المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وكأن أبا سفيان بهذا السؤال يشير إلى أنه إن كان - خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم - جـ ١

[محمد أبو زهرة]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأول

- ‌مقدمة

- ‌محمد رسول الله وخاتم النبيين

- ‌‌‌يا رسول الله:

- ‌يا رسول الله:

- ‌يا رسول الله:

- ‌يا رسول الله يا خير البشر:

- ‌ربى العظيم:

- ‌[تمهيد]

- ‌الاضطراب الفكرى:

- ‌المجوسية:

- ‌المانوية:

- ‌المزدكية:

- ‌البراهمة:

- ‌[طبقات الناس في عقيدة البراهمة في المجتمع الهندي]

- ‌الطبقة الأولي: هى أعلاها وهى طبقة البراهمة

- ‌الطبقة الثانية: طبقة الجند

- ‌الطبقة الثالثة: طبقة الزراع والتجار

- ‌الطبقة الرابعة:

- ‌هل للبرهمية أصل سماوى:

- ‌[الأدلة على سماوية الأصل البرهمي]

- ‌أولهما:

- ‌ثانيهما:

- ‌أولها:

- ‌الأمر الثانى:

- ‌ كتبهم

- ‌الأمر الثالث:

- ‌البوذية:

- ‌[مبادىء بوذا الخلقية]

- ‌[أقسام البوذيين]

- ‌(أحدهما) البوذيون الذين أخذوا أنفسهم بالتعاليم السابقة

- ‌(ثانيهما) البوذيون المدنيون، وأولئك لم يطبقوا المنهاج الشاق

- ‌الكونفوشيوسية:

- ‌عقيدة الصين القديمة:

- ‌وثنية اليونان والرومان:

- ‌مزج الفلسفة بالدين:

- ‌التثليث فى الفلسفة:

- ‌ويلاحظ أمران:

- ‌أولهما- أنه التقت الأفلاطونية الحديثة مع الدين

- ‌الأمر الثانى- أن شيخ هذه المدرسة هو أمنيوس المتوفى سنة 242 ميلادية

- ‌وبذلك نقول مقررين أمرين:

- ‌أولهما

- ‌ثانيهما

- ‌العرب

- ‌دخول الوثنية أرض العرب:

- ‌لم ينسوا الله فى وثنيتهم:

- ‌القلوب فارغة من إيمان:

- ‌أرض النبوة الأولي

- ‌إدريس عربى:

- ‌نوح عربى:

- ‌هود نبى الله كان عربيا:

- ‌صالح عربى:

- ‌إبراهيم أبو العرب المستعربة وإسماعيل:

- ‌بناء الكعبة:

- ‌شعيب ومدين:

- ‌موسى كلف الرسالة فى أرض العرب:

- ‌أرض العرب مأوى الفارين بدينهم:

- ‌النصرانية:

- ‌رجل صالح:

- ‌أصحاب الأخدود:

- ‌اختصاص الجزيرة العربية

- ‌[أسئلة]

- ‌[الجواب]

- ‌أولها:

- ‌الأمر الثانى:

- ‌الأمر الثالث:

- ‌[عناصر تبوئ العرب الصدارة في الدعوة إلى الحق]

- ‌العنصر الأول: قوة فى النفس تقاوم، ولا تستسلم

- ‌العنصر الثانى: صفاء نفسى وقوة مدارك

- ‌العنصر الثالث: الأنفة وألا يطيعوا فى ذلة

- ‌الله أعلم حيث يجعل رسالته

- ‌مكة المكرمة

- ‌أول بناء فى مكة المكرمة وبلوغها هذه المنزلة:

- ‌مكة المكرمة موطن تقديس لأجل الكعبة المشرفة:

- ‌‌‌المكانوالزمان

- ‌المكان

- ‌الزمان:

- ‌البشارات

- ‌ويستفاد من هذا الكلام أمران:

- ‌أولهما:

- ‌ثانيهما:

- ‌محمد فى التوراة:

- ‌محمد فى الإنجيل:

- ‌على فترة من الرسل:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌محمد من أوسط قريش نسبا

- ‌النسب الطاهر

- ‌ قصى

- ‌ عبد المطلب

- ‌[صفات عبد المطلب]

