهم
(1) الكتاب المذكور ص 150.
على انتحال هذا النسب، والرجوع به إلى جارية مطرودة من بيت سيدها، وقد جاء فى التوراة أسماء ذرية إسماعيل الذين عاشوا فى بلاد العرب.
ومن نبوءة أشعياء التى سبقت مولد السيد المسيح بسبعمائة سنة أن أبناء أسماعيل كانوا يقيمون بأرض الحجاز، ففى هذه النبوءة يقول النبى أشعياء فى الإصحاح الحادى والعشرين:«تبيتين بقوافل الدادانيين، هاتوا ماء لملاقاة العطشان، بإسكان أرض تيماء، وأووا الهارب بخبره، فإنهم من أمام السيوف قد هربوا، من أمام السيف المسلول، ومن أمام القوس المشدودة، ومن أمام شدة الحرب، فإنه هكذا قال إلى السير فى مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد فيدا» . ويقول المترجمون من الجماعة الأحمدية فيفسرون هزيمة فيدا بهزيمة المكيين فى وقعة بدر، وهى الهزيمة التى نزلت بهم فى وقعة بدر بعد هجرة النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة «بنحو سنة كسنة الأجير» «1» وهذا النص يشير، وكل تبشيرات الكتب بالأخبار المستقبلة تكون بالإشارة التى لا تخفى على المتأمل، وربما لا يفهمها من يأخذ بظواهر الألفاظ، لا بمراميها وغاياتها، وإن التفسير بالظواهر لا يجدى ولا يؤدى معانى، والاتجاه إلى المرامى التبشيرية يجعل للألفاظ معانى قائمة بذاتها وواضحة.
ويسوق جماعة الأحمدية فى مقدمة تفسيرهم بالإنجليزية، فينقلون عن إصحاح فى سفر أشعياء، «وهو يرفع راية للأمم من بعيد، ويصف لهم من أقصى الأرض، فإذا هم بالعجلة يأتون، وليس فيهم وازع ولا عائر، لا ينعسون ولا ينامون، ولا تنحل حزم حقائبهم، ولا تنحل سيور أحذيتهم، سهامهم مملوءة، وجميع قسيهم ممدودة، حوافر خيلهم كأنها الصوان» .
وإن هذا النص يدل على الدعوة إلى الحج، وهى قد تدل على بعض قوله تعالى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا، وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ. لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ، وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ، فَكُلُوا مِنْها، وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ «2» .
وجاء فى سفر أشعياء فى الإصحاح الثامن: «ولا تقولوا فتنة لكل ما يقول هذا الشعب فتنة، ولا تخافوا خوفة ولا زهوا، وقدسوا رب الجنود فهو خوفكم وهو رهبتكم، ويكون مقدسا، وحجر كل صدمة، وصخرة عثرة وكما شرقا لسكان أورشليم، فيعثر بها كثيرون، ويسقطون فيتكسرون، ويعلقون فليفظون، صدا شهادة، أختتم الشريعة بتلاميذى، فاصطبر للأب السائر وجهه فى بيت يعقوب» .
(1) الكتاب المذكور ص 17.
(2)
سورة الحج: 27، 28.