الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مال خديجة. وكان ذلك قبل أن يتم الزواج بينهما، بل كان والزواج يساور فكرتها ولم يمتد إلى تفكيره هو إلا من بعد ذلك.
علم النبوة عند سلمان الفارسى قبل أن يلقاه:
182-
وإن ما تضافرت الصحاح عليه فى قصة إسلام سلمان الفارسى، وكيف علم بأمر بعث النبى عليه الصلاة والسلام قبل أن يلقاه، وكان إذ لقيه لا غاية له إلا أن يعرفه بالأوصاف التى ذكرت له قبل أن يلقاه، بل قبل أن يبعث صلى الله تعالى عليه وسلم، وخلاصة القصة كما جاءت فى الصحاح أن سلمان رضى الله تبارك وتعالى عنه كان فارسيا من أهالى أصبهان، كان أبوه دهقان القرية «1» ، وكان أثيرا عند أبيه حريصا عليه، وقد درس المجوسية حتى كان خادم نارها الذى يوقدها، ولا يتركها، وكان أبوه ذا ضيعة عظيمة
…
ويقول رضى الله عنه: «فخرجت أريد ضيعته التى بعثنى إليها، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى، فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون، وكنت لا أدرى ما أمر الناس، فلما سمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ماذا يصنعون، فلما رأيتهم أعجبتنى صلاتهم، ورغبت فى أمرهم، وقلت:
هذا والله خير من الدين الذى نحن فيه، فو الله ما برحتهم حتى غربت الشمس، وتركت ضيعة أبى، فلم أذهب إليها ثم قلت لهم: أين أصل هذا الدين؟ قالوا: بالشام، فرجعت إلى أبى وقد بعث فى طلبى، وشغلته عن عمله كله، فلما جئته قال: أى بنى أين كنت؟ فقلت له: يا أبت مررت بأناس يصلون فى كنيسة لهم، فأعجبنى ما رأيت من دينهم فو الله مازلت عندهم حتى غربت الشمس. قال:
يا بنى، ليس فى ذلك الدين خير، ودينك ودين ابائك خير منه، قلت له: كلا والله إنه لخير من ديننا. قال فخافنى فوضع فى رجلى قيدا، ثم حبسنى فى بيته» ويظهر أن سلمان استطاع أن يخلص نجيا من قيده، فقد قال: «بعثت إلى النصارى، فقلت لهم إذ اقدم عليكم ركب من الشام، تجار من النصارى، فأخبرونى بهم إذا قضوا حوائجهم، وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فاذنونى بهم، فلما أرادوا الرجعة ألقيت الحديد من رجلى، ثم خرجت معهم، حتى قدمت الشام، فلما قدمتها قلت: من أفضل أهل الدين علما؟ قالوا الأسقف فى الكنيسة. فجئت إليه فقلت له إنى قد رغبت فى هذا الدين فأحببت أن أكون معك، أخدمك فى كنيستك وأتعلم منك وأصلى معك، فدخلت. ويذكر سلمان أنه كان رجل سوء يأمر بالصدقة ويرغب فيها، ثم يكتنز ما يجمعه لنفسه ولا يعطيه المساكين، حتى جمع سبع قلال من الذهب، وأنه يبغضه بغضا شديدا لصنعه، ولما مات واجتمع النصارى ليدفنوه ذكر لهم سلمان ما صنع، ودلهم على مكان كنزه، فصلبوه، ورموه بالحجارة.
(1) الدهقان هو شيخ القرية العارف بأمور وأمور زراعها.
انتقل من بعد ذلك سلمان إلى خدمة أسقف صالح، كان يدأب على العبادة ليلا ونهارا، فأقام معه زمنا طويلا، ولما حضرته الوفاة استوصاه سلمان وقال له:«إلى من توصى بى، وبم تأمرنى؟ قال: بنى والله ما أعلم أحدا على ما كنت عليه فقد هلك الناس وبدلوا، وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلا بالموصل فالحق به» .
لحق سلمان بصاحبه بالموصل، فوجده على خير عظيم، ولما حضرته الوفاة قال له:«إلى من توصى بى وبم تأمرنى: قال: يا بنى والله ما أعلم رجلا على ما كنا عليه إلا رجلا بنصيبين «1» » .
ولما ذهب إلى رجل نصيبين وحضرته الوفاة دله على رجل بعمورية سافر إليه، ووجده خير رجل وأقام عنده خير إقامة، واتجه إلى الاكتساب فاكتسب بقرات وغنما، ولما حضرته الوفاة قال له بمن توصى بى وبم تأمرنى. «قال أى بنى، والله ما أعلم أحدا أصلح على مثل ما كنا عليه من الناس امرك أن تأمنه ولكنه أظل زمان نبى، وهو مبعوث بدين إبراهيم عليه السلام، يخرج بأرض العرب، مهاجره إلى أرض بين حرتين «2» بينهما نخل به علامات لا تخفى، يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، وبين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق به بتلك البلاد فافعل» .