- ‌الأولى- الطيبة والسماحة

- ‌الثانية- أنه كان مباركا

- ‌الثالثة- عزيمته، وإصراره على ما يقوم به من خير

- ‌عبد الله

- ‌الأم

- ‌صفات سامية فى امنة:

- ‌الجنين المبارك

- ‌أصحاب الفيل

- ‌ولد الهدى

- ‌ولادته قبل وفاة أبيه:

- ‌ظواهر تعلن مكانته

- ‌تاريخ مولده:

- ‌إرهاصات النبوة يوم مولده:

- ‌إرضاعه صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌اخبار شق الصدر

- ‌سفر أمه به إلى يثرب:

- ‌موت الطهور امنة:

- ‌فى حضن عبد المطلب

- ‌فى كنف أبى طالب

- ‌إلى العمل

- ‌حماية الله تعالى

- ‌إلى التجارة

- ‌سفره مع عمه

- ‌ارهاص وبشارة بالنبوة:

- ‌محمد التاجر:

- ‌مشاركته فى الأمور الجامعة

- ‌حرب الفجار

- ‌حلف الفضول

- ‌الزواج

- ‌خديجة:

- ‌ارهاصات الرحلة

- ‌الإملاك:

- ‌أغناه الله وواساه

- ‌إعادة بناء الكعبة

- ‌بناء قريش

- ‌الحمس:

- ‌التكامل الإنسانى فى محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌1- وفور عقله

- ‌2- بلاغته

- ‌3- الخلق الكامل

- ‌[أ] الرفق

- ‌[ب] العفو:

- ‌[ج] اخلاقه خارقة للعادة:

- ‌هيبة:

- ‌العفو والتسامح:

- ‌حياؤه:

- ‌جوده عليه الصلاة والسلام:

- ‌الشفقة والرأفة والرحمة:

- ‌صدقه وأمانته وعفته صلى الله عليه وسلم:

- ‌الوفاء ورعاية العهد:

- ‌العابد

- ‌عبادته قبل البعثة:

- ‌عبادته بعد البعثة:

- ‌الزاهد

- ‌زهده قبل البعثة:

- ‌زهده بعد البعثة:

- ‌قوت الزاهد:

- ‌الصابر المصابر

- ‌[أقسام الصبر]

- ‌أولها- الصبر على النوازل

- ‌القسم الثانى: الصبر على الحرمان من الأهواء والشهوات وقمعها

- ‌القسم الثالث: الصبر على ما ينزل من نوازل

- ‌العادل

- ‌ بعد البعثة

- ‌الشجاع

- ‌بعد البعثة

- ‌شجاعة النبى عليه الصلاة والسلام فى ميدان القتال:

- ‌الرجل

- ‌ أمور:

- ‌أولها: جمال تكوينه الجسمانى

- ‌الأمر الثانى- أن قلبه الطاهر كان يشع على وجهه بالنور

- ‌الأمر الثالث- شدة جاذبيته صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌ خاتم النبوة

- ‌تقدمة صفات النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌البشارات بالنبى المنتظر

- ‌ما كان يروج بين العرب من اخبار نبي يرسل

- ‌علم النبوة عند سلمان الفارسى قبل أن يلقاه:

- ‌يهود تخبر عن النبى [صلى الله عليه وسلم] المنتظر:

- ‌أخبار الكهان:

- ‌هل كان محمد عليه الصلاة والسلام يسمع اخبار الأحبار والرهبان والكهان

- ‌البعثة المحمدية

- ‌التجلى الأعظم

- ‌[التزام النبي ص بأمرين قبل أن يبعث]

- ‌أولهما

- ‌الأمر الثانى

- ‌التقى بالروح القدس:

- ‌قلق الزوجة الصالحة:

- ‌إلى ورقة بن نوفل:

- ‌فترة غياب روح القدس:

- ‌مدة الفترة:

- ‌الشهر الذى نزل فيه الوحى:

- ‌أول ما نزل من القران الكريم:

- ‌مراتب الوحى وشكله:

- ‌المرتبة الأولى:

- ‌والمرتبة الثانية

- ‌المرتبة الثالثة:

- ‌المرتبة الرابعة:

- ‌المرتبة الخامسة:

