الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان المؤمنون الأولون خديجة وأبو بكر وعلى وزيد، وعثمان والزبير ومن معهم من السابقين الأولين من الصنف الأول، ثم جاء من بعدهم، من خاطبهم القران الكريم بالإعجاز وتحداهم، فمنهم من اهتدى وأبصر، ومنهم من ضل وغوى، فكان المعتدى الأثيم. وكان الجهاد، فكانوا أهل السبق، وما كان لصاحب دعوة خالدة أن يترك الشر يسيطر، والحق يستخذى.
استجابة محمد صلى الله عليه وسلم لأمر ربه
222-
استجاب محمد صلى الله عليه وسلم لأمر ربه، وبعد أن كان يدعو من يدعوه فى مناجاة، ثم اقتصرت الدعوة العلنية على عشيرته الأقربين، بعدئذ أخذ يدعو كل من يلقاه، وأخذ يغشى الأسواق التى حول مكة المكرمة يدعو إلى دينه، وتبليغ رسالة ربه، غير مدخر جهدا فى الدعوة إلى الحق والواحدانية بعبادة الله تعالى واحده، لا شريك له، ويقول فى ذلك ابن كثير:
وكان أشدهم إغلاظا عليه عمه عبد العزى (أبو لهب) ، وثانيهم عمرو بن هشام الذى لقبه التاريخ الإسلامى بحق بلقب أبى جهل، أما الأول فلم يكن منه أذى بدنى أو قولى للنبى عليه الصلاة والسلام، ولكن مبالغة فى مقاومة دعوته، ولا يكتفى بالقعود عن حمايته، وأما ثانيهما فقد كان فاجرا فكانت معاندته للنبى عليه الصلاة والسلام فجورا في القول والعمل، وللضعفاء إعناتا وبغيا، وسنخصه بالقول في حركة الاضطهاد، والبواعث التى دفعته إلى هذا الموقف الذى جره إلى ذلك البغى المرذول الذى لا يقع من كريم.
وأبو لهب كان موقفه موقف محاربة الدعوة، فكان يتبع محمدا عليه الصلاة والسلام فى التقائه بالقبائل العربية فى موسم الحج، فكلما ذهب إلى محفل أو ندى يدعو فيه ناكره، ودعا السامعين إلى ألا يستجيبوا.
(1) البداية والنهاية لابن كثير ج 3 ص 40.
وروى الإمام أحمد عن أبى الزناد عن أبيه، قال: أخبر رجل يقال له ربيعة بن عباد قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سوق ذى المجاز، وهو يقول: «يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا» والناس مجتمعون عليه، ووراءه رجل وضيء الوجه يقول: إنه صابيء كاذب، يتبعه حيث ذهب، فسألت عنه، فقالوا: هذا عمه أبو لهب.
وروى البيهقى مثل ذلك مع بعض الزيادة عن ربيعة هذا الذى ذكرناه أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بذى المجاز وهو يتبع الناس فى منازلهم يدعوهم إلى الله، ووراءه رجل أحول تقد وجنتاه، وهو يقول: «أيها الناس لا يغرنكم هذا عن دينكم ودين ابائكم، قلت: من هذا؟
قيل: أبو لهب عمه» .
ونرى من هذا أن أبا لهب قبل أن يكون هو المثبط، ولعله اختار ذلك لنفسه أو اختاره المعارضون للدعوة المحمدية، فيكون أدعى إلى تصديقه، إذ هو قريبه القريب فمع أنه أقرب رحما كذبه، فهذا ترشيح لصدقه عليه الصلاة والسلام. وأنساه الحقد والضلال أن الحق ذاته له نور ساطع، لا يحاجز دونه هذا وأشباهه، ولكنه الأفن يتولد من ضيق العطن، وغلبة الهوى، وسيطرة المارب المادية.
ومهما يكن فقد حمل محمد عليه الصلاة والسلام عبء الجهاد من حين نزل قوله تعالى:
فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ، وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ «1» وتقدم بمن هداهم الله تعالى به من صحب كرام اشتروا الهدى بالضلال، والحق بالباطل، واشترى منهم أنفسهم، فكانوا السابقين، ولنشر بكلمة إلى من سبقوا، وإن كانوا عددا قليلا.
(1) سورة الحجر: 94.