الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كانت واقعة الفيل هذه وامنة الطاهرة كالبتول حاملة قد أودعها الله تعالى خير الخلق محمدا صلى الله عليه وسلم فكان مباركا على العرب، وعلى الناس أجمعين من يوم أن حملت به أمه.
وما حملت به كرها، وما كان فصاله كرها، فما كانت تحس بشدة فى حمله، وما أحست بشدة فى فصاله، ولقد قالت السيدة امنة الطاهرة:«لقد علقت به، فما وجدت له مشقة حتى وضعته، فلما فصل منى خرج معه نور، ثم وقع على الأرض معتمدا على يديه» .
ولد الهدى
77-
سبقت محمدا فى الوجود بركاته، فقد ولد كما يقول أكثر الرواة بعد خمسين يوما من مغادرة الفيل وأصحابه مدحورين، بعد أن أباد الله تعالى أكثرهم، وقد ابتلعتهم الأرض، بعد أن غرهم الغرور.
وقبل أن نخوض بالقول فى مولده صلى الله عليه وسلم، نقول أنه ولد وأبوه غائب، ذلك أننا ألمحنا فى القول أنه ترك زوجه وقد ذهب فى عير ليمتار لأهله، وليتجر فى كسب رزقه، فسافر فى عير لقريش، وكان الوفى الأمين، فانتهز فرصة ذهابه إلى يثرب، وزار قبر جده هاشم الذى كان يهشم الثريد، الذى يأكل منه الحجيج، ولكنه لم يعد من غربته، بل أصابه المرض فى بيت بنى النجار، وعاد العير الذى كان معه، وتركوه حزانى على تركه مدنفا بمرض عضال فى بيت بنى النجار أخوال أبيه، وأصهار جده الكريم، وعادوا إلى مكة، وأخبروا أباه الذى حدب عليه، وزوجه الصبور التى صبرت على غيبته، وجمل لها الصبر لأنها كانت ترجو لقاءه، ولكن حرمت من هذا، ففظع الأمر عليها، ولكنها الصبور مع رقة صباها.
وإن عبد المطلب أرسل إلى ابنه الحبيب كبير أولاده الحارث، فذهب إليه، وقد رأى فراق نفسه، وقيل أن الموت سرى إليه، ولم يجده أخوه إلا ميتا.
فإذا كان الأب قد ثكل ابنه الحبيب فتجلد، فقد فقدت الأم الزوج الحبيب، فكان منها الصبر المرير، ولكنه مع ذلك كان الصبر الجميل، وهو الصبر الحبيس الخالى من الضجر والأنين.
ولادته قبل وفاة أبيه:
78-
أكثر الرواة على أنه ولد صلى الله عليه وسلم بعد وفاة أبيه عبد الله، ولكن روى أنه توفى بعد أن وضعت امنة حملها، ومنهم من أقصر المدة ومنهم من أطالها، حتى أوصلها إلى نحو ثلاث سنين، فقد قال ابن حزم الظاهرى ما نصه:
وإن هذا القول يتقارب مع من يقول أن أباه عليه السلام مات بعد ولادته عليه الصلاة والسلام بنحو ثمان وعشرين شهرا، ولكن كلام ابن حزم يومىء إلى مدة أطول، لأن الثمانية والعشرين شهرا هى سنتان وثلث، ولا يقرب من ثلاث سنين.
فقد روى عن عوانة بن الحكم أنه قال هو وأبوه أن عبد الله توفى بعد ما أتى على رسول الله ثمانية وعشرون شهرا، وقد قيل: توفى بعد ولادته بسبعة أشهر.
وإننا نستبعد كل الاستبعاد أنه توفى والنبى عنده نحو ثلاث سنين، كما نستبعد أنه ولد من بعده، لإجماع الرواة على أنه عليه الصلاة والسلام استرضع فى بنى سعد، وهو يتيم، ومن كان أبوه حيا لا يعد يتيما، وإذا كانت الرضاعة أقصى مدتها فى الغالب حولان كاملان لمن يريد أن يتم الرضاعة، وقد أرسل إلى المراضع فى أولها أو بعد مضى وقت قصير من الولادة، فلا يمكن أن يسمى عند أخذه وأبوه حى يتيما، وإجماع الرواة على وصفه باليتم عندما أخذته حليمة التى أرضعته.
وإن الذى رجحه الرواة- وعليه الكثرة الكاثرة- أن أباه توفى وأمه حامل به. وقد قال ابن كثير فى تاريخه «والمقصود أن أمه حين حملت به توفى أبوه عبد الله وهو حمل فى بطن أمه على المشهور» .
وقد روى ابن سعد عن عبد الرحمن بن أبى صعصعة، قال:«خرج عبد الله بن عبد المطلب إلى الشام فى عير من عيرات قريش، ففرغوا من تجارتهم، ثم انصرفوا فمروا بالمدينة، وعبد الله بن عبد المطلب يومئذ مريض، فقال: أتخلف عند أخوالى بنى عدى بن النجار، فأقام عندهم مريضا شهرا.. فبعث إليه عبد المطلب أكبر ولده الحارث فوجده قد توفى ودفن.. فوجد عليه عبد المطلب وإخوته وجدا شديدا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم حمل، ولعبد الله يوم توفى خمس وعشرون سنة» .
ويؤخذ من هذا الكلام أن رحلة عبد الله إلى التجارة كانت فور زواجه أو بعده بقليل كما توميء عبارة ابن كثير. وأن عمره يوم الوفاة كان خمسا وعشرين، وكانت رحلته بعد الزواج بقليل، ويستفاد من هذا أنّ الزواج كان بعد العشرين وقرب الخامسة والعشرين.
ولقد قال الواقدى فى وفاة عبد الله وكونه قبل ولادة ابنه الكريم: «هذا هو أثبت الأقاويل فى وفاة عبد الله عندنا» وهو المشهور، كما نقل الحافظ بن كثير رضى الله تبارك وتعالى عنه «1» .
(1) البداية والنهاية: 2 ص 262.