المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ونتصور حينئذ أمرين نفرضهما فرضا: أولهما- أن يكونوا قد قاموا بما - خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم - جـ ١

[محمد أبو زهرة]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأول

- ‌مقدمة

- ‌محمد رسول الله وخاتم النبيين

- ‌‌‌يا رسول الله:

- ‌يا رسول الله:

- ‌يا رسول الله:

- ‌يا رسول الله يا خير البشر:

- ‌ربى العظيم:

- ‌[تمهيد]

- ‌الاضطراب الفكرى:

- ‌المجوسية:

- ‌المانوية:

- ‌المزدكية:

- ‌البراهمة:

- ‌[طبقات الناس في عقيدة البراهمة في المجتمع الهندي]

- ‌الطبقة الأولي: هى أعلاها وهى طبقة البراهمة

- ‌الطبقة الثانية: طبقة الجند

- ‌الطبقة الثالثة: طبقة الزراع والتجار

- ‌الطبقة الرابعة:

- ‌هل للبرهمية أصل سماوى:

- ‌[الأدلة على سماوية الأصل البرهمي]

- ‌أولهما:

- ‌ثانيهما:

- ‌أولها:

- ‌الأمر الثانى:

- ‌ كتبهم

- ‌الأمر الثالث:

- ‌البوذية:

- ‌[مبادىء بوذا الخلقية]

- ‌[أقسام البوذيين]

- ‌(أحدهما) البوذيون الذين أخذوا أنفسهم بالتعاليم السابقة

- ‌(ثانيهما) البوذيون المدنيون، وأولئك لم يطبقوا المنهاج الشاق

- ‌الكونفوشيوسية:

- ‌عقيدة الصين القديمة:

- ‌وثنية اليونان والرومان:

- ‌مزج الفلسفة بالدين:

- ‌التثليث فى الفلسفة:

- ‌ويلاحظ أمران:

- ‌أولهما- أنه التقت الأفلاطونية الحديثة مع الدين

- ‌الأمر الثانى- أن شيخ هذه المدرسة هو أمنيوس المتوفى سنة 242 ميلادية

- ‌وبذلك نقول مقررين أمرين:

- ‌أولهما

- ‌ثانيهما

- ‌العرب

- ‌دخول الوثنية أرض العرب:

- ‌لم ينسوا الله فى وثنيتهم:

- ‌القلوب فارغة من إيمان:

- ‌أرض النبوة الأولي

- ‌إدريس عربى:

- ‌نوح عربى:

- ‌هود نبى الله كان عربيا:

- ‌صالح عربى:

- ‌إبراهيم أبو العرب المستعربة وإسماعيل:

- ‌بناء الكعبة:

- ‌شعيب ومدين:

- ‌موسى كلف الرسالة فى أرض العرب:

- ‌أرض العرب مأوى الفارين بدينهم:

- ‌النصرانية:

- ‌رجل صالح:

- ‌أصحاب الأخدود:

- ‌اختصاص الجزيرة العربية

- ‌[أسئلة]

- ‌[الجواب]

- ‌أولها:

- ‌الأمر الثانى:

- ‌الأمر الثالث:

- ‌[عناصر تبوئ العرب الصدارة في الدعوة إلى الحق]

- ‌العنصر الأول: قوة فى النفس تقاوم، ولا تستسلم

- ‌العنصر الثانى: صفاء نفسى وقوة مدارك

- ‌العنصر الثالث: الأنفة وألا يطيعوا فى ذلة

- ‌الله أعلم حيث يجعل رسالته

- ‌مكة المكرمة

- ‌أول بناء فى مكة المكرمة وبلوغها هذه المنزلة:

- ‌مكة المكرمة موطن تقديس لأجل الكعبة المشرفة:

- ‌‌‌المكانوالزمان

- ‌المكان

- ‌الزمان:

- ‌البشارات

- ‌ويستفاد من هذا الكلام أمران:

