الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم جاء من بعده ولده
قصى
وهو خير أولاده، وأظهرهم، وأبينهم أثرا فى قريش فهو الذى جمع الله به قريشا، وكان اسمه زيدا، فسمى مجمعا، لما جمع من أمرها، ويسمى قصيا لتقصيه أمورها، وإن قصيا على هذا جد قريب، وليس من الأجداد الذين يبعد عهداهم به عليه الصلاة والسلام، وله شأن خاص فيما يتعلق بسدانة الكعبة، ورياسة الندوة وغيرها، فلابد أن نخصه بكلمة.
قصي:
63-
قد ترك أبوه كلاب ولدين أحدهما قصي، والثانى زهرة، وكلاهما جد للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فقصى جده عليه السلام، وهو الجد العصبة، وأما زهرة فهو جده لأمه، فهو الجد الرحمي، وكأن كلابا بهذا قد جمع الله تعالى له شرفين، فهو جد النبى عليه الصلاة والسلام لأبيه ولأمه، فالتقى فيه الشرفان.
وقد طوف قصى فى بلاد العرب، فهو فى أول حياته لحق بأمه فى قضاعة، فأقام معها، وقد كان فتى قويا كريما أبيا يأبى الضيم والعار، ناضل يوما شابا من قضاعة فنضله قصي، فغضب المنضول، وحزت فى نفسه حرارة السهام، وسبة الهزيمة، فتنازعا فى القول، فقال المهزوم: ألا تلحق بأهلك فلست منا. ويظهر أنه إلى هذا الوقت ما كان يعرف أباه وشرفه، فقد عاد إلى أمه وشكا لها من مرارة القول الذى سمعه، فقالت له: أنت والله يا بنى أكرم منه نفسا ووالدا، ونسبا، وأشرف منزلا، وأنت ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة القرشى، وقومك بمكة عند البيت الحرام، وفيما حوله، تفد العرب إلى ذلك البيت.
أجمع قصى بعد ذلك الخروج، واللحوق، وضاق ذرعا بالبقاء غريبا، فقالت له أمه: لا تعجل، حتى يدخل عليك الشهر الحرام، فتخرج فى حاج العرب، فإنى أخشى عليك أن يصيبك بعض الناس «1» .
انتقل قصى إلى أسرة أبيه فى مكة بعد أن جاءت الأشهر الحرم، وخرج حاجا. وكان جلدا بهذا نسيبا، ولم يلبث أن نال سدانة البيت الحرام. ولم تكن من قبله لقريش بل كانت لخزاعة. وكان له الأمر فى إجازة الحج للناس، وكان ذلك لغير قريش، فانتزع تلك الولاية بحيلة الداهية، وقوة ذى البأس.
ولى بهذا قصى سدانة البيت، وإمرة مكة، وجمع قومه من منازلهم، واجتمعت فى يده بمقتضى الولاية سدانة البيت وإمرة مكة والحجابة والرفادة والسقاية والندوة واللواء، ومعنى الحجابة أن يملك مفاتيح
(1) الاكتفاء ص 73 ج 1
البيت، فلا يفتح إلا بأمره، ومعنى السقاية تولى سقاية الحج، والرفادة كانت خرجا تخرجه قريش فى كل موسم من أموالها وتعطيه قصيا، فتصنع به طعاما للحجاج فيأكله من لم يكن له سعة ولا زاد. وقد سن هذه السنة الكريمة، ودعا إإليها قريشا، وقال فى خطابه لهم بذلك:
ومعنى اللواء ألا يعقد لقريش لواء إلا بيد قصى هذا، ومعنى الندوة دار الشورى لقريش، ثم كانت من بعد ذلك للعرب، فكانت تعقد فى دار قصي.
وقد أعطى كل هذه الحقوق التى نالها بهمته لابنه عبد الدار، ليعزه بها، وأراد أن يرفع خسيسته وينال الشرف على بنى عمه من قريش، ولذلك قال له أبوه عندما أعطاه إياها:«أنا والله يا بنى لألحقنك بالقوم، وإن كانوا قد شرفوا عليك» .
وكان عبد الدار هذا ولده البكر، وله ولد اخر هو عبد مناف، وقد شرف فى مكة بذاته، ونبل أمره، وقد ذهب كل مذهب، وأبوه حى.
وقد أراد أبوه بإعطائه عبد الدار ما أعطى أن يتعادل الأخوان فى الشرف الذى وصل إليه الأول بذاته ونبله، وتخلف الثانى فأعطاه أبوه ما يعوض تخلفه.
وعبد مناف هذا هو الجد الرابع للنبى صلى الله عليه وسلم، وقد أعطى الله عبد مناف أولادا أربعة هم عبد شمس جد الأمويين، وهاشم والمطلب الذى ربى عبد المطلب الذى يعد اسمه الأصلى شيبة الحمد، ونوفل جد جبير بن مطعم.
61-
وكان أولئك الأربعة فيهم شرف ذاتى كشرف أبيهم ونبله، فلم يتركوا لعبد الدار وأولاده ما أعطاه جدهم قصي، ورأوا أنهم أولى بذلك منهم لفضلهم فى قومهم، وقد انقسمت قريش فى تمكين بنى عبد مناف من نزع ما بأيدى أولاد عمهم، فرأى بعضهم أنهم أولى لمكان فضلهم، وليس إمرة مكة وزعامتها عطاء يعطى من لا يستأهله، بل يوسد الأمر لمن هو له أهل، ورأى اخرون أن بنى عبد الدار أولى، لأن قصيا صاحب الحق هو الذى أعطى أباهم، ولأنه بأيديهم، ولا ينزع من يد صاحبه لغيره، ومن قريش طائفة التزمت الحياد.