الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمر الثالث:
قوة الشكيمة وقوة الخلق العربي، وما امتاز به العربى من جود، وسماحة، وحسن تأت إذا وجد القيادة الحكيمة، فإن العربى أنف إلا إذا رأى القائد الحكيم الذى يقوده، ولعل أحسن تصوير للنفس العربية ما قاله الإمام الحكيم عمر بن الخطاب عندما تولى إمرة المؤمنين. فقد قال رضى الله عنه «مثل العرب كمثل جمل أنف فليعلم قائده أين يقوده» .
[عناصر تبوئ العرب الصدارة في الدعوة إلى الحق]
وبذلك يلتقى فى العرب عناصر ثلاثة تجعلهم فى موطن الدعاة إلى الحق فى المكان الأول.
العنصر الأول: قوة فى النفس تقاوم، ولا تستسلم
، واعتبر ذلك فى النصارى المؤمنين الذين لم يغيروا ولم يبدلوا، ولما حاول تبع أن يغيرهم ووضعهم فى الأخدود، ما نال مأربا، ولا وصل إلى مبتغى.
العنصر الثانى: صفاء نفسى وقوة مدارك
، احتفظوا بها حتى فى جاهليتهم، وصدق النفس، والصدق فى القول، والعمل الذى يوجهون إليه.
العنصر الثالث: الأنفة وألا يطيعوا فى ذلة
، بل يتبعون فى هداية ورشد مختارين، غير مجبرين، ولقد جاءت بعثة النبى صلى الله عليه وسلم فيهم، فبدت هذه السجايا، وشقت طريق النور فى وسط الظلمات.
الله أعلم حيث يجعل رسالته
40-
نعم، الله واحده هو الذى يختار مكان الرسالة، والذين يحملون الرسالة، والذين ينزل عليهم الوحي، ويبلغون رسالة الله تعالى إلى خلقه، فاختار الله تعالى أرض العرب، لأنها أرض الرسالات العامة التى جاء بها النبيون الذين أرسلوا مبشرين ومنذرين، وأوتوا الكتاب الإلهى بقوة.
وفيها العبر وفيها المثلات، وفيها الاثار التى تدعو إلى الاعتبار، وهى لا مطمع فيها لتحكم أو تسيطر، وهى التى لم تغلب عليهم قوى الشر، وإن كانت فيهم عيوب، فهى التى تتعلق بالعلم، ولا تتعلق بالنفس، وهى التى لم يجر فيها الذل الذى يفرضه الملوك الذين يفسدون النفوس، ويجعلون أعزة أهلها أذلة كما قال الله تعالى حكاية عن بلقيس: إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها، وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ «1» .
ولقد كانت نفوس أولئك الذين لم يتمرسوا بظلم الملك هى التى حملت رسالة العزة إلى بقاع الأرض، وإذا كانوا قد أبوا حكم الملوك فى جاهليتهم، فقد قوضوا عروشهم بعد إسلامهم، هم أعداء التحكم الفردى، وهم الذين قوضوا قصورهم انتهاء، بعد أن أشربوا حب الإسلام وحملوا لواءه شرقا وغربا.
وإنه لو كان لنا اختيار فى أرض غير العرب، لأعيانا الاختيار، لأنها أرض العزة، فلا ذلة فيها، وأرض الحرية، وهى أرض الشجاعة، ولا ينقل دين العزة والإقدام، والعمل الصالح إلا الأحرار الذين يتأبون الدنية،
(1) سورة النمل: 34.