- ‌أولهما:

- ‌ثانيهما:

- ‌محمد فى التوراة:

- ‌محمد فى الإنجيل:

- ‌على فترة من الرسل:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌محمد من أوسط قريش نسبا

- ‌النسب الطاهر

- ‌ قصى

- ‌ عبد المطلب

- ‌[صفات عبد المطلب]

- ‌الأولى- الطيبة والسماحة

- ‌الثانية- أنه كان مباركا

- ‌الثالثة- عزيمته، وإصراره على ما يقوم به من خير

- ‌عبد الله

- ‌الأم

- ‌صفات سامية فى امنة:

- ‌الجنين المبارك

- ‌أصحاب الفيل

- ‌ولد الهدى

- ‌ولادته قبل وفاة أبيه:

- ‌ظواهر تعلن مكانته

- ‌تاريخ مولده:

- ‌إرهاصات النبوة يوم مولده:

- ‌إرضاعه صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌اخبار شق الصدر

- ‌سفر أمه به إلى يثرب:

- ‌موت الطهور امنة:

- ‌فى حضن عبد المطلب

- ‌فى كنف أبى طالب

- ‌إلى العمل

- ‌حماية الله تعالى

- ‌إلى التجارة

- ‌سفره مع عمه

- ‌ارهاص وبشارة بالنبوة:

- ‌محمد التاجر:

- ‌مشاركته فى الأمور الجامعة

- ‌حرب الفجار

- ‌حلف الفضول

- ‌الزواج

- ‌خديجة:

- ‌ارهاصات الرحلة

- ‌الإملاك:

- ‌أغناه الله وواساه

- ‌إعادة بناء الكعبة

- ‌بناء قريش

- ‌الحمس:

- ‌التكامل الإنسانى فى محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌1- وفور عقله

- ‌2- بلاغته

- ‌3- الخلق الكامل

- ‌[أ] الرفق

- ‌[ب] العفو:

- ‌[ج] اخلاقه خارقة للعادة:

- ‌هيبة:

- ‌العفو والتسامح:

- ‌حياؤه:

- ‌جوده عليه الصلاة والسلام:

- ‌الشفقة والرأفة والرحمة:

- ‌صدقه وأمانته وعفته صلى الله عليه وسلم:

- ‌الوفاء ورعاية العهد:

- ‌العابد

- ‌عبادته قبل البعثة:

- ‌عبادته بعد البعثة:

- ‌الزاهد

- ‌زهده قبل البعثة:

- ‌زهده بعد البعثة:

- ‌قوت الزاهد:

- ‌الصابر المصابر

- ‌[أقسام الصبر]

- ‌أولها- الصبر على النوازل

- ‌القسم الثانى: الصبر على الحرمان من الأهواء والشهوات وقمعها

- ‌القسم الثالث: الصبر على ما ينزل من نوازل

- ‌العادل

- ‌ بعد البعثة

- ‌الشجاع

- ‌بعد البعثة

- ‌شجاعة النبى عليه الصلاة والسلام فى ميدان القتال:

- ‌الرجل

- ‌ أمور:

- ‌أولها: جمال تكوينه الجسمانى

- ‌الأمر الثانى- أن قلبه الطاهر كان يشع على وجهه بالنور

- ‌الأمر الثالث- شدة جاذبيته صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌ خاتم النبوة

- ‌تقدمة صفات النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌البشارات بالنبى المنتظر

- ‌ما كان يروج بين العرب من اخبار نبي يرسل

- ‌علم النبوة عند سلمان الفارسى قبل أن يلقاه:

- ‌يهود تخبر عن النبى [صلى الله عليه وسلم] المنتظر:

- ‌أخبار الكهان:

- ‌هل كان محمد عليه الصلاة والسلام يسمع اخبار الأحبار والرهبان والكهان

- ‌البعثة المحمدية

- ‌التجلى الأعظم

- ‌[التزام النبي ص بأمرين قبل أن يبعث]

