الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم بلال الحبشي، وكان مولى لبعض المشركين عذبوه، حتى اشتراه أبو بكر وأعتقه.
ومنهم ياسر وعمار ابنه، وأمه، وقد كان ياسر من عرب قحطان من مذحج، وعمار ابنه كان مولى لبنى مخزوم، لأن أمه سمية كانت مولاة لهم، فولدته على الرق، والمولود على الرق يتبع أمه فى رقها، ولا يتبع أباه فى حريته، وكذلك كان نظام الرومان فى الرق الذى سرى إلى العرب.
ومنهم خباب بن الأرت، وغيره من الضعفاء الذين سارعوا إلى الإسلام وقد سارعوا إلى خير الدنيا وخير الاخرة، وإذا كانوا قد أوذوا ابتداء، فقد نالوا الخير انتهاء، وكما قال الله تعالى وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ، وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ «1» .
وقد دخل الإسلام بيوتا كثيرة فما من بيت إلا علم بأمر دعوة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، وإذا كان العدد قليلا فى ذاته، فإنه ما خلا بيت من بيوت مكة المكرمة من مسلم، أو من قلب مال إليه، وأحس أهل الشرك بأن دولة الأوثان تؤتى من قواعدها، وأن الأحجار أخذت تفقد سيطرتها. ومن استمر متمسكا فعن أرب يريده باسمها، لا عن إيمان بها، فإنه كان يكفى أن يدعو محمد صلى الله عليه وسلم إلى الحى القيوم الذى لا شريك له، حتى تزايلت الأوثان عن مكانتها، وما هو إلا تفكير يسير حتى زالت الأوهام، وصارت أحجارا لا تتجاوز أنها أحجار، ومن تمسك بها فهو غير مؤمن أو سادر فى غلواثه.
الاسلام يخرج إلى القبائل:
224-
من وقت أن أمر الله نبيه بأن يصدع بأمر به، وقد أخذ يلتقى بالجموع، فيغشى الأسواق داعيا، ويدخل النوادى صادعا بأمر ربه، ويقف فى مناسك الحج داعيا القبائل عندما يجد سميعا، والاحاد يذاكرهم، يسألونه فيجيبهم بما يوحى به الله تعالى فى سماحة صاحب الدعوة، وبإشراق نور النبوة حتى أصبح حديث القبائل التى تفد إلى بيت الله تعالى حجيجا أو معتمرين، أو تجارا مضاربين، ووجد من القبائل من صغت أفئدتهم إلى الإسلام، يستمعون دعوته، ويؤمنون بواحدانيته، ولعل من أدلة وصول الدعوة إلى القبائل إسلام أبى ذر الغفارى، وإسلام ضماد من أزد شنوءة.
روى البيهقى فى إسلام أبى ذر الغفارى أنه قال (أى أبو ذر) : أتيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فقلت: السلام عليك يا رسول الله أشهد ألاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فرأيت الاستبشار فى وجه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.
(1) سورة القصص: 5.
ويظهر أن ذلك نتيجة لوقائع سابقة من مقتضاها أن خبر الإسلام سرى إلى بنى غفار، وأن دعوة النبى عليه الصلاة والسلام قومه قد وصلت إليهم فبعثت أبا ذر على البحث عنها، حتى عرف صدق النبى عليه الصلاة والسلام قبل أن يجيء إليه.
وروى البخارى بإسناده عن ابن عباس قال: «لما بلغ أبا ذر مبعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال لأخيه اركب إلى هذا الوادى فاعلم لى علم هذا الرجل الذى يزعم أنه نبى يأتيه الخبر من السماء، فاسمع من قوله، ثم ائتنى، فانطلق الاخر حتى قدمه وسمع من كلامه، ثم رجع إلى أبى ذر، فقال: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، وكلاما ما هو بالشعر، فقال: ما شفيتنى، فأتى المسجد، والتمس رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهو لا يعرفه، وكره أن يسأل عنه، حتى أدركه بعض الليل، فاضطجع، فراه على بن أبى طالب فعرف أنه غريب، فدعاه إلى ضيافته، فتبعه، ولم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح، ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد وظل ذلك اليوم، ولا يراه النبى حتى أمسى، فعاد إلى مضجعه، فمر به على فقال: أما ان للرجل أن يعلم منزله. فأقامه فذهب به معه لا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء، حتى إذا كان اليوم الثالث، فعاد على مثل ذلك فأقام معه، فقال: ألا تحدثنى بالذى أقدمك، قال إن أعطيتنى عهدا وميثاقا لترشدنى قلت، فأخبره
…
قال: فإنه حق، وإنه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فإذا أصبحت فاتبعنى، فإنى إن رأيت شيئا أخاف عليك قمت كأنى أريق الماء، وإن مضيت فاتبعنى، حتى تدخل مدخلى، ففعل فانطلق يقفوه، حتى دخل على النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ودخل معه، وسمع من قوله وأسلم مكانه، فقال له النبى صلى الله تعالى عليه وسلم:«ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمرى» فقال: والذى بعثك بالحق لأصرحن بها بين ظهرانيهم، فخرج حتى أتى فنادى بأعلى صوته: أشهد ألاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فضربوه، حتى أضجعوه «1» .
فأتى العباس، فأكب عليه، فقال: ويلكم ألستم تعلمون أنه من غفار، وأنها طريق تجارتكم إلى الشام، فأنقذه منهم ثم عاد من الغد بمثلها فضربوه، وأثاروا عليه فأكب العباس ثانيا.
ومن هذا نرى أن الإسلام قد أخذ يذيع نبؤه خارج مكة المكرمة، ويقول الرواة إن غفار أسلمت تابعة أبا ذر، ولم يكن أمر الإسلام ليصل فقط إلى من هم على مقربة من مكة المكرمة، بل وصل خبره إلى أزد شنوءة فأسلم رجل منهم اسمه ضماد كما أشرنا.
(1) البداية والنهاية لابن كثير ج 3 ص 34.