- ‌المرتبة السادسة:

- ‌ المرتبة السابعة

- ‌دعوة الحق

- ‌مراتب الدعوة:

- ‌الأولى النبوة:

- ‌المرتبة الثانية: إنذار العشيرة الأقربين

- ‌والمرتبة الثالثة: إنذار قومه

- ‌المرتبة الرابعة: عبر عنها ابن القيم بقوله

- ‌والمرتبة الخامسة: تبليغ الدعوة إلى غير العرب

- ‌أول من أسلم

- ‌الإسلام فى بيت النبوة:

- ‌إسلام على:

- ‌أول أسرة فى الإسلام:

- ‌النور يشرق من بيت النبوة

- ‌إسلام أبى بكر:

- ‌تتابع المخلصين:

- ‌فرضية الصلاة

- ‌وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين

- ‌بين أبى طالب وأبى لهب:

- ‌فاصدع بما تؤمر

- ‌[أقسام القلوب]

- ‌القسم الأول: القريب إلى الهداية

- ‌القسم الثانى: قوم امتلأت عقولهم بمعلومات سابقة

- ‌والقسم الثالث قسم غلبت عليه الضلالة

- ‌استجابة محمد صلى الله عليه وسلم لأمر ربه

- ‌السابقون السابقون

- ‌الاسلام يخرج إلى القبائل:

- ‌المناوأة

- ‌تلقى الناس للدعوة

- ‌الذين استجابوا لله والرسول

- ‌إسلام حمزة

- ‌اسلام عمر

- ‌بين عهدين

- ‌محاولة كفه عنهم بالاستمالة

- ‌لقاء أهل مكة المكرمة به لاستمالته:

- ‌جدلهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الاستعانة باهل الكتاب

- ‌إسماعهم القران الكريم

- ‌الايذاء والفتنة

- ‌ايذاء الضعفاء:

- ‌بلال رضى الله عنه واخوانه:

- ‌ال ياسر رضى الله عنهم وغيرهم:

- ‌التهديد بالتشنيع:

- ‌مصابرة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم:

- ‌الاذى ينزل بشخص النبى عليه الصلاة والسلام:

- ‌مهابة محمد عليه الصلاة والسلام:

- ‌لماذا لم يرهبهم صلى الله عليه وسلم بهيبته:

- ‌الهجرة إلى الحبشة

- ‌متابعة الأولياء ومتابعة الأعداء:

- ‌خديعة:

- ‌النبي صلي الله عليه وسلم يناضل ويصابر فى مكة المكرمة

- ‌لقاؤهم بأبى طالب:

- ‌المقاطعة

- ‌الأرضة تمنع اسم الله تعالى من مواثيقهم:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم مستمر فى دعوته

- ‌سعى فى نقض الصحيفة

- ‌نقض الصحيفة فعلا

- ‌انطلاق الدعوة الاسلامية:

- ‌عام الحزن

- ‌أبو طالب، وإيمانه

- ‌خديجة رضي الله عنها

- ‌ما كان بعد موت أبى طالب

- ‌حماية الله تعالي

- ‌المهابة مع المحبة

- ‌محمد عليه الصلاة والسلام فى الطائف

- ‌عداس والنبى صلى الله عليه وسلم:

- ‌دعاء، وعفو، وإجارة:

- ‌سماع الجن له:

- ‌فى جوار المطعم بن عدى

- ‌انشقاق القمر

- ‌الإسراء والمعراج

- ‌الإسراء بالجسم:

- ‌المعراج بالروح

- ‌الاسراء والمعراج فى صحاح السنة

- ‌انتشار الاسلام في البلاد العربية

- ‌وفد نصارى نجران:

- ‌عرض الرسول عليه الصلاة والسلام نفسه على القبائل

- ‌جماعات تقبل الواحدانية:

- ‌ما بين الروم والفرس:

- ‌التقاؤه صلى الله عليه وسلم بالأوس والخزرج

- ‌ابتداء الاتصال بأهل يثرب:

- ‌يوم بعاث:

- ‌بدء إسلام الأنصار

- ‌العقبة الأولى أو البيعة الأولى

- ‌مصعب بن عمير:

- ‌أول جمعة أقيمت بالمدينة المنورة:

- ‌العقبة الثانية

- ‌البيعة:

- ‌علم قريش بالبيعة:

- ‌ابتداء الهجرة

- ‌النبى صلى الله عليه وسلم يحرض المؤمنين على الهجرة:

- ‌الإذن للمؤمنين بالهجرة

- ‌هجرة النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌ما اقترن بالهجرة المحمدية:

- ‌تنفيذ المؤامرة:

- ‌اجتمع المشركون فى العتمة:

- ‌النبى صلى الله عليه وسلم مع صاحبه إلي الهجرة وطريقهما:

- ‌فى غار ثور:

- ‌سراقة والسير إلى المدينة المنورة:

- ‌الركب يسير فى طريق وعر:

- ‌أم معبد:

- ‌خوارق أخرى:

- ‌وصول النبى صلى الله عليه وسلم إلى قباء

- ‌دخول المدينة

- ‌خطب لرسول الله صلي الله عليه وسلم

- ‌الخطبة التى رواها ابن جرير:

- ‌بناء مسجده عليه الصلاة والسلام

الفصل: وكأن أبا سفيان بهذا السؤال يشير إلى أنه إن كان

وكأن أبا سفيان بهذا السؤال يشير إلى أنه إن كان تابعا فهو حرب مع النبى عليه الصلاة والسلام ينال ما نال أتباع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وإن كان مجيرا فإنه تحفظ ذمته، لأنه منهم، ولا يفرضون فيه العداوة أو الخصومة.

ومن هذا تعرف رحمة الله تعالى فى أن أبا طالب لم يعلن إسلامه مع حمايته للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، إذ أنه لو أعلن الإسلام لحاربوه مع من اذوا من أتباع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم الذين لم يرعوا فيهم إلا ولا ذمة.

‌انشقاق القمر

294-

قلنا إن الأمور التى كانت بعد الدعاء المحمدى كانت استجابة لهذا الدعاء وإبعادا للوحشة عن قلبه الطاهر، فمجيء ملك الجبال كان لإشعاره عليه الصلاة والسلام بالقوة، وقد شكا ضعف قوته، وسماع الجن للقران الكريم وإيمان بعضهم كان لإيناسه عليه الصلاة والسلام بكثرة الأتباع، ثم كان تسهيل الجوار ليدخل مكة المكرمة ويكمل دعوته، فيه إثبات سعة الحيلة للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، هداه الله تعالى إليها لكى يذهب بقلة حيلته التى شكاها رسول الله عليه الصلاة والسلام.

وكانت من بعد ذلك الايات الحسية، التى كان منها انشقاق القمر، والإسراء والمعراج. لبيان أن الله تعالى لم يتركه ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى «1» .

وقد ذكرنا أن كتاب السيرة لم يذكروا الأخبار مرتبة بترتيب الوقائع، وقد ذكروا انشقاق القمر بعد الإسراء والمعراج، ونحن قد رجحنا كما رجح ابن كثير أن الإسراء كان بعد وفاة أبى طالب وخديجة أم المؤمنين رضى الله عنهما، إذ أنها توفيت قبل أن تفرض الصلوات الخمس والصلوات لم تفرض خمسا إلا فى المعراج.

وقد ذكر بعد المعراج انشقاق القمر، وإن المناسبة تزكى ذلك الترتيب فإن ذلك تقوية للاستدلال على صحة الرسالة، وإن كان القران الكريم هو المعجزة الكبرى التى تحدى بها النبى صلى الله تعالى عليه سلم، وعده عليه الصلاة والسلام المعجزة.

ولندخل من بعد للموضوع، وهو انشقاق القمر. لقد قال الله تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ «2» ، ويقول فى ذلك ابن كثير: «وقد أجمع المسلمون على وقوع ذلك فى زمنه عليه

(1) سورة الضحى: 3.

(2)

سورة القمر: 1.

ص: 409

الصلاة والسلام، وجاءت بذلك الأحاديث المتواترة من طرق متعددة تفيد القطع عند من أحاط بها ونظر فيها، ونحن نذكر من ذلك ما تيسر إن شاء الله تعالى، وبه الثقة وعليه التكلان، ويذكر من بعد ذلك الحافظ الحجة ابن كثير الأخبار الصحاح الواردة فى ذلك.