- ‌أولهما

- ‌الأمر الثانى

- ‌التقى بالروح القدس:

- ‌قلق الزوجة الصالحة:

- ‌إلى ورقة بن نوفل:

- ‌فترة غياب روح القدس:

- ‌مدة الفترة:

- ‌الشهر الذى نزل فيه الوحى:

- ‌أول ما نزل من القران الكريم:

- ‌مراتب الوحى وشكله:

- ‌المرتبة الأولى:

- ‌والمرتبة الثانية

- ‌المرتبة الثالثة:

- ‌المرتبة الرابعة:

- ‌المرتبة الخامسة:

- ‌المرتبة السادسة:

- ‌ المرتبة السابعة

- ‌دعوة الحق

- ‌مراتب الدعوة:

- ‌الأولى النبوة:

- ‌المرتبة الثانية: إنذار العشيرة الأقربين

- ‌والمرتبة الثالثة: إنذار قومه

- ‌المرتبة الرابعة: عبر عنها ابن القيم بقوله

- ‌والمرتبة الخامسة: تبليغ الدعوة إلى غير العرب

- ‌أول من أسلم

- ‌الإسلام فى بيت النبوة:

- ‌إسلام على:

- ‌أول أسرة فى الإسلام:

- ‌النور يشرق من بيت النبوة

- ‌إسلام أبى بكر:

- ‌تتابع المخلصين:

- ‌فرضية الصلاة

- ‌وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين

- ‌بين أبى طالب وأبى لهب:

- ‌فاصدع بما تؤمر

- ‌[أقسام القلوب]

- ‌القسم الأول: القريب إلى الهداية

- ‌القسم الثانى: قوم امتلأت عقولهم بمعلومات سابقة

- ‌والقسم الثالث قسم غلبت عليه الضلالة

- ‌استجابة محمد صلى الله عليه وسلم لأمر ربه

- ‌السابقون السابقون

- ‌الاسلام يخرج إلى القبائل:

- ‌المناوأة

- ‌تلقى الناس للدعوة

- ‌الذين استجابوا لله والرسول

- ‌إسلام حمزة

- ‌اسلام عمر

- ‌بين عهدين

- ‌محاولة كفه عنهم بالاستمالة

- ‌لقاء أهل مكة المكرمة به لاستمالته:

- ‌جدلهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الاستعانة باهل الكتاب

- ‌إسماعهم القران الكريم

- ‌الايذاء والفتنة

- ‌ايذاء الضعفاء:

- ‌بلال رضى الله عنه واخوانه:

- ‌ال ياسر رضى الله عنهم وغيرهم:

- ‌التهديد بالتشنيع:

- ‌مصابرة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم:

- ‌الاذى ينزل بشخص النبى عليه الصلاة والسلام:

- ‌مهابة محمد عليه الصلاة والسلام:

- ‌لماذا لم يرهبهم صلى الله عليه وسلم بهيبته:

- ‌الهجرة إلى الحبشة

- ‌متابعة الأولياء ومتابعة الأعداء:

- ‌خديعة:

- ‌النبي صلي الله عليه وسلم يناضل ويصابر فى مكة المكرمة

- ‌لقاؤهم بأبى طالب:

- ‌المقاطعة

- ‌الأرضة تمنع اسم الله تعالى من مواثيقهم:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم مستمر فى دعوته

- ‌سعى فى نقض الصحيفة

- ‌نقض الصحيفة فعلا

- ‌انطلاق الدعوة الاسلامية:

- ‌عام الحزن

- ‌أبو طالب، وإيمانه

- ‌خديجة رضي الله عنها

- ‌ما كان بعد موت أبى طالب

- ‌حماية الله تعالي

- ‌المهابة مع المحبة

- ‌محمد عليه الصلاة والسلام فى الطائف

- ‌عداس والنبى صلى الله عليه وسلم:

- ‌دعاء، وعفو، وإجارة:

- ‌سماع الجن له:

- ‌فى جوار المطعم بن عدى

- ‌انشقاق القمر

- ‌الإسراء والمعراج

- ‌الإسراء بالجسم:

- ‌المعراج بالروح

- ‌الاسراء والمعراج فى صحاح السنة

- ‌انتشار الاسلام في البلاد العربية

- ‌وفد نصارى نجران:

- ‌عرض الرسول عليه الصلاة والسلام نفسه على القبائل

- ‌جماعات تقبل الواحدانية:

- ‌ما بين الروم والفرس:

- ‌التقاؤه صلى الله عليه وسلم بالأوس والخزرج

- ‌ابتداء الاتصال بأهل يثرب:

- ‌يوم بعاث:

- ‌بدء إسلام الأنصار

- ‌العقبة الأولى أو البيعة الأولى

- ‌مصعب بن عمير:

- ‌أول جمعة أقيمت بالمدينة المنورة:

- ‌العقبة الثانية

- ‌البيعة:

- ‌علم قريش بالبيعة:

- ‌ابتداء الهجرة

- ‌النبى صلى الله عليه وسلم يحرض المؤمنين على الهجرة:

- ‌الإذن للمؤمنين بالهجرة

- ‌هجرة النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌ما اقترن بالهجرة المحمدية:

- ‌تنفيذ المؤامرة:

- ‌اجتمع المشركون فى العتمة:

- ‌النبى صلى الله عليه وسلم مع صاحبه إلي الهجرة وطريقهما:

- ‌فى غار ثور:

- ‌سراقة والسير إلى المدينة المنورة:

- ‌الركب يسير فى طريق وعر:

- ‌أم معبد:

- ‌خوارق أخرى:

- ‌وصول النبى صلى الله عليه وسلم إلى قباء

- ‌دخول المدينة

- ‌خطب لرسول الله صلي الله عليه وسلم

- ‌الخطبة التى رواها ابن جرير:

- ‌بناء مسجده عليه الصلاة والسلام

الفصل: ونتصور حينئذ أمرين نفرضهما فرضا: أولهما- أن يكونوا قد قاموا بما

ونتصور حينئذ أمرين نفرضهما فرضا:

أولهما- أن يكونوا قد قاموا بما يكسبهم القوت، ولا يعيشون كلا على غيرهم فليس ذلك من مكارم الأخلاق فى الإسلام.

ثانيهما- أن نفرض التعاون الكامل بينهم، يعين غنيهم فقيرهم، والقادر منهم العاجز، وإذا كانت المؤاخاة قد نظمت العلاقات بين المهاجرين والأنصار، وبين الأوس والخزرج بما فعله النبى صلى الله تعالى عليه وسلم. فإن التعاون أو المؤاخاة الطبيعية فرضت نفسها فى أرض الحبشة بحكم الاغتراب أولا، وبحكم الحاجة إليه ثانيا، وبحكم الخلق الإسلامى الذى يوجب التراحم والتعاطف ثالثا، وقد كان التعاطف امتدادا لما كان فى مكة من حماية ضعفاء المسلمين من أقويائهم، كما يفعل أبو بكر من شراء العبيد المسلمين وإعتاقهم من غير منّ ولا أذى.

‌خديعة:

265-

خديعة أو انخداع على حسب تقدير الأسباب.

لقد فشل الرسولان اللذان ذهبا إلى النجاشى ليحرضاه بالهدية الراشية، وبالقول المعسول، وبالإيقاع المفسد فى أن يحملاه على إخراج من حلوا فى داره، واستظلوا بعدالته، وخرجا مذمومين مدحورين.

ولكن أحدهما عمرو بن العاص داهية قريش وماكرها، أشاع الشائعات بأن قريشا امنت بمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم، وأن هذه الشائعات تجاوبت أصداؤها، حتى وصلت إلى المؤمنين فى هجرتهم بالحبشة، فاطمأن إلى صدقها بعض المهاجرين، وطاهر القلب ينخدع، وقد خدع إبليس من قبل أبانا ادم الطاهر.