وقد شد سلمان رحيله إلى وادى القرى، ثم إلى المدينة، إذ مر به نفر من تجار كلب، فقال لهم احملونى إلى أرض العرب، وأعطيكم بقراتى وغنيمتى هذه، فرضوا بهذه الصفقة، ولكنهم مكروا به وغدروا فما أن بلغوا به وادى القرى حتى ظلموه، وباعوه على أنه عبد إلى رجل يهودى، ولكنه أسلم نفسه لربه الذى طوف فى الافاق يبتغى الدين الحق الذى يريد أن يعبد الله تعالى على مقتضى شريعته، وترك العيش الرافغ فى ظل أبيه، وسار فى المهامه والقفار طالبا الهداية.
رأى النخلات التى وصفها له أسقف عمورية، وفرح إذ بيع من اليهودى الذى اشتراه إلى عم له من بنى قريظة، فحمله إلى المدينة.
وفى هذه الأثناء حيث كان يقيم هو بالمدينة كان محمد بن عبد الله صلى الله تعالى عليه وسلم قد بعثه الله تعالى نبيا، وما كان يعلم سلمان رضى الله تعالى عنه من أمر ذلك شيئا، لأنه شغله الرق عن أن يتتبع أخبار من بشرت به الكتب، ونقله الأساقفة، وتحدث به الرهبان.
وقد هاجر محمد بن عبد الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وبينا هو فى رأس عذق «3» لمالكه يعمل به بعض العمل، إذ أقبل ابن عم لهذا المالك فوقف عليه يسب أهل المدينة من الأوس والخزرج، ويقول:«والله إنهم الان لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة المكرمة اليوم، يزعمون أنه نبى» «4» .
(1) مدينة فى طريق القوافل من الموصل إلى الشام.
(2)
الحرة أرض ذات حجارة سود من أثر احتراق بركانى.
(3)
العذق هو النخلة.
(4)
سيرة ابن هشام ج 1 ص 219
ويستمر سلمان فى قصته، فيذكر أنه أصابته رعدة حماسة للذهاب إلى قباء حيث سمع أن المجتمعين بقباء فيهم من يقول أنه نبى، وقد بين له أسقف عمورية أن مهاجر النبى المنتظر سيكون بهذه الأرض، فأخذ الأهبة، وذهب إلى قباء ومعه مال قليل، وهنا يلتقى العيان بالخبر، لقد أخبر فى غيبة محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام أنه نبى وسلك الفيافى والقفار ليلقاه وهو يعلم بنبئه، وجرى الحديث بينهما. يختبر به حاله، لقد رأى المكان، كما أخبر الأسقف، ولم يبق إلا أن يختبر، لقد قيل أنه يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة، وأن بين كتفيه خاتما.
عند اللقاء قال سلمان: «إنه قد بلغنى أنك رجل صالح، ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة، وهذا شيء كان عندى للصدقة، فرأيتكم أحق بها من غيركم» .
لم يأكل منها النبى صلى الله عليه وسلم، وقال لأصحابه، كلوا وأمسك يده «وبهذا تبين الوصف الذى علمه من قبل، وقال سلمان فى نفسه: هذا واحدة» فأراد أن يختبر أيقبل الهدية ليتكامل الوصف.
جمع شيئا مما يهدى، وتحول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المدينة، وجاءه، وقال له:
«إنى قد رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذه هدية أكرمتك بها» فأكل منها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وأكل معه أصحابه.
قال سلمان فى نفسه: هذه الثانية.
وسلمان علم من وصف أسقف عمورية، أن بين كتفى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خاتم النبوة، فأراد أن يعرفه ولم يبق إلا ذلك ليستوثق من تحقق الخبر مع الخبر.
كان سلمان فى الرق، فشغله عن أن يلازم النبى عليه الصلاة والسلام، حتى أنه لم يستطع أن يحضر غزوة بدر، وأشار عليه النبى من بعد بأن يعقد عقد مكاتبة مع مالك رقبته، أى يتعهد له بمال أو بمنفعة يقدمها فى نظير عتقه، ففعل، وعاونه الصحابة فى تنفيذ عقده، وصار من بعد حرا.
183-
سقنا ذلك الخبر بعد اختصاره، وهو مع الاختصار طويل، سقناه لأمرين.
(1) الكتاب المذكور ص 220.