الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثانية- أنه كان مباركا
، لا يضع يده فى عمل إلا بارك الله تعالى فيه.. حمل المعول، فحفر بئر زمزم، وإذا لم يكن ذا مال فى قومه، فقد كان موفورا فى كرمه، مباركا له فى رزقه، وأكثر قريش فضلا عليهم، وعائدة بالخير على جمهورهم، لا يضن بخير، ولا يستأثر به، وقد وقاه الله تعالى شح نفسه.
الثالثة- عزيمته، وإصراره على ما يقوم به من خير
مهما يصادف فى ذلك من عقبات، وما يحتاج إليه العمل من خير له وللناس.
فكان قوى الإرادة ماضى العزيمة، متحملا أثر ما يقول.
ذكر علماء السيرة أنه ما كان له عند حفر زمزم إلا ولد واحد، وهو الحارث بن عبد المطلب، وكان العرب يعتزون بكثرة المال، وكثرة البنين، فكان يجرى على ألسنتهم فى مقام الفخر أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَراً «1» وإذا كان عبد المطلب قد قنع بما أعطاه الله تعالى من مال، وإن لم يكن كثيرا كغيره من أثرياء قريش وثقيف، فقد قنع به، لأنه كان يكفى لحفظ مروءته، وما كان حريصا على أن يجمع، بل كان حريصا على ألا يمنع، وحسبه ذلك شرفا.
ولقد كان له شوق إلى البنين ليكون أعز نفرا، والمال والبنون زينة الحياة الدنيا.
ولقد نذر نذرا فيه بقية من بقايا الجاهلية، وهو أنه إذا عاش له عشرة من البنين، لقدم أحدهم فداء عند الكعبة، وكأنه يريد أن تكون فيه قوة التقرب إلى الكعبة، كما تقرب جده إبراهيم بولده البكر إلى الله تعالي، ولكنه فعله نذرا من نفسه، ولم يفعله بأمر ربه، ولذلك كان استعداد إبراهيم قوة عبادة، ونذر عبد المطلب لا يخلوا من جاهلية، وهذا فرق ما بين أبى الأنبياء وخليل الله تعالي، وصفيه، ومن عاش فى جاهلية الوثنية، غير مستنكر لها، والله هو الذى يهب من يشاء الذكور، ويهب من يشاء الإناث، ويهب من يشاء الذكور والإناث.
اتجه الرجل القوى فى نفسه وعزمته إلى الوفاء بنذره، وقد بلغ عدد أولاده عشرة رجال، ولكن من يختاره لهذا الفداء، فأراد القرعة، فجمعهم، ودخل بهم فى جوف الكعبة، وأمرهم أن يأخذ كل واحد منهم ورقة، ويكتب فيها اسمه، وقد أخبرهم من قبل بنذره، فارتضوا طائعين غير منافرين، وبعد أن كتبوا أسماءهم وضع اسم كل واحد فى قدح، وأمر خبيرا فى القداح أن يسهم بينهم، فساهم، فكان القدح على عبد الله ابنه وأبى محمد صلى الله عليه وسلم.
(1) سورة الكهف: 34.