عاد من عاد منهم حاسبين صدق الشائعة، وكانت عدتهم نحو ثلاثة وثلاثين، ولكنهم ما إن شارفوا مكة حتى وجدوا الأذى والاستهزاء والسخرية تستقبلهم، فمنهم من دخل فى جوار بعض كبراء المشركين، ومنهم من استقبل الأذى صابرا، ومنهم من حسبه ذوو قرابته.

واستطاع الماكرون بذلك أن يعيدوا بعض المهاجرين إليهم ليتحكموا فيهم، ولكن لم تتم بغيتهم، لأنه بقيت الكثرة فى أرض الحبشة لم تغتر بهذه الشائعة الكاذبة التى دفعتها فرية خبيثة ماكرة.

وقد يقول قائل: هل لك من سند يؤيد فرض الشائعة، وخصوصا أنه تذكر أسباب لهذه الشائعة غير ما ذكرت وبينت، وهى قصة المشركين مع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عندما مجد اللات والعزى كما يزعمون وكما جاء فى صحيح البخارى.

ص: 368

ونحن نجيب عن ذلك بما تقتضيه الفروض التاريخية من تعليل لأسباب الوقائع باقترانها بالوقائع الزمنية التى قارنتها، لقد كانت تلك الشائعة الغريبة وكانت فى أعقاب واقعة حقيقية ثبتت، وهى طرد النجاشى الرسولين اللذين جاا ليحملاه على الإيقاع بالمؤمنين ليخرجهم، ويستمكنوا من رقابهم، وحرياتهم، وليفتنوهم عن دينهم، ويفسدوا رجال محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، والعقل بلا ريب يربط بروابط منطقية بين الأمرين، كما اقترنا فى الزمن.

ولا يمكننا أن نفرض السبب الذى يذكره مؤرخو السيرة، وهو سجود النبى عليه الصلاة والسلام للات والعزى ومناة الثالثة الاخرى، ولابد أن نعرج عليه بالقول، ولو كانت الرواية فى كتب الحديث، ونبين استحالة قبوله.

جاء فى كتاب البداية والنهاية لابن كثير ما نصه فى بيان سبب الشائعة:

«كان له سبب، وهو ما ثبت فى الصحيح وغيره أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حبس يوما مع المشركين، وأنزل الله تعالى عليه: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى. ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى «1»

يقرؤها عليهم، حتى ختمها وسجد، وسجد من هناك من المسلمين والمشركين والجن والإنس، وكان لذلك سبب ذكره المفسرون عند قوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ، فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ، ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ «2» وذكروا قصة الغرانيق، وقد أحببنا الإضراب عن ذكرها صفحا. لئلا يسمعها من لا يضعها فى مواضعها إلا أن أصل القصة فى الصحيح. قال البخارى:«حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال: سجد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بالنجم، وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس» . انفرد به البخارى دون مسلم، وقال البخارى حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر، حدثنا شعبة عن أبى إسحاق سمعت الأسود عن عبد الله قال قرأ النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، والنجم بمكة، فسجد فيها وسجد من معه غير شيخ أخذ كفا من حصى أو تراب فرفعه إلى جبهته، وقال: يكفينى هذا

رواه مسلم «وأبو داود، والنسائي، وروى مثله أحمد فى سنده» «3» .

إننا نقرر أن تلك القصة مكذوبة على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وذلك لما يأتى:

(1) سورة النجم: 1، 2.

(2)

سورة الحج: 52.

(3)

البداية والنهاية ج 3 ص 90.

