الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال أبو جهل بن هشام، والله إن لى فيه لرأيا ما أراكم وقعتم عليه بعد، قالوا: وما هو يا أبا الحكم؟
قال: أري أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابا نسيبا وسيطا فتيا، ثم نعطى كل واحد منهم سيفا صارما، ثم يعمدوا إليه، فيضربوه ضربة رجل واحد، فيقتلوه، فنستريح منه، فإنهم اذا فعلوا ذلك تفرق دمه فى القبائل جميعا، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا، فيرضوا منه بالعقل (أى الدية) فعقلناه لهم.
قال الشيخ النجدى: القول ما قال هذا الرجل، هذا الرأى الذى لا رأى غيره.
انتهوا إلى ذلك فأعلم الله تعالى نبيه بما دبروا، وأمره ألا ينام الليلة على فراشه.
تنفيذ المؤامرة:
323-
إن القوم ائتمروا بالنبى صلى الله عليه وسلم ليقتلوه، ولكن الله تعالى أعلم النبى صلى الله عليه وسلم وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ ولقد روى الإمام أحمد بن حنبل بسنده عن ابن عباس أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة كان فى ذلك الوقت، ونزل قوله تعالى: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ، وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ، وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً «1» وأن دخول الصدق كان بدخول المدينة المنورة، والخروج مخرج صدق كان بالهجرة من مكة المكرمة، كما فسر قتادة، وهكذا كان خروجه من مكة المكرمة وهى أحب أرض الله تعالى إليه لدعوة الحق ولنصرته وإعزازه، وكان دخوله المدينة المنورة صدقا، لأنه بسبب إرادة نصرة الحق، وإعلاء شأنه، فخروجه صدق، ودخوله صدق، وكلاهما حق.
إن قريشا فى عتمة الليل الذى بيتوا فيه تنفيذ مؤامرتهم بقتل محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أحاطوا بداره، ليقتلوه إذ يخرج إليهم، ولم يحاولوا أن يدخلوا إلى منامه، وقال السهيلى فى تعليل ذلك. وذكر بعض أهل التفسير السبب المانع لهم من التقحم عليه فى الدار، مع قصر الجدار، وأنهم إنما جاؤا لقتله، فذكر فى الخبر أنهم هموا بالولوج عليه فصاحت امرأة من الدار، فقال بعضهم لبعض: والله إنها للسبة فى العرب أن يتحدث عنا أننا تسورنا الحيطان على بنات العم، وهتكنا سر حرمتنا. فهذا هو الذى أقامهم بالباب، وأصبحوا ينتظرون خروجه.
عندما أعلم الله نبيه صلى الله عليه وسلم بأمرهم كان محملا أمانات من القوم، فكانت عنده ودائع الناس، وليس بمكة المكرمة أحد عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عند النبى صلى الله عليه وسلم، لما يعلم من صدقه وأمانته، وكان ذلك مع شدة العداوة والمناوأة من كبرياء المشركين.
(1) سورة الإسراء: 80.