الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليك، وقد بعث لك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، ثم نادانى ملك الجبال، فسلم على ثم قال:
يا محمد- صلى الله عليه وسلم قد بعثنى الله، إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال قد بعثنى إليك ربك لتأمرنى ما شئت، إن شئت فأطبق عليهم الأخشبين (جبلين بمكة المكرمة) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله» «1» .
استجاب الله تعالى لدعاء نبيه، وقد ذكر فى دعائه ضعف قوته، فبين الله تعالي بأنه يضع في يده كل القوى، وأنه لا يمكن أن يهون عند الناس، والله تعالى معه، وأنه لم يتركه لعدو، ولا ولى، بل إن أمره عليه الصلاة والسلام إلى الله سبحانه. وهو القاهر فوق عباده. فمن كان مع الله تعالى لا يهون أبدا.
سماع الجن له:
291-
كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم حفيا بأن يتبع الناس دعوة الحق، ويؤمنوا بالله ورسوله ويتركوا عبادة الأوثان، وكما قال الله تعالى مخاطبا نبيه الكريم لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ «2» ولقد شكا أن قومه لا يتبعون، وأن غيرهم كمثلهم، فبين الله تعالى أنه إذا كان الذين اتبعوه من قومه عددا قليلا، فإن له أتباعا من الجن، فبين الله تعالى أن بعض الجن قد استمعوا، واستجابوا ولم يكفروا فقال تعالى مخبرا عن سماعهم فيما يروى الرواة بعد خروجه من الطائف، وما نزل به، قال الله سبحانه وتعالى: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ. قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ. يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ. وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ، وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ «3» .
وقال الله تعالى فى سورة الجن: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً. يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً. وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً. وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً. وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً. وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً «4» .
(1) البداية والنهاية: 3 ص 137.
(2)
سورة الشعراء: 3.
(3)
سورة الأحقاف: 29- 32.
(4)
سورة الجن: 1- 6.
والجن كما تدل ظواهر القران الكريم وما روى من أخبار عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم جنس يقابل الإنسان، فليس الجن من الأناسى، ولا يتفق مع القران الكريم قول من يقول إنهم طائفة من الناس غيبوا فى الأرض، أو بعدوا فيها. ولقد أخطأ وجانب الصواب من يقول أنهم الأنصار فذلك كلام باطل بالبداهة، ولكن تبع الغربيين بعض الذين ليس لهم استقلال فكرى أمام ما يقوله الغربيون، وليست عندهم طاقة يستطيعون بها تمييز ما هو حق وما هو باطل، وما هو خطأ وما هو صواب.
إن كل عبارات القران الكريم تصرح بأنهم جنس مقابل للإنس، وايات الكتاب الكريم فى ذلك كثيرة، من ذلك قوله الله تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً، يا مَعْشَرَ الْجِنِّ، قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ، رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ، وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا، قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ، إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ.
وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ. يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي، وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا، قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ «1» .
وإن هذه الايات الكريمات تدل بصريحها على أن الجن جنس، والإنس جنس اخر.
ويقول الله تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ، وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً «2» .
واقرأ قوله الله تعالى: يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا، لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ «3» .
وإننا نأخذ من صريح هذه النصوص اختلاف الجنسين، فليس الإنس من الجن، ولا الجن من الإنس، وإن الواجب أن نأخذ بظواهر الألفاظ إلا إذا قام الدليل على أن الكلام على ظاهره مناقض لحقيقة شرعية قد علمت من الدين بالضرورة، أو أمر عقلى مستحيل مخالفته.
وأولئك الذين يريدون أن يخرجوا لفظ الجن عن ظاهره فى القران الكريم هم من أولئك الذين لا يفكرون فى غير المحسوس، فلا يؤمنون إلا بالمادة، ولا يؤمنون بالغيب، وهو الركن الأول للإيمان، ولذلك كان أول وصف للمؤمنين هو الإيمان بالغيب، إذ يقول الله سبحانه وتعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وفيصل التفرقة بين الإيمان والزندقة الإيمان بالغيب.
وبعد ذلك نتساءل: ما حقيقة الجن؟ والجواب عن ذلك أننا نميل إلى ما يقرره المسلمون. وهو أن الجن من نار، واعتمدوا فى ذلك على نص القران الكريم، لا على الأوهام، وذلك لأن الله تعالى قال
(1) سورة الأنعام: 128- 130.
(2)
سورة الإسراء: 88.
(3)
سورة الرحمن: 33.