ص: 369

أولا: أن مقتضاه أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وهو يقرأ قوله تعالى: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى. وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى زاد بتأثير الشيطان «تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترتجى» فلما أتم السورة تلاوة ووصل إلى قوله تعالى: أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ. وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ. وَأَنْتُمْ سامِدُونَ. فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا سجد سجدة التلاوة فسجدوا معه.

وذلك باطل بلا ريب ومستحيل أن يقع لأن الشيطان لا يتسلط على النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وفى شأن التنزيل والقران الكريم، وإلا جاء الشك الباطل فى شأن القران الكريم، وجوز الفاسقون على مقتضاه أن يكون القران قد اعتراه التغيير والتبديل، والزيادة، وتجويز أن يكون النبى صلى الله عليه وسلم وهو مبلغ الرسالة قد اعتراه خرف، وابتعاد عن مؤداه، وذلك باطل فما يؤدى إليه باطل بلا ريب.

وثانيا: أن هذه الأخبار لم يسند فيها القول إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ولكن كلها مرسلات، فلا يلتفت إليها.

وثالثا: أن الذين يقولون هذا القول يسندونه إلى تفسير قوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ، ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ «1» فزعموا أنه ألقى فى أمنيته صلى الله تعالى عليه وسلم زيادة تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترتجى، ثم نسخت تلك الزيادة التى ألقاها الشيطان فى أمنيته وأحكم الايات، وذلك من شأنه أن يشكك فى أصل القران الكريم، ويا بنى عليه المفترون قولهم أن فى القران الكريم زيادة ونقصا، وذلك قول قائله كافر، لأنه ينكر ما جاء به القران الكريم من أنه محفوظ إلى يوم القيامة تصديقا لقوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ، وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ «2» .

وقد يقول قائل، وكيف نفسر قوله تعالي: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ، وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ، ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ «3»

نقول إن التمنى هو ما يتعلق بما يتمناه الإنسان بمقتضى غريزته، فالأنبياء ليسوا معصومين بمجرد غريزتهم من التمني، ولكن الشيطان يجيء من جهة الأمانى، ويزين الأهواء ويحسنها، فينسخ الله

(1) سورة الحج: 52

(2)

سورة الحجر: 9.

(3)

سورة الحجر: 52.

ص: 370

تعالى أى يزيله من قلب النبى عليه الصلاة والسلام ويحكم سبحانه وتعالى آياته الظاهرة والباطنة على النبوة والرسالة والحق، وبذلك تنزه قلوبهم.

وقد يقال: وماذا نصنع فى الروايات التى قد رويت عن البخارى كما ذكر ابن الأثير؟ ونحن نقول أنها رواية أمر يستحيل على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم الأمين، ومثل هذه الرواية ترد مهما يكن الراوى، أنقول أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم سحر، وزاد فى القران ما يكون شركا، والرواية مهما تكن رواية احاد، ولو طبقنا قاعدة الشافعى الذى يقرر فيها أن من ينكر حديث خبر الاحاد، أو خبر الخاصة لا يقال له تب أى لا يكفر، فكان المؤدى أن نكون بين أمرين أحدهما أن ننكره ولا نكفر، والثانى أن نقول ما يشكك فى الرسالة والقران الكريم فنكفر! إن الاحتياط لديننا، ولقران ربنا، وعصمة نبينا أن ننكر نسبة تلك الأخبار لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وصحتها، ونؤمن بالقران الكريم والنبى عليه الصلاة والسلام بل أن نؤمن بالله تعالى.

وإننا ننتهى من هذا إلى أن نقرر أن سبب إشاعة إسلام أهل مكة المكرمة ليس هو تلك الرواية غير الصادقة التى تفتن الناس عن دينهم، وتشككهم فى القران الكريم والنبى صلى الله عليه وسلم. إنما لسبب مما استنبطناه من سياق التاريخ وارتباط وقائعه واقترانها وهو إشاعة إسلام أهل مكة المكرمة ليعود الذين فروا بدينهم، فينالهم المشركون بأيديهم وألسنتهم.

ص: 371