وقبل أن نختار من هذه الصحاح ما نراه أوضح من غيره دلالة، نقول إن انشقاق القمر ثبت بلفظ الماضى مما يدل على حكاية الواقع، لا ذكر المتوقع، فإن اللفظ القرانى يؤخذ بظاهره ما لم توجد قرينة من حقيقة ثبتت بالإجماع والعلم الضرورى، أو من قضايا العقل المبثوثة التى لا مجال للريب فيها، أما تأويل القران الكريم، وإخراجه عن ظاهره باستبعاد بعض ذوى العقول المأفونة أو المتأثرة بالمألوف بين الناس، وتنكر ما عداه، ولا تعلم أن هناك قوة مغيرة محدثة منشئة هى قدرة الله تعالى وإرادته التى توجب الإيمان بالله تعالى فعالا لما يريد، مختارا فيما يفعل، وأنه واحده خالق كل شيء، خلق الأسباب والمسببات، لا توجب إرادته أسبابا عادية لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ «1» .

وعلى ذلك نقرر أنه وقع فى الماضى فى عصر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، لأن قول الله تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ عبر عن انشقاق القمر بلفظ الماضى الدال على الوقوع فى زمن مضي، وتخريجها على أن الماضى أريد به المضارع، وأنه سينشق، تخريج للفظ بغير ظاهره الذى دل عليه القران الكريم بظاهره، لابد له من مسوغ يوجب ذلك التخريج، ويكون قرينة دالة على أن اللفظ أريد به غير ظاهره.

294-

هذا ما يدل عليه ظاهر القران الكريم، وهو فى ذاته حجة دالة على الوقوع لا يحتاج إلى حجة أخرى تؤيده فهو يؤيد غيره، ولا يستمد التأييد من غيره، ولكن السنة تبين لنا كيف وقع لا أصل الوقوع، فنحن نرجع إلى السنة لبيان شكل الوقوع.

لقد ذكر الحافظ ابن كثير أن الوقوع، أو شكل الوقوع يثبت بعدة طرق عن كثيرين من الصحابة، فروى عن أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وجبير بن مطعم، وحذيفة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس رضى الله تعالى عنهم أجمعين.

روى البخارى ومسلم أن أهل مكة المكرمة سألوا النبى صلى الله تعالى عليه وسلم اية فانشق القمر، فانشق القمر بمكة مرتين، وفى رواية لمسلم عن قتادة عن أنس بن مالك أن أهل مكة المكرمة سألوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن يريهم اية فأراهم القمر شقتين، رواه البخارى، وزادت روايته حتى رأوا حراء بينهما.

وبذلك تفسر كلمة مرتين بأنه صار فرقتين.

(1) سورة الأنبياء: 23.

ص: 410

وروى الإمام أحمد عن جبير بن مطعم قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله تعالي عليه وسلم، فصار فرقتين، فرقة على هذا الجبل، وفرقة على هذا الجبل، فقالوا: سحرنا محمد، وقالوا إن كان سحرنا، فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم.

وروى البخارى عن ابن عباس، قال إن القمر انشق فى زمان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وقد قال البخارى قد مضى ذلك كان قبل الهجرة انشق القمر، حتى رأوا شقيه.

ويقول ابن عباس فيما روى عنه أبو نعيم بسنده: «اجتمع المشركون إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم منهم الوليد بن المغيرة وأبو جهل بن هشام، والعاص بن وائل، والعاص بن هشام

ونظراؤهم فقالوا للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم: إن كنت صادقا فشق لنا القمر فرقتين، نصفا على أبى قبيس، ونصفا على قيقعان، فقال لهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم تؤمنون؟ قالوا نعم، فسأل الله عز وجل أن يعطيه ما سألوا، وكانت ليلة بدر، فأمسى القمر قد شق نصفا على أبى قبيس، ونصفا على قيقعان» .

