الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من المسلمين، ومن خرجوا مسلمين من قريش، ولم يقبلهم ترصدوا المشركين فى متاجرهم، فأذاقوهم الويل والثبور، وقتلوا منهم، واستولوا على غنائم كثيرة من أموالهم على ما سنبين إن شاء الله تعالى.
شجاعة النبى عليه الصلاة والسلام فى ميدان القتال:
165-
كتب القتال على محمد عليه الصلاة والسلام ومن معه، وهو كره لهم، لأن الدعوة الإسلامية لابد أن تأخذ طريقها، وأن ترد الاعتداء حتى يكون الدين لله، وتستقيم القلوب، ولا تكون الفتنة، والإكراه على ترك الهداية، والوقوع فى الغواية، بعد أن من الله تعالى عليهم بالحق، والإيمان وما كان أهل الإيمان ليستخذوا ويستكينوا ويهنوا عن نصرته، ولذلك أذن لهم فى القتال، كما قال تعالي:
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا، وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ، وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً، وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ «1» .
كان لابد من القتال جهادا فى سبيل الله، ولنصرة الحق، وكان لابد أن يكون محمد عليه الصلاة والسلام الموجه له فى كل ميادينه، والموجه له فى كل نواحيه وضروبه، ما كان محمد عليه الصلاة والسلام القائد الذى يحارب بغيره، فيوجه إلى الميدان، ولا يتوجه هو إليه، بل كان يتجه هو إليه ليكون القدوة الحسنة فى كل أمر يدعو إليه، لا يضن بنفسه، ولا يستأثر بالراحة، ويترك غيره يعمل، بل يكون فى أول العاملين المتقين.
وكان على رأس المجاهدين، جاء فى كتاب الشفاء للقاضى عياض ما نصه:«قد حضر عليه الصلاة والسلام المواقف الصعبة، وفر الكماة الأبطال عنه غير مرة، وهو ثابت لا يبرح، ومقبل لا يدبر، ولا يتزحزح، وما من شجاع إلا وقد أحصيت له فرة، وحفظت عنه جولة سواه عليه الصلاة والسلام» «2» .
ولقد فهم بعض الناس من قوله تعالى: فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ «3» أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مأمور بأن يقاتل المشركين إذا واجهوه ولو كان واحده، وذلك الأمر الخاص به الذى كلفه، وقد فهمه أولئك المفسرون من قوله تعالى: لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ.
(1) سورة الحج: 40.
(2)
الشفاء ج 1 ص 66.
(3)
سورة النساء: 84.
ومهما تكن دلالة ذلك النص فإن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم حمل عبء الجهاد ودخول الميدان بنفسه من غير ضن بها وكان أصبر أصحابه فى الجهاد، فما فر قط من صفوف القتال، وما يختاره فى موضع أمن، ولو تولى عنه كل من حوله.
ولقد روى عن فارس الإسلام على بن أبى طالب كرم الله وجهه أنه قال: «إنا كنا إذا حمى البأس، واحمرت الحدق اتقينا برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه، ولقد رأيتنى يوم بدر، ونحن نلوذ بالنبى صلى الله تعالى عليه وسلم. وهو أقربنا إلى العدو، وكان من أشد الناس بأسا»
وكان عليه الصلاة والسلام هو العلم الذى نهتدى به فى الميدان، أشجع المجاهدين وأصبرهم صلى الله تعالى عليه وسلم.
ويقول عبد الله بن عمر الذى شاهد الحرب، ما رأيت أشجع ولا أنجد ولا أجود ولا أرضى من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو الشجاع الرضى الكريم الصبور، الذى يقف فى الهيجاء، ويحمل سيفه، ليجيب كل هيعة.
وإنه عليه الصلاة والسلام كان قوى الاحتمال مع شجاعة، ورباطة جأش، لقد جرح فى يوم أحد، واشتدت جراحه، وأنزفت دمه، ومع ذلك دوام على الحرب، ولم يهن ولم يستكن.
ولقد أريد قتله عليه الصلاة والسلام فى هيجاء أحد، واضطرابها، فجاء أبى بن خلف يريد قتله، وقد أعد لذلك عدته منذ بدر الكبرى، إذ كان فى الأسرى، فلما كان أحد، ولم يكن للمسلمين جاء وقد ادرع بالحديد، لا يرى منه إلا عينه، حتى لا يصيبه سيف أو رمح، وهو يقول: أين محمد صلى الله عليه وسلم؟ لا نجوت إن نجا محمد، فاعترضه رجال من المسلمين، فقال محمد صلى الله عليه وسلم الذى أنزف من دمه ما أنزف، خلوا طريقه، وتناول الحربة من الحارث بن الصمة، وحملها، وانتفض بها انتفاضة تطايروا تطاير الشعراء عن ظهر البعير إذا انتفض، فطعنه عليه الصلاة والسلام فى عنقه طعنة تدأدأ منها من فرسه مرارا، وقيل بل كسر ضلعا من أضلاعه، فرجع إلى قريش يقول: قتلنى محمد- صلى الله عليه وسلم وهم يقولون: لا بأس عليك. فقال: لو كان يجمع الناس لقتلهم، أليس قد قال أنا أقتلك، والله لو بصق على لقتلنى، فمات فى سرف فى قفولهم إلى مكة المكرمة «1» . وإنه فى حرب هوازن ثبت واحده، وذلك كاف لبيان مدى شجاعته وصبره.
(1) الشفاء ج 1 ص 68.