الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإسراء والمعراج
296-
كان الإسراء فى السنة التى كانت قبل الهجرة، وروى البيهقى عن ابن شهاب الزهرى أنه كان فى السنة التى قبل الهجرة، وروى الحاكم أن الإسراء كان قبل الهجرة بستة عشر شهرا.
واختلف على ذلك فى الشهر الذى أسرى به فيه، فالسدى قال أنه فى ذى القعدة، والزهرى قال فى ربيع الأول.
وروى عن جابر وابن عباس أنهما قالا: ولد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ليلة الاثنين الثانى عشر من شهر ربيع الأول، وفيه بعث، وفيه عرج إلى السماء، وفيه هاجر، وفيه مات.
وفى رواية أن الإسراء كان فى ليلة السابعة والعشرين من شهر رجب، ويقول ابن كثير: «وقد اختاره الحافظ بن سرور المقدسى، وقد أورد حديثا لا يصح سنده كما ذكرنا فى فضائل شهر رجب، وأن الإسراء كان فى ليلة السابعة والعشرين من رجب والله أعلم. ومن الناس من يزعم أن الإسراء كان فى أول ليلة جمعة من شهر رجب، وهى ليلة الرغائب التى أحدثت فيها الصلاة المشهورة، ولا أصل لذلك، والله أعلم.
وقد جاء في نهاية الأرب أن الإسراء كان في ليلة السبت، ليلة سبع عشرة من رمضان، قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا، وقد أسرى صلى الله عليه وسلم به وسنه إحدى وخمسون سنة وتسعة أشهر!!
وننتهي من هذا إلى أن علماء السيرة النبوية مختلفون في تعيين اليوم الذي كان فيه الإسراء، ولكن الواقعة ثابتة. وقد اتفقوا علي أنها كانت بعد ذهاب النبي صلي الله عليه وسلم إلى الطائف، وردهم له الرد المنكر، وأن كونها فى ليلة السابع والعشرين من رجب ثبتت بخبر لم يصح سنده في نظر الحافظ المحدث ابن كثير، وقال من بعد ذكره: والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقد وجدنا الناس قبلوا ذلك التاريخ، أو تلقوه بالقبول، وما يتلقاه الناس بالقبول ليس لنا أن نرده، بل نقبله، ولكن من غير قطع ومن غير جزم ويقين.
واتفقت الروايات أيضا علي أن الإسراء كان قبل الهجرة بسنة على الأقل، ويظهر أنها كانت فى السنة التى قبل الهجرة فى ثلثها الأول أو الأخير. والله سبحانه وتعالى أعلم.
ومن سياق التاريخ ومناسبات الحوادث نرى أن الإسراء كان بعد انشقاق القمر.
297-
وهنا قد يسأل السائل: ما المناسبة لمسألة الإسراء والمعراج، وتعيين الله تعالى لزمانها، والله سبحانه وتعالى حكيم عليم، يضع الأمور بموازينها وفى أوقاتها، وأجلها المعلوم، ولنا أن نتعرف حكمة الله تعالى من غير أن نقطع بأن هذا هو مراد الله تعالي، فهو العليم الخبير الذى لا تخفى عليه صغيرة أو كبيرة فى السماء أو فى الأرض.
ونجيب عن هذا التساؤل بما قررنا، وهو أن الله سبحانه وتعالى استجاب لنبيه صلى الله تعالى عليه وسلم فى ضراعته بالدعاء الذى دعا ربه عقب خروجه من الطائف، وشكا ضعف قوته، أمده الله تعالى بالقوة، وقلة الحيلة فأمده بحسن التدبير لدخول مكة المكرمة امنا مطمئنا، وأيده باية حسية من نوع ما يطلبون، وإذا كانوا لم يستجيبوا لداعى الله تعالى، فلأن المعاند لا يقنعه الدليل، ولو كان حسيا، فقالوا:
سحرنا، مع أن انشقاق القمر رأته الركبان فى أسفارها، ثم كان من بعد ذلك الأنس بلقاء الله تعالى فى المعراج، سواء أقلنا أن لقاءه بالله تعالى، كان بالروح فى الرؤيا، أم كان بما هو أكثر من الرؤيا «1» ؟.
لقد أحس النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بالوحشة بعد وفاة الحبيبين، خديجة العطوف، وأبى طالب الشفيق. فقال الله تعالى له بالفعل: أنس الله أكبر، ورحمته أعظم، وحياطته أكرم، وإن عنايته بك وبرسالتك هى التى ستبلغك أمرك، وتحقق لك شأوك، وتصل بك إلى غايتك، وهو المهيمن الرؤف الرحيم، لذلك كان الإسراء، ومن بعده عروجه إلى السماء.
298-
والان ننتقل إلى الايات الكريمات التى صرحت بالإسراء، ثم كانت الإشارة الواضحة إلى المعراج، قال الله تعالي: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا. إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ «2» . ففى هذا النص ذكر الإسراء صريحا، وكانت الإشارة إلى المعراج بقوله تعالى: لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا.
وقال الله تعالى: وَإِذْ قُلْنا لَكَ: إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ، وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ، وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً «3»
فقد ذكر المفسرون أن الرؤيا هى المعراج.
وقال الله تعالى فى سورة النجم: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى. ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى.
وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى. عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى. ذُو مِرَّةٍ
(1) السيرة العطرة للأستاذ عبد العزيز خير الدين، ونهاية الأرب ج 16 ص 283، 284.
(2)
سورة الإسراء: 1.
(3)
سورة الإسراء: 60.