الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لم يستمر الأمر لابن الزبير، بل قتل، واستمكن الأمر للحجاج بن يوسف الثقفى المسلط من قبل عبد الملك، فشاور عبد الملك فى الأمر الذى غيره عبد الله بن الزبير فى بناء الكعبة، وإعادتها إلى قواعد إبراهيم فكتب إليه: «أما ما زاده طولا، فأقره، وأما ما فى الحجر، فرده إلى بنائه، وسد بابه الذى فتحه، ففعل ذلك، ويروى أن عبد الملك ندم على ما أذن، ولعن الحجاج.
ولقد فكر المهدى فى أن يعيد البناء على قواعد إبراهيم فناشده الإمام مالك، وقال: أخشى أن يصير ملعبة للملوك، فترك الأمر.
الحمس:
126-
من هذا نرى أن قريشا كانت حريصة على البيت الحرام، تعليه، لأنها ترى فيه علوها وشرفها، وشددت فى القيام عليه، وابتدعوا فى ذلك بدعة تخالف ما كان عليه إبراهيم فى قيامه بمناسك الحج، وعظموا الحرم تعظيما زائدا، حتى لفرط تحمسهم له التزموا ألا يخرجوا من جواره ليلة عرفة، ولذلك سموا الحمس.
كانوا يقولون نحن أبناء الحرم، وقطان بيت الله، فكانوا لا يقفون بعرفات، مع علمهم أنها من مشاعر إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ويقول فى ذلك الحافظ ابن كثير فى تعليل فعلهم، وتكميل الكلام فيه:
فإن تكرم أحد ممن يجد ثوب أحمسى، فطاف فى ثياب نفسه، فعليه إذا فرغ من الطواف أن يلقيها فلا ينتفع بها بعد ذلك، وليس له ولا لغيره أن يمسها، وكانت العرب تسمى تلك الثياب «اللقى» «1» .
(1) البداية والنهاية ص 305.
127-
هذا بعض مما كان يجرى من قريش تعصبا للبيت، فهم اعتبروا الحج عندهم هو زيارة البيت الحرام. وهذا من التعصب له، حتى نسوا شريعة إبراهيم فى الحج، وهو اعتبار الحج عرفة، والطواف ركنا من الأركان، وليس له وقت محدود طول السنة.
وإنه لمن إرهاصات النبوة أن محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام قبل أن يبعث رسولا نبيا، كان لا يتمسك بتقاليد قريش وأعمالها، بل كان يقف بعرفة، وإن ذلك بلاريب، توفيق من الله تعالى، وإلهام الله تعالى له بأن يقيم الحج على ما كان يقيمه إبراهيم.
ولم يسر على ما سار عليه العرب، بل كان يطوف بالبيت كما يطوف.
ويلاحظ أن الناحية التجارية فى قريش قد بدت واضحة فى أمرين:
أحدهما- أن الحجيج لا يأكلون من الطعام إلا ما يكون من قريش، فهو ترويج لتجارة قريش، وكذلك الأمر فى الثياب.
وثانيهما- ما كان يقام من المتاجر فى الأسواق التى كانت تجاور مكة.
وإنه بلا ريب كانت تلك التقاليد فيها فحش فى العمل، إذ كان بعض القبائل، إذا لم يجدوا ثيابا من ثياب الحمس، يطوفون عراة، وفيهم النساء، حتى أنهن كن يسترن عوراتهن الغليظة بأيديهن.
وإن هذه الأحكام يحسبون أنهم مأمورون بها، ولقد أنكرها الإسلام، فقد قال الله تعالى:
وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا، وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ، أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ. قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ، وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ، وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ. فَرِيقاً هَدى، وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ، إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ. يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ، وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ. قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ، وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ، قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ، كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ، وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ «1» .
(1) سورة الأعراف: 28- 33.
وإن محمدا عليه الصلاة والسلام من قبل أن ينزل جبريل عليه السلام كان ينفر من كل أرجاس الجاهلية، ولو كانوا يدعون أن الله تعالى أمر بها.
لم يسجد لصنم قط، ولم يرتكب فحشاء ولا لهوا، ولم يترد فيما كان يتردى فيه شباب الجاهلية، ولم يتناول خمرا قط، ولم يلعب ميسرا.
ولقد يستنكر فى صمت المؤمن بالحق، كل ما كانت تقع فيه قريش.
وقبل أن نتقدم للمبعث المحمدى، وقد جاء إبانه، وحان حينه، إذ أنه عليه الصلاة والسلام كان قد بلغ الخامسة والثلاثين، وقارب البعث، فقارب الأربعين، وهى السن التى بعث فيها رحمة للعالمين.
وقبل أن نتقدم لمقام الرسالة المقدس، والمبعث النبوى الأقدس، يجب أن نتكلم فى أمرين:
أولهما: تكامل صفات الرسول، وبيان ما كان عليه من خلق كامل، هو مثال للأخلاق الإنسانية العالية، فهو قبل أن يكون رسولا مبعوثا من الله سبحانه وتعالى، كان كالملائكة فى أخلاقه، بيد أنه كانت له إرادة، وكان مكتمل الجسم الإنسانى، والحياة الإنسانية، وقد رباه الله سبحانه وتعالى ليكون النبى المختار الذى ولد فى الأميين، وكان منهم.
ثانيهما: أحواله فى تأملاته، وعبادته قبل الرسالة، والله أعلم حيث يجعل رسالته «1» .
(1) سورة الأنعام: 124.