الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن هذا الكلام يدل على أن إمامة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم للأنبياء كانت بعد أن تنزل من الأفق الأعلي، وأن المعراج كما انتهينا كان بالروح، وكانت رؤيا صادقة.
هذه قصة الإسراء والمعراج، كما نص عليها فى القران الكريم، وكما جاءت بها السنة الصحيحة، وقد ذكرناها بشيء من الإطناب، لكثرة الكلام حولها، ولاختلاف الروايات، فكان لابد من أن نصفى القول فيها. وخصوصا أنها وانشقاق القمر أعظم خوارق العادات الحسية التى كانت فى حياة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ومع ذلك لم يتحد بها كما تحدى بالقران الكريم لأن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إنما تحدى بما يتناسب وخلود شريعته، ودوام رسالته وهو ما يبقى مخاطبا الأجيال كلها إلى يوم الدين، وهو القران الكريم.
انتشار الاسلام في البلاد العربية
203-
اختار الله سبحانه وتعالى أن تكون مكة المكرمة مهبط الوحى، ومنزل الدعوة الإسلامية الأولى، لأنها مطمح أنظار العرب، ولأنها مثابة الناس وأمنهم، تعد مصدر المعرفة العربية على قدر ما عند العرب، وبها حج بيت الله الحرام، وبها ملتقى العرب فى موسمهم وبها أسواق الأدب والمتاع، ففى موسم الحج يلتقى العرب من كل فج عميق، وفى الأسواق التى تقام فى الموسم يتبارى الشعراء والخطباء فى عكاظ، وذى مجاز ومجنة.
وإذا كانت مكة المكرمة لها تلك المكانة فى بلاد العرب، فإن كل ما يكون فيها من أحداث تنتقل أخباره إلى بلاد العرب، فإذا كانت الأحداث منها رسالة رسول يدعو إلى هدم الأوثان وعبادة الله سبحانه وتعالى واحده، فإنه لابد أن يسير بخبرها الركبان.
ومن العرب من لا يعيرها اهتماما، ومنهم من يلتفت إليها، ويهتم لها، معاندا مع العاندين، أو طالبا للحق، فيبتغيه.
وكذلك كان الأمر، فإن أخبار النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ودعوته إلى الحق، وإلى صراط مستقيم كانت تتجاوب أصداؤها فى البلاد العربية، ومن العرب من كان يجيء إلى مكة المكرمة متعرفا أمر ذلك الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يرسل إليه من يتعرف دعوته، ويدرسها، كما فعل أكثم بن صيفى حكيم العرب، إذ أرسل بنيه إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يتعرف ما يدعو إليه، فلما حضروا وسألوا النبى صلى الله تعالى عليه وسلم تلا عليهم قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ «1» فلما بلغه ما تلا عليهم الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم. قال: إنه إن لم يكن دينا فهو فى خلق الناس أمر حسن، يا بنى كونوا فى هذا الأمر أولا، ولا تكونوا اخرا.
وقد أسلم أبو ذر الغفارى بهذا العلم العام الذى شهرت به دعوة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم.
وكذلك أسلم على هذا النحو الطفيل بن عمرو، فقد أسلم إذ جاءه الخبر بدعوة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وكان رجلا شريفا شاكرا، وقد حضر إلى مكة المكرمة ليتعرف خبره وما يدعو إليه، ولنتركه يقص علينا قصة إيمانه، إذ يحدث أنه قدم مكة المكرمة، فمشى إليه رجال من قريش فقالوا:
يا طفيل إنك قدمت بلادنا، وهذا الرجل بين أظهرنا قد أعضل بنا (أى ظلمنا) ، وقد فرق جماعتنا وشتت أمرنا، وإنما قوله سحر، يفرق بين الرجل وبين بنيه، وبين الرجل وبين أخيه، وبين الرجل وبين زوجته، وإننا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلمنه ولا تسمعن منه شيئا.
ويقول الطفيل: «فو الله ما زالوا حتى أجمعت ألا أسمع منه شيئا ولا أكلمه حتى حشوت فى أذنى حين غدوت إلى المسجد كرسفا خوفا من أن يبلغنى شيء من قوله، وأنا لا أريد أن أسمعه، فغدوت إلى المسجد. فإذا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قائم يصلى عند الكعبة الشريفة، فقمت منه قريبا.
فأبى الله تعالى إلا أن يسمعنى بعض قوله، فسمعت كلاما حسنا. فقلت فى نفسى: واثكل أمى! والله إنى لرجل لبيب شاعر ما يخفى على الحسن من القبيح، فما يمنعنى أن أسمع من هذا الرجل ما يقول، فإن كان الذى يأتى به حسنا قبلته، وإن كان قبيحا تركته.
ولما انصرف النبى عليه الصلاة والسلام من صلاته إلى بيته تبعه الطفيل وقد مال إلى الإسلام فدخل على النبى عليه الصلاة والسلام وقال له:
«يا محمد، إن قومك قد قالوا كذا وكذا، فو الله ما برحوا يخوفوننى أمرك حتى سددت أذنى بكرسف لئلا أسمع، ثم أبى الله تعالى إلا أن يسمعنى قولك، فسمعته قولا حسنا فاعرض على أمرك.
قال فعرض على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وتلا على القران الكريم، فو الله ما سمعت قولا قط أحسن منه، ولا أمرا أعدل منه، فأسلمت وشهدت شهادة الحق، وقلت: يا رسول الله إنى امرؤ مطاع
(1) سورة النحل: 9.