المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌لماذا لم يرهبهم صلى الله عليه وسلم بهيبته: - خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم - جـ ١

[محمد أبو زهرة]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأول

- ‌مقدمة

- ‌محمد رسول الله وخاتم النبيين

- ‌‌‌يا رسول الله:

- ‌يا رسول الله:

- ‌يا رسول الله:

- ‌يا رسول الله يا خير البشر:

- ‌ربى العظيم:

- ‌[تمهيد]

- ‌الاضطراب الفكرى:

- ‌المجوسية:

- ‌المانوية:

- ‌المزدكية:

- ‌البراهمة:

- ‌[طبقات الناس في عقيدة البراهمة في المجتمع الهندي]

- ‌الطبقة الأولي: هى أعلاها وهى طبقة البراهمة

- ‌الطبقة الثانية: طبقة الجند

- ‌الطبقة الثالثة: طبقة الزراع والتجار

- ‌الطبقة الرابعة:

- ‌هل للبرهمية أصل سماوى:

- ‌[الأدلة على سماوية الأصل البرهمي]

- ‌أولهما:

- ‌ثانيهما:

- ‌أولها:

- ‌الأمر الثانى:

- ‌ كتبهم

- ‌الأمر الثالث:

- ‌البوذية:

- ‌[مبادىء بوذا الخلقية]

- ‌[أقسام البوذيين]

- ‌(أحدهما) البوذيون الذين أخذوا أنفسهم بالتعاليم السابقة

- ‌(ثانيهما) البوذيون المدنيون، وأولئك لم يطبقوا المنهاج الشاق

- ‌الكونفوشيوسية:

- ‌عقيدة الصين القديمة:

- ‌وثنية اليونان والرومان:

- ‌مزج الفلسفة بالدين:

- ‌التثليث فى الفلسفة:

- ‌ويلاحظ أمران:

- ‌أولهما- أنه التقت الأفلاطونية الحديثة مع الدين

- ‌الأمر الثانى- أن شيخ هذه المدرسة هو أمنيوس المتوفى سنة 242 ميلادية

- ‌وبذلك نقول مقررين أمرين:

- ‌أولهما

- ‌ثانيهما

- ‌العرب

- ‌دخول الوثنية أرض العرب:

- ‌لم ينسوا الله فى وثنيتهم:

- ‌القلوب فارغة من إيمان:

- ‌أرض النبوة الأولي

- ‌إدريس عربى:

- ‌نوح عربى:

- ‌هود نبى الله كان عربيا:

- ‌صالح عربى:

- ‌إبراهيم أبو العرب المستعربة وإسماعيل:

- ‌بناء الكعبة:

- ‌شعيب ومدين:

- ‌موسى كلف الرسالة فى أرض العرب:

- ‌أرض العرب مأوى الفارين بدينهم:

- ‌النصرانية:

- ‌رجل صالح:

- ‌أصحاب الأخدود:

- ‌اختصاص الجزيرة العربية

- ‌[أسئلة]

- ‌[الجواب]

- ‌أولها:

- ‌الأمر الثانى:

- ‌الأمر الثالث:

- ‌[عناصر تبوئ العرب الصدارة في الدعوة إلى الحق]

- ‌العنصر الأول: قوة فى النفس تقاوم، ولا تستسلم

- ‌العنصر الثانى: صفاء نفسى وقوة مدارك

- ‌العنصر الثالث: الأنفة وألا يطيعوا فى ذلة

- ‌الله أعلم حيث يجعل رسالته

- ‌مكة المكرمة

- ‌أول بناء فى مكة المكرمة وبلوغها هذه المنزلة:

- ‌مكة المكرمة موطن تقديس لأجل الكعبة المشرفة:

- ‌‌‌المكانوالزمان

- ‌المكان

- ‌الزمان:

- ‌البشارات

- ‌ويستفاد من هذا الكلام أمران:

- ‌أولهما:

- ‌ثانيهما:

- ‌محمد فى التوراة:

- ‌محمد فى الإنجيل:

- ‌على فترة من الرسل:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌محمد من أوسط قريش نسبا

- ‌النسب الطاهر

- ‌ قصى

- ‌ عبد المطلب

- ‌[صفات عبد المطلب]

- ‌الأولى- الطيبة والسماحة

- ‌الثانية- أنه كان مباركا

- ‌الثالثة- عزيمته، وإصراره على ما يقوم به من خير

- ‌عبد الله

- ‌الأم

- ‌صفات سامية فى امنة:

- ‌الجنين المبارك

- ‌أصحاب الفيل

- ‌ولد الهدى

- ‌ولادته قبل وفاة أبيه:

- ‌ظواهر تعلن مكانته

- ‌تاريخ مولده:

- ‌إرهاصات النبوة يوم مولده:

- ‌إرضاعه صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌اخبار شق الصدر

- ‌سفر أمه به إلى يثرب:

- ‌موت الطهور امنة:

- ‌فى حضن عبد المطلب

- ‌فى كنف أبى طالب

- ‌إلى العمل

- ‌حماية الله تعالى

- ‌إلى التجارة

- ‌سفره مع عمه

- ‌ارهاص وبشارة بالنبوة:

- ‌محمد التاجر:

- ‌مشاركته فى الأمور الجامعة

- ‌حرب الفجار

- ‌حلف الفضول

- ‌الزواج

- ‌خديجة:

- ‌ارهاصات الرحلة

- ‌الإملاك:

- ‌أغناه الله وواساه

- ‌إعادة بناء الكعبة

- ‌بناء قريش

- ‌الحمس:

- ‌التكامل الإنسانى فى محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌1- وفور عقله

- ‌2- بلاغته

- ‌3- الخلق الكامل

- ‌[أ] الرفق

- ‌[ب] العفو:

- ‌[ج] اخلاقه خارقة للعادة:

- ‌هيبة:

- ‌العفو والتسامح:

- ‌حياؤه:

- ‌جوده عليه الصلاة والسلام:

- ‌الشفقة والرأفة والرحمة:

- ‌صدقه وأمانته وعفته صلى الله عليه وسلم:

- ‌الوفاء ورعاية العهد:

- ‌العابد

- ‌عبادته قبل البعثة:

- ‌عبادته بعد البعثة:

- ‌الزاهد

- ‌زهده قبل البعثة:

- ‌زهده بعد البعثة:

- ‌قوت الزاهد:

- ‌الصابر المصابر

- ‌[أقسام الصبر]

- ‌أولها- الصبر على النوازل

- ‌القسم الثانى: الصبر على الحرمان من الأهواء والشهوات وقمعها

- ‌القسم الثالث: الصبر على ما ينزل من نوازل

- ‌العادل

- ‌ بعد البعثة

- ‌الشجاع

- ‌بعد البعثة

- ‌شجاعة النبى عليه الصلاة والسلام فى ميدان القتال:

- ‌الرجل

- ‌ أمور:

- ‌أولها: جمال تكوينه الجسمانى

- ‌الأمر الثانى- أن قلبه الطاهر كان يشع على وجهه بالنور

- ‌الأمر الثالث- شدة جاذبيته صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌ خاتم النبوة

- ‌تقدمة صفات النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌البشارات بالنبى المنتظر

- ‌ما كان يروج بين العرب من اخبار نبي يرسل

- ‌علم النبوة عند سلمان الفارسى قبل أن يلقاه:

- ‌يهود تخبر عن النبى [صلى الله عليه وسلم] المنتظر:

- ‌أخبار الكهان:

- ‌هل كان محمد عليه الصلاة والسلام يسمع اخبار الأحبار والرهبان والكهان

- ‌البعثة المحمدية

- ‌التجلى الأعظم

- ‌[التزام النبي ص بأمرين قبل أن يبعث]

- ‌أولهما

- ‌الأمر الثانى

- ‌التقى بالروح القدس:

- ‌قلق الزوجة الصالحة:

- ‌إلى ورقة بن نوفل:

- ‌فترة غياب روح القدس:

- ‌مدة الفترة:

- ‌الشهر الذى نزل فيه الوحى:

- ‌أول ما نزل من القران الكريم:

- ‌مراتب الوحى وشكله:

- ‌المرتبة الأولى:

- ‌والمرتبة الثانية

- ‌المرتبة الثالثة:

- ‌المرتبة الرابعة:

- ‌المرتبة الخامسة:

- ‌المرتبة السادسة:

- ‌ المرتبة السابعة

- ‌دعوة الحق

- ‌مراتب الدعوة:

- ‌الأولى النبوة:

- ‌المرتبة الثانية: إنذار العشيرة الأقربين

- ‌والمرتبة الثالثة: إنذار قومه

- ‌المرتبة الرابعة: عبر عنها ابن القيم بقوله

- ‌والمرتبة الخامسة: تبليغ الدعوة إلى غير العرب

- ‌أول من أسلم

- ‌الإسلام فى بيت النبوة:

- ‌إسلام على:

- ‌أول أسرة فى الإسلام:

- ‌النور يشرق من بيت النبوة

- ‌إسلام أبى بكر:

- ‌تتابع المخلصين:

- ‌فرضية الصلاة

- ‌وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين

- ‌بين أبى طالب وأبى لهب:

- ‌فاصدع بما تؤمر

- ‌[أقسام القلوب]

- ‌القسم الأول: القريب إلى الهداية

- ‌القسم الثانى: قوم امتلأت عقولهم بمعلومات سابقة

- ‌والقسم الثالث قسم غلبت عليه الضلالة

- ‌استجابة محمد صلى الله عليه وسلم لأمر ربه

- ‌السابقون السابقون

- ‌الاسلام يخرج إلى القبائل:

- ‌المناوأة

- ‌تلقى الناس للدعوة

- ‌الذين استجابوا لله والرسول

- ‌إسلام حمزة

- ‌اسلام عمر

- ‌بين عهدين

- ‌محاولة كفه عنهم بالاستمالة

- ‌لقاء أهل مكة المكرمة به لاستمالته:

- ‌جدلهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الاستعانة باهل الكتاب

- ‌إسماعهم القران الكريم

- ‌الايذاء والفتنة

- ‌ايذاء الضعفاء:

- ‌بلال رضى الله عنه واخوانه:

- ‌ال ياسر رضى الله عنهم وغيرهم:

- ‌التهديد بالتشنيع:

- ‌مصابرة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم:

- ‌الاذى ينزل بشخص النبى عليه الصلاة والسلام:

- ‌مهابة محمد عليه الصلاة والسلام:

- ‌لماذا لم يرهبهم صلى الله عليه وسلم بهيبته:

- ‌الهجرة إلى الحبشة

- ‌متابعة الأولياء ومتابعة الأعداء:

- ‌خديعة:

- ‌النبي صلي الله عليه وسلم يناضل ويصابر فى مكة المكرمة

- ‌لقاؤهم بأبى طالب:

- ‌المقاطعة

- ‌الأرضة تمنع اسم الله تعالى من مواثيقهم:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم مستمر فى دعوته

- ‌سعى فى نقض الصحيفة

- ‌نقض الصحيفة فعلا

- ‌انطلاق الدعوة الاسلامية:

- ‌عام الحزن

- ‌أبو طالب، وإيمانه

- ‌خديجة رضي الله عنها

- ‌ما كان بعد موت أبى طالب

- ‌حماية الله تعالي

- ‌المهابة مع المحبة

- ‌محمد عليه الصلاة والسلام فى الطائف

- ‌عداس والنبى صلى الله عليه وسلم:

- ‌دعاء، وعفو، وإجارة:

- ‌سماع الجن له:

- ‌فى جوار المطعم بن عدى

- ‌انشقاق القمر

- ‌الإسراء والمعراج

- ‌الإسراء بالجسم:

- ‌المعراج بالروح

- ‌الاسراء والمعراج فى صحاح السنة

- ‌انتشار الاسلام في البلاد العربية

- ‌وفد نصارى نجران:

- ‌عرض الرسول عليه الصلاة والسلام نفسه على القبائل

- ‌جماعات تقبل الواحدانية:

- ‌ما بين الروم والفرس:

- ‌التقاؤه صلى الله عليه وسلم بالأوس والخزرج

- ‌ابتداء الاتصال بأهل يثرب:

- ‌يوم بعاث:

- ‌بدء إسلام الأنصار

- ‌العقبة الأولى أو البيعة الأولى

- ‌مصعب بن عمير:

- ‌أول جمعة أقيمت بالمدينة المنورة:

- ‌العقبة الثانية

- ‌البيعة:

- ‌علم قريش بالبيعة:

- ‌ابتداء الهجرة

- ‌النبى صلى الله عليه وسلم يحرض المؤمنين على الهجرة:

- ‌الإذن للمؤمنين بالهجرة

- ‌هجرة النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌ما اقترن بالهجرة المحمدية:

- ‌تنفيذ المؤامرة:

- ‌اجتمع المشركون فى العتمة:

- ‌النبى صلى الله عليه وسلم مع صاحبه إلي الهجرة وطريقهما:

- ‌فى غار ثور:

- ‌سراقة والسير إلى المدينة المنورة:

- ‌الركب يسير فى طريق وعر:

- ‌أم معبد:

- ‌خوارق أخرى:

- ‌وصول النبى صلى الله عليه وسلم إلى قباء

- ‌دخول المدينة

- ‌خطب لرسول الله صلي الله عليه وسلم

- ‌الخطبة التى رواها ابن جرير:

- ‌بناء مسجده عليه الصلاة والسلام

الفصل: ‌لماذا لم يرهبهم صلى الله عليه وسلم بهيبته:

خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حتى جاء إلى دار أبى جهل، فطرق الباب طرقة من اعتزم أن يملى إرادته على هذا الطاغوت الفاجر.

قال: من هذا؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم ، فاخرج.

خرج إليه وما فى وجهه قطرة دم، وقد امتقع لونه.

قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم بعزمة مرهبة لمثل أبى جهل: أعط هذا الرجل حقه.

قال الطاغوت المتخاذل: لا تبرح حتى أعطيه الذى له، فدخل فخرج إليه بحقه، فدفعه إليه.

انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أحق الله الحق، بهيبة محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقال للأراشى: الحق لشأنك. وأقبل الأراشى على المجلس الذى وقف يدعو ناديه لينصروه، فقال عن النبى عليه الصلاة والسلام: جزاه الله خيرا فقد أخذت الذى لى.

وقال الرجل الذى أرسلوه مراقبا للواقعة: «رأيت عجبا، والله ما هو إلا أن ضرب عليه بابه فخرج وما معه روحه» .

جاء أبو جهل فقالوا له: «ويلك مالك، فو الله ما رأينا مثل ما صنعت؟ فقال: ويحكم، والله ما إن طرق على بابى، وسمعت صوته، فملئت رعبا، ثم خرجت إليه، وإن فوق رأسه لفحلا من الإبل ما رأيت مثل هامته، ولا قصرته وأنيابه لفحل قط، فو الله لو أبيت لأكلنى» .

‌لماذا لم يرهبهم صلى الله عليه وسلم بهيبته:

258-

لقد كان المشركون يريدون بأذاهم المؤمنين، ويختصون من لهم حلم ومروءة، ولا عنف فيهم، ولا يتوقعون مقاومة كأبى بكر وعثمان وجعفر بن أبى طالب، وعلى رأس هؤلاء محمد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وينالون الضعفاء الذين لا حول لهم ولا قوة يقاومون بها.