وهكذا تضافرت الروايات، وهذا بعضها يدل على أن القمر شق، وكان شقين، وكان القمر بدرا، وعينت بعض الروايات أنه كان فى الليلة الرابعة عشرة، وليس لأحد أن يشك في هذه الروايات التى يسند بعضها بعضا، حتى ادعى ابن كثير أن أخبار انشقاق القمر فى عصر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بلغت حد التواتر، وأنه لم يعد ثمة مساغ لمستريب، ولا مجال للتكذيب، وخصوصا أن الأصل ثابت بظاهر القران الكريم الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولكن الذين ينكرون يستغربون ثم يؤولون، إن كان للإيمان بالقران بقية فى قلوبهم.

295-

إن الذين يستغربون، ثم ينكرون، ويؤولون إن كانوا مسلمين يردون أن ذلك لو حصل وهو أمر كونى لكان مرئيا فى كل بقاع العالم. ولم يختص العرب برؤيته، بل تعم ولا تخص، وقد ردد ذلك النصارى من كتاب المشرقيات ونقله عنهم الذين يتعرفون أمور الإسلام من هؤلاء.

ونقول لعلماء الغرب الذين يشككون فى القران الكريم: لقد صدقتم ما هو أشد من ذلك غرابة، فإن الأناجيل التى يصدقونها، ويؤمنون بكل ما فيها يقولون فى ميلاد المسيح عليه السلام أنه علم ميلاده عند المجوس بنجم أعلمهم، وأنهم جاؤا من بلادهم، والنجم يسير أمامهم، حتى علموا مكانه عن طريق النجوم، فهل كان الناس كلهم قد رأوا ذلك، كما تطالبون المسلمين بأن يثبتوا أن الناس جميعا قد رأوا انشقاق القمر، وإلا فهم فى حل من أن يكذبوا القران الكريم: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ، إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً «1» .

(1) سورة الكهف: 5.

ص: 411

ومع ذلك فإننا نقبل الاعتراض، وإن كانوا غير مخلصين، ولا مؤمنين بما يقولون. ونقول فى رده إن العرب المشركين عندما رأوا القمر قد انشق، لم يؤمنوا وقالوا: سحرنا محمد- وحكى الله تعالى عنهم ذلك، فقد قال الله تعالى في واقعة انشقاق القمر: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ. وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا، وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ «1» .

وبعضهم أراد أن يتعرف، وانتهى تعرفه بأن الناس الذين علموا أمره من غير المقيمين قد رأوه منشقا.

فقد روى الإمام أحمد، والشيخان البخارى ومسلم عن ابن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فقالت قريش: هذا سحر ابن أبى كبشة، فقالوا: انظروا ما يأتيكم به السفار، فإن محمدا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم.

وروى البيهقى مثل ذلك عن عبد الله بن مسعود أيضا، فقد قال: انشق القمر بمكة المكرمة حتى صار فرقتين، فقال كفار قريش لأهل مكة المكرمة: هذا سحر سحركم به ابن أبى كبشة، انظروا السفار، إن كانوا رأوا ما رأيتم فقد صدق، وإن كانوا لم يروا مثل ما رأيتم، فهو سحر سحركم به، قال فسئل السفار ومن قدموا من كل وجهة، فقالوا: رأينا.

من هذه الصحاح يتبين أن الرؤية كانت عامة، ولم تكن مختصة بإقليم ولا ببلد، وقد تحرى أهل الفحص والنظر فرأوا أن قد رؤى فى كل الأماكن التى كانت تجاورهم. أو أتى فيهم السفر بخبره، فدل هذا على أن الرؤية كانت عامة، والقران الكريم صادق وأخبار النبى صلى الله تعالى عليه وسلم صادقة من كل الوجوه ولا سبيل لإنكارهم بتوهم متوهم، أو استغراب مستغرب، فأمارات الصدق قائمة بينة، ولا يرد الأمر البين بتوهم واهم، أو استغراب مستغرب، أو إنكار كافر جحود.

وفوق ذلك، فإنه جاءت الأخبار بأن انشقاق القمر قد رؤى فى الهند، قال المؤرخ ابن كثير:

ومع ذلك فقد شوهد ذلك فى كثير من بقاع الأرض. ويقال: إنه أرخ بذلك فى بعض بلاد الهند. وبنى بناء فى تلك الليلة، وأرخ بليلة انشقاق القمر «2» .

(1) سورة القمر: 1، 2.

(2)

البداية والنهاية لابن كثير ج 3 ص 120.

ص: 412