ولكن لم يعرف أنهم نالوا من عنده قوة بطش، ويذيقهم الكأس أكؤسا، فلم يعرف أنهم نالوا بالأذى حمزة بن عبد المطلب، لأنهم يتوقعون منه المقاومة، ولا يأمنون مغبتها، فقد علم ذلك أبو جهل اللئيم بموضعها من رأسه، ولم ينالوا بالأذى عمر بن الخطاب الذى شوه وجوههم، وأرغم معاطسهم، وطاح بهم مجتمعين، ولم ينالوه بالأذى لذلك، فقد كانوا يخافونه ويرهبونه.

وما كان محمد عليه الصلاة والسلام، دون عمر مهابة، بل أعلى من ذلك كثيرا، ولا دون حمزة قوة نفس، ولا قوة بدن ولكنهم نالوا منه، فلماذا لم يستخدم مهابته وقوة نفسه وشخصه، مثل ما أجازه

ص: 358

لعمر وعمه حمزة، إذن لارعوى مثل أبى جهل فى نذلته، ولكنه لم يفعل، وتحمل الأذى فى سبيل الدعوة ولم يرهب ولم يفرغ، بل رضى بالبلاء ينزل به وبأصحابه الضعفاء.

وإن ذلك هو عمل النبوة، إنه عليه الصلاة والسلام ما جاء مسيطرا، ولكن جاء مبلغا، وما جاء متحكما، ولكن جاء داعيا مقنعا، فلو استخدم هيبته وأظهر الرهبة لتبعه الناس خائفين غير مقتنعين بذات الحجة، ولبدا النفاق فى الذين يجيبون دعوته، وليس الدين بقائم على المنافقين غير المؤمنين.

إن الرسول الأمين يريد مؤمنين يدخلون فى الإسلام رغبا لا رهبا، ولا يكون عن خوف أيا كانت صورة الخوف. إن الإسلام الذى جاء به محمد صلى الله تعالى عليه وسلم جاء ليحمله الذين شاهدوا وعاينوا إلى الأخلاف من بعده، لأنه دين الخليقة كلها لا دين جيل من أجيالها، فلابد أن يحمله مؤمنون لا مجرد تابعين. ولا يكون ذلك إلا إذا كان الإيمان القوى الذى يصبر صاحبه ويصابر فى حضرة النبى عليه الصلاة والسلام، وينزل به البلاء فى حضرته فيحس عليه الصلاة والسلام بقوة احتمالهم، ليطمئن من بعده بقوة التبليغ بالرسالة فى مشارق الأرض ومغاربها.

إن الذين يدخلون فى الإسلام بهيبة النبى عليه الصلاة والسلام سرعان ما يتركونه إذا غاب عنهم، واعتبر ذلك بحال المؤمنين فى المدينة فإنه لم يكن فيهم نفاق، حتى صار لأهل الايمان قوة يسيطرون بها، فكان النفاق، والذين دخلوا فى الإسلام تابعين غير مؤمنين إيمان الصابرين المصابرين.

وكان من المسلمين بالاتباع بالإيمان المجاهد الصابر، وكان منهم الأعراب الذين ساروا مع القوى، وقال فيهم الله تعالي: الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً، وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ «1» وهم الذين ارتدوا بعد موت محمد صلى الله عليه وسلم، إن الله تعالى أمر رسوله بالدعوة بالحكمة، فقال تعالي: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ «2» وإن ذلك يقتضى أن يكون موطأ الكنف وديعا فى دعوته متطامنا لمن يخاطبهم، ليس فظا ولا غليظ القلب، ولا مرهبا ولا مفزعا.

وإن تطامن النبى عليه الصلاة والسلام كما جرأ عليه الأقوياء الذين يؤذون الحق إذا بدا وضحه المبين، قد قرب إليه الضعفاء وبهم كانت الدعوة الأولى وقوة الحق من غير سيطرة ولا تحكم.

وإن تطامن النبى عليه الصلاة والسلام والاعتداء عليه قرب بعض الأقوياء ولم يبعدهم. ألم تر أن كثيرين كانوا يسلمون لأنهم يرون أن محمدا عليه الصلاة والسلام بماضيه الكريم، وحاضره العظيم

(1) سورة التوبة: 97.

(2)

سورة النحل: 125.

ص: 359